" انت رهيبة .. وانا احبك جدا "
ضحكت وتأملتها تقبل خدها ثم عادتا لتحتضنا بعضهما بينما عمرو يجلس اخيرا على الكرسي بجانبه ويستهزئ من صداقتهما .. طرقات على باب المشغل اوقفت الثنائي ثم دفع عمرو كرسيه للخلف وخرج يفتح الباب للزائر .. عاد بعدها ووسام يتقدمه
" مساء الخير .. ريم هنا ايضا .. مرحبا وردتي "
" اهلا وسام "
جلس براحة مكان عمرو وخطى الاخر ليسحب الكرسي الاخير في الغرفة ويجلس عليه
" لقد قلت انك تحتاجين التكلم معي "
هزت رأسها واجابته بينما ترفع قدميها وتميلهما فوق الاريكة لتجلس براحة اكثر
" امازلت تريد شراء المكان هنا ؟! "
قطب حاجبيه في وجهها ثم بذكاء كبير قال
" حدث شيء اليس كذلك ؟! .. ان كنت بحاجة للمال "
قاطعته ريم بصوت منفعل
" لم ترضى ان يساعدها اي منا .. عنيدة كالعادة "
" امازلت تريده وسام ؟! "
تململ بجلسته ثم قال بصوت جاد مختلف عن نبرة المرح التي كانت تمتزج بتحيته
" انت تعرفين اني اردته دائما .. لكن انت متمسكة به جدا فهو هدية والدك رحمه الله .. "
بللت شفتيها ثم اخذت تشرح له الوضع بالكامل .. وعند انتهائها رأت التفهم يرسم ملامحه
" الامر معقول جدا .. احتاج فقط استعمال الحديقة الخلفية لانشاء المستودع .. باقي المكان لك حتى اشعار اخر .. لكن ليس كمستأجر شمس .. "
حاولت مقاطعته فقال بصوت عملي
" دعيني انهي كلامي .. تخفضين السعر عشرة بالمئة .. مقا**ه اعطيك عقد دون تاريخ لتبقي في المشغل .. الامر ليس احسانا .. انت احد فناني معرضي .. ان لم تكوني اهمهم .. خسارتك خسارة لي "
" معقول جدا شمس "
وافق عمرو بدوره وابتسمت ريم تشجعها فهزت رأسها اخيرا وصافحت يد وسام الذي مدها للتو باتجاهها
" لنحتفل اذا .. شاي للجميع "
وتركت ريم مكانها لتخطو امامها وتتجه للمطبخ بينما يضحك كلا من عمرو ووسام عليها
" احتاج ليومين فقط لاسحب المال شمس .. غدا الاحد كما تعلمين "
" لا مشكلة وسام .. لقد حللت لتوك اكبر مشاكلي .. شكرا لك "
ابتسم لها فبادلته ابتسامته .. ثم خفق قلبها يسألها .. هل هذا اكبر مشاكلك؟ .. ام رجل بعيون سوداء وابتسامة مائلة ساخرة .. رجل يملك انفاسك وروحك
*******
خرجت من مبنى الشركة واتجهت لسيارتها وهي تشتم .. انها للمرة الثالثة تسمع الكلام نفسه ..
" نحتاج لخبرة ثلاث سنوات على الاقل "
وفتحت الباب لتدخل ثم تغلقه بعنف .. ان كانت تملك ثلاث سنوات كانت فتحت شركتها الخاصة .. ماهذا القانون الجائر ؟! .. اين اختبار المهارة او رؤية القدرات مثلا ؟! .. واسندت رأسها للخلف .. ثم طرقات على الزجاج اجفلتها فنظرت نحو الشرطي الذي اشار لها بالسير فورا
" هذا ما كان ينقصني "
حركت بعدها السيارة وقادتها بسرعة حتى وصلت الى مكان المعرض الخاص بوسام ..
" مرحبا .. هل وسام هنا ؟! "
" في المكتب انسة شمس "
شكرت الفتاة التي اجابتها للتو وهي تعلق احدى اللوحات في البهو الواسع ذو الاضاءة القوية رغم انهم في منتصف النهار .. ممر صغير ثم غرفتان متقابلتان .. طرقت على الجهة اليمنى ثم فتحت الباب تطل برأسها لتجد وسام يتفحص الاوراق امامه
" مرحبا ايها الوسيم "
" ادخلي .. ادخلي .. كنت سأتصل بك لتوي "
قطبت حاجبيها ودخلت ثم جلست مقابل له تفصلهما الطاولة الزجاجية العريضة كمكتب شخصي له
" قاعة المرايا جاهزة .. لد*ك اسبوعان لا اكثر "
" خبر جيد اخيرا "
وضعت ساقها فوق الاخرى ولامست قماش البنطال القماشي الرمادي .. الذي ترتديه مع قميصها الابيض الرسمي
" حسنا .. الامر الاخر .. حولت المال صباحا .. اصبح بأمكانك دفع اموال الجراحة شمس "
تن*دت واغمضت عيناها تحمد ربها ثم ابتسمت تشكره .. طرقات على الباب قاطعتهما ثم اطلت فتاة ب*عر بني غامق وعيون خضراء وقالت بتفاجئ
" شمس هنا .. اهلا عزيزتي .. وسام ايمكن ان تلقي نظرة على ما فعله العمال .. انت تعلم كم جود متطلب .. "
" بالتأكيد "
خطت بعدها لتقترب وتجلس مقابل شمس وابتسمت بمودة كبيرة
" حمد لله على سلامة والدتك .. اخبرني وسام .. سرني انها اصبحت افضل "
تأملت سارة شريكة وسام بالنصف واحدى قريباته .. وتبادلا الحديث لفترة ثم قالت بصوت متذمر
" لدينا مشكلة بالعلاقات العامة .. الفتاة ستتزوج ونحتاج لاخرى .. لكن نحتاج احدا نثق به .. انت تعلمين كم مهم الا تتسرب الاعمال قبل اوانها "
شردت شمس ثم سمعت وسام يقول بصوت مرح
" شمس تبحث عن عمل .. التقطيها قبل ان تهرب منا "
صدمت شمس وضحكت ظنا انه يمازحها لكن سارة وافقت بسرعة واخذت تسألها دون توقف الى ان قالت اخيرا
" ارجوك شمس .. انت مناسبة جدا .. سادفع لك ما تريدين .. قولي نعم "
" ماذا عن الخبرة لثلاث سنوات ؟! "
قطب الثنائي حاجبيهما فضحت باستمتاع ثم اجابت بصوت واثق
" ساعمل معكما مؤكد .. هكذا ابقى ضمن مجالي الفني .. شكرا للعرض "
تاملت المكتب المتوسط الحجم ذو الواجهة الزجاجية المطلة على البهو في الاسفل ومررت عيناها فوق الطاولة الخشبية الواسعة .. الهواتف الثلاثة .. التمثال الصغير .. احدى اعمالها .. والخزانة الزجاجية امام الحائط ذو اللون الاحمر المشابه للاثاث في الغرفة ... اخذت سارة تشرح
" التعامل على جهتان .. الزبائن .. الاعلام والزوار .. كل شيء سيوضح لك ما ان تبدأي .. لا دوام محدد سوى ثلاث ساعات الاجتماع الذي نعقده كل يوم لاجل خطة العرض الجديد .. الباقي تنظميه بطريقتك وحسب رغبتك .. الاقفال دائما متأخر حبي .. لكن ليس عليك ان تكوني متواجدة مؤكد .. انا سعيدة انك انت من ستعملين معي "
واقتربت تحتضنها بمودة .. الامر ليس مستغربا فاهم ثلاث معارض لها كانت هنا .. وسارة من اشد معجبيها واكثرهم حب للفن ..
" شكرا سارة .. وانا سعيدة لاني ساعمل معكما .. افضل من اناس لا اعرفهم ...سأتي غدا ونتفق .. علي الذهاب الان "
غادرت المكان وتوقفت تنظر للوحة موضوعة حديثا على جدار قريب من المخرج ثم مالت شفتيها وقالت
" لا افهم شيئا منها "
******
" ايمكن ان اعلم لما دائما تجريني الى هذه المكان .. انا اكرهه ؟! "
كررت ريم سؤالها المعتاد في كل مرة يدخلان هذا المقهى فتجاهلتها واتجهت لطاولتها تجلس براحة وتصرخ
" صالح .. الطلب المعتاد رجاءً "
جلست ريم تزم شفتيها وتتامل ما حولها وكانها تريد اكتشاف اي تغير منذ زيارتهم الاخيرة .. ثم زفرت بق*ف وعادت لتكلمها
" قلت احتفال .. الاحتفال يعني مكان رائع .. لا هنا "
" اعتادي حبي .. "
اسندت ظهرها للخلف واخذت تراقب السيارات المندفعة في الشارع العريض مقابل المقهى
" تفضلا "
سحبت كوبها ووضعت السكر له كالمعتاد ورشفته ثم تبدلت ملامحها وهي تبتلعه .. ملامح مشابهة عبرت وجه ريم ثم صرخت بتذمر تسمعه للمرة الالف منها
" ايععع .. انه مق*ف "
ضحكت بعمق ثم تأملتها مجددا .. كم تشبه اخاها الان بهذه التقطيبة والعيون السوداء ..
" ذكريني لما نشرب هذا الشيء ؟! "
" لانا دفعنا ثمنه حبي "
وعادت لترشف من فنجانها وتتلذذ به ثم قالت
" كان عليك طلب القهوة بالحليب انها جيدة جدا "
رفعت ريم حاجبيها فابتسمت تكتم ضحكتها
" انت تمزحين ؟! "
خرجت ضحكتها عميقة مرحة .. انها اليوم مصابة بعدوى مؤكد .. فهي تضحك منذ الصباح
" بالتاكيد حبيبتي .. اتظنين ان هناك شيء يمكن ان يشرب هنا ؟! "
" اذا" لم تجريني اليه في كل مرة ؟! .. انا دائما اسألك ولا تجيبين "
عادت لتضحك وهزت رأسها ترفض اجابتها .. فعضت شفتها غيظا وجلست تضم ذراعيها
" هذا ليس عدلا .. اجيبي "
رفعت حاجبيها وهزتهما ترفض الاجابة ثم عادت لترشف من كأسها فتبدلت ملامح ريم
" حبا بالله .. كيف تشربينه ؟! "
" لنقل ان شرب هذا يجعلني اؤمن ان لاشيء اسوء سيحصل لي "
وغمزتها بخبث فهزت رأسها بيأس تجيبها
" انت غير معقولة ... ثم ما الذي يصيبك اليوم ؟! "
تن*دت وتوسعت ابتسامتها ثم اقتربت وقالت بصوت منخفض
" رأيت كاظم الساهر "
" كاذبة "
صراخ ريم جعل كل رواد المكان ينظرون نحوهم فاعادت كلمتها بصوت منخفض
" انت تكذبين "
" اقسم لك .. لقد كان في المعرض صباحا .. وصافحته .. انه رائع "
تأوهت صديقتها ثم ض*بتها على كتفها مما جعلها تتألم وتفرك مكان اصابتها
" خائنة .. اخبريني كل شيء .. كله "
" كنت انظر للوحة في معرض وسام .. وقلت بصوتي .. لم افهم شيء منها .. سمعت ضحكة ثم رأيته .. تجمدت طبعا بينما اخذ يشرح لي عنها .. اه .. ليتك رأيته "
ووضعت كفيها على وجهها المحمر ثم اضافت وعيون ريم تشتعل باثارة
" لقد شاهد منحوتاتي في معرض الصيف الماضي في احدى المجلات تصوري .. اه .. اخذ يقول اني مبدعة .. لقد وقفت كمراهقة امامه ... رجلي المفضل "
امسكت ريم يديها واخذت كل منهما تصرخ بخفوت وتأثر وانهت اخر كلماتها وهي تزم شفتيها
" طبعا وسام تدخل .. واتضح ان الرسام احد اصدقائه .. ثم طردني التافه كما لو كنت متسولة قائلا بان اغلق فمي لاني من المعيب ان افعل هذا امام الرجل وانا نحاتة محترفة .. لئيم "
ضحكت ريم بمتعة كبيرة ثم تن*دت تضع يدها على قلبها
" قلبي .. لد*ك كل الحق ان تكوني بهذا الوجه .. تعالي لنذهب كل يوم للمعرض .. ربما نراه مجددا "
اسندت جسدها للكرسي ورشفت اخر مافي كأسها ثم ابتلعت رغما عنها وقالت بجدية
" سأعمل هناك "
" حقا ؟! "
" عرضت سارة علي عملا ووافقت .. من الجيد العمل معهما بدل مكان اخر .. يوم الحظ .. والاموال دخلت حسابي .. ورأيت فناني المفضل .. هذا اجمل ايامي "
امتعض وجه ريم وقالت وهي تدفع شعرها الاسود لخلف عنقها
" والاسوء لي .. لقد تشاجرت مع امي .. ورميت احدى رسوم الت**يم الاخير بالخطأ .. ونسيت ملئ خزان الوقود .. ثم رأيت ديمة .. واخيرا اشرب هذه القهوة المق*فة .. واستمع لمغامراتك السعيدة "
امتزجت ضحكاتهما مجددا وتاملتها شمس بحب .. الا يقولون انك تملك توأم روح .. اذا ريم هي توأمها
*******
كانت تجلس في الظلمة داخل الحديقة فوق الكرسي الحجري .. والدتها نامت للتو واغمضت عيناها تتنشق رائحة الياسمين التي تعبق الجو حولها .. زهرة والدتها المفضلة .. فتحت عيناها بعدها وهي تشعر بالوحدة .. ثم اخذت تتذكر ذلك اليوم قبل رحيله كان يجلس بجانبها هنا وسألته يومها بصوت هامس
" كيف وجدتني؟! "
ابتسم بوجهها والتمعت عيناه ثم اسند جسده لظهر الكرسي وقال بصوت مستمتع بينما يلف ساق فوق الاخرى
" انا اعرف طريقي اليك دائما صغيرتي "
شدت قميص نومها الرقيق حتى وصل لاسفل ركبتيها ثم عادت لترفع رأسها وتنطر للسماء
" واحد .. اثنان .. ثلاثة "
" اشتقت اليك "
صوته ارجف اوصالها واشعل داخلها فعضت شفتها تبتسم ثم كررت مجددا
" واحد .. اثنان .. ثلاثة "
" اعشق لون عيناك "
توسعت ابتسامتها واصبع واحد منه يلامس اصبع يدها المسنودة لظهر الكرسي ... اغمضت عيناها ثم عدت مجددا
" واحد .. اثنان .. ثلاثة .. اربعة .. خمسة .. "
ثم فتحتهما والتمع الدمع في مقلتيها .. الطيف بجانبها اختفى فنظرت ومدت يدها لتلامس مكانه وكررت كلمات لطالما نظقتها لاجله
" واحد .. اثنان .. ثلاثة .. انا احبك "
اختنق صوتها فاخذت انفاس معذبة .. لما لا تستطيع ان تمضي قدما ؟! .. لما تجلس هنا مع طيف من خيالها المريض ؟! .. وصرخ قلبها .. لانك امرأة لرجل واحد ..
رنين الجرس اعدها للواقع .. من يمكن ان يكون هذا ؟! .. وخطت بقدميها العاريتان فوق العشب ثم دخلت من باب المطبخ متوجهة نحو الباب الرئيسي بعد ان ارتدت مئزر منزلي فوق ثوب نومها القصير ..
" مساء الخير "
هي مازلت تتخيل .. وابتسمت بود مما جعل تقطيبة تعلو حاجبيه .. يدها امتدت لتلامس يده وتدخله ثم اقفلت الباب وهمست
" امي نائمة .. "
هز رأسه ثم جاراها وهي تسحبه نحو المطبخ وفي ضوئه .. ادركت انها تلمسه حقا .. فسحبت يدها فورا وكأن نار لذعت اصابعها .. وابتلعت ل**بها تحاول الا تظهر له جنونها اللحظي
خرج صوتها متوتر ثم جرت كرسي لتجلس بدورها .. تأملته تنتظر ان يتكلم .. واخذ قلبها ينبض بعنف داخلها ..
" هل كل الامور بخير ؟! "
" اتقصد مال الجراحة ؟! "
اراح جسده ووضع يده على ظهر كرسيه واجابها
" نعم .. هذا وباقي امورك "
رمشت ثم تن*دت تبعد شعرها لتضعه على كتفها الايمن
" امم .. كل شيء جيد .. لما انت هنا ؟! "
سؤالها كانت ناعم جدا فحدق بها لثوان ثم قال بصوت متردد
" حفل اعلان الخطوبة "
تجمد دمها اذا" الامر مازل مستمرا .. وتنفست تحاول تمالك نفسها .. انها تشعر بالضياع وكانها مازلت على ذلك الكرسي في الخارج .. صرخ عقلها .. استيقظي .. هذا الواقع ..
" ماذا بشأنه ؟! "
ابعد عيناه عن مجال رؤيتها ثم رأته يسحب يده ويجلس باستقامة ليحدق بها
" اريد ان تحضريه .. انت وعمرو ان امكن "
ابتسمت وهمست بصوتها المبحوح
" انت تمزح صحيح ؟! "