ذهب طارق لمنزل رضوى ليصحبهم لشقة ثائر، فتح له والدها الباب مرحبًا، رد طارق الترحيب ببرود فلو كان الأمر بيده لأطبق على عنقه وخلص منه البشرية فهو لا رأي له ولا احتياج، أدخله للصالون ليجد رجلًا آخر يجلس هناك، عرفه والد رضوى بأنه خطيب رضوى المغربي، شعور غريب اجتاح طارق فور رؤيته لذلك المغربي لقد انتابته القشعريرة فور مرآه و أحس بانقباض في قلبة و عدم الراحة له على الاطلاق، إنه لا يطلق عليه إلا شيء ما، كائن من المفترض أنه رجل، طويل القامة، شديد السواد، لا يمت بصلة و لو لأدنى معايير الوسامة التي من الممكن أن تتقبلها المرأه، فكيف لفتاة صارخة الجمال كرضوى أن تقترن بهذا الكائن، بالطبع النقود، ستحوله في عينيها من قرد إلى براد بيت، لم يشغل نفسه كثيرا فلتفعل هي و أهلها ما يحلو لها، نزل برفقتهم و توجهوا لشقة ثائر، و فور وصوله للشقة لا يدري كيف ظهر هؤلاء الأربعة رجال أمامه، إن أشكالهم دبت الرعب في أوصاله يبدوا أنهم كانوا ينتظرون أمام الباب على طابق آخر مثلا، فلقد ظهروا بسرعة عجيبة، فتح لهم ليقوموا بتحميل متعلقات رضوى بينما دخلت هي ووالدتها لتجمعا ملابسها و جلس والدها مع طارق في الصالة و شدد عليه مجدي أن يخبر ثائر بأن ينسى رضوى تماما و لا يفكر بها لمصلحته و لصحته، كان طارق متضايقا من ذلك الخطيب الذي رافقهم، فأي عمل له هنا ليأتي للشقة، كان يدعو الله أن يمر الوقت و ينتهي من هذه المهمة الجاثمة على ص*ره كجبل راسخ على سطح الارض.
عندما انتهوا و ذهبوا ناحيه الباب استدار طارق ليشغل الراديو على إذاعة القرآن قبل أن يغلق الشقة، فانقلبت ملامح ذلك الأ**د للضيق و نزل سريعا و ورائه والده رضوى ورضوى التي لمح في عينيها حزنا عميقا و خوفا لم يعرف سببه،
نزل طارق ليجدهم غادروا، تبا لهم و كأنهم تبخروا، فليذهبوا للجحيم، المهم أن ثائر تخلص منهم لقد كانت تلك السعاد ستحيل حياة ثائر بالتأكيد لجحيم حتى بعد زواجه من ابنتها، فطارق يعرف جيدا تلك النوعية من النساء المتسلطة، و التي لا تكترث لأحد في الدنيا سوى لنفسها، فسعاد تريد تحقيق ما تتمنى في هيئة ابنتها، لا يهمها هل ابنتها تحتاج لذلك أم لا المهم متطلباتها هي.
ركب سيارته ليذهب لمنزله، استحم ليزيح عن نفسه عناء ما مر به، و حلق ذقنه الصغيرة النامية و ارتدي بنطلون أ**د جينز و قميصا أ**د مخطط أبيض بالطول و عاد للمشفى ليجد شيمي عند ثائر، فارتسمت الابتسامة على وجهه فهو يكن تقديرًا لهذا الرجل و محبة عظيمة، فقال مرحبًا
"يا أهلا يا أهلا سيد شيمي، بوجودك أنرت المشفى "
ليضحك شيمي " إنك لداهية يا طارق لكن لا يهم مزاحك المهم هنا "و أشار لرأسه
" مخك يوزن بالذهب "
ابتسم طارق " سيد شيمي إن النحاس معك يتحول إلى ذهب يكفي جو الشركة و الحوافز و الاهتمام بالموظفين"
ربت شيمي على كتف طارق "بالطبع يا طارق، يا بُني لكي يبدع الفرد في مكان و يخرج أفضل ما لديه يجب أن يشعر أنه في بيته و يعمل في مُلكه لكي يحس بالانتماء و بدلا من بذل عشره في المائة من مجهوده يبذل مجهوده كاملا، و أنا أيضا مستفيد، سأغادركما الآن، أنا هنا منذ وقت طويل كنت أنتظرك لأسلم عليك، و عندي موعد عمل الآن، أنت بين يدي بناتي المتميزات يا ثائر، أهم ما أريده أن تنصاع لأوامر الطبيبات، و صدقني يا ثائر رضوى هي الخاسرة و ليس أنت، أنا متأكد أن الله يحبك و يدخر الأفضل لك "
ثم خرج و اقتربت رحمه من سرير ثائر قائلة "بعد اسبوعين إن شاء الله سنبدأ العلاج الطبيعي، أتمنى أن تصفي بالك، يهمني جدا حالتك النفسية سيد ثائر"
أخذ نفسًا طويلًا أخرجه بهدوء و قال " حسنًا آنسة رحمه اطمئني، أنا رجل يزن الأمور بالعقل جيدا، و أنا في أمس الحاجة لأن أخرج و أعاود الوقوف على قدمي "
خرجت رحمه و ما أن أغلقت الباب، حتى سأل ثائر طارق بلهفة عن تفاصيل لقائه برضوى و أهلها، قص طارق على مسامعه كل ما حدث و كيف أن ذلك الخاطب يرافقهم في كل خطوة.
مر يومان لتأتي مكالمة هاتفية لطارق و تكون المتصلة رضوى، تعجب طارق من هذه المكالمة، فلقد كانت غامضة بحق، طالبت طارق أن يستمع لها و لا يقاطعها ولا يسألها عن أي شيء، واطمأنت على حال ثائر و طلبت من طارق الاعتناء به لأنها ستسافر و شددت عليه ألا يخبر ثائر باتصالها و بشرته أن ثائر سيشفى سريعًا، أسرع مما يتخيل، و أنهت المكالمة، لم يلق طارق بالًا لحديثها و لم يخبر ثائر بالطبع.
مر يومان آخران وفوجئ الجميع أن ثائر يستطيع تحريك قدميه، غمرت الدهشة الجميع، فهو حتى لم يقم ببدء العلاج الطبيعي بعد، لكنهم حمدوا الله و شكروه على هذه المعجزة، كان الكل مسرورا و خصوصا رحمه، و كانوا متعجبين مما حدث و من هذا الشفاء السريع الغير متوقع.
أيام مرت وشفي ثائر بسرعه عجيبة و أصبح بخير حال، بينما طارق أصبح متيمًا برفيف و كذلك رفيف عشقته، كان غرامهما واضحا وضوح الشمس في كبد السماء بنهار يوليو، صحيح أنهما لم يصرحا لبعضهما بهذا الحب، لكن كل تصرفاتهما، نظرتهما، كانت واضحة، لمعة عيونهما عند مجرد ذكر اسم أحدهما أمام الآخر، تلك الابتسامة البلهاء الخاصة بالعاشقين التي ترتسم على محي أحدهما عند رؤيته للآخر.
و ذات يوم استدعي شيمي طارق
"اجلس يا طارق، ما أخبار سير العمل؟"
أجابه بجدية "كل المشاريع تسير على أكمل وجه، الخطة الجديدة ممتازة العمل يسير بها بسرعة و دقة و العملاء راضيين عنا جدا"
ابتسم شيمي " فليباركك الله بُني ، أنت تعرف أني أُقدرك و احترم عقلك و أتنبأ لك بمستقبل باهر"
" أدامك الله لنا سيد شيمي ، نحن نتعلم منك "
**ت شيمي قليلًا ثم قال
" أنت تعرف أني لم أنجب سوى رحمه و رفيف، و هما تضعان كل تركيزهما في مجالهما، و ليس لهما ميل لممارسة التجارة ،لا أدري يا ولدي لمن سأترك امبراطوريتي ، و من سيديرها "
ابتلع طارق ريقه " أطال الله عمرك "
ابتسم شيمي " الأعمار بيد الله، أنت تعرف يا طارق أنني لا يمكن أن أؤخر عنك أي طلب يا طارق و لن أفهمك بطريق خاطئ و لن افترض وجود سوء نيه مثلا "
فهم طارق تلميح شيمي و فرك يديه توترا ثم جمع شتات نفسه و قال
"أنا أعرف أن الفرق بين امكانياتي و بين حضرتك كالفرق بين السماء و الأرض ،لكنك سيدي تعرف أني مكافح و أنحت الصخر ،أنا لا أطلب من حضرتك سوى الموافقة"
رسم شيمي جديه مصطنعة على وجهه وقال "الموافقة على ماذا ؟"
فأخذ طارق نفسًا طويلًا "انا طالب لمصاهرتك، و أن تحقق أمنيتي بالزواج من الآنسة رفيف"
ابتسم شيمي "وهل هي تعلم برغبتك هذه؟"
هز طارق رأسه نافيًا "لا أقسم بالله أنا لم أُلمح حتى لها "
ضحك شيمي" بماذا تلمح يا بُني، أنتما لا تحتاجان تلميحات، أنا متأكد أنها موافقه "
ثم اكتسى وجه شيمي بالجدية
"اسمع يا طارق، إن بناتي غاليات جدًا، و لن أسمح لأحد مهما كانت مكانته عندي أن يجرحهم أبدًا و لو بكلمه "
اقسم طارق أنه سيكرم رفيف و لن يغضبها أبدًا، طلب شيمي منه أمن يقيم معه في الفيلا، لكن طارق اعترض و أخبر شيمي أن شقته ليست بالصغيرة بل هي شقة متوسطة و في مكان مميز، لكن شيمي اعترض و **م على أن تقيم ابنته معه و في جناح منفصل ليشعرا أيضا بحريتهما، و توصلا لحل يرضيهما و ذلك الحل أن يبيع طارق شقته و بقدر نقودها يكتب له شيمي جزءا من الفيلا لكي لا يحس أنه يقيم في مكان غريب بل يقيم في ملكه، و تم الاتفاق علي أن يزور طارق شيمي مساءا ليطلب يدها رسميا.
هاتف شيمي رحمه و رفيف و طلب منهما ترك أعمالهما، وتدبير من ينوب عنهما فيما هما مرتبطتان به والقدوم باكرًا للفيلا.
تناولتا الغذاء معه ثم جلسوا سويًا ليقول شيمي "مب**ك يا رفيف"
ابتسمت "باركك الله أبي لكن على ماذا المباركة؟ "
"لقد خطبت "
هبت واقفة "كيف ذلك؟ و لمن؟ و كيف لم تأخذ موافقتي؟ أهكذا تفعل بي لعلمك أنني لن أخالفك أو أعصيك"
"طارق "
لتتساءل بدهشه ممزوجة بفرح غير مصدقة " طارق من؟"
" الخاطب هو طارق الخواجة ، حسنًا سأبلغه أنك رفضتي"
نظرت لرحمه متسائلة "طارق الخواجة، صديق ثائر؟"
ضحك شيمي " نعم طارق الخواجة سأكلمه و أخبره أنه لا بنات لدي للزواج "
فتعلقت بذراعه "لا لا أنا موافقه قسما بالله موافقه، أنا لن أرفض لك أمرا أبدا "
و اندمج ثلاثتهم في حضن جماعي
أراد أن يختبرها فقال إن طارق يريدها أن تقيم معه في شقته فوافقت،
ثم صارحها بما اتفقا عليه، في المساء جاء طارق و ثائر و تمت قراءه الفاتحة و لاحظ طارق لمعة عيون رحمه و هي تقرأ الفاتحة و نظرتها لثائر،
بعد خروجهما من الفيلا قال طارق " ثائر، أنت أخي الذي لم تنجبه أمي، و تعلم أني لا أريد من الحياة سوى كل ما فيه خير لك، واجب عليّ أن أخبرك بما لن تلاحظه بمفردك، إن رحمه تحبك"
فنظر له ثائر" لا يوجد في حياتي الآن مكان لما يطلق عليه حب، قلبي قد أغلقته"
اعترض طارق "لا افتحه لن تجد مثل رحمه، صدقني إنها عوض من الله لك"
بعد يومان استدعي شيمي ثائر
"ما أخبار صحتك أيها البطل؟"
" البركة في رعايتكم لي"
"كله أمر الله يا ولدي "
"اسمعني جيدا ثائر أحيانا يعيش الفرد عمره كله يجري وراء ما يظن أنه يريده و يعتقد أنه حلمه و فجأة تضيع منه و يجد أمامه عوضا من الله لم يكن يراه،
انا يا بني اطمأننت على رفيف و أعرف أن طارق سيصونها و ينمي مالها و يحافظ عليها، و أعرف أنك لم تتغلب على حبك لرضوى، لكنك ستتغلب عليه، لكن أنا ليس لدي رفاهية الانتظار "
"لم أفهم سيدي!"
" أنا لست شابا يا ثائر، لا أعرف متى تحين ساعتي، و أريد أ يرتاح بالي من ناحية رحمه، و أعرف أنك ستصونها حتى لو لم يكن قلبك ميال ليها، أعلم أن كلامي قد فاجأك، لكنهم يقولون اخطب لابنتك و لا تخطب لابنك، أنا ابنتي كتيرون يتمنون رضاها، لكن أنا لم أجد الزوج الصالح في أي منهم، و أعرف أنك ستقدرها و ستقدر طلبي هذا، الزواج احترام و سكن و استقرار، و قبول، أنت لست مجبر أبدًا على الموافقة و لكن صدقني انا أتمناك زوجًا لرحمه "
ظل ثائر صامتًا فتره ثم قال "وأنا يشرفني طلب يد الآنسة رحمه من سيادتكم "
فصافحه شيمي ثم عانقه" سأتفق معك كما اتفقت مع طارق، ستبيع شقتك و تسكن معي بالفيلا و سيكون حفل زفافكم معًا، سأنتظرك مساءا لتخطبها رسميًا "
فور رجوع شيمي للفيلا نادى على بناته
"رحمتي "
"يا عيون رحمتك يا أحلى أب بالدنيا كلها "
"ألف مب**ك يا بنيتي ،ثائر طلب يدك للزواج "
فتحت فمها غير مصدقه و اتسعت عيناها دهشه "طلب يدي أنا!"
ابتسم شيمي فهو يعرف و يحس بقلب ابنته " نعم و سيأتي مساءا لنقرأ الفاتحة "
ترددت قائلة " لكن ثائر ..."
رد بحزم "ما فات قد مات يا رحمه، ثائر لن يطلب يدك و قلبه مشغول يا بنيتي إنه رجل محترم"
ابتسمت "موافقه يا أبي"
عند ثائر
سأله طارق "هل أنت متأكد يا ثائر من رغبتك هذه ؟"
أجاب بهدوء و هو يكمل ارتداء ملابسه "نعم يا طارق سأخطب رحمه رسميا الليلة"
"حسنا و...."
رد بحزم و قوه "لا يوجد و يا طارق، و لا تذكر اسمها، لقد رمت كل ما بينا و ركعت أمام النقود و باعتني "
قال طارق بتندر " و بم أنها باعتك فستذهب أنت لنقود رحمه "
وكزه ثائر في كتفه " عيب أن يص*ر هذا القول منك أنت دونا عن أي أحد و أنت تعرفني خير معرفة ، إن رحمه تشرف كل من قد يفكر في الارتباط بها و أنا أحترمها و أعزها"
اعترض طارق "لكنك لا تحبها "
اكتسى صوت ثائر بالهدوء "سيأتي الحب بالتعود سأعتبره زواج صالونات يا
أخي، أين سأجد مثلها حسب و نسب و احترام و مكانة "
رفع طارق اصبعه في وجهه محذرا "شيمي لا يرحم من قد يؤذي بناته "
أزاح اصبع طارق من أمام وجهه "لا اله الا الله أخبرك أنني أحترمها و أقدرها، لن أؤذيها ابدا "
تمت الخطبة وسط سعادة الفتاتين، و رحمه الغير مصدقه أن الله استجاب لدعائها و سيكون ثائرها من نصيبها أخيرًا، **م كل من ثائر و طارق على شراء هدية الخطبة لرحمه و رفيف و تأثيث الأجنحة من حر مالهما فكان لا بد من الانتظار قليلا.
في تلك الفترة ذاع صيت طارق و ثائر في عالم التجارة ليكون وجود اسمهما في أي صفقه كفيلًا بغلبة كفة شركتهما، زاد مدخول الشركة زياده كبيره نتيجة جهودهما فقام شيمي بجعلهما شركاء في الشركة بنسبة عشرين في المائة لكل
منهما، لقاءات طارق و رفيف و رحمه و ثائر كانت في الغالب يوم الجمعة حيث يمضيان اليوم سويا مع الفتيات و شيمي، كان إعجاب ثائر برحمه يزداد مع الأيام و يوقن أنه قد اختار الإنسانة المناسبة.
انتهوا أخيرًا من التجهيزات وحُدد موعد الزفاف