في ليالٍ قارصة البرودة، و في جو عائلي كئيب للغاية، بقصر عائلة السيوفي، جالسة هي تضم كِلتا ذراعيها لص*رها، تنظر للأمام بعينان حمراء متورمة من كثرة البكاء، و وجهها ذابل من كم المُعانة التي تمُر بها، شفتيها المكتنزتان متلونتانٍ بجرحٍ غائر عللى جانبهما، و إحدى وجنتيها مكدومة بلونٍ بنفسجي قاتم، خصلاتها الناعمة باتت مشعثة قليلاً، ناهيك عن أرتجاف جسدها، مقلتيها خاليتان من الحياة تماماً، تجلس اجوارها سيدة كبيرة بالعُمر يبدو التأثر على معالم وجهها، تربت على كتفيها لتواسيها وتشُد من أزرها، و تهدأ من إرتجافة جسدها،
كانت عيناها كشلالٍ من الدموع لا يتوقف، ورُغم ذلك لم تص*ر صوتاً أبداً!!!
جلس من تسبب لها في كُل هذا بعنجهية كبيرة، واضعاً قدماً فوق الأخرى، ينظر لها ببرود تام، و عيناه لا تنطُق بذرة ندم، بل كان يُطالعها بطريقة ساخرة، ونظراته كانت تصيبها بسهام قوية في قلبها، جلس أبيه على مقعد أخر ينظر لأبنه بحسرة عما يفعله في زوجته، و هو يعتقد أن بتلك الطريقة يثبت رجولته لها، لا يعلم أنه يثبت له ضعفه في أخس نموذج من أشباه الرجال!!!
ض*ب الأب كفيه ببعضهما بقلة حيلة، قائلاً بنبرة حزينة:
- لا حول ولا قوة إلا بالله، فوضت أمري ليك يارب!!!!
سمعوا خطواتٍ رجولية ثابتة تأتي من أمامهم، ، فـ أن**ت عيناها متعلقة بذلك الحذاءٍ الأ**د لامع، لتصعد بعيناها و هي تشعر بقلبها يناظر الطبول في خفقاته، فوجدتُه بـ هالة الهيبة التي تُحيطُه، و لم تجرؤ على النظر بعيناه، لترمُش بعيناها وقد أزدادت الدموع بهما، ثم سقطت بأنظارها أرضاً تكتم شهقات بكائها!!!
بينما هو سار بـ هيبته المعهودة، و وسامته التي لا يُنافسه بها أحد، رزانته و هدوءه المعروف بهم، ليُلقي نظرة مُختطفة عليها، شعر بألم في وجدانه، و كأن روحه تحترق لتصبح رماداً، أخفى ذلك الرماد خلف نظراتٍ باردة، ليحوّل أنظاره إلى أبيه الذي قال و كأنه يستنجد به:
- تعالى يا ليث، تعالى شوف أخوك واللي بيعمله في مراتُه!!!
نظر "ليث" لأخيه بنظرات رغم جمودها، إلا أنها كانت كافية لتجعل أخيه يرتعب و هو يبعد أنظاره عنه بعد أن أعتدل في جلسته واضعاً قدميه سوى بعضهم، لينظر إلى زوجته بحقدٍ وغِل، فـ ألتفت "ليث" إليها، ليجلس على مقعد جوار أخيه ليكُن قبالتها، قائلاً بصوتٍ هادئ:
- أيه اللي حصل؟!!!
نظراته موجههة لها، تخُصها هي لكي تتحدث، فـ أرتبكت المسكينة تفرُك أصابعها ببعضهما تنظر للأرض و الدموع تسقط من عيناها تِباعاً، تسلك طريقها فوق وجنتيها و على فكها المكدوم، فـ رّق قلبه لها، رفعت وجهها له تنظر داخل عيناه التي تجعل كامل جسدها يرتعش، وعندما رأى وجهها بالكامل و الكدمات المطبوعة على بشرتها البيضاء، فـ صُدم و كأنها ألقت عليه دلواً باردة في أقسى ليالي الشتاء، أحتدت عيناه بطريقة مُرعبة!!! لتزداد نبرته شراسة و هو يقول:
- عمل فيكي أيه!!!
رفعت عيناها الحمراء له، و قبل أن تتحدث، أنتفض أخيه كمن لدغته عقربة خوفاً من أن تخبره بالحقيقة، فـ كاد أن ينهض من جوار أخيه و هو يقول بصوتٍ عالٍ، و أسلوب فج:
- كنت بربيها يا ليث، مراتي و أنا حُر فيها أعمل اللي عايزُه معاها!!!!
ألتفت له "ليث" بنظرة أرتعدت لها أوصاله، ليضع كفه على ركبته مانعاً إياه من النهوض هادراً بعلو صوته:
- أقعد مكانك، و أخرس خالص مش عايز أسمعلك صوت!!!!!:
أنكمش جسدها من صوته العالي، فهي أصبحت تمقت الأصوات العالية، التي تذكرها بصراخه عليها وض*به لها، أختفت في أحضان والدته الحنونة، تبكي على ص*رها بحُرقة، فـ نهض هُنا "ليث" عندما تغلغل صوتها الباكي لروحه، ليقف ثم قبض على تلابيبه يجعله ينهض بعنف صارخاً بوجهه وقد فقد صوابه:
- أنتَ فاكر نفسك مين عشان تض*بها و تزرقلها وشها كدا، اللي عايز تربيها دي جاية من بيت محترم ومتربية أكتر منك، دي مراتك يا غ*ي يعني كرامتها من كرامتك، متجوزها ليه و أنت هتهينها بالشكل دة!!!!
نهض أبيه ليحاول التفريق بينهم عندما تفاقم الوضع أكثر و شعر أن ولده الكبير سيتهور حتماً، فـ عندما يغضب الليث، لا يمكن لأحدٍ أن يُروضه!!!
لم يستطيع "أدهم" مقاومة أخيه الأكبر أو التصدي له، فـ تدخلت والدتهم وهي تقول إلى "ليث" برجاءٍ:
- سيبه يا ليث يابني كفاية كدا!!!!
لم يسمع لأحدهم، وصورتها الباكية مرتسمة أمامه، و قد عمت أبصاره، صارخاً به يهزُ من ملابسة بقوة حقيقية!!:
- أنت فاكر إنك كده راجل!!! فاكر الرجولة أنك تمد إيدك على مراتك، و تستقوى عليها بدراعك!!!!
نهضت "عهد" التي لم تتحمل ما يحدث أمامها، و لا لتلك الاصوات التي تشوش عقلها، لتنزوي برُكنٍ ليس ببعيداً عنهم، ضامة ذراعيها لص*رها منفجرة بالبكاء، تاركة صوته يخترق قلبها قبل أذنيها، فـ دفاعه عنها أصابها في مقتل، وجعلها تتمنى لو أن تخبره بـ كُل شئ ليرحمها من العذاب الذي تُعانيه مع أخيه، رفعت أنظارها له لتنظر لهم من بعيد، تنظر إلى عيناه السمراء الغاضبة، و عروقه التي أشتدت كعادته عنما يصل لقمة غضبه، فـ سمعت صراخ ذلك الصوت المقيت الذي تكرهه و هو يقول:
- ملكش دعوة بحياتي معاها يا ليث، عشان أنا مش هسمح لحد يدخل بيني وبين مراتي، أنا أساساً هاخدها ونمشي من هنا ومش هتشوفونا تاني!!!
أزدادت نظراته نيراناً غاضبه، لينظر له مشمئزاً، ليدفعه للخلف حتى كاد أن يسقط لولا توازنه، فـ صرخ به أبيه تلك المرة:
- تبقى غلطان يا أدهم لو فاكر عشان عهد يتيمة وملهاش حد هنسيبهالك تعمل اللي أنت عاوزه فيها!! هي مش هتتحرك من هنا غير على جثتي!!!
ألتفت "أدهم" إلى أبيه قائلاً بوقاحة:
- أد*ك قولت!! يتيمة وملهاش حد، يعني هي أساساً ملهاش مكان غير هنا، و لو طلعت برا القصر دة هتترمي في الشارع زي الكلاب، عهد مصيرها معايا أنا، يعني مضطرة تستحمل أي معاملة أعاملها بيها و تسمع كلامي غصب عنها!!!!
رفعت أنظارها له بعينان من**رتان، لتُغمض عيناها قابضة على كفيها بقوة، شاهقة ببكاءٍ مرير، وصل لأذنيه، فـ لم يرى أمامه سوى و هو يسدد له لكمة أوقعته أرضاً، لتص*ر صرخة مفجعة من أمه، و نظرة ألم من أبيه، و بكاءٍ يص*ر من "عهد"، طُرح "أدهم" على الأرضية والدماء تنزف من أنفه وفمه، فـ مال "ليث" عليه ممسكاً بفكه، قائلاً والشرر يتطاير من عيناه:
- لو عرفت إنك عملتلها حاجة ولا طلعت جنانك دة عليها، صدقني هتشوف وِش عُمرك مـ شوفته قبل كدا يا أدهم!!!
تركه ليعتدل بوقفته، ثم رماه بنظراتٍ قاسية، ليلتفت مبتعداً عن الوسط متجهاً إلى الدرج وقبل أن يهم بالصعود، نظر لها وهي تحاوط وجهها بكفيها دافنة إياه بهما واقفة بالكاد تتوازن على قدميها، تن*د بأختناق شديد، ثم أبعد أنظاره عنها مغمضاً عيناه، ليصعد على الدرج، يدلف إلى جناحه، صافعاً الباب خلفه بعنف صدح في كامل القصر، فـ ركضت والدته نحو "أدهم" بقلبٍ حنون لا تستطيع أقتلاعه من وجدانها، ثم مالت عليه قائلة ببكاء:
- حرام عليك يا أدهم متوجعش قلوبنا عليك بقا، كفاية كدا بقى مش قادرة أشوفكوا و انتوا بتتخانقوا بالطريقة دي، دي مراتك يا أدهم ليه تعمل فيها كدا، هي مش صعبانة عليك!!!!!
أبتعد عنها "أدهم"، لينهض واقفاً على قدميه ماسحاً الدماء من فمه وأنفه، ثم تغاضى عن نظرات أبيه الحزينة له، و عينان أمه المُتحسرة، ليتجاوزهم ضارباً بأقدامه الأرض يسير عليها بقوة لا يسطتيع ممارستها سوى عليها أتجه نحو"عهد" و أعينه تلمع بالشر و الوعيد، فأرتعبت هي تُلصق ظهرها بالحائط خلفها تتمنى لو تبتلعها، عندما رأته يسير نحوها، وقبل أن تبتعد من أمامه كان يسحبها من ذراعيها خلفه غارزاً أظافره بجِلدها، حاولت إبعاد ذراعه المفتول عنها ولكنه كان في قساوة الحجر، حتى دموعها لم تشفع لها عنده، لم تُحرك به خلية وكاد أن يسير وهو يجذبها خلفه لولا والده الذي وقف أمامه قائلاً بحدة:
- سيبها تبات مع أمك يا أدهم، و أطلع أنت فوق وكفاية بقى مشاكل!!!