الفصل الخامس
هي لم تولد قوية المرأة كائن رقيق .. ضعيف يحتاج للحنان والحب والاحتواء, منذ أن جاءت إلى هذا العالم وهي تعي جيدا كون أنها يتيمة الام , فأدركت جيداً مع مرور الوقت أنها لن تنال ذلك الحنان الذي يكن منبعه الأم فقط لا غير ...!
ورغم أن الأب لم يتركها لحظة , فأعطاها الحنان والحب .. أهمل الجميع لأجلها..
لم يقصر ولو للحظة أن يمنحها الحب والحنان مضاعفا , فربما بذلك يعوضها عن فقدان الأم, ولكنه وسط ذلك الحنان لم يخبرها ان ما خلف هذا العالم عالم آخر ...
يختلف كليا عن عالمها الوردي , هذا العالم الذي باتت فيه الآن..!!!
اغمضت عينيها تحاول أن تجد قوتها وصلابتها التي كانت تميزها رغم رقتها!!!
كانت تدور داخل أعماقها تبحث وتبحث ولكن بالنهاية لم تجد شيء سوى حقيقة ملقاة بجانب مظلم إنها هنا وحيدة ...
منبوذة..
طروادة!!!!
, فتحت عينيها اخيرا لتتأكد الحقيقة ..
تلك الحقيقة التي تحاول إنكارها, ولكنها و للسخرية هي الحقيقة هنا, هي و الانتقام..!!
هي والظلام...وبرفقتها شيطان!
هزت رأسها عدة مرات قبل أن تستقيم من مكانها ثم سارت بخطوات بطيئة , لتنظر إلى هيئتها بالمرآة, كانت تتأمل ملامحها المتعبة ..
الشاردة..
المنهكة...
!!وهي حقا منهكة لم يعد لديها طاقة , فالصدمة قتلتها ؛ونحرت تلك الروح القوية بداخلها !!
تن*دت عندما أفلت منها دمعة متمردة على وجهها ؛ ثم ألقت نظرة على الفستان الذي أمرها أن ترتديه له, دمعة أخرى حائرة على مقلتيها وقفت ولا تعلم ما الذي يجب أن تفعله وأخيراً لم تستطع أن تكبح دموعها أكثر من ذلك , هبطت على الأرض تبكي بتعب وقهر..؛ كانت شهقاتها تتعالى بينما يدها تكمم فمها بصعوبة , وسؤال بائس يتردد للمرة التي لا تعلم عددها :
-هل تزوجت هذا الرجل حقا منذ ثلاث ايام, ام تراها تحلم بل إنه كابوس...؟..كابوس تأمل أن ينتهي مع شروق الشمس لليوم الجديد... ولكنها لا تعلم حقا متى تشرق الشمس من جديد؟!
وبالنهاية لم تجد أمامها سوى أن ترتدي ذلك الفستان...امتثالاً لأوامره..!!
وكعادته اقتحم غرفتها دون سابق إنذار متأملا في هيئتها التي جعلته مبهوراً للحظة بها قبل أن يقترب منها بخطوات بطيئة... مقصودة. مدروسة لإخافتها..
هاتفا بهمس خافت بنبرة خشنة:
-واوو يا فريدة ...عارفة...!!
لم يكمل جملته بل بقيً مكانه متأملاً هيئتها بتمعن شديد, يتأملها بجرئة يقصد بها الإهانة... والإهانة فقط...لا غير!!
تأمل الفستان الذي كان باللون الفضي المرصع ببعض الفصوص الماسية يحتضن جسدها من الأعلى بأناقة لامعا على جسدها , ثم ينسدل بعد ذلك باتساع ..يصل إلى ما قبل ركبتها ...يعطيها هالة براقة ومثيرة؛ ورغم هذا تفرض هي عليه النقاء, نقاء روحها الذي يراه من نظرة عينيها..!!
اطلق زفرة خانقة من ذلك الشعور الذي بات يؤنبه ويواجه روحه , بأنها لا تستحق, ثم هز رأسه قبل أن يتكئ على الحائط خلفه مكملاً حديثه بنبرة ممطوطة ساخرة متجاهلاً ذلك الشعور الذي يؤرقه :
-تحفة انت...تحفة..خسارة في إلى بيحصلك
**ت قليلا ثم رفع نظره إلى عينيها متعمقا بنظراته السوداء قائلا بنبرة أمرة خشنة:
-تعالى
تشنج جسدها ثم اتسعت عينيها بصدمة بعد أنهى حديثه الذي بث بداخلها الذعر أكثر, وهذا هو غرضه الأساسي ...!
فبعد كلمته الأخيرة ؛ساد **ت دام لعدة دقائق تسمرت هي مكانها تعاني من أثر نظراته والتي لم تثير بها سوى مشاعر القلق وربما .. الخوف..
أما هو كان يقف بمكانه بهدوء واضعاً يده بجيبه ببرود تام.. لا يظهر على ملامحه أي شيء!!
بينما هي تمنت أن تصرخ به أن تهرب منه , ولكنها بالنهاية خضعت لحديثه بخنوع تام رغم ذلك الألم بداخلها...ذلك القلق والتوتر مما هي مقدمة عليه..!!
كانت تقترب منه ونظرها يتحاشاه بصعوبة, تسير بخطوات بطيئة جداً تتمني في تلك اللحظة أن تختفي ..!!
كان يقف مكانه ينظر لها وهي تتقدم بتردد واضح أثره بخطواتها البطيئة المرتعشة ,إلى أن وصلت له وهو مازال كما هو بينما هي تقف امامه تخفض رأسها تتحاشى النظر إليه .. تتنفس بطريقة مضطربة, ليجذبها فجأة بحدة شهقت على أثرها بصرخة هاتفة وهي ترفع نظرها له وهي على وشك البكاء مرة أخرى ..
لاحظ هو تلك العبرات المكتومة بعينيها ولكنه لم يهتم بل انحنى برأسه لمستواها ثم همس بأذنها :
- جاهزة لأسوء ليلة في حياتك ...!
تشنج جسدها بين يديه فابتعد ليرى آثر حديثه على ملامحها التي تحولت للشحوب هاتفا بنبرة شرسة حاقدة تزداد بتناوب هيئة ش*يقته وما حدث لها بداخله فيزيد بركان غضبه:
-اوعدك الايام إلى جاية هتبقي سواااد يافريدة..
تنفس بحدة ثم اكمل:
_خوفك ده...
قالها وهو يشير إلى ملامحها المرتعبة...ثم همس مرة أخرى:
_دموعك دي..كل إلى انت فيه شوفته في نيرة..أختي!!
وفي تلك اللحظة هي لم تتمالك حالها بل انفلتت منها عبراتها بعد أن خارت قواها التي كانت تحملها على الوقوف أمامه بينما يده تمسك بها تمنعها من السقوط لتتعالى شهقاتها ببكاء حاد مرير...!!!
ورغم ذلك لم يتأثر فبينما هي تبكي كان يتذكر بكاء ش*يقته.. !ألمها ..
! يتذكر يوم أن انهال عليها بالضرب.. لقد كاد أن يقتلها من شدة غضبه منها..!!
هز رأسه نافضاً كل تلك الذكريات ثم ارتد إلى الخلف, مما جعله يتركها من يده فجأة لتسقط على أرضية الغرفة ..تكمل بكاءها واضعة يدها أعلى وجهها تخفي انهيارها الذليل أمامه..
القي نظره للأسفل حيث هي ولا يعلم لما فعل ذلك , لما ابتعد.. لما يعلو بداخله صوت أن يتركها ويذهب , حاول أن يتخلص من ذلك الشعور النادم بداخله مما هو مقدم عليه ثم مسح وجهه بحنق زائف قائلا بتأفف مقصود هاربا من كل شيء:
-افف...انتي مملة...وفصيلة يابونبوناية , وانا ..
**ت قليلاً ثم أكمل بنبرة ساخرة متعمدة:
-اتسدت نفسي .. المرة الجاية اتحكمي في نفسك شوية انا مبحبش العياط...باي ياديدا انا همشي ..
ثم ابتسم ابتسامة خبيثة قائلا:
عشان عاوز احضر لفرح اختي..!!
شاهد شحوب ملامحها فأكمل بأسف مصطنع متغلبا حقده مرة أخرى:
-كان نفسي اووي...اقلك عقبال فرحك ياديدا بس...معلش بقى..!
وكما دخل فجأة.. خرج أيضا ..بينما هي ملقاة على أرضية الغرفة تبكي غير مستوعبة لما يحدث بالمرة, مرارة تشملها من الداخل ولا منقذ لها..!!
أما هو كان يخرج من المنزل بخطوات مسرعة وبأقصى تفكيره لم يتخيل أن يصل به الامر لأن يَقدِم على أخذها عنوة, فكان على يقين أنه في تلك الحالة الغاضبة التي تمكنت منه وهو معه كان من الممكن أن يؤذيها بطريقة تؤذيه هو قبلها..!
************************
انهى اجتماعه بالشركة ثم نظر الى ساعة يده ..ليجد ان الوقت حان للذهاب الى المنزل , كان يهم برفع سماعة الهاتف الخاص بمكتبه طالبا من مساعدته الخاصة بعض الاوراق قبل ان يغادر ولكنه وجدها تدخل الى مكتبه ملقية تحيتها بنبرتها العملية..
تعجب من دخولها له , وهم على وشك الانصراف ,فتحدث بنبرة متسائلة:
-خير يامدام سهام فيه ايه..
اجابته سريعا وهي تضع أمامه بعض الأوراق :
-في واحدة بره اسمها ميرال الغنام , بتقول عاوزة تقابل حضرتك
تعجب قليلا من الاسم يحاول جاهدا أن يذكره ولكنه لم يستطيع, قطع تفكيره من أن يتذكر الاسم ثم اشار لها بيده قائلا:
-مين دي... عموما دخليها يا مدام سهام واطلبيلي فنجان القهوة بتاعي..
اومأت له ثم خرجت من المكتب متحدثة إلى الجالسة على إحدى المقاعد بأناقة شديدة :
-اتفضلي حضرتك مستر يامن مستنيكي جوه..
استقامت من مكانها مانحة تلك المساعدة هزة من رأسها مع ابتسامة انيقة ثم دخلت هي إلى المكتب..
كان هو ينظر إلى تلك القادمة لزيارته بمكتبه في ذلك الوقت ليتفاجىء بها , ففي آخر توقعاته أن يجد امامه صديقة زوجته التي كانت بالحفل منذ يومين .. ميرال..!!!
اخفي دهشته ببراعة ثم استقام من مكانه يستقبلها مادا يده مرحبا بها بنبرة هادئة :
-اهلا يامدام ميرال ... نورتينا اتفضلي..
ابتسمت هي ابتسامتها الأنيقة مرفرفة برموشها قائلة بنعومة :
-ده نورك يايامن...تسمحلي اقلك يامن بس انا بعتبرك ..friend, زي مريومة كده..ده ان مكانش يضايقك طبعا...
هز رأسه بتفهم وهدوء معجباً بها وبثقتها بنفسها واندهاش بنفس الوقت من جرأتها الغريبة , متعجبا من كونها رفيقة زوجته الخجولة الانطوائية, ولكنه رغم ذلك لن يبالغ لو قال اعجبته ككل فتحدث بمرح :
-طبعا من غير القاب.. انت صاحبة مريم ..
ابتسمت هي بثقة أكبر هاتفة بنبرة ودودة للغاية:
-طيب يبقي انت كمان قولي ياميرال مش لازم مدام..بايخة اوي يا .. يامن
ضحك بخفوت رافعاً حاجبه الايسر في حركة زادته وسامة بنظر الموجودة أمامه هاتفا بمرح:
-تمام...خلاص ياميرال..
ابتسمت باتساع ثم اعتدلت بمكانها هاتفة بعملية متقنة:
-طيب انا كنت عاوزة مساعدتك , انا لسا جاية مصر من شهر في الحقيقة صفيت كل أعمالي بره وعاوزة ابتدي هنا...وانا عارفة ان شركتكوا من اكبر الشركات الاستثمارية في البلد ..
هز رأسه ايجابا لحديثها قائلا بتوكيد وعملية :
-كلام مظبوط اقدر اساعدك ازاي
نقرت بيدها اعلى مكتبه بأظافرها المطلية بعناية ثم أرجعت خصلتها خلف اذنها برقة هاتفة وهي تنظر له:
-انا عارفة انكوا بتبنوا قرية سياحية في شرم...كنت عاوزة ادخل شريك..
تمعن بالنظر إليها اعجاب بداخله يتزايد وهو يفكر بعرضها الذي لاقي بداخله استحسان .. ولكنه قال كرجل أعمال محنك يعلم كيف ومتى يخفي اعجابه :
-هو عرض حلو .. واحنا فعلا بدأنا نعرض اسهم لينا في السوق لان المرحلة الأولى من المشروع خلصت..عموما انا هعرض العرض ده على رئيس مجلس الادارة يبقي اخويا غسان ..وان شاء الله خير
ابتسمت له برقه لتقف هاتفة بنعومة وهي تمد يدها له:
-تمام وانا هستني ردك عليا .. وانا واثقة انك هتتوسطلي عند اخوك يايامن ...انا همشي بقي مش عاوز اعطلك
كانت بطريقها للخروج ولكنها التفتت لها قائلة بلهجة بانت له خبيثة :
ابقي سلملي على مريم...وقلها وحشاني موت!!
ثم خرجت من مكتبه وبقي هو يتأملها بتركيز...!!
(ميرال) امرأة مختلفة عن زوجته كيف كانت صديقتها؟ , والاهم نظرات الاعجاب المتوارية خلف نظراتها الناعسة تجاهه, نفض عن عقله التفكير بها حاليا ثم جمع متعلقاته .. قاصداً الذهاب إلى منزله ..فالتفكير بها قد يطول ؛ وهو لم يفكر منذ زمن..!!