استيقظت شمس ورأسها يؤلمها يبدو انها غفت البارحة فوق قدم ريم الشمس كانت تزعج عينيها الجافتان .. وسمعت صوت يص*ر عن المطبخ .. تحركت تترك مكانها وتفرك عنقها .. ثم شعرت بوخز في يديها .. فتأملت كفيها ثم قبضتهما .. انها تشعر بهما الان .. حمد لله ..
" صباح الخير "
وجه ريم كان جنون اخر .. عينان حمراوتان .. وملامح شاحبة حزينة ..
" متى وصلت ؟! "
" انا لم ارحل .. لم استطيع تركك "
قطبت حاجبيها وفركت وجهها ثم سألتها وهي تبعد شعرها عن وجهها
" ماذا عن والد*ك ؟! "
ادارت جسدها وعادت للمطبخ تقول بصوت مسموع
" انهما يعلمان اني معك .. يبدو ان للمرة الاولى .. كان وجودي هنا اهم من خوفهما الدائم علي "
تركت مكانها وتوجهت تغسل وجهها .. نظرت للمرآة لترى ملامحها متشددة .. ظنت انها سترى وجه حزين .. لكن ما رأته هو عيون تشتعل .. ووجه يضخ بدماء في وجنتيها .. شعرها كان فوضويا كعادته .. وقبضت يديها حول المغسلة .. لما تشعر بان لديها قوة لتحطيم اي شيء .. بينما داخلها اضعف من ان تخرج ذلك الغضب ..
" حضرت الشاي .. اتريدين بعضه ؟! "
التفت نحو ريم التي قطبت وهمست
" انت بخير ؟! "
" علي الذهاب للمشفى .. سأذهب أولا" لأغير ملابسي .. "
" حسنا حبيبتي .. اذا لاذهب معك "
اوقفتها شمس وقالت بصوت جاد بينما تعبر لتلتقط مفاتيح سيارتها وهاتفها
" لا .. عودي لمنزلك .. مؤكد والداك قلقان .. "
" شمس "
اقتربت تلمس ساعدها وصوتها الحزين عبر اعماق ص*رها .. امتدت يدها لتلامس كف صديقتها القابض على ساعدها وهمست
" انا بخير .. ريم .. افعلي فقط ما قلته لك .. اراك لاحقا "
غادرت المكان ثم دخلت سيارتها وانطلقت للمنزل .. ليس لديها وقت للنواح الان .. ستفعل لاحقا .. في عتمة غرفتها .. دون اي رقيب .. فوق سريرها ..
*******
جهاز ض*بات القلب .. وجهاز التنفس كانا يص*ران صوتان أثرا في اعصابها .. يوم فقط للعملية .. واهتزاز أصابعها حول الهاتف بيدها .. كم تتمنى ان يسمحوا لها بالدخول اليها .. للمسها .. تقبيلها .. او حتى لمس يدها .. تحتاج لتواصل جسدي حتى تأمن ان كل شيء سيكون بخير .. وقربت اكثر رأسها تسنده للزجاج هامسة
" كوني بخير .. ارجوك كوني بخير .. لا تتركيني انت ايضا "
توقفت انفاسها .. وبدأ قلبها يضخ الدم بتدفق معا** .. ثم اخذت تعد .. خطوة .. اثنان .. ثلاثة .. رائحة عطره .. صوت انفاسه .. صوته
" كيف حالها ؟! "
لم تتحرك .. لم تجيب .. ابقت رأسها ونظرها هناك .. ولدقائق كانت فقط تفكر .. بما تشعر .. اغمضت عيناها تحجب رؤيتها لذلك الجسد الذي يحتل السرير الابيض .. ويده لمست يدها فابعدتها بسرعة تسأل
" كيف عرفت ؟! "
" والدتي .. انظري الي "
هزت رأسها برفض وابقت عيناها مغمضة ثم همست بعذاب
" اخاف ان انا فعلت .. تسرب خيالك مني .. اخاف ان نظرت اليك .. لم اجد اميري .. لذا ابقنا هكذا ارجوك .. انت بوجودك وصوتك .. وانا بأملي انك يوما ما ستكون حقا هنا "
اصابعه لامست شعرها المنسدل .. فرف بجفونها تمنع نفسها من رمي جسدها عليه .. وقبضت يدها الحرة تغرز اظافرها هناك ..
" ستكون بخير "
" اتمنى "
هل حقا اصبح الوضع هكذا ؟! .. والم حاد اخترق ص*رها .. كغريبين حبيبي .. لا انا اجرأ على الخطو نحوك .. ولا انت تفعل .. وابتلعت ل**بها بصعوبة .. ثم اسدلت رأسها وابعدت بيدها خصل شعرها تضعها خلف اذنها .. نصف ساعة .. الامر نفسه .. يده فقط كان اتصالهما .. انفاسه .. وجوده .. واغمضت عيناها تشعر ببعض الراحة تتسرب اليها .. حمقاء انت .. صرخ داخلها .. ايمكن للمسة فقط ان تجعل كل شيء افضل ...
" اخبرني عمرو انهم سيجرون الجراحة غدا "
" نعم .. غدا .. غدا .. "
وعضت شفتها وامرت نفسها لا تبكي .. رباه امي كوني بخير .. ودعت ب**ت ان تنجو .. فان لم تفعل كيف تنجو هي نفسها ..
" عند وفاة ابي .. وقفت لساعات انظر للخارج .. من واجهة غرفة الجلوس .. رغم كل المعزين وضجتهم .. انا كنت املك ايمانا مطلق .. بانه عائد .. يوم .. وعشرة .. وشهر .. والان .. يعاودني الاحساس نفسه .. اتظنها ستفعل بي المثل ؟! "
غصة بكاء علقت في حلقها فسكتت ثم اخذت نفس قاس تحاول تمالك نفسها .. وشعرت به يقترب اكثر .. ثم احاط جسدها من الخلف والتفت يديه حولها .. اقترب فمه من اذنها وهمس بثقة
" كل شيء سيكون بخير .. اعدك .. "
اغمضت عيناها وتركت نفسها له .. مهما كان ما حصل خارج هذا المكان .. فلا يهم الان .. ما يهم هو ان التنفس اصبح ممكنا بوجوده .. وان الهدوء استعمر جسدها ولو لهذه اللحظة فقط ..
" كل شيء سيكون بخير "
********
تأملت باب غرفة العمليات ثم عادت لتنظر نحو عمرو الذي كان يجلس مقابل لها .. بلباس الاطباء الابيض وسماعة القلب قالت بصوت منخفض
" هل سيطول الامر ؟! "
" كوني صبورة .. لا تخافي ستكون بخير "
ودعت ربها ان ينجي والدتها .. اسندت بعدها رأسها للخلف وترقرقت الدموع تحت جفونها .. فزفرت تمنع نفسها من البكاء وابتلعت مرارة حلقها ..
" غريب اليس كذلك ؟! .. ان اتمنى لو كان الامر منع** .. ومع هذا يصرخ داخلي .. ان والدتي لا تستحق ان تكون مكاني .. فهي لن تتحمل فقدان ابنتها ايضا .. لذا .. يحتار داخلي اي اختيار علي ان اختاره .. ان اكون هنا .. او في الداخل مكانها "
عمرو ترك مكانه واقترب يجلس بجانبها ثم احتلت يده كتفيها ولامس كفيها يواسيها .. لم يجب .. فاي احد لن يملك هكذا اجابة .. وعادت لتدعو ب**ت .. هذا هو الحل الوحيد .. وحده الله .. من يعلم مصير كلتاهما ...
" شمس .. عمرو "
صوت ريم اقترب وانحنت تحتضنها فأخلى عمرو مكانه لتجلس هناك وتحتضن جسدها بأخوة حقيقية .. قلبها هتف دون ان ترفع رأسها .. فعطره احتل انفاسها .. ووجوده ملأ المكان من حولها .. انخفض بجانبها ثم امسك يديها وقال بصوت منخفض
" كيف حالك ؟! "
اخيرا توحدت نظراتهما .. رأت ما كانت دائما تتخيله .. نظرات الحنان والتأثر .. كم كبير من الحب .. وعضت شفتها تهز رأسها ثم سال خط من الدموع فوق وجنتها ..
" هش .. لا تبكي .. ستكون بخير "
وامتد كفه نحو وجهها يمسح بأبهامه دموعها اهتز فمها فزمته تمنع نفسها من الانهيار قلقا .. ولكن شيء داخلها كان قد هدأ لانه هنا ..
" نحن هنا معك حبيبتي .. لا تخافي .. ادعي لاجلها فقط "
ذراعا ريم كانت كبلسم فوق جروحها .. ونظرت نحو الثلاثي حولها .. وهتف قلبها .. هذه هي عائلتي ..
" دكتور عمرو مطلوب لغرفة العمليات رقم ستة "
وتكرر النداء لثلاث مرات .. وجدته يغادر مكانه حيث يجلس هو وامير منذ ساعة ويتجه نحوها .. انحنى وقال بصوت جاد
" سأرى الامر واعود .. لا تخافي حسنا "
رفت بجفنيها له .. ثم رأته يتجه نحو امير ويهمس له بكلمات لم تسمعها .. بعدها وقفا وتكلما جانبا ورحل عمرو بينما عاد امير ليجلس مقابل لها .. واضعا قدم فوق اخرى .. وعاد ال**ت الصاخب يحتل الرواق .. نظرات متبادلة فقط بينها وبينه .. كلام يتحرك دون ان ينطق .. واخيرا ابتسامته الهازئة جعلت قلبها يرتجف .. فابتسمت بدورها له وابعدت خصلة من شعرها جانبا .. ريم كانت تسند رأسها لص*رها وتشدد من يديها حولها .. بينما جسدها يرتجف بانتظار ما هو قادم
" من يريد قهوة ؟! "
صوت عمرو ملئ الفراغ .. صاخب .. عالي .. ثم اقترب وابتسم بوجهها وهو يمد لها احدا الاكواب البلاستيكية المغلقة
" حليب وسكر .. لشمسنا "
" سكر وسط .. للريم "
قالت ريم بينما يعطيها كوبها ثم استدار يضع كوب امير بيده .. ويجلس براحة مادا قدميه امامه وهو يحتسي من كوبه ويسند جسده بالرهاق
" انها خفيفة سكر "
بالكاد ظهر صوتها .. ثم ثلاث ازواج من العيون طالعتها .. وضحكة صاخبة مشتركة عبرت المكان من حولهم .. فعضت شفتها غيظا ..
" اقسم اني توقعت هذا "
ووقف عمرو يعبر نحوها ويخرج ظرف من السكر الناعم ليعطيه لها .. فسحبته بقسوة ورمقته بغيظ ..
" بغيض "
" كف عن ازعاجها عمرو "
صرخت ريم ثم اخذت كوبها ووضعت لها السكر واعطتها اياه
" خذي قلبي .. لا تهتمي له .. انه يهوى تلف اعصاب الغير "
اخذ كل منهما يتحدا الاخر .. لعبتهما المفضلة كقط وفأر .. كانت تجعل الجو محتمل اكثر .. وارتسمت ابتسامة خفيفة على وجهها .. ثم تقابلت نظراتها بامير الذي يبدو ان ما يحصل حوله غير مهم وتجمد كل شيء .. هما فقط والكون ينتهي هنا .. رنين هاتف .. مرة .. اثنان ..
" ارجو المعذرة "
انقطع اتصال عيونهما ووقف يعبر الممر ف*نفست تغمض عيناها .. واعادت رأسها للخلف تسنده للحائط
" اشربي قهوتك .. انك تحتاجينها "
" اوامر الطبيب حبي "
ابتسمت مجددا ورشفت من شرابها ثم قالت
" اتذكرون يوم ادخلنا امي .. لقد اخرجت عمرو من عملية جراحية .. رباه .. يبدو الامر بالامس "
اجابت ريم بينما تضع شرابها جانبا
" لقد منعوك من ادخالها لاجل التأمين .. اتعلمين لولا عمرو .. كنت احرقت المشفى يومها .. اناس بلا ضمائر "
اقتربت تضع يديها فوق ركبتيها وقالت باستهزاء
" وكأن الامر يتغير .. حصل الامر ذاته يوم والدي .. قالت امي انها توسلت لعمي ليدفع التأمين لان الوقت كان ليلا .. والبنوك مقفلة .. لكن ما يدعو للسخرية اكثر .. هو ان عمي العزيز "
ورشفت من قهوتها تبلل حلقها حيث شعرت بمرارة تحتله .. وقبضت يدها بعنف حول الشراب
" كان من الحقارة .. لطلب المال في اليوم الثالث للجنازة .. "
" ماذا ؟! "
خرجت الكلمة من الاثنين .. ثم خطوات امير اوقفت سيل الشتائم الذي خرج من فم عمرو وريم بالوقت نفسه
" انه فعلا حقير .. لقد جعلك تتوسلينه لاجل مال الجراحة .. كيف يمكن لرجل ان يكون بلا قلب هكذا ؟! .. انك ابنة اخيه "
" وانظري كم يهتم للامر .. انه حتى لم يتصل ليسأل ان كانت امي بخير .. كان يزحف خلف ابي دائما ليساعده .. والان .. لقد جعلني ازحف .. وازحف .. كرهت نفسي اقسم .. ولولاها .. "
واشارت بيدها نحو الغرفة ثم اسدلت يدها تبتلع ل**بها واكملت
" لولاها .. كنت افضل الموت بدل الذهاب اليه "
يد ريم امتدت لتمسك يدها .. وقالت بلطف
" نحن عائلتك حبي .. الدم ابدا لم يكن رابط يوما ... انت اختي وحبيبتي .. وها نحن جميعا بجانبك "
واحتضنتها برقة .. امير كان جامد الملامح .. بارد وبعيد .. وكان الكلام كان يؤذيه ايضا .. ثم رأته يقف ويغادر المكان دون اي كلمة .. وسألت نفسها .. اذهب لانه قد اكتفى من مواساتها .. ام لانه اكتشف اي حياة كانت تعيش بدونه ..
اخيرا اخرجوا والدتها بعد اربع ساعات من الانتظار والترقب .. دخلت بعدها غرفة العناية لمراقبتها .. وسمح لها بدقيقة واحدة لتراها .. امساك يد شخص كدت تفقده يعني حياة كاملة .. وزفرت اخيرا براحة .. تعرف ان الان فرص نجاة والدتها ارتفعت جدا وهذا كل ما تريده لتشعر بقدميها .. الثلاثي لم يفارقها ... امير كان يلازمهم ب**ته لكن وجوده كان داعما حقيقيا لروحها .. فرغم كل شيء .. هو مازل يملك سلطته على قلبها .. وهمست لامها اخيرا وهي تلامس رأسها الخالي من الشعر بسبب جراحة الرأس
" ماما .. سعيدة لعودتك .. لا تتركيني مجددا ارجوك "
خلال الاسبوع الماضي قضت شمس الوقت في المشفى والمشغل .. الى ان انتقلت والدتها من العناية الى غرفة عادية .. كانت تقف الان بجانب النافذة وتنظر نحو حديقة المشفى .. تتامل الناس والسيارات بشرود
" شمس "
تحركت بسرعة تبتسم لوالدتها وتقترب لتمسك يدها لقد كانت نائمة وها هي تستيقظ
" قلب شمس "
" لما لم تغادري بعد ؟! .. انا بخير حبيبتي .. لا تخافي "
انحنت تقبل رأسها حيث يلتف حوله شال رقيق ازرق اللون يخفي مكان الجراحة في رأسها ..
" لا .. اريد قضاء الوقت معك اليوم .. اكره العناية فهي تبعدني عنك .. الان انا يمكن ان اقبلك واحتضنك .. "
وقارنت قولها بالفعل فقبلتها بحب .. صوت طرقات على باب الغرفة ثم اندفاع ريم للغرفة وابتسامة تملأ وجهها بينما يتبعها والديها ويدخلان بهدوء يعا** صخب ابنتهم
" عمتي .. حمدا لله .. لقد افتقدت .. افتقدتك ايتها الساحرة الجميلة "
وابعدتها بقوة لتحتل مكانها وتقبل امها لمرات فابتسمت تهز رأسها لجنون صديقتها ..
" حمد لله على سلامتك .. نرجو ان تكوني افضل "
صوت والد امير كان لطيفا ثم اقترب يسلم على والدتها .. بينما اقتربت والدته لتحتضنها بامومة وتقول
" كيف حال صغيرتي ؟! "
" الان اصبحت افضل .. شكرا لوجودكما عمتي "
قبلة على الخد ثم ابتعدت لتحي والدتها بينما يصافحها والد امير بعطف كبير
" انتظرنا الى الان .. لعلمي انا ونادية انك مشغولة جدا .. يكفي هذه الطفلة لا تفارقك بصخبها "
" ريم افضل اخت حصلت عليها .. وكانت دائما توصل سلامكم واهتمامكم لي عمي .. "
تركت ريم مكانها واقتربت تتأبط ساعدها ثم اخذت تثرثر معها دون توقف ..
" مرحبا "
صوت انثوي ناعم طرق اذنها بقسوة .. ثم جسدان دخلا الى الغرفة فتلاقت نظراتها بنظراته.. ولثوان توقف النبض في قلبها قبل أن ينتفض مؤلماً ص*رها..