لم أرغب في إزعاج سيرينا، فهي على الأرجح تحتاج لبعض الوقت لتصفية أفكارها. لم أكن أرغب في إثقالها بإلحاحي، لذلك قررت أن أتركها على راحتها. أنا هنا متى ما احتاجتني.
كلما تذكرت حالتها أمس عند رؤية حبيبتها السابقة، كان قلبي يعتصر ألمًا. أفكر في كم كانت تحبها، وأتساءل: "هل ما زالت تحمل لها نفس المشاعر حتى الآن؟" ما رأيته بالأمس يدل على أنها لم تتجاوز أي شيء من الماضي، وكأن تلك الذكريات لا تزال تلاحقها، تعكر صفو حياتها.
كانت هذه الأفكار تضج في رأسي بينما أعد العصير. الألوان الزاهية للفواكه لم تكن كافية لتخفيف حدة مشاعري، ورغبت في استيعاب كل ما يجري حولي. كيف يمكن أن تكون الحياة بهذا التعقيد؟ أسئلة عديدة تلوح في ذهني، وتمنيت لو أستطيع مساعدتها في تجاوز كل ما يؤلمها.
بعد فترة من الوقت، جهزت نفسي للخروج قليلاً، آملة أن أستطيع إراحة رأسي من كل هذا التفكير. شعرت أنني بحاجة إلى بعض الهواء النقي.
خرجت إلى الغابة لتمشي، حيث كانت النسائم المنعشة تُخفف من وطأة الأفكار المتراكمة في ذهني. أريد أن أستمتع بلحظات بسيطة.
سيرينا
...
كانت عقارب الساعة تشير إلى 11:22، وشعرت أن الوقت قد تأخر كثيرًا. "أيُعقل أن آسينات نائمة لهذا الوقت؟" تحركت من مكاني متوجهة إلى غرفتها، لكني وجدت السرير فارغًا. يبدو أنها استيقظت منذ فترة، فماذا حدث؟ لماذا لم تخبرني ولم تتحدث إليّ حتى الآن؟
تن*دت بقلة حيلة، أشعر بالضعف والضياع. "ما الذي سيحدث الآن يا ترى؟" كنت محتارة، هل يجب أن أتصل بها أم أتركها على راحتها؟ "لا، لا، لا، بالتأكيد ستفكر أنني لا أريد التحدث إليها، وهذا سيعقد الأمور أكثر. سأتصل."
ضغطت على زر الاتصال، وبعد قليل من الرنين، ردت آسينات بسرعة، وكأنها كانت تنتظر الاتصال.
"مرحبًا، آسينات! كيف حالك؟"
"بخير، وأنت كيف صرتِ؟"
"بخير، خرجت..
ولم أنتبه ، كنت غارقة في التفكير و..."
قاطعَتها آسينات: "لا، لا، أبداً، لا بأس. كنت أفكر أنك تحتاجين لبعض الوقت للتفكير، لذا لم أرد إزعاجك..."
"إذاً، أين أنت الآن؟ أريد أن نتناول الغداء معًا."
"أنا في طريقي إلى المطعم في الغابة الجبلية. تعالي، سأكون في انتظارك."
"حسناً، سأكون هناك."
وصلت بسرعة، وكان قلبي ينبض بتوتر. شعرت كما لو أنني سأقابل آسينات للمرة الأولى، ولم أكن أدري حقًا ما أشعر به.
عند وصولي، رأيتها جالسة في زاوية، تحمل كتابًا ما وتقلب صفحاته بهدوء، تبدو منسجمة تمامًا مع كل كلمة تقرأها.
"مرحبًا، آسينات..." ناديت بصوت منخفض، لكنها لم تنتبه لي.
جلست مباشرة أمامها، وألقيت التحية مجددًا: "مرحبًا، آسفة إذا كنت قد أزعجتك."
رفعت آسينات نظرها عن الكتاب، وابتسمت. "لا بأس، لم ألاحظ كم كنت غارقة في القراءة."
شعرت بالراحة قليلاً مع ابتسامتها، لكن لا زالت مشاعر التوتر تخيم على الجو.
ساد ال**ت قليلاً قبل أن أقول بارتباك: "أريد أن أشكرك على ما فعلته من أجلي أمس."
ردت عليّ بابتسامة خفيفة، لكنها كانت مفعمة بالبرود: "لم أفعل شيئًا يستحق الشكر."
نظرت إليّ ببرود، واستغربت جدًا من ردها. زاد ذلك من توتري، فشعرت أن الجو بيننا بدأ يتغير، وأن شيئًا ما لم يكن على ما يرام. كنت أبحث عن الكلمات المناسبة لأخفف هذا التوتر، لكن الكلمات بدت بعيدة عن ذهني.
ساد ال**ت قليلاً قبل أن أقول بارتباك: "أريد أن أشكرك على ما فعلته من أجلي أمس."
ردت عليّ بابتسامة خفيفة، لكنها كانت مفعمة بالبرود: "لم أفعل شيئًا يستحق الشكر."
نظرت إليّ ببرود، واستغربت جدًا من ردها. زاد ذلك من توتري، فشعرت أن الجو بيننا بدأ يتغير، وأن شيئًا ما لم يكن على ما يرام. كنت أبحث عن الكلمات المناسبة لأخفف هذا التوتر، لكن الكلمات بدت بعيدة عن ذهني.
ثم قالت: "هل يجب أن تشكريني؟! أعتقد أن علاقتنا… أقصد، شعرت أنه يجب أن أكون بجانبك. صحيح أننا لم نتعرف إلا منذ فترة بسيطة، لكن تقربنا بما يكفي، فلا داعي للتصرف برسمية، سيرينا."
أحسست بشيء من الارتياح عندما سمعت كلماتها. كانت تحاول إنهاء التوتر، وقد نجحت في ذلك حقًا. سألتني اذا ما كنت اخطط لشيء هذا اليوم بما انه سيكون اخر يوم من الإجازة أجبتها فورًا: "لا، لم أكن أخطط لشيء، أليس من المفترض أن تكوني أنت من يخطط له؟"
ابتسمت بإشراق، وقالت: "نعم، كنت أحب أن أخطط له، وخططت بالفعل، لكن ما حدث أمس كان غير متوقع، لذلك لم يعد مناسبًا."
"لكن لا بأس. لن تفلتي مني، بما أننا من نفس المدينة، سأراك كل يوم حتى تملي مني. واليوم، سنقضيه معًا، لكنه سيكون هادئًا ع** ما خططت." قالت هذا وهي تضع يدها على يدي بحب، مما جعلني أشعر بدفء لمستها.
قضينا اليوم معًا، كانت آسينات بجواري طوال الوقت، وكأن كل لحظة تجمعنا تحمل رغبة في عدم الفراق. في عينيها، رأيت هذا الإصرار، وكأنها لا تريد لهذه الإجازة أن تنتهي. ربما كانت رغبتي تنع** في عينيها، لكنها كانت مشاعر دافئة وجميلة .
مضى اليوم سريعا، وكل منا دخلت غرفتها في النزل لتجهز نفسها للعودة إلى الديار، وكأننا نترك جزءًا من قلوبنا هنا، في هذه اللحظات الجميلة التي لا تُنسى.
كان طريقنا هادئًا جدًا، يخيم عليه **ت غريب مع قليل من الأحاديث المتقطعة. كلانا مرتبكتين، متخوفتين من القادم، لكن لم نكن نعلم السبب الحقيقي وراء هذا الشعور.
نظرات آسينات الهادئة بدت كئيبة بشكل غير طبيعي، فقد اختفت ملامح التفاؤل التي لم تفترق عنها منذ اليوم الأول الذي رأيتها فيه. تساءلت حقًا عما يدور في خلدها، فليس من عادتها ال**ت طويلاً. هذا ال**ت المتواصل زاد من ارتباكي، وأثار في نفسي مخاوف من الغد وما قد يحمله.
كنت أتأمل المناظر حولي من النافذة طول الطريق بينما غفت آسينات...
وصلنا إلى المحطة الأخيرة، حيث أنزلنا حقائبنا. وقفت هناك لأودعها، لكنني كنت عاجزة عن قول أي كلمة. كان إحساسي يغمرني، ونظرت في عينيها، لكن الكلمات لم تكن لتخرج، كأنها طارت بعيدًا.
فجأة، وضعت يدها برفق على وجنتي وقالت بحب وهي تبتسم: "لمَ كل هذا الحزن على وجهك؟ لن تكون هذه لحظة وداع، سنلتقي كثيرًا، لذا ابتهجي. أحب أن أراك قوية دائمًا. عديني أنك لن تستسلمي ولن تضعفي أمام ماضيك. أنا معك دائمًا."
أومأت بالإيجاب، والابتسامة لا تفارق ثغري. كان لكلامها تأثير مريح وسعيد، لكنه لم ينجح في حل عقدة ل**ني، فما زالت الكلمات عالقة، واللحظة تحمل ثقل الفراق رغم الأمل الذي زرعته في قلبي.