خرجت من شرودها وحيرتها الممتلئة بالأسئلة على صوت عمها الغليظ موجهاً حديثه إلى كريم وهو يمعن النظر إلى الشيك الموجود بيده" وتلك النظرة الجشعة تطل من عينيه تجعلها تموت حقاَ.. تتمنى لو أن تنشق الأرض وتبتلعها .. تضعها بالقاع دون عودة للسطح مرة أخرى فالخزي الذي تمر به أسوء ما قد تمر به انثى ذات كبرياء:
-الف مب**ك ياكريم بيه.. تؤمرني بأي خدمة..
حدجه كريم بنظرات ساخرة حاول جاهداً أن يخفيها لأجلها هي , فلأجلها هو على إستعداد تام أن يتحالف مع الأعداء والنار فقط .. فقط لأجلها.. ف*نهد متحدثا بنبرة باردة:
-لا , متشكرين لخدماتك .. اظن خدت مهر اثير ياريت مشوفش حد منكم بيضايقها او بيتعرضلها بعد كده..
هز عمها رأسه بلهفة هاتفا بغبطة وتأكيد وهي يطوي الورقة بيده ثم يضعها بجيبه وكأنها كنز ثمين أغلى من تلك المخلوقة المغرقة بالدموع , تطلق نظرات له تستجديها أن يفعل أي شيء يحافظ به على كرامتها:
-يابيه دي اثير دي بنت الغالي.. والي انت شوفته من شوية ده عشان كنت خايف علها من القعدة وحدها وهي بنت برده.. وانت فاهمني..!
قلب كريم عينيه بملل من ذلك الحديث العبثي فرفع يده منهياً الحديث صائحا بنبرة حازمة تحمل تهديد بين طياتها تخبر لذلك الماثل أمامه أن سلطته هنا ماتت واندثرت كابتاً بداخله ذلك الشعور الضاري الذي يحثه على طرد الماثل أمامه بكل قوة وحدة وبربرية أيضا لأجلها هي!:
-خلاص.. انتهينا اظن دلوقت هي بقت علي اسم راجل..
ثم **ت قليلا مكملا بنبرة تحذيرية تحمل تهديد مبطن وهو يشير بأصبعه في وجهه :
-وعاوزة اقلك الي هيتعرضلها هو حر..
انهى تحذيره ثم قال بنبرة محايدة لأجلها هي فقط أيضا كما كل الموقف ! فرغما عنه لا يريد هو أن يزيد من شعورها بالنقص وهي غالية.. غالية جداً هي له جوهرة وحياة:
-وطبعا انتم اهلها منين ماتحبوا تزروها بيتها مفتوح ..
هتف عمها بلهجة بان بها الكذب والجشع أنه ربما سيأتي لزيارتها .. :
-طبعا يابيه .. دي بنت الغالي.. نستأذن احنا بقي..
ثم التفت الي زوجته وولده هاتفا بأمر:
-يلا بينا نرجع قبل الليل..
انصاعوا إلى حديثه دون أدنى اعتراض, ثم خرجوا من شقة اثير..!!
لتبقى هي مع كريم حقيقة تض*بها وتتعجب لها هي هنا وحدها معه ..!
هي هنا وحيدة مع رجل كان حبيب.. ثم خائن في نظرها.. والان زوج..
حقا اصبح زوج..!
زوجها!
الحقيقة تواجهها .. تخبرها بوضعها الغريب عليها تماما , كانت تريد أن تتأمله ولكنها لم تملك القدرة على ذلك , هي لا تعرف ما الذي يجب عليها فعله حقاً..!
كان هناك **ت تام بالغرفة الجالسين بها.. هو على أحد المقاعد يجلس .. يتأملها تارة .. ويتحاشى النظر لها تارة أخرى!!
ثم يعود بنظره يتشرب ملامحها .. !! يتعمق بها .. او يذوب..! بها أثير!
اثيره الخاصة به وحده..!!
بينما هي علي الأريكة المقابلة له.. تتحاشى النظر إليه.. تماماً, تشعر بداخلها بالضعف والذل الذي أجبرها علي الزواج بتلك الطريقة .. لقد تم بيعها ولا مسمى آخر لديها لما حدث لها..!
ضحكة ساخرة صدحت في نفسها تؤلمها وتض*بها بحقيقة أخرى لم تتوقعها في أسوء أحلامها وهو أن تكن زوجة ثانية .. و يا للسخرية!!! الزواج كان منذ يومين فقط!
تأملها كريم وهي تمسك بقماش فستانها الأ**د يتوتر ملحوظ , فألمه قلبه لما حدث , هو كان يريد الزواج منها في النور ولكن كان القدر ظلاماً! وظلما رغماً عنه!
زفر بيأس ثم تحدث هو أخيراً في محاولة منه لي**ر هذا الجمود والتوتر الذي يغلف المكان بل ويغلف ملامحها وجسدها وهو.. هو لا يريد ذلك هو يريد لها الراحة.. الأمان والحياة كما هي الحياة بالنسبة له:
-اثير.. ممكن نتكلم..
لم تجيب .. ولم تعطيه الرد ومازالت تنظر إلى الأرض.. تتحاشى نظراته وتأمله , قبضتها تنقبض بقوة أعلى قماش الفستان , ص*رها يعلو ويهبط من شدة الإنفعال والتوتر, كانت جامدة بلا حركة وفجأة ص*ر منها نحيب تحاول هي جاهدة أن تكتمه بداخلها ويعلم أنه لولا وجوده معها وبالقرب منها سيتحول لصرخات ونواح ..!
استقام من مكانه يقترب منها.. وعبراتها تتحرر أخيراً تعلن عن ألمها فكان هو عاجزاً عن التصرف ولا يعلم من أين يبدأ..؟
لا يعلم كيف يشرح لها الأمر ويهون عليها.. ويهون أيضا على نفسه..!
جلس بجانبها على الأريكة يكاد يكن ملتصقا بها وكأنه يريد منها عناق يتوه فيه عن الواقع , ثم مد يده إلى يدها القابعة بحجرها , يمسكها بتملك قوي فيجلي صوته بعدها هاتفا بهدوء وهو ينظر إلي جانب وجهها الظاهر إليه :
-انا مش هقلك اقبلي الي حصل بسهولة يااثير, بس هقلك حاجة واحدة..
توقف عن الكلام ثم اشتدت يده يعتصر يدها و كأنه يريد منها القوة , بل هي بالفعل بقربها هذا تمنحه القوة فهتف سريعا بنبرة حنونة .. قوية:
-انا بحبك..
تشنج جسدها وهو أحس بذلك وبعدها كان **ت دام لعدة ثواني توقع هو أن يطول لأكثر وهو سيتقبل هو معها صبور , هو معها كريم !
كريم جداً!
ولكنها فجأته وهي تهمس اخيراً بجملة واحدة بصوتها الرقيق الذي لمس أوتار قلبه , تهمس تخبره بتقرير منها بواقع يريد أن يمحيه ويتناساه لو يملك القدرة ولكنه لا يملك:
-فرحك كان من يومين ..!
جمدت يده للحظة .. قبل أن يستجمع نفسه من التشتت هنا في ذلك الأمر فهتف بكلمات تحمل تبرير ألمه وألمها:
-ولو قلتلك دي متعتبرش جوازة.. ولو قلتلك كله كان عشان مصلحة عيلتي..
اوقف حديثه ثم امسك بكتفيها يديرها باتجاه وجهه يقترب منها أكثر حتى تكاد تختلط الانفاس وتتعانق النظرات, فكاد أن يكمل إلا أنها همست بعذاب:
-بس اتجوزت ياكريم.. حقيقة مفيهاش انكار..
لم يرد بأي كلمة فقط تمعن بملامحها المتألمة وتلك الدمعة المنحدرة علي خدها تلسعه بسخونتها.. تنحره هو من الداخل..
فامتدت انامله يمسحها بإبهامه وهو يقترب منها .. يحتويها بيده.. هاتفا بحقيقة واحدة هو اكيد منها الآن:
-انا بحبك..!
وبعدها أحاط وجهها بيده مقتربا من ثغرها يلمسه برقه كفراشة.. لتتحول بعدها إلى قبلات..!
وهي معه كالجامدة من هول تلك العاطفة المحمومة التي تتلقاها منه.. عاطفة افقدتها قدرتها علي التفكير والبعد.. افقدتها الوعي والمنطق فما كان منها إلا أنها احاطت عنقه بيدها تنعم بلحظات مسروقة من كوكب السعادة.. مع المعشوق..! وهي تعلم أنها مجرد لحظات!
**************
بابا بس كان تعبان
جملتها الأخيرة ألجمته فتشنج جسده قائلا بلهفة متسائلا ووجعه يزداد:
-بابا ماله.. حصله ايه
ردت برتابة وهدوء غريب ولكنه معتاد عليه:
-ابدا .. محصلش تعب شوية ودخل المستشفي وبقي كويس خلاص..
حاول أن يطمئن نفسه بحديثها وكلماتها المقتضبة ف*نهد بارتياح نسبيا ثم سأل بقلق وتردد:
-فريدة عاملة ايه.. خلاص اتجوزت غسان ..
ابتسمت بسخرية ثم اجابته ببرود ولا مبالاة كما يحدث كلما تحدث هو عنها:
-اه اتجوزته.. جوازة مكنتش تحلم بيها..
هدر دون وعي بصوت أشبه الصراخ لفت نظر الموجودين بالمكان حوله حيث تحولت نظراتهم تجاهه:
-ياماما انت بتقولي ايه.. انت اكتر واحدة عارفة انه اتجوزها عشان ينتقم.. وكله بسببي ..
**ت قليلا يضغط أعلى موضع قلبه الخافق بألم ووجع من عذابه الداخلي المتملك منه فهتف دون تردد:
-انا بفكر ارجع عشان يسيبوا فريدة..
ثم تابع بشرود:
-يمكن اصلح غلطتي مع نيرة ..