أبتعد عنها "أدهم"، لينهض واقفاً على قدميه ماسحاً الدماء من فمه وأنفه، ثم تغاضى عن نظرات أبيه الحزينة له، و عينان أمه المُتحسرة، ليتجاوزهم ضارباً بأقدامه الأرض يسير عليها بقوة لا يسطتيع ممارستها سوى عليها أتجه نحو"عهد" و أعينه تلمع بالشر و الوعيد، فأرتعبت هي تُلصق ظهرها بالحائط خلفها تتمنى لو تبتلعها، عندما رأته يسير نحوها، وقبل أن تبتعد من أمامه كان يسحبها من ذراعيها خلفه غارزاً أظافره بجِلدها، حاولت إبعاد ذراعه المفتول عنها ولكنه كان في قساوة الحجر، حتى دموعها لم تشفع لها عنده، لم تُحرك به خلية وكاد أن يسير وهو يجذبها خلفه لولا والده الذي وقف أمامه قائلاً بحدة:
- سيبها تبات مع أمك يا أدهم، و أطلع أنت فوق وكفاية بقى مشاكل!!!
نظرت "عهد" لهم بحزن، وهي تعلم أنه لن يسمع كلامهم أبداً وسيُعاقبها أشد عقاب، وبالفعل حدث ما كانت تتوقعه، عندما ذهب من أمامهم مُلقياً بحديثه عرض الحائط وهو يجُرها خلفه، متغاضياً عن صوت أبيه وهو يصرخ بأسمه لكي يتوقف، بكت "عهد" بألم لإزدياد قبضته على رسغها النحيف، وصلا إلى نصف الدرج فوجدوا "ليث" قبالتهم يصد عنهم الطريق، عندما وجدته "عهد" أمامهم حمدت ربها، و هي تنظر له بإمتنان حقيقي، لم ينظر هو لها رغم تيقنه أنها تطالعه، بل ثبت أنظاره على أخيه، يطالعه بعيناه الثابتة، ليقول بصوته الرجولي:
- تعالي يا أمي خُدي عهد تنام عندك!!!
أرتجف جسدها من مجرد سماع أسمها يُلفظ من بين شفتيه وبصوته، جاءت والدت على الفور، ثمم حاولت سحب ذراعها من كفه ولكنه كان مشدداً عليه بقسوة يأبى تركها، فـ أخرج "ليث كفه من جيبه ثم مدّه ليحاوط هو ذراعها، أغمض عيناها و لمسته جعلت القشعريرة تسير في كامل جسدها، أنتزع ذراعها من براثن كف "أدهم"، ثم تركها و هو ينظر لها بهدوء، فأسرعت أمه لتحيط بكتفيها مربتة عليها تنحى "ليث" جانباً لكي يترك لهم المساحة ويصعدوا، فـ مرت "عهد" من جواره، وكاد كتفيها يلامس كتفه لولا أنكماشها بخجل، حاول "ليث" هو الأخر السيطرة على ذبذبات قلبه عندما أشتم عبق رائحتها الفريدة، و الهواء المنعش التي تركته خلفها، نظر إلى أخيه بنظراتٍ سودوية، ليبادله "أدهم" نظرات قاسية، ثم هتف و هو يقترب منه:
- عايز أيه يا ليث!!!!
- عايز أخليك راجل مع أنه صعب!!!!
كانت جملته صادمة لـ "أدهم"، لينبض فكه بعصبيه، ثم تركه صاعداً لجناحه!!!
أتجه الأب نحو "ليث"، ليقف أمامه، يربت على كتفه، قائلاً بإبتسامة:
- شكراً يابني على اللي عملتُه، طول عمري بقول أنا مخلفتش غير ليث، البنت دي أمانة عندنا يا ليث، ربنا هيحاسبنا عليها، دة أبوها كان غالي عليا أوي الله يرحمه، صدقني لو عليا كنت طلقتها من أدهم و ريحتها، بس لو أطلقت لازم تمشي، و هي ملهاش بيت غير هنا، و أنت عارف يابني كلام الناس، هيقولوا أيه لما يلاقوها قاعدة هنا بعد مـ أطلقت، و حتى لو جيبتلها شقة في أي مكان مش هبقى ضامن أسيبها قاعدة لوحدها، هي للأسف مغلوبة على أمرها ومضطرة تفضل معاه!!!!
كلماته كانت كالنصل الحاد تُمزق "ليث" أشلاء، فـ لم يستطيع الرد عليه، فـ والله لو علِم أحد ما بداخله من جروح لأشفق عليه، رُغم أن ثباته الخارجي يوحي بأنه بارد وقاسي، و لا يوجد بقلبه رحمة، ولكن لا يعلم أحد ما يُعانيه من الداخل من حروب وبراكين ثائرة دون هوادة، أبتسم له أبيه، ليتركه صاعداً إلى إحدى الغرف المنفردة لكي ينام بها، ظل "ليث" واثباً قليلاً يُطالع الفراغ أمامه، فـ أتتُه صورتها الحزينة صوب عيناه، نظراتها وكأنها تستجديه رجاءً، هيئتها الحزينة و وجهها المنطفئ، حبيبته التي أخذها أخيه منه و كأنه يقسم على تدميره، لم يُحالفهما القدر و كانت من نصيب أخيه، أغمض عيناه عندما تذكرها بثوبٍ أبيض تمنى لو أن ترتديه له، تزُف لأخيه في مباركاتٍ من الجميع، بل و أنغلق عليهم بابً واحد، يتذكر ذلك اليوم كأنه البارحة رغم مرور الكثير على تلك الذكرى، يتذكر ذلك الألم الذي عاناه، يتذكر قلبه الذي كان يتآوه من قسوة الموقف عليه، بل و يتذكر ضيق تنفسه حتى كاد أن يختنق و كأن أيدي البشر تجمعت بأكملها لتقطع أنفاسُه، و تذكر أيضاً نظراتها الحزينة له، و كأنها ترجوه أن يُسامحها، منذ ذلك اليوم، تحجج بسفرُه لينهي بعض أعماله بالخارج، وطالت فترة غيابه سنة وراء الأخرى، حتى عاد بعد وقت كان يشعر به سنوات وقرون بعيداً عنها، وفي كل ليلة عندما يتخيلها بأحضان أخيه، فكرة تجعلُه يجن ويفقد صوابه، في كل ليلة يحاول بها الخلود إلى النوم، تزوره بأحلامه، يتخيلها أمامه تارة، و تارة يحلم بها، أحلام بشِعة قاسية، كان يحلم بها حزينة دائماً، وجهها ذابل كـ زهرة قُطفت بعد أن كانت مُفعمة بالحياة، تمد له يدها ترجوه ألا يُتركها و ألا يتخلى عنها، تتوسل له ببكاء شديد أن ينقذها مما هي به، كان يظنها مجرد أضغاث أحلام، و أنها سعيدة، و لكنه أكتشف ع** ذلك تماماً عندما قرر نزول مصر، و الرجوع أخيراً ، يتذكر ردة فعلها عند مجيئه، وكيف ينساها و هي فو، رؤيته أمتلئت عيناها بالدموع عندما رأته يدلف من الباب، فـ كانت هي من دون قصدٍ أول من تستقبله بعد غياب طال سنتان، أول من طلّ بوجهها بعدما فتحت له الخادمة و دلف للقصر، عندها كانت مارة من أمامُه و تفاجأت بوجوده يتذكر نظراته الجامدة لها والتي لا تحوي بأي شئ، كانت نظراته كـ سوط على قلبُه وقلبها، فـ رغم أنه كان يطالعها بقسوة شديدة، إلا أنه كان يتمنى لو أن يُدلفها بأحضانه ولا يُخرجها أبداً، أستغفر ربه ليفرك عيناه، ثم صعد متجهاً لجناحه، فـ سمع صوت بكاءها يأتي من غرفة والدته، ليتن*د بضيق، فـ أكثر شئ يكرهه هو رؤيتها تُعاني، و سماع صوت بكائها، أو رؤية دمعاتها التي تصيبه في مقتل، أستلقى على الفراش ولم يزوره النوم أبداً، فـ أي نوم هذا و أي راحة و الوحيدة التي عشقها قلبه في تلك الحالة نهض يمسح على وجهه بعنف ثم خرج من الجناح، و كالعادة عندما يغضب، يتجه لغرفة التدريي الخاصة به و يُفرغ شحنات غضبه في الملاكمة، لينزع عنه قميصه الأ**د، فـ بقى عارياً الص*ر، أرتدي قفازات الملاكمة، ثم أخذ يض*ب الكيس المحشو بقسوة شديدة، ولم يشعر بالساعات التي مرت وهو على هذا الحال، حتى جلس على الأريكة بإنهاك شديد، ملقياً بالقفازات أرضاً، ليمرر أصابعه في خصلاته البنية، مغمضاً عيناه، مستنداً برأسه على مسند الأريكة!!!
• • • •
غفت "عهد" بأحضان "حنان"، التي ظلت تقرأ لها آيات من الذكر الحكيم، حتى نامت هي الأخرى، ولكن لم تستطيع أن تنعم "عهد" بنومٍ مُريح بعد ذلك اليوم الشاق، لتشعر بمن ينكز جسدها بغِلظة، ولأنها كعادتها لا تستغرق في النوم أستفاقت فوراً، لتفتح عيناها التي توسعت بخوف عندما رأته يُمسك بذراعها قائلاً بصوتٍ خافت، ونبرة غليظة:
- قومي!!!
أدمعت عيناها قائلة بصوتٍ ضعيف وهي تحاول إزاحة ذراعه:
- سيبني يا أدهم حرام عليك عايز مني أيه!!!!
سرعان ما وضع كفه على شفتيها ليكتم صوتها، وحاوط خصرها بذراعه الأخر ليجعلها تنهض، هامساً في أذنها بنبرة لا تبشر بالخير أبداً:
- متفتحيش بؤك وأمشي قدامي من سكات!!!
سقطت الدموع من عيناها على كفه، لتسير أمامه مغلوبة على أمرها، و ذراعه الموضوع على جسدها كان كالنيران تُحرقها، سارت معه خارج جناح والدته، فـ أبعد كفه عنها، قائلاً بصوته البارد وهو يسحبها من ذراعها:
- يلا يا هانم قُدامي!!!
تآوهت بألمٍ لضغطه على ذراعها الملون بعلامات زرقاء بالأصل، ولكنها حُجِبت أسفل كنزة بأكمام، فـ ألتفت لها ليضع أصبعه أمام شفتيه هامساً بعيناه التي تُرعبها:
- شششش، مش عايز أسمعلك نفس!!!!
نظرت له بعيناها البريئتان ذوات اللون الأخضر، قائلة بهمسٍ ضعيف:
- ليه بتعمل معايا كدا، أنا عملتلك أيه؟!!
أبتسم بسُخرية، ليُبعد عيناه عنها ثم جذبها بعنف خلفه حتى دلفا للجناح، ليفتحه، ألقى بها أرضاً ثم أوصد الباب بالمفتاح، زحفت على الأرضية بعيداً وهي تنظر له بجزع كبير، فـ أقترب منها وعلى محياه غضبٍ شديد، ثم مال نحوها ليأخذ خصلاتها في كفه مشدداً عليهم بقسوة، كادت أن تطلق صرخة متألم لولا كتمه لصوتها بكفه الأخر يقول وهو يهُزها بعنف:
- أخرسي خالص، بسبب وحدة زبالة و رخيصة زيك أخويا ض*بني، أنا يتعمل فيا كدا بسبب حشرة زيك، و كُنتي هتقوليله إني ض*بتك ليه يا هانم؟!!! طبعاً مكنتيش هتسكتي، وكنتي هتقوليله ع الم**رات اللي باخدها، و إنك لما حاولتي تمنعيني ض*بتك، مش كدا!!!
أغمضت عيناها ترفض النظر إلى جحود مقلتيه، وجسدها بأكمله يرتحف بين يداه، فـ صرخ بها جاذباً خصلاتها للأسفل:
- مـ تردي!!!!
بكت بحُرقة شديدة، فخرج صوتها مُهتز:
- والله مكنتش هقوله كدا!!!!
قست نظراته، ليترك خصلاتها بهدوء، ليحول عيناه إلى وجهها الباكي، يتأمل عيناها بلون الزرع، بشرتها البيضاء الناعمة، وشفتيها المنتفختان، فـ أظلمت عيناه برغبة، و بدون مقدمات حاوط وجهها بكفيه ثم أنقض على شفتيها كالأسد الذي يلتهم فريسته، أشمئزت "عهد" من أقترابه منها وشفتيه التي تُقبلها كانت كأنها تكويها، و يداه التي أمتدت لجسدها مستبيحاً إياه بطريقة جعلتها تبكي بحُرقة، فـ حاولت دفعه من ص*ره ولكن قوته كانت تفوقها بمراحل، تآوهت بألمٍ حقيقي تشعر بالدماء تسقط من شفتيها لعُنفه معها لتُجمع كامل قوتها، ثم دفعته بقوة من ص*ره ليرتد على أثرها فـ أنتهزت الفرصة و أبتعدت هي عنه زاحفة للوراء، زمجر كالأسد الغاضب، لينهض سريعاً، ثم حملها بين يداه، لتركل هي بقدميها في الهواء صارخة به لكي يترُكها، ولكنه لم يكُن رحيماً معها، ليدلف لغرفتهم، ثم ألقى بها على الفراش، فـ نظرت له بفزع، صارخة وهي تعود للوراء:
- لاء سيبني أبوس إيدك سيبني!!!