الفصل الثاني من رواية لحظة وداع

1329 Words
قبل أن يبدأ آدم بسرد الحكاية يخبرها أن هذه القصة ليست عنه أو عن حبه هو و سيلين فقط فما سيحكيه الآن هو عنها هي فقط. فهو لم يلتق بسيلين إلا من خمس سنوات ولكن سيلين تبدأ قصتها قبل هذا الوقت بكثير بكثير جدا عندما كانت في السابعة عشر من عمرها. فلاش باك في جنح الليل المظلم بعد منتصف الليل نجد فتاة في طور المراهقة تجري بشوارع المدينة ودموع عينيها تجري على وجنتيها لا تتوقف مهما حاولت أن تزيلها بيديها الصغيرتين. فهي قد تركت منزل والدتها بعد أن ضاقت ذرعا منهم حيث أن والداها انفصلا منذ أن كانت في السابعة من عمرها ولكن مشاكلها لم تبدأ منذ انفصالهما بل قبل انفصالهم . و بسبب المشاكل التي كانت بينهم فهم لم يكونوا متفاهمين ولم يستوعب أحدهما الآخر فكانت والدتها السيدة سميرة لاتهتم إلا بنفسها وشكلها ومنظرها الإجتماعي وسط أصدقائها وملابسها ، أما والدها السيد عادل فكان همه الأكبر أن يجمع أموالا كثيرة حتى يقوم بافتتاح شركة خاصة به حيث أنه كان يعمل محاسب في إحدى الشركات العالمية فكان يقصر في حق زوجته فلم يكن يهتم بها أو باهتماماتها حتى وإن كانت ليست اهتمامات جوهرية ولكن بالنسبة لها فهي مهمة أما هي فلم تهتم إلى أي مدى يجتهد زوجها بعمله حتى يؤمن المال و الوجهة الإجتماعية لها ولابنتها الرضيعة ولقد زادت المشاكل بينهم بعد ولادتها. فهو شعر أنها زادت من مسئولياته وباعدت بينه وبين حلمه في أن يصبح له شىركة خاصة به ، أما سميرة الأم فقد شعرت أن ابنتها قد عرقلتها عن حياتها المرحة مع أصدقائها وأنها سببا في أن جسدها قد زاد في الوزن قليلا وكأنه تشوه وأنقص من جماله واستمر الحال بينهم شجارا في النهار وشجارا في الليل وهكذا حتى استحالة الحياة بينهم فشعرت سيلين الصغيرة أنها غير مرغوب فيها وأنها سببا في مشاكلهم حتى أصبحت في السابعة من عمرها و انفصلا ولكن لم تنتهي المشاكل هنا بل استمرت حتى بعد الطلاق فكل منهما كان يكيد للآخر بأن يهددان بعضهما بها فالسيد عادل كان يهدد السيدة سميرة بأخذها منها وهي تهدده أنها ستحرمه من رؤيتها أو التواصل معها وكأن ذلك التهديد سيوجد فارق بينهما ولكن تلك المشاكل كانت تزيد شعور سيلين بأنها مكروهة وغير مرغوب بها من أبويها واستمر هذا الحال وتلك المشاكل حتى بعد أن تزوج كل منهما أحد آخر ولكن استمرت سيلين تعيش مع والدتها لأن ظروف عمل والدها لا تسمح له بأن يمكث معها فترات طويلة وبالرغم من ذلك حياتها كانت صعبة فزوج والدتها يعاملها وكأنها عبء عليه وعندما تذهب عند والدها تعاملها زوجته وكأنها متسولة جاءت تتسول منها شئ ولكن سيلين رغم تلك المشاكل لم تفقد ايمانها ولا طيبتها في قلبها ولا ابتسامتها التي أبدا لم تفقدها بل كانت تدعو لهم أن يسامحهما الله عز و جل ومرت عشر سنوات وأصبحت سيلين في السابعة عشر من عمرها وحصلت على الشهادة الثانوية بتفوق وكان حلمها أن تعمل في مجال السياحة لذلك اتخذت قرار أن تدخل كلية سياحة وفنادق ولكن يأتي والدها لزيارة بمنزلها ليتحدث في أمر مهم معها ومع والدتها. عادل بتفكير فيما سيقول :إزيك يا سيلين عاملة إيه ألف مبروك نجحت في الثانوية وخلاص خلصتي تعليم سيلين بابتسامة هادئة:الله يبارك فيك بس خلصت إيه لسة الجامعة عادل بابتسامة خبيثة:جامعة إيه قولي لسة العريس. وهنا تدخلت والدة سيلين السيدة سميرة ، سميرة بصوت عال:عريس إيه اللي جاي تتكلم عليه بنتي مش هتتجوز إلا اللي أنا أخترهولها واللي أشوفه مناسب ليها فريح نفسك خالص. عادل بغضب:إنت بتقولي إيه دي بنتي يا هانم زي ما هي بنتك. سميرة تضحك بسخرية ولا ترد عليه سيلين وهي تحاول أن تقول بهم أن لها رأيا في هذا الأمر:بس أنا عاوزة أكمل تعليمي وأدخل الجامعة دا حلمي. عادل بعيون يملأها الطمع:أنا هجوزك واحد هيعيشك ملكة ودا رئيسي صاحب الشركة نفسها شافك لما كنت في عيد ميلاد أخوكي تامر. سيلين بعدم تصديق:بس دا يا بابا أكبر منك إنت ازاي عاوزني أتجوزه. سميرة وهي ترفع إحدى حاجبيها :قلتلي بقى إنت عاوز تظبط نفسك في الشغل على حساب بنتي بس هي خلاص إتخطبت في شخص جه إتقدملها وأنا وافقت وهو بيكون صاحب مصانع الحديد والصلب وبيكون اكبر مساهم في شركة جوزي. عادل بغضب : عمره ما هيحصل مش هتتجوز غير اللي أنا قلت عليه. سميرة وهي تضحك ضحكة استهزاء:أعلى ما في خيلك إركبه. سميرة وهي تكمل كلامها ، إحنا خلاص حددنا الميعاد وكويس إنك جيت كدة كدة كنت هتصل أقولك ماشي وإوعى تفكر تعمل حاجة تبوظ الموضوع عشان هو راجل واصل ويقدر يضيعك و يضيع مستقبلك فاهم. سيلين وهي تبكي :إنت قررتي وحددتي وخلاص وموافقتي إيه مش مهمة سميرة وهي غير مبالية : أنا أمك وأدرى بمصلحتك سيلين وهي تشعر بالأسرة والحزن : مصلحتي ولا مصلحة جوزك وحضرتك يا بابا إنت مش جاي عشان هو هيعيشني ملكة زي ما قلت لأ حضرتك جاي عشان خاطر المنصب الجديد اللي هتاخده بعد ما أتجوزه بس عشان تكونوا عارفين أنا هكمل تعليمي. و تركتهم ودخلت إلى غرفتها ولكنها عزمت أنها لن تجعلهم يدمروا مستقبلها كما دمروا طفولتها. خرج عادل من المنزل لا يعلم كيف يتصرف مع رئيسه وكيف يخبره أن ابنته رفضت الزواج منه وهل سيخسر وظيفته إذا علم رئيسه ذلك؟! أم سيلين كانت تبكي بغرفتها على حياتها ولكنها أبدا لم تفقد إيمانها وقررت أنها ستترك لهم حياتهم وتنتقل إلى مكان آخر تستطيع أن تحقق ذاتها وحلمها وتتركهم في حياتهم ومشاكلهم وأحلامهم البغيضة الكريهة. دقت الساعة بعد منتصف الليل فنجدها تركض في شوارع المدينة بمحافظة كفر الشيخ ووصلت إلى محطة القطار بعد أن تأكدت أنها أخذت كل ما تحتاجه من ملابس وأموال وقررت أن تذهب إلى محافظة القاهرة حيث هناك فرص أن تحصل على وظيفة أكبر وركبت القطار وجلست تفكر في حياتها القادمة كيف ستكون وأين ستسكن وكيف ستدبر أمورها هناك وهل ستحصل على وظيفة وهل المبلغ التي تمتلكه سيكفيها أم لا حتى تجد وظيفة. كل تلك الأمور كانت تشغل بالها حتى غفت من شدة انهاكها وتفكيرها فيما سينتظرها هناك في تلك المحافظة الأخرى التي لا تعرف بها أحد. واستيقظت سيلين على صوت محصل التذاكر بالقطار وهو يوقظها يخبرها أنهم الآن وصلوا القاهرة كانت الساعة تدق الرابعة صباحا نزلت سيلين من القطار لا تعلم أين تذهب ولا كيف تتصرف ولكن يبدو أن الله يريد أن يخبرها أنه معها ولن يتركها حيث أن آذان الفجر قد أقيم ولذلك توجهت ناحية المسجد في المكان المخصص للنساء توضأت ودخلت لتصلي ، ولكنها لم تجد أحد غير سيدة عجوز تعدى عمرها تقريبا الخمسين ويبدو عليها الطيبة وكم سيدة أخرى وبدأت الصلاة والكل استقام في مكانه وصلوا جميعا وانتهت الصلاة وذهبت السيدات إلى منازلهم ما عدا سيلين والسيدة العجوز. ظلت سيلين تبكي وتتضرع لله أن يبقى معها دائما في أيامها القادمة. رأتها السيدة العجوز تبكي فنادت عليها وأخذت تحتضنها حتى تطمئنها لعل دموعها تهدأ فقد أحست تلك السيدة بالشفقة عليها ولكن سيلين كانت تشدد من احتضانها للسيدة العجوز وكأنها تتلمس منها الحنان والأمان التي افتقدتهما منذ نعومة أظافرها. السيدة العجوزمتسائلة :مالك يا بنتي فيكي إيه ؟ ليه بتعيطي كدة إنت شكل سنك صغير شفتي إيه من الدنيا حرق قلبك كدا .ويخليكي تعيطي كل العياط دا. سيلين وهي تحاول السيطرة على دموعها :أنا.... أنا.... وشرعت في البكاء مرة ثانية. السيدة العجوز بابتسامة هادئة تحاول أن تبث بها الامان لسيلين:احكيلي يا بنتي ولا انت خايفة مني. سيلين من بين دموعها:أنا لأ مش خايفة منك بس .. السيدة العجوز:بس إيه قلقانة أكون ست أي كلام وهعمل معاك حاجة وحشة.انا يا بنتي اسمي علية وأنا لو وحشة مش هاجي اصلي الفجر ولو حتى كدة مش هعمل حاجة في بيت ربنا ، احكيلي يا بنتي وشيلي من على قلبك. سيلين وقد التمست بها الصدق والطيبة و بدأت تحكي لها قصتها من أولها لحد قرار كل واحد من والديها بتزويجها برجل مسن. تأثرت السيدة علية بكلامها وأشفقت عليها جدا وأثناء استماعها لكلام سيلين هاجمتها نوبة ربو ولكنها لم تكن تحمل علاجها معها فلم تعد قادرة على الكلام أو التنفس فخافت كثيرا سيلين وظلت تنادي على أي شخص يساعدها حتى أتى بعض الرجال ساعدوها وطلبوا سيارة الاسعاف وجاءت وذهبوا بها إلى المشفى،وصلوا إلى المشفى واستقبلها الأطباء وأدخلوها إلى غرفة العناية المركزة حتى تستقر الحالة وظلت سيلين جالسة خارج الغرفة تنتظرها حتى تفيق فهي لا تعلم بمن تتصل ومن هم أقاربها. أفاقت السيدة علية من غيبوبتها وجدت سيلين نائمة بجوارها وممسكة بيدها ابتسمت السيدة عليه فهي لم تشعر بقلق أحد عليها من قبل فهي بعد أن توفي زوجها لم يعد لها أحد بالدنيا فهي لم ترزق بأطفال أبدا لذلك شعرت بالأمومة تجاه هذه الفتاة المسكينة وقد عزمت على أمر ما!
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD