الفصل الثاني عشر
الحب لا يعرف المنطق, جملة خاطئة يا عزيزي الحب إن لم يوافق المنطق فسحقاً لذلك الحب , إنه لعنة فابتعد!!
الجميع يجلس في رتابة وقلق , الملامح كانت بلا تعبير يذكر , وهو كان يمسك بيد عمها يطلق الكلمات لتكن زوجته ومع نهاية الكلمات قالها و وثق ال*قد وهو يقول:
-قبلت زواجها..
تأملته وهو ينطقها ففقدت هي خفقة آخرى من قلبها لأجله, تساءلت همساً بداخلها هل حقا أصبحت زوجته بتلك البساطة؟!..
زوجة لرجل تمنته مِنذ زمن , منذ أن تعانقت النظرات بوعد خفي , منذ أن أول كلمة.. همسة ..!!
سلام...!!
, ووعد بلقاء يتجدد معه كل شيء من البداية ..
ولكن منذ يومان فقط كانت مدعوة إلى زفافه , عندما أتاها اتصال هاتفي من والدته تخبرها بموعد زفافه.. وهي تعلم بحبهم المتواري.. ورغم ذلك فضحته العين, وفضحه الجسد..!
بان في النظرات المشتاقة..
في الهمسات التواقة ..
ولكن نبرة والدته الشامتة بها وهي تدعوها من أجل حفل الزواج جعلتها تنهار.. تموت وهي تراه يتزوج من غيرها.. متناسيا كل الوعود..!!
ولكن لو نسيَ حقا ً فلما هو هنا الآن , لما ومنذ يومين فقط كان زفافه!!!! لما يأتي الآن يعطيها وعد جديد , هل يشفق أم يعشق؟!!, ترى يرغبها كأنثى.. أم يريد امتلاكها كحبيبة وعاشقة؟!
وسؤال آخر يضعها في بحر الحيرة والتيه هل هي النور أم الظلام والبؤس كزوجة ثانية!؟!!
خرجت من شرودها وحيرتها الممتلئة بالأسئلة على صوت عمها الغليظ موجهاً حديثه إلى كريم وهو يمعن النظر إلى الشيك الموجود بيده" وتلك النظرة الجشعة تطل من عينيه تجعلها تموت حقاَ.. تتمنى لو أن تنشق الأرض وتبتلعها .. تضعها بالقاع دون عودة للسطح مرة أخرى فالخزي الذي تمر به أسوء ما قد تمر به انثى ذات كبرياء:
-الف مب**ك ياكريم بيه.. تؤمرني بأي خدمة..
حدجه كريم بنظرات ساخرة حاول جاهداً أن يخفيها لأجلها هي , فلأجلها هو على إستعداد تام أن يتحالف مع الأعداء والنار فقط .. فقط لأجلها.. ف*نهد متحدثا بنبرة باردة:
-لا , متشكرين لخدماتك .. اظن خدت مهر اثير ياريت مشوفش حد منكم بيضايقها او بيتعرضلها بعد كده..
هز عمها رأسه بلهفة هاتفا بغبطة وتأكيد وهي يطوي الورقة بيده ثم يضعها بجيبه وكأنها كنز ثمين أغلى من تلك المخلوقة المغرقة بالدموع , تطلق نظرات له تستجديها أن يفعل أي شيء يحافظ به على كرامتها:
-يابيه دي اثير دي بنت الغالي.. والي انت شوفته من شوية ده عشان كنت خايف علها من القعدة وحدها وهي بنت برده.. وانت فاهمني..!
قلب كريم عينيه بملل من ذلك الحديث العبثي فرفع يده منهياً الحديث صائحا بنبرة حازمة تحمل تهديد بين طياتها تخبر لذلك الماثل أمامه أن سلطته هنا ماتت واندثرت كابتاً بداخله ذلك الشعور الضاري الذي يحثه على طرد الماثل أمامه بكل قوة وحدة وبربرية أيضا لأجلها هي!:
-خلاص.. انتهينا اظن دلوقت هي بقت علي اسم راجل..
ثم **ت قليلا مكملا بنبرة تحذيرية تحمل تهديد مبطن وهو يشير بأصبعه في وجهه :
-وعاوزة اقلك الي هيتعرضلها هو حر..
انهى تحذيره ثم قال بنبرة محايدة لأجلها هي فقط أيضا كما كل الموقف ! فرغما عنه لا يريد هو أن يزيد من شعورها بالنقص وهي غالية.. غالية جداً هي له جوهرة وحياة:
-وطبعا انتم اهلها منين ماتحبوا تزروها بيتها مفتوح ..
هتف عمها بلهجة بان بها الكذب والجشع أنه ربما سيأتي لزيارتها .. :
-طبعا يابيه .. دي بنت الغالي.. نستأذن احنا بقي..
ثم التفت الي زوجته وولده هاتفا بأمر:
-يلا بينا نرجع قبل الليل..
انصاعوا إلى حديثه دون أدنى اعتراض, ثم خرجوا من شقة اثير..!!
لتبقى هي مع كريم حقيقة تض*بها وتتعجب لها هي هنا وحدها معه ..!
هي هنا وحيدة مع رجل كان حبيب.. ثم خائن في نظرها.. والان زوج..
حقا اصبح زوج..!
زوجها!
الحقيقة تواجهها .. تخبرها بوضعها الغريب عليها تماما , كانت تريد أن تتأمله ولكنها لم تملك القدرة على ذلك , هي لا تعرف ما الذي يجب عليها فعله حقاً..!
كان هناك **ت تام بالغرفة الجالسين بها.. هو على أحد المقاعد يجلس .. يتأملها تارة .. ويتحاشى النظر لها تارة أخرى!!
ثم يعود بنظره يتشرب ملامحها .. !! يتعمق بها .. او يذوب..! بها أثير!
اثيره الخاصة به وحده..!!
بينما هي علي الأريكة المقابلة له.. تتحاشى النظر إليه.. تماماً, تشعر بداخلها بالضعف والذل الذي أجبرها علي الزواج بتلك الطريقة .. لقد تم بيعها ولا مسمى آخر لديها لما حدث لها..!
ضحكة ساخرة صدحت في نفسها تؤلمها وتض*بها بحقيقة أخرى لم تتوقعها في أسوء أحلامها وهو أن تكن زوجة ثانية .. و يا للسخرية!!! الزواج كان منذ يومين فقط!
تأملها كريم وهي تمسك بقماش فستانها الأ**د يتوتر ملحوظ , فألمه قلبه لما حدث , هو كان يريد الزواج منها في النور ولكن كان القدر ظلاماً! وظلما رغماً عنه!
زفر بيأس ثم تحدث هو أخيراً في محاولة منه لي**ر هذا الجمود والتوتر الذي يغلف المكان بل ويغلف ملامحها وجسدها وهو.. هو لا يريد ذلك هو يريد لها الراحة.. الأمان والحياة كما هي الحياة بالنسبة له:
-اثير.. ممكن نتكلم..
لم تجيب .. ولم تعطيه الرد ومازالت تنظر إلى الأرض.. تتحاشى نظراته وتأمله , قبضتها تنقبض بقوة أعلى قماش الفستان , ص*رها يعلو ويهبط من شدة الإنفعال والتوتر, كانت جامدة بلا حركة وفجأة ص*ر منها نحيب تحاول هي جاهدة أن تكتمه بداخلها ويعلم أنه لولا وجوده معها وبالقرب منها سيتحول لصرخات ونواح ..!
استقام من مكانه يقترب منها.. وعبراتها تتحرر أخيراً تعلن عن ألمها فكان هو عاجزاً عن التصرف ولا يعلم من أين يبدأ..؟
لا يعلم كيف يشرح لها الأمر ويهون عليها.. ويهون أيضا على نفسه..!
جلس بجانبها على الأريكة يكاد يكن ملتصقا بها وكأنه يريد منها عناق يتوه فيه عن الواقع , ثم مد يده إلى يدها القابعة بحجرها , يمسكها بتملك قوي فيجلي صوته بعدها هاتفا بهدوء وهو ينظر إلي جانب وجهها الظاهر إليه :
-انا مش هقلك اقبلي الي حصل بسهولة يااثير, بس هقلك حاجة واحدة..
توقف عن الكلام ثم اشتدت يده يعتصر يدها و كأنه يريد منها القوة , بل هي بالفعل بقربها هذا تمنحه القوة فهتف سريعا بنبرة حنونة .. قوية:
-انا بحبك..
تشنج جسدها وهو أحس بذلك وبعدها كان **ت دام لعدة ثواني توقع هو أن يطول لأكثر وهو سيتقبل هو معها صبور , هو معها كريم !
كريم جداً!
ولكنها فجأته وهي تهمس اخيراً بجملة واحدة بصوتها الرقيق الذي لمس أوتار قلبه , تهمس تخبره بتقرير منها بواقع يريد أن يمحيه ويتناساه لو يملك القدرة ولكنه لا يملك:
-فرحك كان من يومين ..!
جمدت يده للحظة .. قبل أن يستجمع نفسه من التشتت هنا في ذلك الأمر فهتف بكلمات تحمل تبرير ألمه وألمها:
-ولو قلتلك دي متعتبرش جوازة.. ولو قلتلك كله كان عشان مصلحة عيلتي..
اوقف حديثه ثم امسك بكتفيها يديرها باتجاه وجهه يقترب منها أكثر حتى تكاد تختلط الانفاس وتتعانق النظرات, فكاد أن يكمل إلا أنها همست بعذاب:
-بس اتجوزت ياكريم.. حقيقة مفيهاش انكار..
لم يرد بأي كلمة فقط تمعن بملامحها المتألمة وتلك الدمعة المنحدرة علي خدها تلسعه بسخونتها.. تنحره هو من الداخل..
فامتدت انامله يمسحها بإبهامه وهو يقترب منها .. يحتويها بيده.. هاتفا بحقيقة واحدة هو اكيد منها الآن:
-انا بحبك..!
وبعدها أحاط وجهها بيده مقتربا من ثغرها يلمسه برقه كفراشة.. لتتحول بعدها إلى قبلات..!
وهي معه كالجامدة من هول تلك العاطفة المحمومة التي تتلقاها منه.. عاطفة افقدتها قدرتها علي التفكير والبعد.. افقدتها الوعي والمنطق فما كان منها إلا أنها احاطت عنقه بيدها تنعم بلحظات مسروقة من كوكب السعادة.. مع المعشوق..! وهي تعلم أنها مجرد لحظات!
**************
هائما بالغربة بين الجموع .. هنا وهناك, الغربة كانت بداخله هو في وطنه , وهنا الغربة تحاوطه وهو خارج وطنه..
فيتساءل حائراً والندم يجتاح نفسه أي عبث غرق به من أجل أن ينعم بملذاته؟! .. أي شيطان تمثل بداخله عندما تركها وحدها تكاد تموت.. من اجل اجهاض طفله..؟! لماذا وكيف تركها تواجه وجدها ذلك المصير المعروف لمن هم على شاكلتها عندما يتركون أنفسهم لمن هم مثلهم؟!
كان يسير بخطوات متمهلة بينما الأسئلة تدور بخطوات سريعة للغاية تض*به كأمواج البحر ..
كان قد وصل أخيراً إلى إحدى المطاعم التي تقدم وجبة الإفطار صباحاً.. يتذكر ويتذكر.. يغرق في الذكريات ويغرق بها هي ..نيرة..!
طلب وجبته اليومية حيث كان يتذوق قهوته السوداء الداكنة كما مزاجه كالعادة, وضع قدحه أعلى المنضدة ثم استل هاتفة يتصل بوالدته في مصر ربما هناك ما قد يطمئنه.. ربما.. ويريحه ويخرجه من بحر التيه المظلم الغارق فيه حتي القاع!
الهاتف يرن ودقات قلبه تتصاعد , يترقب اجابة الطرف الآخر وبعد لحظات أتاه صوت والدته من متسائلة عنه وعن حاله:
-مازن.. ازيك ياحبيبي..
شعور بالحنين وهو يستمع لأنفاس والدته وصوتها ولو كانت والدته بعيدة عنه هي بالنهاية أم!! ولكن نبرتها الخافتة اصابته بالقلق! تري ماذا هناك..؟! فهمس قلقاً:
-انا تمام يا ماما.. صوتك ماله..
وصله صوتها المرتبك كإجابة أثبتت له أن هناك شيء ما سيء:
-مفيش يامازن انا كويسة ..
ثم أكملت بتردد شعر به:
- بابا بس كان تعبان
جملتها الأخيرة ألجمته فتشنج جسده قائلا بلهفة متسائلا ووجعه يزداد:
-بابا ماله.. حصله ايه
ردت برتابة وهدوء غريب ولكنه معتاد عليه:
-ابدا .. محصلش تعب شوية ودخل المستشفي وبقي كويس خلاص..
حاول أن يطمئن نفسه بحديثها وكلماتها المقتضبة ف*نهد بارتياح نسبيا ثم سأل بقلق وتردد:
-فريدة عاملة ايه.. خلاص اتجوزت غسان ..
ابتسمت بسخرية ثم اجابته ببرود ولا مبالاة كما يحدث كلما تحدث هو عنها:
-اه اتجوزته.. جوازة مكنتش تحلم بيها..
هدر دون وعي بصوت أشبه الصراخ لفت نظر الموجودين بالمكان حوله حيث تحولت نظراتهم تجاهه:
-ياماما انت بتقولي ايه.. انت اكتر واحدة عارفة انه اتجوزها عشان ينتقم.. وكله بسببي ..
**ت قليلا يضغط أعلى موضع قلبه الخافق بألم ووجع من عذابه الداخلي المتملك منه فهتف دون تردد:
-انا بفكر ارجع عشان يسيبوا فريدة..
ثم تابع بشرود:
-يمكن اصلح غلطتي مع نيرة ..
وبدون أن تدري بوجعه وقلقه.. تردده وحيرته, اطلقت جملتها بنبرة باردة كالصقيع و التي زادت من عذابه وبشده جملة جعلته في مكان آخر.. حقيقة متمثلة الان بسبب بشاعة افعاله فقتلته ببساطة:
-وهتيجي ليه .. اذا كان علي تصليح الغلط, اخوك اتجوز نيرة
انهت حديثها وللحظات ليست بقليلة كان يحاول أن يستوعب ما تقوله ول**نه حينها نطق وكأنه لا يصدق بل نفسه تنكر , هو يفقد نفسه ومنطقه , عقله.. ومابقى من تعقله , يسألها بل يستجديها بنبرته أن تنكر :
-اخويا مين.. ؟كريم!
تمنى أن تكذب.. أن يكن ذلك كابوس سيء سيستيقظ منه.. ولكنها أكدته بكل هدوء وبساطة حينما قالت باستنكار:
-وانت ليك اخوات غير كريم ..!
وها هي تؤكد الأمر فلم يشعر بعدها بحاله إلا وهو يغلق هاتفه بصدمة يفكر.. نيرة تزوجت من أخيه..
يتوقف عقله ثم يعاود التفكير غير مصدق, والتفكير يقتله ويكرر عليه.. أخيه هو من يصلح الخطأ والخطأ خطأه هو, أي دمار سببه للجميع..!
خرج من المطعم بعد ان دفع حساب قهوته.. وإفطاره الذي لم يمس منه شيء!
يسير بشوارع لندن الضبابية بتيه.. والآن أيقن أن غربته نافذة وإلى الأبد.. فكيف يعود.. كيف.؟!.
كل هذه الأفكار تدور بداخله..
تتسارع..
قلبه ينحر كروحه المعذبة..!
ولم يدري حينها إلا وسيارة ما تض*به بعيداً.. وحينها مرت أمامه الذكريات.. اللعب مع فريدة..
الشجار مع كريم..
مناوشاته مع نورا..!
تذمر والده من عبثه ..
لا مبالاة والدته مما يفعله مادام سعيد..
واخيرا هي نيرة.. تلك الطفلة التي انتهت على يده هو!
والآن ماذا هل تلك هي النهاية.. الموت وحيداً غريباً.. دون أهل .. دون حب.. فقط ضمير معذب ربما آن الأوان أن ينعم براحة أبدية..!
توقف عقله عن التفكير ثم ارتطم بعد اصطدامه بالسيارة بحافة الرصيف.. ليكن آخر شيء يسمعه صوت صراخ.. فقط صراخ من غرباء.. وبعدها الظلااام..!!!!!
**************