السل
الفصل التاسع
"فتش عن المرأة".. قاعدة قديمة أطلقت لأجل المصائب.. !
وباتت مثبتة...!! وربما أصبحت حقيقة! في تلك اللحظة!
وهي كانت سبب الانتقام داخل تلك الدائرة المقامة..!
اخبرتها والدتها أنها سبباً لتعاسة آخرين..!!!!
وأمام مرآة غرفتها تقف تأمل فستان زفافها الأبيض بشرود .. ونظرات حزينة
تحولت لإستنكار..!!!
وغضب..
غضب مخلوط بحزن غير عادي, ندم على ضياع ذلك اليوم الذي تتمناه أي فتاة بتلك الطريقة المخزية..
ابتمست بوجع وهي تسترجع لحظات زفافها المهيب , تتذكر حضور صديقاتها اللاتي شعت من أعينهم نظرات الغيرة من أجل زوجها الوسيم, حسد من ذلك الحفل الذي لائم طبقتهم بإمتياز..
كل هذا تجمع بعقلها كبركان مما جعلها تمسك بزجاجة عطر ..تقذفها بزجاج المرآة ..
فتهشم..
يتطاير..
وهي تقف بمواجهته..! بملامح شاحبة بل تكاد تكن ميتة..
متمنية في تلك اللحظة أن تصيبها إحدى تلك الشظايا...
ربما في القلب لتنتهي الحياة وتنتهي هي..!
كانت في تلك اللحظة في أضعف حالتها , إنها للحظة كانت تفكر أن تمسك بإحدى الشظايا , ف*نحر شريان حياتها وتموت ..
في ذلك الوقت كان كريم يصعد للأعلى بخطوات سريعة عندما استمع إلى صوت الإن**ار الصادر من غرفتها , وصل أمام الباب فقام بفتحه دون استئذان !
تسمر مكانه حينما وجدها تقف جامدة وكأنها تحيا في عالم آخر , فكانت تنظر
للشظايا المن**رة من زجاج المرآة بجمود وأعين دامعة.. وكأنها تستنكر الأمر, بل تستنكر مايحدث..
فاقترب منها بحذر هاتفا بنبرة هامسة متوجسة من حالتها تلك , فهو على أي حال لا يعرفها جيدا:
-نيرة...نيرة مالك..؟!
ظلت في مكانها على نفس حالتها الجامدة , بينما هو كان يتأملها بتركيز وتعجب في آن واحد حتى التفتت له بعد دقيقة وربما أكثر...تغمغم بنبرة تكاد تكون مسموعة والكلمات تخرج منها مبعثرة:
-انا ايه الي عملته في نفسي ده... ازاي عملت كده... ازاااي…
ونهاية حديثها كان صرخة فجرت بها غضبها من حالها ومما فعلته...وتبع الصراخ إنهيار مما أدى إلى سقوطها على الأرض هاتفة بكلمات تبرر حالتها ولا يعلم هو هل تبرر له أم لحالها ولكن بالنهاية هو لا يهتم إطلاقاً:
-هو الي لف عليا... انا كنت في حالي بس حبيته والله انا وحشة اووي ,انا تعبانة...
ساد ال**ت فرفعت نظرها له متسائلة بنبرة يشع منها الرجاء بالنفي على السؤال:
-هو انا وحشة..
في مكانه كما هو مازال يراقبها بجمود تام , فلم يتأثر إطلاقا بينما نظراته تتبعها وهي تنهار ...
تهذي ...
تطلق الصراع بداخلها..
تعجب من جموده وعدم تأثره أو تعاطفه معها ربما لأنه هنا كان يري صورة ش*يقته أمامه وهي منهارة فاقدة الوعي عند إنتهاء الزفاف...!
يرى صورتها وهي تبكي بيد غسان وكأنها لا قيمة لها, يتذكر سلبيته وخوفه فتركها, أجل الجميع شارك هنا في ذ*حها وبأكثر الطرق اثبتوا لأنفسهم أنهم لا قيمة لهم أيضاً! كما هي!
تفاقم حقده في تلك اللحظة أكثر فابتعد عنها واضعا يده في جيب سرواله هاتفا ببرود:
-اه وحشة... البنت الي تفرط في نفسها بيتقال عليها اكتر من كلمة وحشة...
ورغم انهيارها وشحوبها الذي ازداد بعد كلماته تلك إلا أنه أكمل بصلابة:
-بيتقال عليها رخيصة...
**ت قليلا قبل أن يكمل حديثه وهو في طريق الخروج من الغرفة:
-افففف انا كنت بحسب في مصيبة حصلت... بس انت تمام اهو.. خلصي بقي فيلم الدراما ده.. ونضفي مكانك الازاز ده.. ولو اتجرحتي ابقي طهري الجرح…
كاد أن يخرج من الباب ولكنه عاد لها بنظره مرة آخرى رادفا بأمر:
-غيري هدومك أنا مستنيك تحت…
و بخروجه تذكرت حينها كلمة والدتها (أنها ليست مركز ذلك الكون) وحان وقت أن تنضج...
وحقا حان الوقت...!
أما هو كان ينتظرها بالأسفل بعد أن قام بتغيير ملابسه ممسكا بيده قدح القهوة ...
يرتشف وهو شارداً يتألم لأجل ش*يقته وتلك الصغيرة التي وإن أنكر.. كانت ضحية لش*يقه ال**بث.. وهو أدرى بمغامراته المنحطة..!
ورغم ذلك هناك صوت بداخله يخبره ويأمره جيدا إنه يجب أن يؤلمها ربما لأجل فريدة, وربما ليخمد تلك النار المشتعلة بداخله منذ أن اختطفت ش*يقته أمامه و بمباركته...!
خرج من شروده على صوت ما فوجدها تهبط من الأعلى مرتدية منامة مريحة من أجل النوم وشعرها ملفوف على هيئة دائرية..! بينما خصلاتها مبعثرة في هالة طفولية بجدارة , ليلعن هو حينها بداخله مازن متسائلاً كيف إستطاع أن يلوثها ؟! كيف فعلها؟ كيف؟!
كان يتكرر السؤال ولا إجابة شافية له بينما هي كانت تتقدم منه هادئة...
مستسلمة...
بريئة ..!!!
كانت قد وصلت لمكانه فجلست على إحدى المقاعد المقابلة له علي مائدة الطعام المستطيلة هامسة بنبرة متعبة باردة دون أن تعي لمظهره الغاضب:
-عاوز مني ايه...؟!
ازداد غضبه منها فض*ب بيده المائدة صائحا بعصبية شديدة:
-قومي... انا مأذنتش ليك تقعدي…
تشنج جسدها فحبست أنفاسها بصعوبة وهي تحملق فيه ببلاهة غير مستوعبة لما يقوله أو تتعرض إليه هامسة بصدمة مستنكرة:
-بتقول ايه... انت اتجننت…
لم يتمالك أعصابه فكان رده أن أقترب منها والرد كان صفعة...!!
صفعة تجرحها وتهينها...
صفعة في ليلة زفاف...
ليلة زفافها...!!
وتلك الصفعة لم تنالها من قبل سوى من غسان؛ أغمضت عينيها تطرد ذكرى ذلك اليوم الذي كاد فيه ش*يقها الأكبر أن يقتلها لولا تدخل والدتها ويامن .
نقضت الذكرى ؛ ويدها تتحسس موضع الض*بة , تحبس دموعها ببراعة , رغم تلك النظرات التي تخبره بالدموع الوشيكة , ولكنه لم يهتم ولن يهتم,
فاقترب منها أكثر يرمقها بنظرات قاسية متحدثاَ بنبرة ناهية.. باردة كالصقيع :
-اسمعي يانيرة...انا دلوقت جوزك.. ولو اخواتك الحلوين فهموكي انهم هيقدروا يحموك مني تبقي غلطانة..والي يحصل بينا هنا اوعي يطلع بره…
الكلمات كانت بوعيد, تحذير واضح وص**ح.
تطلع فيها, بنظراتها المرتعبة...
والمصدومة.. قبل أن يكمل بنبرة حادة:
-فاهمة ولا لا...
هزت رأسها إيجابا ,ولكنه أمسك بجانب فكها ضاغطا بقسوة جعلتها تتألم... وهو قاصد أن يشعرها بالألم ؛فهدر بنبرة عالية وهو يزيد من ضغطه فتزداد ألما:
-عاوز اسمع صوتك... انت مش خارسة
اومأت رأسها بطريقة هيسترية هامسة بخفوت:
-حاضر... فاهمة..
وحينها حررها من بين يده بعنف مما جعلها تترنح للخلف عدة خطوات, ثم ابتعد عنها يعود إلى مقعده مرة اخرى.. قائلا بينما يرتشف قهوته باستمتاع:
-بصي بقي... مبدأيا كده انا مش عاوزة خدامة معانا هنا في البيت...ولو اخواتك بعتولك قوليلهم مش عاوزة.. ماشي..!
وإجابتها كانت همس:
-ماشي..
فاكمل بنبرة مسيطرة بكلمات مبطنة بالإهانة :
-وبما اني مش هاخد منك حقوقي كزوج..يبقي اخد اي حاجة في الجوازة السودا دي...
ارتعبت نظراتها فهمست بتساؤل :
-قصدك ايه..
شملها بنظرات تقيميها غير راضية.. رادفا ببرود:
-متخفيش انا مش هاجي جنبك.. يوم ماتجوز هتجوز واحدة...تكون انا اول واحد في حياتها…
توقف عن إكمال حديثه قاصدا المزيد من الإهانة وهو ينظر لها بدونية أوجعتها, فلاحظ هو هذا الان**ار بنظراتها فأكمل حديثه و مازال كما هو:
-فاهماني طبعا..انت بس يدوب هتطبخي وتنضفي وتذاكري سمعت انك مستنية نتيجة الثانوية.. شوفتي انا كريم ازاي
لم تجيبه كانت تنظر بعيداً تتحاشى نظراته المؤلمه حتى سمعته يكمل بطريقة مسرحية:
_..زي اسمي..كريم وانا فعلا هبقى كريم معاك مش هبقى زيك انت وعيلتك
استقام من مكانه ب**ل بعد أن انتهي من حديثه وألقى كلماته الجارحة لها منهيا تلك الليلة الكريهة كما كل مافيها..
ثم رحل عنها مطلقا صفيرا منتشيا خاصة بعد أن لاحظ دموعها التي تحررت أخيراً.
صعد للأعلى متجاهلا كل ذلك , وخلفه كانت هي تتألم.. فتض*بها حقيقة أنها بالنهاية هي الجاني والمجني عليه..!
وقد حان وقت أن تستقبل عقابها ب**ت .. حان وقت أن تنضج.. وربما تتعلم..!
****************
نائمة علي السرير بعد ان أنتهي الطبيب من الكشف عليها.. وإعطائها بعض الأدوية المنومة.. كانت بعالم آخر وربما داخل غفوتها تلك تتمنى أن تبقى بعيداً..
أما هو كان يقف يرمقها بنظرات حائرة.. إنهيارها كان سريعا للغاية, فما لمسه من قوتها بالفترة الماضية جعله يوقن أتها صامدة للنهاية..!
همس باسمه جعله يلتفت إلى مص*ر الصوت الذي يعرفه جيداً.. فوجدها تقف هادئة.. بنظراتها الشاردة التي تحيره فهمس بعد أن اقترب منها:
-ايوه ياريتا عاوزة ايه..
أجابته بابتسامة م***بة وملامح شاحبة:
-انا طيارتي بكره فحبيت اقلك..
غضبه من الداخل كان يزداد فرمقها بحيرة.. ثم أقترب منها ممسكا بها من مرفقها يخرجها من الغرفة , وصولا إلى غرفتهم والذي ما أن دخلها حتى هدر بها بنبرة غاضبة:
-يعني إيه طيارتك بكره, فهميني كده, ازاي تاخدي الخطوة دي من غير ماتقوليلي..
ارتعدت من داخلها من تلك النبرة , ورغم ذلك تماسكت بينما أناملها تمتد تلمس أعلى خصلاتها الشقراء تخفي ارتعاشها بمهارة كما تعودت !!
ثم تحدثت بثبات تُحسد عليه:
-أنا وأنت هنطلق كده كده , ثم أنا قلت مش عاوزة العيشة دي, مش عاوزة اعيش معاك , عاوزة ارجع امريكا..
انهت كلمتها الأخيرة بصوت عالي ونبرة محتدة , فاقترب منها ضاربا المنضدة الفاصلة بينهم بعنف, لتسقط تلك الزهرية المصنوعة من الكريستال متهشمه لشظايا..
كان صوت تحطم المزهرية عالي أصاب ريتا بالقلق والتوتر أماغسان لم يهتم مطلقا, فاقترب منها أكثر يرفع يده عاليا يصفعها بقوة..
بغضب..
بحيرة..!
يهدر بصوت منفعل , يطلق قرار خرج منه رغم كل ما يحدث ب*عور قاسي :
-انت طالق ياريتا..
لم تبقى في مواجهته فترنحت للخلف توليه ظهرها قبل أن تسابق الوقت وهي تسير بخطوات سريعة تجاه باب الحمام تغلقه خلفها بقوة , فتسمح لتلك الدموع أن تتحرر أخيراً..
أما هو خرج من الغرفة قاصدا تلك التي تستريح بها فريدة ..
ينظر إلى تلك النائمة علي السرير..
شاردا فيها... حائرا.. فيما بعد.!
يفكر بريتا كيف استطاعت تخدعه, لما كان يشعر أنها قد تتغير , قد تأتي إليه تخبره بما يصيبه بالحيرة, وهو.. هو رغم كل شيء كان يريد أن تتربى بناته علي يدها, كان يريدهم مع والدتهم!!
مسح وجهه براحة يده خارجا من كل شيء, يشعر بالتعب فمنذ أن توفى والده وهو بدوامة ولا يعلم متى الخروج..؟!
همهمة أص*رتها فريدة جعلته يقترب منها ودون أن يعرف السبب.. أشفق عليها ثم جلس في وضع النوم على أريكة بالغرفة ناشدا النوم وبعض الراحة من كل شيء..!!!
في الصباح الباكر طرق على باب الغرفة جعله يستيقظ سريعا, يأذن بصوته المتحشرج من النوم للطارق بالدخول والذي لم تكن سوى ريتا!!
اقتربت منه بخطوات هادئه هامسة بثبات:
-أنا مسافرة دلوقت..
وبداخلها كانت تكتم كلمة آخرى:
-هتوحشوني ..
دموعها كانت تتحكم بها بمهارة تامة , تلك الدموع التي تحولت لشهقات وهي تحتضن صغارها ..
تضمهم..
تستنشق رائحتهم بنهم ..
تتلمس ملامحهم بجنون وحزن!
بينما غسان كان ينظر لها متأملا قوتها هاتفا:
-السواق هيوصلك المطار
هزت رأسها ثم اقتربت من فريدة ترمقها بنظرات هادئة ..قائلة بخفوت :
-خد بالك منها ياغسان..وعاملها حلو عشان تاخد بالها من بناتنا... !!
أصابه الغضب مرة آخرى فامسك بها هادرا بصوت خفيض:
-وليه انت متفضليش معانا وتاخدي بالك منهم..
لم تجيبه فأكمل متصنعا الهدوء:
-ريتا احنا صحيح اطلقنا.. وفشلنا مع بعض.. بس انت ام حلوة..انا مقدرش انكر ده.. خليك ياريتا لو كان قصدك الطلاق خلاص حصل..
ودت لو تصرخ به أن تخبره أنها لا تريد سوى بناتها ولكنها رفعت نظرها له بنظرات ثابته.. وقلب يتألم ينزف من الداخل:
-خلاص بقى أنا زهقت من هنا عاوزة ارجع امريكا واعيش براحتي..
أما بداخلها تهمس بألم:
-ياريت ياغسان.. انا ماشية وسايبة معاكوا بناتي..!
خرجت من شرودها على صوته قائلا:
-وايه مخليكي متأكدة انها هتاخد بالها من البنات..!!
هزت كتفها برود قائلة وهي تتجه للخروج:
-مش عارفة بس حبيتها ياغسان.. اول ماشفتها في الفرح اطمنتلها.. خد بالك منها ومن البنات..!!
أطلقت كلماتها لأنها تعلم أنها ذاهبة إلى الموت بيدها!
ازدادت حيرته منها فخرجت من الغرفة قبل أن يوقفها هاتفا باهتمام حقيقي:
-ريتا.. فهميني فيه ايه.. فيه ايه, قولي لو في حاجة هساعدك؟!
هزت رأسها نفيا هاتفة:
-انا زهقت من مصر وخلاص ,ليه م**م ان فيه حاجة..ه
ساد ال**ت بعدها قبل أن توليه ظهرها لتخرج
,وهي تحبس دموعها بصعوبة.. هي كانت تكتفي بأن تبقى معه فقط لتبتعد عن والدتها.. حتى لو احتقرها ونفر منها.. هي متعبة وتريد الراحة. .ولكن ربما لن تجدها يوما.. ربما...!
************************
أما في غرفة مني ابو العزم كانت تجلس بغرفتها تنزع ثياب الصلاة بعد أدائها.. ثم خرجت إلى الشرفة تتأمل .. فقط تتأمل وربما تفكر..!!
لقد انزوت كثيرا بعد وفاة زوجها تاركة نفسها للأحزان تفترسها وتغيبها عن الواقع والنتيجة أنها تركت ابنتها تعاني وحدها بعد
سفر ش*يقها.. الأكبر غسان تلاه وفاة والدها والتي كانت مدللته..!
شردت بيامن الذي تركته يتزوج من فتاة جبرا أمام عينيها.. هي لا تنكر أنها تحب مريم..
هي حقا تراها ابنتها, والفتاة تعشق ولدها بل هائمة به... تود منه لو نظرة رضا ..!
ولكن بالنهاية لم يكن هو سعيد.. وهي أيضا تراها حزينة..!
نظرت إلى الفيلا الملحقة بالقصر حيث ابنتها نيرة...
نيرة أفسدها الدلال.. الجميع وأولهم هي, هي بالنهاية لا تأمل بإستمرار تلك الزيجة ولكنها تعلم ان ابنتها ستتعلم من كل ذلك...!
عادت بنظرها ثم شردت في اللقاء الذي كان منذ قليل عندما جاءت إليها ريتا قبل سفرها..
ريتا الجميلة الشاردة بعيداًعن الجميع, كانت تدخل إلى غرفتها بتردد قطعته منى بابتسامة:
-ادخلي ياريتا..
لبت الآخرى أمرها قبل أن تقول:
-أنا جيت اقول بس لحضرتك خدي بالك من البنات أنا مسافرة..
كانت تعلم أن الأمر به تعقيدات وهي حقا متعبة فلم تجادل تعلم منذ فترة بخبر الطلاق فهزت رأسها إيجابا فتمد ريتا يدها تودعها ولكن منى جذبتها لأحضانها فرغماً عنها هي تحب ريتا ..!
طرق علي باب غرفتها اخرجها من شرودها اخبرتها فيه الخادمة بأن الافطار قد حان وقته..
فخرجت خلفها لتمر من أمام الغرفة التي كانت بها فريدة بالأمس...
فريدة الفتاة التي لم يكن لها ناقة ولا جمل في تلك الحرب ..
طرقت بخفة خوفا من أن تكن نائمة... ثم ادارت الباب ..
شلتها الصدمة ربما, الرهبة..
هي تفاجأت ببساطة شديدة ...!!
كان غسان يرتاح بالقرب من فريدة, فتسللت بخفة تتأمله وهو شارداً..
انتبه لها غسان فجأة مما جعلها تبتسم له هاتفة بحنان:
-صباح الخير ياغسان ياحبيبي.. نمت كويس..!
عبس قليلا قبل أن يستقم من مكانه مسرعا بعد أن اكتشف وضعه ..!
فقال بنبرة حادة وفظة وهو يتحاشى النظر لوالدته :
-ايه الي مدخلك هنا ياماما.. في حاجة
هزت رأسها نفيا ثم قالت :
- ابدا ياغسان انت كويس ياحبيبي..
لا هو لم يكن بخير مطلقاً, هو كان يفكر في الكثير والكثير وأولهم بناته ..
ولكنه هز رأسه هاتفا بنبرة هادئة:
-اه كويس, الحمد لله, البنات كويسين..
ابتسمت وهي تربت علي كتفه متحدثة بنبرة حنونة:
-البنات بخير متقلقش..
أجابها بنبرة بان فيها التعب:
-مقلقش ازاي بس , ريتا سافرت..
عقدت حاجبيها لتقول بنبرة محايدة:
-معلش, يمكن بكره ترجع لهم ياغسان.. محدش عارف..
**ت قليلا قبل أن تسأله بنبرة مترددة:
-حبيت ريتا..
واجابته كانت كما توقعت:
-بحب بناتي , ومكنتش احب انهم يتحرموا من امهم..
غصة اصابتها في القلب ومرارة , فغسان لم ينسى عقدته القديمة بعد..!
شردت به وبطفولته والماضي , الماضي الذي لا يذكره أحد .. فيهمس غسان:
-حضرتك صحيح كنت عاوزة مني ايه..
ابتسمت له لتجيبه بمرح مصطنع لم يروق له:
-ابدا ياحبيبي اصل كنت جاية اشوف فريدة.. لقيتك نايم هنا.. الحمد لله انك فضلت جنبها طول الليل .. وهي الي هتاخد بالها من البنات كمان..
حملق بها لبرهة متعجبا مدهوشا من انقلاب الحوار بتلك الطريقة.. هاتفا بحنق داخلي(هل النساء دائما هكذا)!!
إلا أنه لم يأبه بالحديث ممسكا بسترته قاصدا الخروج من الغرفة قائلا:
-انا هروح اوضتي.. ياريت تصحيها انتي او خلي حد من الشغالين يصحيها..انا ورايا شغل كتير..
وقبل أن يهرب كانت لهجة مني الصارمة تقاطعه.:
-مفيش حد هيمشي من غير فطار.. البيت ده شكله كده بقي سايب.. في قواعد من هنا ورايح ياغسان وهتمشي علي الكبير قبل الصغير..
التفت لها يرمقها بتعجب وبداخله لا يعلم من تلك المرأة الجديدة...
الا انه بالنهاية هز رأسه مستسلما أو متعباً من كل شيء قائلا:
-الي تشوفيه حضرتك
وبعد خروجه التفتت هي للنائمة علي السرير ترمقها بحنان... وبداخلها تعلم جيدا ان تلك الفتاة هي من ستعينها...
ربما هي انانية لأنها بالنهاية تفكر بحال عائلتها.. ولكنها ستعمل جاهدة على نثر السعادة...وهكذا اعتقدت..!
*******************
بقصر عائلة الشيخ كان يجلس موسى بانتظار عبدالله.. زوج خالته الراحلة, ووالد حبيبته السابقة.. وزجته القادمة لا محال...!
شرد وهو يرتشف قهوته ... حديثه مع والدته صباحا عندما اخبرها بنية زواجه من نورا..
كانت تجلس في غرفتها تقرأ بمصحفها بعض الآيات القرآنية..
فاقترب منها ثم تناول يدها يقبل ظهرها باحترام قائلا بنبرة هادئة:
-صباح الخير يا امي... دعواتك
ابتسمت له بمودة وهي تغلق مصحفها رابته على ظهره بحنان هاتفة بحب :
-دعيالك علي طول ياحبيبي ..
**ت قليلا مترددا مما هو مقبل عليه ولكنه استجمع قوته هاتفا :
-ماما انا قررت اتجوز..
ابتسمت له والدته بحزن ...قائلة وهي تنظر له بعمق تحاول أن تسبر أغواره.. مما جعله يبعد نظره عنه فقالت هي متسائلة :
-ونسيت فريدة ياموسي...وبعدين ماتصبر يابني مايمكن الراجل الي اتجوزها يسيبها في حالها وبعدين تتجوزا..
كاد أن يصرخ بها أنه كان يريد ذلك ولكن الآن بات الأمر مستحيلا.. مستحيلاً, فانطلق بالحديث وهو يفجر قنبلته في وجهها:
-انا قررت اتجوز نورا ياماما..
عبست قليلا .. غير مدركة لما يريده هامسة بتساؤل :
-نورا مين ياموسى
.. دي زميلتك في الشغل.. انا اعرفها يابني..
ورغم انه يود ان يهرب.. ان يرحل هائما في حب فريدة الذي لم يتخلص منه الي الان ورغم ذلك ختم الحديث ببعض كلمات انهت كل شيء:
-انا هتجوز نورا الشيخ.. اخت فريدة..
نظرت له والدته بصدمة مما جعله يكمل بثبات متجاهلا صدمتها:
-ومينفعش ترفضي ياماما..
صرخت مقا**ه وهي تنتفض من مكانها صائحة بغضب:
-انت اتجننت ياموسى. اخت فريدة.. والمسكينة فريدة ذنبها ايه ..لما تعرف حرام عليك..
ضاقت الدنيا ملقتش غير نورا..
كان يتحاشى النظر إليها دون أن يعلق على ما تقوله فأكملت متسائلة باستنكار:
-انت حبتها ...
ساد ال**ت قليلا قبل ان تهمس تستفهم منه :
-طب امتي.. امتي.. رد عليا
ادار ظهره لها هاربا من تلك المحاصرة قائلا بنبرة ناهية:
-انا هتجوزها وده اخر كلام ياامي..ارجوكي خليكي معايا وسانديني..
اقتربت منه ثم ادارته لها قائلة بنبرة هادئة تحاول ان تفهم مايحدث بهدوء:
-انت طمعان فيهم ياموسي.. طمعان في فلوسهم..
القي لها نظرة ساخطة ..
متألمة..
راجية ان تكف عن اتهامها وأن توافق وحسب:
-لا ,انت عارفة اني مبفكرش في الفلوس..
كانت جامدة في مكانها تود أن تعلم مالذى حدث مع ولدها في الفترة التي كان بعيداً فيها وبأعين لامعة متهمة.. وحدسها ينبئها بشيء مبهم تحاول ان تتجاهله هتفت:
-موسي ايه الي حصل وانت مسافر..ايه حصل.. انطق, انت متغير من يوم ماجيت
وهنا انهارت قوته ولم يجد شيء سوى أنه ألقى بنفسه بأحضان والدته هاتفا باندفاع وغضب :
-غلطتي ولازم اصلحها ياماما.. لازم..!!
وإجابة والدته كانت أن أبعدته عن أحضانها ثم سددت له صفعة, لم توجه له من قبل..!
خرج من شروده على صوت نورا التي ترمقه بفرحه.. وكأن ما حدث بينهم طبيعي ..
كان يتأمل فرحتها متسائلا ًمما خلقت .. ولكنها تشعر بالاشمئزاز من فعلتهم..
كانت تقترب منه قائلة بسعادة:
-انا مش مصدقة انك جاي تتقدملي..
رمقها بسخط يود لو يصفعها.. حائرا تارة يراها بريئة..
وتارة لعوب..
وتارة بلهاء..!
فاردف بهدوء رغم ما يدور بداخله:
-افرضي والدك مرضاش علي جوازنا..
هدرت بعصبية غريبة:
-وميرضاش ليه بقي..
هز كتفيه متمعنا بها متحدثاً بنبرة جامدة يعرض أمامها حقائق:
-ابدا يمكن عشان مثلا أنه كان المفروض يبقي فرحي علي فريدة انبارح.. الي هي بالمناسبة اختك..
تشنجت ملامحها قليلا وكأنها شخص آخر.. وهنا هو يراها .. غير طبيعية, وهي تهدر بعصبية:
-فريدة اتجوزت.. مش من حقه يمنعنا من الجواز
كانت ستكمل ألا أن دخول والدها كتم الحديث وانهاه ,مما جعلها تتركهم.. ذاهبة إلى غرفتها..
تاركة خلفها موسى ووالدها الذي كان يرحب به بطريقة غير عادية!! وكل ذلك فقط لأجل فريدة.
أما هي ما أن دخلت غرفتها وجدت والدتها تقتحم غرفتها فتقترب منها تثور بغضب هادرة بهياج:
-موسي هنا بيعمل ايه..
رمقتها نورة بلا مبالاة هاتفة ببرود:
-ابدا جاي يتقدملي..
اقتربت منها والدتها متحدثة بعصبية وحقد يشع من نظراتها:
-بنتي انا تتجوز واحد زي ده.. وفريدة تتجوز غسان ابو العزم.. انت اتجننتي..
تركتها نورا تهدر كما تشاء .. ثم جلست على سريرها غير ملتفته لها هاتفة ببرود مغيظ:
-ماما.. بليز انا مبسوطة.. وبحب موسي من زمان..وبعدين انت عارفة ومعترضتيش..
ازدادت نظرات جلنار جنونا فاقتربت منها صارخة وهي تمسكها من كتفها بقسوة:
-عشان قلت زيه زي غيره.. ما انت ياما عرفتي.. زيه زي غيره..
تخلصت نورا منها تنظر إلى اناملها بهدوء قائلة بجفاف:
-نو ماما.. موسي مش زيه زي غيره..
ورغم غضب جلنار ولكنها اقتربت منها بحنان مصطنع.. تجهله ولا يمت لها بصلة .. محاولة منها أن تثنيها عن تلك الزيجة:
-طيب سيبك منه ..صدقيني يانونو.. انا خايفة علي مصلحتك.. موسي مش هيقدر يلبي طلباتك..موسي فقير..
نظرت نورا لحنان والدتها المصطنع بنفور تاام..وبلحظة جنون.. ورغبة بالتشفي.. أطلقت بركانها فهتفت بتبجح:
-للاسف ماما.. مبقتش انفع اي حد.. غير موسى
ابتعدت جلنار تتألها بتوجس متمتمة بنبرة مضطربة:
-قصدك ايه..
وهنا سلطت نظراتها بعمق تبادل نظرات والدتها الشبيهة لها صائحة بنبرة شامته :
-قصدي ان الي حصل بينا لازم تبقي نهايته الجواز.. وصراحة انا الي سعيت لكده.. بمعني اصح ورطته..
ارتدت جلنار من هول صدمتها ولكن ابنتها اكملت ببرود بما جعلها تغضب اكثر:
-مش ده برده يامامي.. الي عملتيه مع بابا عشان يتجوزك..وتورطيه...
وجواب والدتها كان صفعة ..
وربما اكثر..
فقط صفعات..!!
وليت الأمر ينتهي , ولكن لا مفر..!
*************
كانت تقف بالقصر بخصلاتها الثائرة حول وجهها.. تتأمله وتتذكر حديث والدة زوجها.. ارتسمت ابتسامة جانبية ساخرة على ثغرها.. عند تلك النقطة..
اصبحت حقيقة هو زوجها.. والجميع يعلم!
وموسى.. سيصبح زوج اختها نورا..!!
أي سخرية باتت تحوم بحياتها.. تحيلها إلى مسرحية معكوسة الأدوار..
شردت هي في اللقاء عندما اقتربت منها منى هاتفة:
-فريدة.. ممكن نتكلم شوية..
التفتت هي الى صاحبة الصوت الهاديء.. ترمقها بنظرات متعجبة من تلك الالفة والحنان التي شملتهم بها ...
ولكنها هزت رأسها ايجابا قائلة:
-اكيد طبعا حضرتك.. اتفضلي..
فاقتربت منى مبتسمة بود .. تمسك بيدها هامسة لها بحنان:
-قوليلي ياماما.. وقبل كل حاجة انا هساعدك
عاوزاك متخافيش مني
همست فريدة بتوجس من تلك المرأة التي لا تعرفها من قبل :
-ازاي..؟!
والاجابة كانت اتفاق.. فمني ابو العزم بالنهاية.. ابنة تلك العائلة...
اتفاق بالصبر علي بنات غسان, الصبر على حياتها هنا, حتي تستطيع هي أن ترمم جدران بيتها المشروخ..
وبعدها ستساعدها وتطلق صراحها..
انانية ربما..!!!!
ولكن فريدة تنشد التحرر يوما ما...!
نهاية الفصل