الفصل السابع
استيقظت ليلا فوجدت أنها وحيدة ..التفتت حولها لعلها تراه قابع في إحدى زوايا الغرفة ولما لا لقد اصبحت تتوقع منه المفاجأة...
ولكنها وللمفاجأة لم ترمق له أي اثر, نفضت رأسها بحدة تكتم تلك الدموع المحتقنة بعينيها بصعوبة بالغة..
وأخيراً أغمضت عينيها لتعلن تلك الدموع أخيرا ًعن تحررها بملامسة وجنتيها الناعمة , وشعور بالألم والنفور من كل شيء تمر به يجتاحها.. يؤلمها ويعذبها.
وكم اوجعها ما شعرت به في تلك اللحظة الذي تركها بها ورغم انها تمقته ..تكرهه وربما تود قتله بيدها ,ولكن يؤلمها تركه لها في هذا الوقت بعد أن اثبت لها بكل الطرق أنها دميته التي سيفعل بها ما شاء, بل ومتى شاء ..! إنه اثبت لها مهارته باللهو على أعصابها .
,فما فعله اليوم اثبت لها من خلا له أنها لا قبل لها ولا قوة بها لمواجهة ومجابهة غسان في حرب الانتقام العبثية التي يسعي لها بجنون مرضي بنظرها.. !
ولكنها فقط متعجبة تطلق تساءل ما؟! ..
تفكر بداخلها لقد أذلها , لقد فعل كل شيء قد يفعله أي رجل ليذل أنثى معتدة بحالها اذاً لما لم يكمل للنهاية! لما يؤخر انتقامه إلى الآن؟!
فكرة ب*عة وشعور مرير يتسلل إلى روحها ببطيء مميت كل هذا مر ببالها وسؤال قاسي يهاجم دواخلها ..!
هل فعل ذلك لأجل إذلالها أكثر؟!
أم فعل ذلك ليتلذذ بانتقامه اكثر واكثر؟! فعل ذلك حتى يستمتع بانهيارها البطيء أمامه..!
كانت تفكر فوجدت أن النتيجة واحدة فبكل الأحوال سيكن المعنى والإجابة أب*ع ما يكون..!
فما تحيا به اقرب ما يكون للرخص , والرخص كلمة كبيرة بمعاني متعددة لم تتوقع في أسوء كوابيسها أن تتعرض لإحدى معانيها..!
ولكن على يد غسان أبو العزم.. شعرت بكل مالم تتخيل أن تصل إليه يوما ما...!
ض*بة موجعه سددها بجدارة لها ولروحها ,وبرحيله يعطيها اشارة انها عشيقة بعقد زواج..!
هبت من مكانها تنفض عنها الشرشف متجهه إلى حمام غرفتها ,تنعم بالمياه الدافئة عسى أن تتخلص من أثاره.. تنفض عن عقلها تلك الافكار التي لا تراها هي سوى افكار انحطت للقذارة...!
كانت تتمني وتواسي حالها أنها قد تتخلص من ذلك ولكنها لم تكن متأكدة...!
بالخارج كان يفتح باب المنزل بعد أن عاد مرة أخرى حينما أتاه اتصال من يامن لضرورة حضوره إلى القصر للسيطرة على نوبة من نوبات الهلع لنيرة والتي كانت تنتابها في الفترة الاخيرة..!
وكم ألمه مظهرها وهي تصرخ بطريقة هستيرية , لا ينسي في ذلك الوقت تلك الغصة التي أصابته وهو يرى مظهرها المنهار بتلك الطريقة المؤلمة.
كان قد دخل إلى المنزل بمزاج سوداوي للغاية ورغبة للانتقام تتجه لفريدة.. بداخله شعلة تريد الانتقام, بل تحثه على القتل ربما!
تسمر مكانه خارجاً من شروده وأفكاره عندما وجدها تخرج من غرفتها في طريقها إلى المطبخ .. ترتدي منامة طويلة بلون أسود.. وشعرها المبتل يلتصق بعنقها.. شاردة..
جميلة..
بريئة..
ولكنها قوية..!
وبينما هي تسير غير واعية له صاح بها هادرا بنبرة غاضبة منها ومن نفسه التي فكرت بها بطريقة مغايرة للحقد:
-فريدة...رايحة فين
تسمرت مكانها ولم يخفي عليه ارتعاش جسدها ربما مازالت خائفة منه او ترهبه بعد ما حدث منذ ساعات, كان يقف مكانه يراقبها وهي تلتفت له ببطيء وهي تغمغم باضطراب :
-رايحة اشرب..
كالطفلة ..مذعورة
..خائفة
..تائهة
وربما خجلي.. أو غاضبة!
بقيٌ في مكانه يتأملها بنظرات قوية شعرت هي وكأنه يخترقها بتلك النظرات, كان يتابع حركة جسدها المتوترة وأنفاسها المضطربة تخبره أنها ربما مذعورة..
تأمل ملامحها فكانت كعادتها تتحاشى النظر إليه , اقترب منها بخطوات متمهلة .. يجذبها من ذراعها بقسوة مطيحا بثباتها ,مستمتعا بخوفها.. ربما ..!
او مستمتعا بشيء اخر..!
هو لا يعلم حقا ما به ولكنه ..!
لكنه يريدها ..!
التصق بها مقتربا من صفاحات وجهها الندي هامسا:
-موحشتكيش.. ولا ايه..
جحظت عينيها ربما نفورًا وربما تعجبا.. هي مصدومة ببساطة هذا الرجل مجنون كيف تشتاق إليه. كيف ؟!..
فمنذ ساعات كاد ان...! لم تكمل الكلمة داخلها..!
نفضت رأسها تحاول أن تبعد تلك الصور التي اخترقت عقلها , فتمتمت باضطراب في محاولة منها لرسم القوة أمامه:
-انت طبيعي ..بجد شايف نفسك طبيعي..
ازداد اقترابه منها فتشعر هي بأنفاسه , تلمس منه غضباً يود الخروج والتحرر منه.
أما هو كان يفكر أنه بها سيفرغ غضبه, وكل الاصوات داخله تخبره أنها تستحق, فكما حدث لش*يقته سيحدث لها .. وربما اكثر هو رجل لا يترك ثأره ابداً..!
اردف مغمغما بنبرة ماكرة وهو يلف إحدى خصلاتها حول اصبعه:
-نسيت اقولك ...حاجة مهمة
رفعت نظرها له بينما تحاول الابتعاد عنه وعن جسده ولكنه لم يسمح لها ..ولن يسمح ,بل احكم يده حولها يخبرها بطريقته انه لا خلاص .. هي هنا ملك ما يريده منها..!
تحدثت بالنهاية وهي تكز على أسنانها غضبا وقهراً تحاول عبثاً أن تخمد تلك المشاعر المتوجسة داخلها:
-نسيت ايه...خير في حاجة لسا عاوز تعملها..
افلتت منه ضحكة مجلجلة ..تلك الاثني قوية ..تبهره وتثير جنونه بطريقة غريبه.. يراها جامحه وهو من سيكبح هذا الجموح ويقتله.. ويقتلها..!
مد يده يلامس بشرة وجهها بأنامله.. يغمز لها بوقاحة هامساً بنبرة خبيثة :
-من جهة انه انا نسيت , فأه فعلا انا نسيت اهم حاجة يابونبوناية وشكلك كده مضايقة اني نسيت, تحبي نكمل ولا ايه..!
انهي حديثه بغمزة من عينة, اثارت الخوف بها من ان يفعلها مرة اخري, شحب وجهها وابتعدت إلا أنه اقترب هاتفاً بصخب :
-كان نفسي اقولك صباحية مباركة ياعروسة.. بس ملحوقة ..
ثم ابتعد عنها قليلا يتأملها من أعلى إلى اسفل بنظرات اخافتها اكثر, ليكمل هو ببرود:
-وبصراحة بقي عاوز اكمل إلى عملته انبارح
بغضب وبثورة اهتاج جسدها يرفضه.. واهتاجت مشاعرها نفورا..
غضبا..
وربما ..خزياً..
وبينما هو يسيطر عليها بقوة جسده الذي استطاع ان يسيطر عليه بسهولة لضعفها, صرخت به بتقطع:
-لا..لا ياغسان مش هيحصل..على جثتي..ابعد عني..ابعد..
تأفف وببرود يتقنه ..يتفنن به.. متأصل بأعماقه , وهو يشدد من خصلتها الملتفة حول اصبعه لتطلق صرخة خافته لم يأبه لها :
-اممم..فريدة انا مضايق وزعلااان اوي..فوق ماتتصوري..فبراحة كده اهدي..انا هعمل ف النهاية إلى انا عاوزه.. وافتكري اني سبتك بمزاجي ..
اطلق جملته الاخيرة وهو يمسك فكها بقسوة ..ثم نفضها بعيدا عنه , مما جعلها تترنح للخلف عدة خطوات.
أما هو فابتعد عنها قاصداً غرفة مكتبه , لاعنا بداخله كل شيء, والسؤال هو لما لا يتمم زواجه منها.. لما؟
لما يشعر أن هناك حاجز, يريدها كرجل هو لا ينكر, فمنذ أكثر من عامين لم يقترب لأمرأه, هز رأسه وتفكيره يذهب مرة أخرى إلى ريتا اللغز الذي عجز هو عن حله.!
******************************
في غرفة يامن ..كان يجلس شاردا على إحدى المقاعد ..شاردا بميرال..
ميرال الغنام امرأة ذات مذاق ناري تعلم ما تريد ولا تتنازل..
استطاع فهم ذلك الامر من أول لقاء , فكفى النظر لها ليف*ن بها, وهو رجل يحب المغامرة وهي ربما ستكن اقوي مغامراته, ومنذ زمن بعيد وهو بعيدا عن لعبة المغامرة مع الحياة..!
وبينما هو يفكر بها جاءت أمامه صورة زوجته مريم.. والتي لم تكن سوى النقيض من الأخرى ,وهنا تكررت الكلمة (زوجته)..والتي كانت تقترب منه بحذر في تلك اللحظة في حالة ضعف كطبع بها..
..وخنوع تعودت عليه..!
كان يجلس كما هو على مقعده يراقب اقترابها بنظرات غامضة, يتأمل يدها التي امتدت لتربت على يده برقة قبل أن تجلس امامه منحنية على ركبتها هامسة له بمواساة وتأثر لحالته الشاردة:
-سرحان في ايه يايامن..انت بتفكر في نيرة..؟!
ساذجة.. بالتأكيد.. همسها بداخله قبل ان يستقم من مكانه دون ان يراعي جلستها أمامه.. غير مبإلىا بها بالمرة ,
ورغم ألمها منه إلا أنها اكملت وهي تتبعه بعد ان استقامت من مكانها بصعوبة وبداخلها تعتقد انه غاضب بسبب ما يحدث لش*يقته:
-متزعلش ..بكره ترجع زي الاول..عشان خاطري متزعلش...انا...!
**تت قليلا قبل ان تقول بنبرة متأثرة لأجله:
-لما بتزعل انا بزعل اوووي...انا بحب اشوفك مبسوط..
هنا المنطق الرجل يحب الخنوع.. يستهويه ضعف الاثنى التي يملكها.. ولو كان ينظر لغيرها..! ولكن مالا تعرفه الانثى أن هذا الشعور يجعله الرجل أكثر غروراً وقوة..!
التفت لها يمسكها من كتفيها يشعر بملمس بشرتها اسفل انامله ..!
يقترب ..
يقتنص قبلة..
غاضبة ..
متطلبة..
ولكنها لم تكن عاشقة..! كما تمنت هي !
فقط قبلة جافة يفرغ بها جزء من العديد من حيرته وغضبه..!
امسك بجسدها هاتفا بنبرة جامدة وهو يتأملها بنظرة جافة :
-مريم اتحكمي في نفسك.. مش اي حاجة تزعلى وتعيطي..
همس جاف كباقي حياتها معه.. وبلمح البصر كان يقصد حمام غرفته تاركها خلفه..
ولكنها اسرعت تمسك به تترجي منه عاطفة ولو كاذبة.. لما لا يشعر بها.. لما..؟
-يامن بتعمل معايا كده ليه..انا..انا
توقفت عن الحديث غير قادرة على كبح تلك الغصة المريرة ورغما عنها بدأت بالبكاء
لم يهتم بها ولحالتها فابتعد هو عنها مكملا حديثها ببرود:
-انا بحبك..عارف وقلتلك ميت مرة دي مش مشكلتي..انا شايف انك تروحي لدكتور نفسي..يعلمك تتحكمي في مشاعرك شوية..--
ارتدت مصعوقة ..مصدومة من بشاعة حديثه تواجهه بوجه شاحب.. وجسد متشنج , واعين دامعة.
مما جعل الندم يتسرب له على الفور.. متسائلاً بداخله لما يفعل ذلك بها.. لما..؟, فهي لا تفعل شيء سوى أنها تحبه , والسؤال يأتي مرة أخرى لما لا يستطيع ان يحبها ببساطة..؟!
وبالنهاية هو لا يعرف المواساة.. لا يعتذر.. وبالطريقة التي يعرفها ويتفنن بها معها..!
كان قد اقترب منها.. يلقيها بأحضانه وندم عميق بداخله.. ربما سيزول مع أولى دقائق الصباح..!
**********************
على ضوء القمر وصوت المياه يرتطم بالشاطئ.. ونسمات الصيف تنساب لهم وعليهم..
كانت تتأمله بوله وهو شارد بالمياه هامسة بداخلها كم تحبه , وكم تتمني منه كلمة واحدة أو حتى نظرة واحدة محملة بالحب لها,..
ودون أن تشعر مدت أناملها و أمسكت يده هاتفة بنبرة رقيقة:
-مالك ياموسى.. انت منبسطتش من اليوم النهارده..
هز رأسه ببسمة حزينة.. وهو يربت على يدها بحنان افقدها قلبها مرة أخرى.. دون أن يدري كيف هو تأثيره عليها.؟!
لتتساءل داخلها كيف له أن يكن بتلك الروعة؟ يا الله كم تعشقه وتريده هو أيضا يعشقها.
كانت شاردة للحظة به عندما التفت لها هاتفاً بنبرة حانية:
-بالعكس.. انبسطت.. انت عارفة يانورا..
تأملها قليلا ينظر إلى ملامحها بشرود ليكمل حديثه بهدوء:
-فيك من روح فريدة..وحشتني اوي..انا مش عارف اشكرك ازاي! انت هونت عليا إلى انا فيه!
انهي حديثه موجها من خلاله ض*بة لقلبها.. ض*بة لكيانها كأنثى.. وصورة فريدة تسيطر على المشهد..
ورغم ذلك لم تبتعد عنه..لم تظهر امتقاعها , بل إنها تصر على الاستمرار في محاولاتها للنيل من حبه بأي طريقة..
تحدثت بهدوء.. تلمح له بشيء ربما يشعر بها تمرر له مشاعرها ربما يلاحظ:
-متشكرنيش على حاجة.. انت غالى عندي يا موسى..
وهمسه كان صدمة اخرى وض*بة أخرى نحرت قلبها :
-وانت كمان غإلىة يانورا ..انت اختي التانية..
ارتعشت من الداخل لحديثه المحبط إلا أنها رددت وبإصرار تقولها لنفسها:
-النهاردة اختك..بكرة صديقة..واكيد هيجي يوم وابقي حبيبة..
وبمكر انثوي تتقننه ..اقتربت منه هاتفة باقتراح بريء:
-طيب ايه رأيك نروح أي مكان نقضي فيه سهرتنا..
هز رأسه لها يمنحها ابتسامة ممتنه.. لتهب من مكانها تمسك بيده هاتفة بحماس:
-يلا ياموسى..يلا..
وخلفها انقاد.. ينسي.. او يشعر بروح فريدة بأختها نورا..!
بعد فترة.. كان يجاريها برقصها على تلك الموسىقي الصاخبة.. وهي تتمايل معه بحماس.. ونشاط مفرط..
اقترب منها ثم همس في أذنها :
-مش كفاية رقص بقى يانورا.. الوقت اتأخر يلا ارجعك الفندق ..
ودت لو تحتضنه ولكنها ارتشفت من كأس للخمر الموجود بيدها هامسة له :
-اشرب معايا ياموسى..
تأفف قائلاً بينما يده تبعد ذلك الكأس الذي يود لو يمسك به يهشمه ويمنعها عنه:
-مبشربش يانورا..وكفاية كدي بقي يلا اروحك.. انت ازاي اصلا بتشربي الحاجات دي..
شعور دغدغها من الداخل نتيجة جملته الأخيرة ولكنها لم تنصت له بل هتفت برقة ونعومة خبيثة وهي تقترب منه:
-عشان خاطري.. اشرب يمكن تنسي فريدة.. هتنسي بجد..
ركن إلى ذكرى فريدة مرة أخرى.. لو يستطيع فقط أن ينساها ولكن كيف..؟! كيف ينسي عشقها الموشوم داخله كيف؟!
ورغم ذلك كانت كلماتها عن النسيان تض*به من الداخل تذكره بفريدة أكثر وكأنه قد نسي..!
كان شارداً عن تلك القريبة منه, شارداً بتلك الحبيبة..
بضحكتها..
بهمسها الرقيق..
بطلتها البريئة..
بنظراتها الناعمة..
بينما نورا كانت تقرب منه كأسها وبين شروده ورفضه ,ألمه وجرحه , ورغبة للنسيان وعدمها..!
لم يشعر بنفسه إلا وهو يمسك بالكأس يرتشف منه ربما ينسي , يتمني به أن يفقد كل الذكريات , فكانت البداية الذي تلاها العديد والعديد.. وهي تشاركه..!
حتي فقدوا وعيهم عن المنطق..! وعن كل شيء..!
*************************
غدا الزفاف طبعت البطاقات.. والجميع سيحضر وهو ..هو حزين.. غاضب , هو يتألم على ما يحدث , أي زيجة تلك التي تجعله يخسر احترامه لذاته .
أغمض عينه ,ثم أمسك بهاتفه يتابع الاخبار, وبعض الاشاعات تتردد عن اختفاء ش*يقته. .واقامة زفافه بدلا منها..!
والتبرير للأمر لا يوجد.. !
جلس على المقعد خلفه يكبح غضبه مما يحدث بصعوبة ,فلِما يشعر أن غسان سيفجر قنبلة في الزفاف, وكلما وصل بفكره عند تلك النقطة ينقبض قلبه فعلياً...كلما اقترب الامر.., يتساءل ما الذي يحمله هذا الرجل لهم؟!
في تلك اللحظة دخلت والدته إلى غرفته هاتفة بحماس غريب أخرجه من شروده:
-مب**ك ياكوكي..ياقلب ماما..
نظر لها بتشوش ولكنها لم تلاحظ وهي ترفع شاشة هاتفها أمامه تريه صور لمجموعة من الفساتين مكملة حديثها دون أن تعي حالته المصدومة :
-اختار معايا فستان.. عشان فرحك..
تمعن في وجه والدته الفرح لعدة لحظات, لينصدم منها قائلا بنبرة مستنكرة:
-انت فرحانة ياماما...
ساد ال**ت بينما والدته تنظر له بترقب تتمعن به, دون أن تجاوبه ليكمل صارخاً وهو يستقم من مكانه :
-انا عارف انك مبتحبيش فريدة.. بس مش للدرجة دي .. فستان ايه وفرح ايه ..انت مصدقة التمثلية دي..
لم تهتم هي لحديثه بل هزت كتفيها ببرود ولا مبالاة ثم اردفت وهي تتابع الصور على هاتفها الشخصي غير مبالية لحالته الغاضبة:
-وبعدين بقي.. نصيبها ياكريم..وبعدين دي متجوزة غسان ابو العزم.. مش احسن من موسى بن خالتها..
همس بذهول بعد أن انهت حديثها البارد الذي زاده غضبا:
-انت مصدقة نفسك.. ده بينتقم منها ياأمي..كله بسبب مازن..
تشنج جسدها ثم اقتربت منه صارخة بنبرة حاقدة.. غاضبة يتخللها جنون:
-افهم بقي, مازن اخوك انما فريدة لا..
توقف عن الحديث ثم أكملت بانفعال:
-اخواتك هما مازن ونورا بس انت فاهم!
ارتد للخلف مصعوقاً مما تقول لينظر لها وكأنه يرى والدته للمرة الاولي , لم يتخيل في أسوء كوابيسه أن يسمع تلك الكلمات يوما منها وبصدمة همس وهو يقترب منها:
-انت بتكرهي فريدة.. ماما انت فرحانه بإلى حصلها..؟!
وبدون تردد كانت الاجابة منها دون أن تراعي حالته مرة اخرى:
-اه بكرهها وبكره امها..وبكره اشوفها..
وكويس .....
كانت تود أن تكمل ولكنه لم يعطها فرصة تكمل حديثها صائحا بحدة وهو يرفع يده بوجهها:
-كفاية..كفاية..فريدة اختي, ياريت تفهمي انت ده!
حاولت الاقتراب منه تمتص غضبه ولكنه نفض يدها هاتفا بحده:
-سيبيني لوحدي لو سمحت..
جاولت الاقتراب منه تحاول أن تحتويه فهمست بتردد:
-يابني انا...
ولكنه قطع همسها وهو يبتعد عنها مشيراً إلى باب غرفته :
-لو سمحت يا امي سيبيني بعد اذنك
تأملته هي قليلا ولكنه تحاشى النظر لها فخرجت هي بينما هو في مكانه ينظر إلى أثرها بصدمة وذهول, هو يعلم أن والدته علاقتها غير جيدة مع فريدة, ولكنه لم يتخيل انها قد تصل إلى تلك المرحلة من الحقد والضغينة..
استغفر بداخله ثم مسح على وجهه عدة مرات عله يهدأ ولكن غضبه كان قد تمكن منه وهو يمسك بإحدى زجاجات عطره يلقي بها المرآة.. عله بذلك يهدأ قليلا.. ولكن ذلك كان عبثاً!
****************************
صباحا ..في يوم الزفاف كان الجميع في قصر ابو العزم.. يعمل على قدم وساق..
الجميع منشغل في تحضيرات العرس رغم انه سيقام في احدي اشهر الفنادق بالعا**ة..!
أما هي كانت تجلس داخل غرفتها امام مرآتها تنظر لانعكاسها بشرود تااام, وكأنها تستنكر ما يحدث لها , تشعر بالألم **كين ينغز بقلبها ..
ينحرها..
يشطرها نصفين..
التفتت بنظرها إلى فستان الزفاف المعلق بعناية خلفها.. يخبرها بحقيقة ما هي فيه , ولم تتخيل يوما انها سترتديه غصبا.. وقهرا ,تداري به خزيا وعارا.. وهو كان حلمها في يوم من الايام..!
في تلك اللحظة دخلت مريم الى غرفتها هاتفة بحماس :
-ايه يانيرة لسا قاعدة عندك..قومي يلا عشان قدمنا يووم طويل ياعروسة...
**تت نيرة للحظات قبل أن تلتفت لها ترمقها بغموض مغمغة بشرود وتيه واستنكار:
-فرح...وعروسة..
لم تفهم مريم مغزي حديثها ولم تعي لتغير حالتها لتقترب منها تحاول أن تفهم ما بها ولكنها فوجئت بنيرة تصرخ بهياج:
-مش فرحي.. الفستان ده مش ليا...كل ده مش بتاعي..
ارتدت مريم إلى الخلف متوجسة من حالتها بينما جاءت والدتها على صوت الصراخ صائحة بجزع وهي تهرول إلى داخل الغرفة فزعة:
-فيه ايه يامريم...حصل ايه..
نظرت لها بهلع من حالة نيرة قائلة بتوجس وقلق:
-مش عارفة مالها ياماما...فجأة لقيتها بتصرخ!
تأملت مني ابنتها وبصرامة هتفت بعد أن فطنت لحالتها :
-سيبينا لوحدنا يامريم لو سمحتي ومتخليش حد يدخل علينا
اطاعتها مريم بلا جدال ,لتلتفت منى لنيرة الجالسة على السرير ونظراتها مسلطة للفراغ وكأنها تحيا بعالم آخر:
-مالك ؟!.. فيه ايه ؟ مش عاوزة الفرح وماله احنا مش بنجبرك .. مضايقة من وضعك.. اضايقي بس افتكري كويس جداا ان انت إلى اخترتي كل ده...محدش اجبرك على الغلط, انت إلى بعتي نفسك واهلك ...
ساد ال**ت ..فقط صوت نحيب نيرة يرنو بالغرفة, ورغم ذلك اكملت والدتها حديثها وهي تقترب منها تمسكها من يدها قائلة بنبرة معنفه :
-إلى انت فيه ده الف واحدة غيرك تتمناه من عيلتها لما تغلط غلطة كبيرة زي غلطتك اخواتك وقفوا في ضهرك ..بنت غيرك بتدفع تمن طيشك وق*فك..
حاولت ابنتها الاعتراض...إلا أن صفعة من منى اوقفت كل شيء...
صفعة تأخرت , يكفي دلال لها, افسدها ذلك وللغاية..
ثم هبت من مكانها متجاهلة حالة ابنتها المؤلمة , رغم أنها تكاد تموت من الداخل تأثرا لحالتها تود ان تلقي بها داخل احضانها ولكنها تماسكت مكملة حديثها بصرامة وجمود:
-تعتذري لمريم , وتجهزي لفرحك.. وتبتسمي حتي لو من جواك حزينة...انت مش مركز الكون يانيرة.. اكبري بقى
اصابتها الصدمة من حديث والدتها ويدها مازالت تتحسس مكان الصفعة بينما دموعها تنهمر من عينيها ,لتهمس بان**ار ونبرة موجعة:
-ناقص تقوليلي ان احمد ربنا ان كريم الشيخ وافق يتجوزني..
وبصرامة وحزم شديدين اجابتها منى وهي تحدقها بنظرات قاسية:
- ,ولو لزم الامر...هتعافري لغاية مات**بيه زوج يانيرة..واه..احمدي ربنا..انت في نعمة, .واخواتك اكبر نعمة..
تأملتها قليلا ثم تحاشت ذلك سريعا خوفا من ان تضعف امامها فربتت على ظهرها .. ثم خرجت سريعا..!
تاركة خلفها ابنتها بوجه شاحب.. وقلب ينزف... وكرامة لم يهدرها احد سواها..!
*****************************
جلست امام توأمها البنات في حديقة المنزل تحدق بهم بوجه شارد حزين ...!
الليلة اخر ليلة لها بهذا القصر .. لن تنكر انها لم تحب غسان.. ولكن معه كانت تشعر بالأمان.. زوجها كان سندا حقيقي.. رغم كل شيء لم يؤذيها !
وبناتها نقطة الضعف.. قطعة من القلب ..
ستفعل اي شيء لأجلهم .. حتي لو تحالفت مع الشيطان..!
والشيطان تمثل في حرفين لها(أم) والدتها تلك المرأة التي انجبتها .
رنين على هاتفها من رقم غريب من خارج مصر.. يتصل بها من أول اليوم.. اخرجها من شرودها..
قررت أخيراً الإجابة عليه و حينها اتاها صوت رجولي خشن بعض الشيء متسائلا بترقب ولهفة :
-ريتال كاظم...
نفس عميق.. صدمة بالداخل.. وغز بالقلب.. فمنذ أن توفي والدها وهي في العاشرة من عمرها.. لم تسمع أحد يناديها(ريتال)...! وربما هي كانت قد لا تتذكر لولا وجود بعض الفيديوهات التي تذكرها بوالدها في طفولتها..
هي فقط منذ ذلك الحين وهي تسمع ريتا لا غير...
ارتعشت نبرتها وهي تهمس بتساؤل تكبح عبراتها :
-من معي..
تنهيدة وكأنها زفرة ارتياح شعرت بها قبل أن يكمل الطرف الآخر:
-عثمان...عثمان ركان...بن عمك ...كيف حالك...؟
ض*بة قاسية وجهت لها بال**يم... ريتا تمتلك بن عم.. تمتلك عائلة..
تمتلك جذور...لها أرض إذاً..
فانحدرت منها دمعة وهي تهمس بتساؤل غير مصدقة وبداخلها ترتعش لتلك الحقيقة :
-حقا...وأين عمي...
ابتسم على الطرف الآخر يجيبها بود:
-ها هو معك ..
اعطي الهاتف لوالده مباشرة والذي تحدث بصوت متأُثر مختنق بالعاطفة لابنة أخيه:
-كيف حالك ريتال.. كيف حالك ابنة اخي...اشتقت لك يا عزيزتي...اخيراً وصلنا لك...
وبين فرحة ودهشة... صورة والدتها تتجسد.. لو عرفت شيء عنهم سينتهون أيضا...
وكما قتلت الأم الأب...ستقتلهم بلا رحمة...
وانتهي الامر...!
ستغلق الهاتف...ستقتل الفرحة.. وتنسي الجذور
وتبقي فقط ريتا...ولكن هل ينسوا هم..؟!
*******************************