الفصل التاسع
"فتش عن المرأة".. قاعدة قديمة أطلقت لأجل المصائب.. !
وباتت مثبتة...!! وربما أصبحت حقيقة! في تلك اللحظة!
وهي كانت سبب الانتقام داخل تلك الدائرة المقامة..!
اخبرتها والدتها أنها سبباً لتعاسة آخرين..!!!!
وأمام مرآة غرفتها تقف تأمل فستان زفافها الأبيض بشرود .. ونظرات حزينة
تحولت لإستنكار..!!!
وغضب..
غضب مخلوط بحزن غير عادي, ندم على ضياع ذلك اليوم الذي تتمناه أي فتاة بتلك الطريقة المخزية..
ابتمست بوجع وهي تسترجع لحظات زفافها المهيب , تتذكر حضور صديقاتها اللاتي شعت من أعينهم نظرات الغيرة من أجل زوجها الوسيم, حسد من ذلك الحفل الذي لائم طبقتهم بإمتياز..
كل هذا تجمع بعقلها كبركان مما جعلها تمسك بزجاجة عطر ..تقذفها بزجاج المرآة ..
فتهشم..
يتطاير..
وهي تقف بمواجهته..! بملامح شاحبة بل تكاد تكن ميتة..
متمنية في تلك اللحظة أن تصيبها إحدى تلك الشظايا...
ربما في القلب لتنتهي الحياة وتنتهي هي..!
كانت في تلك اللحظة في أضعف حالتها , إنها للحظة كانت تفكر أن تمسك بإحدى الشظايا , ف*نحر شريان حياتها وتموت ..
في ذلك الوقت كان كريم يصعد للأعلى بخطوات سريعة عندما استمع إلى صوت الإن**ار الصادر من غرفتها , وصل أمام الباب فقام بفتحه دون استئذان !
تسمر مكانه حينما وجدها تقف جامدة وكأنها تحيا في عالم آخر , فكانت تنظر
للشظايا المن**رة من زجاج المرآة بجمود وأعين دامعة.. وكأنها تستنكر الأمر, بل تستنكر مايحدث..
فاقترب منها بحذر هاتفا بنبرة هامسة متوجسة من حالتها تلك , فهو على أي حال لا يعرفها جيدا:
-نيرة...نيرة مالك..؟!
ظلت في مكانها على نفس حالتها الجامدة , بينما هو كان يتأملها بتركيز وتعجب في آن واحد حتى التفتت له بعد دقيقة وربما أكثر...تغمغم بنبرة تكاد تكون مسموعة والكلمات تخرج منها مبعثرة:
-انا ايه الي عملته في نفسي ده... ازاي عملت كده... ازاااي…
ونهاية حديثها كان صرخة فجرت بها غضبها من حالها ومما فعلته...وتبع الصراخ إنهيار مما أدى إلى سقوطها على الأرض هاتفة بكلمات تبرر حالتها ولا يعلم هو هل تبرر له أم لحالها ولكن بالنهاية هو لا يهتم إطلاقاً:
-هو الي لف عليا... انا كنت في حالي بس حبيته والله انا وحشة اووي ,انا تعبانة...
ساد ال**ت فرفعت نظرها له متسائلة بنبرة يشع منها الرجاء بالنفي على السؤال:
-هو انا وحشة..
في مكانه كما هو مازال يراقبها بجمود تام , فلم يتأثر إطلاقا بينما نظراته تتبعها وهي تنهار ...
تهذي ...
تطلق الصراع بداخلها..
تعجب من جموده وعدم تأثره أو تعاطفه معها ربما لأنه هنا كان يري صورة ش*يقته أمامه وهي منهارة فاقدة الوعي عند إنتهاء الزفاف...!
يرى صورتها وهي تبكي بيد غسان وكأنها لا قيمة لها, يتذكر سلبيته وخوفه فتركها, أجل الجميع شارك هنا في ذ*حها وبأكثر الطرق اثبتوا لأنفسهم أنهم لا قيمة لهم أيضاً! كما هي!
تفاقم حقده في تلك اللحظة أكثر فابتعد عنها واضعا يده في جيب سرواله هاتفا ببرود:
-اه وحشة... البنت الي تفرط في نفسها بيتقال عليها اكتر من كلمة وحشة...
ورغم انهيارها وشحوبها الذي ازداد بعد كلماته تلك إلا أنه أكمل بصلابة:
-بيتقال عليها رخيصة...
**ت قليلا قبل أن يكمل حديثه وهو في طريق الخروج من الغرفة:
-افففف انا كنت بحسب في مصيبة حصلت... بس انت تمام اهو.. خلصي بقي فيلم الدراما ده.. ونضفي مكانك الازاز ده.. ولو اتجرحتي ابقي طهري الجرح…
كاد أن يخرج من الباب ولكنه عاد لها بنظره مرة آخرى رادفا بأمر:
-غيري هدومك أنا مستنيك تحت…
و بخروجه تذكرت حينها كلمة والدتها (أنها ليست مركز ذلك الكون) وحان وقت أن تنضج...
وحقا حان الوقت...!
أما هو كان ينتظرها بالأسفل بعد أن قام بتغيير ملابسه ممسكا بيده قدح القهوة ...
يرتشف وهو شارداً يتألم لأجل ش*يقته وتلك الصغيرة التي وإن أنكر.. كانت ضحية لش*يقه ال**بث.. وهو أدرى بمغامراته المنحطة..!
ورغم ذلك هناك صوت بداخله يخبره ويأمره جيدا إنه يجب أن يؤلمها ربما لأجل فريدة, وربما ليخمد تلك النار المشتعلة بداخله منذ أن اختطفت ش*يقته أمامه و بمباركته...!
خرج من شروده على صوت ما فوجدها تهبط من الأعلى مرتدية منامة مريحة من أجل النوم وشعرها ملفوف على هيئة دائرية..! بينما خصلاتها مبعثرة في هالة طفولية بجدارة , ليلعن هو حينها بداخله مازن متسائلاً كيف إستطاع أن يلوثها ؟! كيف فعلها؟ كيف؟!
كان يتكرر السؤال ولا إجابة شافية له بينما هي كانت تتقدم منه هادئة...
مستسلمة...
بريئة ..!!!
كانت قد وصلت لمكانه فجلست على إحدى المقاعد المقابلة له علي مائدة الطعام المستطيلة هامسة بنبرة متعبة باردة دون أن تعي لمظهره الغاضب:
-عاوز مني ايه...؟!
ازداد غضبه منها فض*ب بيده المائدة صائحا بعصبية شديدة:
-قومي... انا مأذنتش ليك تقعدي…
تشنج جسدها فحبست أنفاسها بصعوبة وهي تحملق فيه ببلاهة غير مستوعبة لما يقوله أو تتعرض إليه هامسة بصدمة مستنكرة:
-بتقول ايه... انت اتجننت…
لم يتمالك أعصابه فكان رده أن أقترب منها والرد كان صفعة...!!
صفعة تجرحها وتهينها...
صفعة في ليلة زفاف...
ليلة زفافها...!!
وتلك الصفعة لم تنالها من قبل سوى من غسان؛ أغمضت عينيها تطرد ذكرى ذلك اليوم الذي كاد فيه ش*يقها الأكبر أن يقتلها لولا تدخل والدتها ويامن .
نقضت الذكرى ؛ ويدها تتحسس موضع الض*بة , تحبس دموعها ببراعة , رغم تلك النظرات التي تخبره بالدموع الوشيكة , ولكنه لم يهتم ولن يهتم,
فاقترب منها أكثر يرمقها بنظرات قاسية متحدثاَ بنبرة ناهية.. باردة كالصقيع :
-اسمعي يانيرة...انا دلوقت جوزك.. ولو اخواتك الحلوين فهموكي انهم هيقدروا يحموك مني تبقي غلطانة..والي يحصل بينا هنا اوعي يطلع بره…
الكلمات كانت بوعيد, تحذير واضح وص**ح.
تطلع فيها, بنظراتها المرتعبة...
والمصدومة.. قبل أن يكمل بنبرة حادة:
-فاهمة ولا لا...
هزت رأسها إيجابا ,ولكنه أمسك بجانب فكها ضاغطا بقسوة جعلتها تتألم... وهو قاصد أن يشعرها بالألم ؛فهدر بنبرة عالية وهو يزيد من ضغطه فتزداد ألما:
-عاوز اسمع صوتك... انت مش خارسة
اومأت رأسها بطريقة هيسترية هامسة بخفوت:
-حاضر... فاهمة..
وحينها حررها من بين يده بعنف مما جعلها تترنح للخلف عدة خطوات, ثم ابتعد عنها يعود إلى مقعده مرة اخرى.. قائلا بينما يرتشف قهوته باستمتاع:
-بصي بقي... مبدأيا كده انا مش عاوزة خدامة معانا هنا في البيت...ولو اخواتك بعتولك قوليلهم مش عاوزة.. ماشي..!
وإجابتها كانت همس:
-ماشي..
فاكمل بنبرة مسيطرة بكلمات مبطنة بالإهانة :
-وبما اني مش هاخد منك حقوقي كزوج..يبقي اخد اي حاجة في الجوازة السودا دي...
ارتعبت نظراتها فهمست بتساؤل :
-قصدك ايه..
شملها بنظرات تقيميها غير راضية.. رادفا ببرود:
-متخفيش انا مش هاجي جنبك.. يوم ماتجوز هتجوز واحدة...تكون انا اول واحد في حياتها…
توقف عن إكمال حديثه قاصدا المزيد من الإهانة وهو ينظر لها بدونية أوجعتها, فلاحظ هو هذا الان**ار بنظراتها فأكمل حديثه و مازال كما هو:
-فاهماني طبعا..انت بس يدوب هتطبخي وتنضفي وتذاكري سمعت انك مستنية نتيجة الثانوية.. شوفتي انا كريم ازاي
لم تجيبه كانت تنظر بعيداً تتحاشى نظراته المؤلمه حتى سمعته يكمل بطريقة مسرحية:
_..زي اسمي..كريم وانا فعلا هبقى كريم معاك مش هبقى زيك انت وعيلتك
استقام من مكانه ب**ل بعد أن انتهي من حديثه وألقى كلماته الجارحة لها منهيا تلك الليلة الكريهة كما كل مافيها..
ثم رحل عنها مطلقا صفيرا منتشيا خاصة بعد أن لاحظ دموعها التي تحررت أخيراً.
صعد للأعلى متجاهلا كل ذلك , وخلفه كانت هي تتألم.. فتض*بها حقيقة أنها بالنهاية هي الجاني والمجني عليه..!
وقد حان وقت أن تستقبل عقابها ب**ت .. حان وقت أن تنضج.. وربما تتعلم..!
****************
نائمة علي السرير بعد ان أنتهي الطبيب من الكشف عليها.. وإعطائها بعض الأدوية المنومة.. كانت بعالم آخر وربما داخل غفوتها تلك تتمنى أن تبقى بعيداً..
أما هو كان يقف يرمقها بنظرات حائرة.. إنهيارها كان سريعا للغاية, فما لمسه من قوتها بالفترة الماضية جعله يوقن أتها صامدة للنهاية..!
همس باسمه جعله يلتفت إلى مص*ر الصوت الذي يعرفه جيداً.. فوجدها تقف هادئة.. بنظراتها الشاردة التي تحيره فهمس بعد أن اقترب منها:
-ايوه ياريتا عاوزة ايه..
أجابته بابتسامة م***بة وملامح شاحبة:
-انا طيارتي بكره فحبيت اقلك..
غضبه من الداخل كان يزداد فرمقها بحيرة.. ثم أقترب منها ممسكا بها من مرفقها يخرجها من الغرفة , وصولا إلى غرفتهم والذي ما أن دخلها حتى هدر بها بنبرة غاضبة:
-يعني إيه طيارتك بكره, فهميني كده, ازاي تاخدي الخطوة دي من غير ماتقوليلي..
ارتعدت من داخلها من تلك النبرة , ورغم ذلك تماسكت بينما أناملها تمتد تلمس أعلى خصلاتها الشقراء تخفي ارتعاشها بمهارة كما تعودت !!
ثم تحدثت بثبات تُحسد عليه:
-أنا وأنت هنطلق كده كده , ثم أنا قلت مش عاوزة العيشة دي, مش عاوزة اعيش معاك , عاوزة ارجع امريكا..
انهت كلمتها الأخيرة بصوت عالي ونبرة محتدة , فاقترب منها ضاربا المنضدة الفاصلة بينهم بعنف, لتسقط تلك الزهرية المصنوعة من الكريستال متهشمه لشظايا..
كان صوت تحطم المزهرية عالي أصاب ريتا بالقلق والتوتر أماغسان لم يهتم مطلقا, فاقترب منها أكثر يرفع يده عاليا يصفعها بقوة..
بغضب..
بحيرة..!
يهدر بصوت منفعل , يطلق قرار خرج منه رغم كل ما يحدث ب*عور قاسي :
-انت طالق ياريتا..
لم تبقى في مواجهته فترنحت للخلف توليه ظهرها قبل أن تسابق الوقت وهي تسير بخطوات سريعة تجاه باب الحمام تغلقه خلفها بقوة , فتسمح لتلك الدموع أن تتحرر أخيراً..
أما هو خرج من الغرفة قاصدا تلك التي تستريح بها فريدة ..
ينظر إلى تلك النائمة علي السرير..
شاردا فيها... حائرا.. فيما بعد.!
يفكر بريتا كيف استطاعت تخدعه, لما كان يشعر أنها قد تتغير , قد تأتي إليه تخبره بما يصيبه بالحيرة, وهو.. هو رغم كل شيء كان يريد أن تتربى بناته علي يدها, كان يريدهم مع والدتهم!!
مسح وجهه براحة يده خارجا من كل شيء, يشعر بالتعب فمنذ أن توفى والده وهو بدوامة ولا يعلم متى الخروج..؟!
همهمة أص*رتها فريدة جعلته يقترب منها ودون أن يعرف السبب.. أشفق عليها ثم جلس في وضع النوم على أريكة بالغرفة ناشدا النوم وبعض الراحة من كل شيء..!!!
في الصباح الباكر طرق على باب الغرفة جعله يستيقظ سريعا, يأذن بصوته المتحشرج من النوم للطارق بالدخول والذي لم تكن سوى ريتا!!
اقتربت منه بخطوات هادئه هامسة بثبات:
-أنا مسافرة دلوقت..
وبداخلها كانت تكتم كلمة آخرى:
-هتوحشوني ..
دموعها كانت تتحكم بها بمهارة تامة , تلك الدموع التي تحولت لشهقات وهي تحتضن صغارها ..
تضمهم..
تستنشق رائحتهم بنهم ..
تتلمس ملامحهم بجنون وحزن!
بينما غسان كان ينظر لها متأملا قوتها هاتفا:
-السواق هيوصلك المطار
هزت رأسها ثم اقتربت من فريدة ترمقها بنظرات هادئة ..قائلة بخفوت :
-خد بالك منها ياغسان..وعاملها حلو عشان تاخد بالها من بناتنا... !!
أصابه الغضب مرة آخرى فامسك بها هادرا بصوت خفيض:
-وليه انت متفضليش معانا وتاخدي بالك منهم..
لم تجيبه فأكمل متصنعا الهدوء:
-ريتا احنا صحيح اطلقنا.. وفشلنا مع بعض.. بس انت ام حلوة..انا مقدرش انكر ده.. خليك ياريتا لو كان قصدك الطلاق خلاص حصل..
ودت لو تصرخ به أن تخبره أنها لا تريد سوى بناتها ولكنها رفعت نظرها له بنظرات ثابته.. وقلب يتألم ينزف من الداخل:
-خلاص بقى أنا زهقت من هنا عاوزة ارجع امريكا واعيش براحتي..
أما بداخلها تهمس بألم:
-ياريت ياغسان.. انا ماشية وسايبة معاكوا بناتي..!
خرجت من شرودها على صوته قائلا:
-وايه مخليكي متأكدة انها هتاخد بالها من البنات..!!
هزت كتفها برود قائلة وهي تتجه للخروج:
-مش عارفة بس حبيتها ياغسان.. اول ماشفتها في الفرح اطمنتلها.. خد بالك منها ومن البنات..!!
أطلقت كلماتها لأنها تعلم أنها ذاهبة إلى الموت بيدها!
ازدادت حيرته منها فخرجت من الغرفة قبل أن يوقفها هاتفا باهتمام حقيقي:
-ريتا.. فهميني فيه ايه.. فيه ايه, قولي لو في حاجة هساعدك؟!
هزت رأسها نفيا هاتفة:
-انا زهقت من مصر وخلاص ,ليه م**م ان فيه حاجة..ه
ساد ال**ت بعدها قبل أن توليه ظهرها لتخرج
,وهي تحبس دموعها بصعوبة.. هي كانت تكتفي بأن تبقى معه فقط لتبتعد عن والدتها.. حتى لو احتقرها ونفر منها.. هي متعبة وتريد الراحة. .ولكن ربما لن تجدها يوما.. ربما...!
************************