12

1222 Words
فعل الصخب الطفولي الذي جرى في الزقاق فعله في ذلك اليوم نفسه  .  . لقد أخرج ( سمير ) الصغير ابن ( سارا ) إلى باب الحوش  ، ولو لم تأت أمه المتعبة بعد قليل وتدخله إلى الداخل  ، لربما كان سرعان ما أعاد مصادقة ابن ( شريفة ) لكي يتمكن من امتطاء دراجته  . سحبت ( سارا ) الطفل من ذراعه بعنف إلى الداخل  ، وأغلقت الباب  . أما الطفل فقد دخل إلى البيت مرغماً  ، وعيناه إلى الخلف  ، وعقله عند الدراجة  . ألم تكن هذه الدراجة دراجة ( زينيل ) ؟ لماذا أعطيت لأولئك ؟ هل أعطيت لهم بشكل دائم ؟ أم اشتروها جديدة ؟ آل ( شريفة ) قوم فقراء  ، كيف يشترون دراجة عملاقة مثل دراجة ( زينيل ) بزرد وكشافات وزمور ؟ أبوه أيضاً سيشتري له واحدة ولكن عندما يرحلون إلى المدينة البعيدة  ، البعيدة جداً ! فلا يتباهى ( علي ) هكذا  . أبوه سيشتري له دراجة زرقاء مثل هذه الدراجة تماماً  . الزرقاء أجمل من الحمراء  ، طبعاً أجمل  ، وإن لم يصدِّق ( علي ) فليسأل أمه  . تحدث أبوه وأمه كثيرا وحتى ساعة متأخرة من تلك الليلة عن كيفية الخروج من البلدة  ، أما هو فلم يهتم لحديثهما  ، إذ كانت الدراجة التي أحضرتها شريفة لعلي تشغله وتهمه  ، هل هي دراجة ( زينيل ) ؟ إذا كانت كذلك فلماذا أعطيت لهم ؟ وإذا لم تكن كذلك فمن أين وكيف اشتروها ؟ سمع الحديث كله عن كيفية هروب ( أبيه ) من هنا  ، وأين وكيف سينتظرهما  ، سمع لكنه لم يفهم  ، المهم لديه الدراجة  ، دراجة ( زينيل ) الحمراء  . لماذا جاءت لهؤلاء بالذات ؟ كان والداه مستمرين في الكلام : - " بعد منتصف الليل  ، أي عندما تنام البلدة  ، وتخلو دور السينما من روَّادها  ، أرفع أخشاب العلية  . " نظرت ( سارا ) إلى الرجل بانفعال : " أخشاب العلية ؟ " ضحك ( حبيب ) : " طبعاً  . " - " متى فككتها ؟ " - " في الحقيقة أنا لم أفكَّها  ، الأخشاب مهترئة متآكلة  ، أنا نزعت المسامير فقط  .  .  . " - " لماذا ؟ " - " هل هناك لماذا ؟ لكي أستطيع الإفلات عند أية مداهمة مفاجئة ! " - " حسنا  ، ولماذا لم تخبرني بهذا أبداً ؟ " قال ( حبيب ) بعد أن شمَّ بغرور علبة السجائر التي في يده : - " لا يصح أن يثرثر ذوو الخصوم والأعداء  . " - " أي أنك شككت بي  ، ولم تثق بي أليس كذلك ؟ " - " لو كان الأمر كذلك لما أخبرتك الآن  . " - " حسناً  ، وماذا بعد ؟ " - " أرفع أخشاب العلية  ، وأهبط إلى الزقاق كالخيال  .  .معي ؟ " - " معك  . " - " أنتظركم  ، هناك دغلة كبيرة على طريق الجبل  ، هل تذكرينها ؟ " - " أذكرها  ، قبل الوصول إلى المفارق الأربعة  . " - " تماماً  ، أنتظركم هناك  ، من سيهتم بأمري ؟ " - " خاصة  ، وأن تلك المسألة قد أُغلقت  ، فقد أعلموا الجهات العليا بتفتيش البيوت  ، وعدم العثور على الهارب المطلوب  .  .  . وبحسب قول المساعد الأول فقد انتشر عناصر البحث والتحري في القرى السفلية  ، وسوف يبحثون هناك ! " - " ليبحثوا  ، ولكن  .  .  . " نظرت المرأة في شك : - " ماذا ؟ " - " لا شيء  . " أصرَّت : - " بل ماذا ؟ " - " إنك تزعجينني ! " - " لماذا ؟ " - " المساعد الأول  ، المساعد الأول  .  .  . " أدركت المرأة أنه لو لم يحبها لما غار عليها  ، فقالت : - " الدنيا كلها في كفة  ، وأنت في كفة ! اجعلها كالحلقة في أذنيك : ليس لي رجل آخر سواك في هذه الدنيا  . هل تفهم ؟ " بالرغم من ذلك قال ( حبيب ) في شيء من المرح : - " حقا ؟ " - " أقسم بالله  . " - " بالله ؟ " - " بالله  ، تا لله  ، هل اقتنعت ؟ ألست مسلماً يا هذا ؟ " - " اقتنعت  ، إني مسلم  ، وموحّد بالله  .  .  . " - " حقا ؟ " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . " سمع ( سمير ) هذا كله لكنه لم يفهمه  . أو بالأصح فهمه بشكل ما : فأبوه سوف يرفع أخشاب العلية عند منتصف إحدى الليالي  ، وسوف يقفز بهدوء من طرف العلية إلى الزقاق الخلفي  ، وليس من باب الحوش  ، وسوف ينتظرهم خلف دغلة في مكان بعيد في الجبل  ، ثم سوف يستقلُّون ما يتيسر لهم  ، سواء سيارة صغيرة أو عربة  ، ويرحلون إلى المدينة البعيدة  ، فقدت حتى الدراجة الزرقاء التي ستشترى له في المدينة البعيدة أهميتها  . المهم الآن دراجة ( زينيل ) الحمراء ذات الثلاث عجلات التي جاءت لآل ( شريفة ) ! لماذا جاءت ؟ هل أعطاهم إياها ( أنور ) الأعرج ؟ لماذا أعطاهم إياها ؟ هل أعارهم إياها ؟ ألن يستعيدها ؟ لم يهضم حصول ( علي ) قبله على دراجة بثلاث عجلات : - " أنا أيضاً ستكون لدي واحدة  ، وزرقاء  ، طبعاً زرقاء  ، الزرقاء أجمل من الحمراء  ، إذا أعطاهم إياها عمي ( أنور ) الأعرج فهي قديمة  ، أبي سيشتري لي واحدة جديدة !  .  .  . " تجسَّد في ذهنه ( علي ) ابن ( شريفة )  ، وكأنه يعترض عليه : - " سيشتري ! " رد : - " طبعاً سيشتري  ، ولم لا يشتري ؟ " رد عليه بوقاحة : - " لأنه ليس لد*ك أب ! " أجابه بظفر : - " أنت تظن ذلك ! " سأله الآخر بعناد : - " هل لد*ك أب ؟ " ورد ذلك في عناد أشد : - " أجل لدي ! " صاح فيه : - " كاذب  .  .  . " وصاح هو : - " أنت أنت الكاذب ! " عقد الآخر حاجبيه وقال : - " طالما لد*ك أب  ، فأين هو ؟ لماذا لا يخرج إلى الزقاق مثل كبقية الآباء ؟ " لو لم تنتبه إليه أمه في الوقت المناسب وتهزه من كتفه في تلك اللحظة  ، لربما صرَّح بمكان وجود أبيه  . - " فيما تفكر ؟ " قال كمن أحس بالذنب : - " لا شيء  . "  ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ - " كيف لا شيء ؟ " رد : - " هكذا  . " ماذا لو قال أي شيء ؟ إنه يعرف أمه التي تعرف ولعه المجنون بالدَّراجّة ذات الثلاث عجلات  .  . قد تصطحبه معها غداً خشية من أن يخرج إلى الشارع  ، مع أنه يجب أن يظل غداً في البيت  ، ويجب أن يعرف من أين حصل آل ( شريفة ) على تلك الدراجة وكيف ولماذا  ، وهل حصلوا عليها بشكل دائم  ، أم اقترضوها لبضعة أيام ؟ يجب أن يعرف ذلك كله  ، لأنهم يجب أن يعلموا بأنه ستكون لديه هو أيضاً في القريب  ، وفي القريب العاجل جداً دراجة ذات ثلاث عجلات مثل هذه تماماً  ، إنما زرقاء اللون ! أجل ستكون لديه دراجة  ، ويجب أن يعرف علي ذاك هذا  . يجب أن يعرف هذا ولا يغتر  . ثم أنهم  .  .  . سوف يرحلون من هنا إلى البعيد غداً أو بعد غد  .  .
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD