تركض وسَط الغابات المظلمة، تسمع زئير الاسد خلفها، يتمهل من ورائها وكأنه متيقناً من هجومه على فريسته دون عناء، ظلت تركض حتى باتت أقدامها ثقيلة ولم تعُد تحملها، وقفت لكي تلتقط أنفاسها، ثم ألتفتت ولم تجد أحد، حمدت ربها، ثم عادت لتُكمل سيرها ولكنها وجدت الأسد ذو الأنياب الشرِسة يقف أمامها، فصرخت بفزع لترتد راكضة منها بأقصى سرعتها، فـ سمعت صوتِ مألوف يُنادي عليها، صوته يُردد في الغابات باسمها وتسمع صداه فأنهمرت الدموع من عيناها عندما علمت أنه صوته، لتصرخ بكُل ما أوتيت من قوة:
- ليث!!!!!! ليث أنا هنا جنبك، تعالى أبوس إيدك!!!!!
سار خلف صوتها فوجدها تقف أمامه، تقف محملقة به بأشتياق تبكي، كادت ان تهرول له لكي ترتمي لأحضانه و لكن الأسد كان ينظر لجسدها بنظراتٍ خبيثه، صرخ بها لكي تنتبه قبل أن تطولها يدُه ولكن كان الأوان قد فات، لتجحظ عيناه بقوة صارخاً بإسمها و هو يرى الليث ينهش بلحمُها نهشاً:
- عـــهـــد!!!!!
نهض "ليث" من نومه منتفضاً، بعد أن غفى رغماً عنه على الأريكة واضعاً يده على قلبه الذي بات يؤلمه، أخذ نفساً عميقاً يحاول إدخال الأ**جين لرئتيه، و العرق يتصبب من جميع أنحاء جسده، تكونت صورة لها أمام عيناه عندما كانت تنظر له بألم، وكأنه فشِل في إنقاذها!!!!
نهض عن الاريكة ليخرج إلى الشرفة التي تحويها الغرفة ربما تهدأ نيران قلبه، ولكنها إزدادت أكثر، دلف مجدداً يجلس على الأريكة يفرك عيناه، ثم مسح على وجهه بكلتا كفيه، يحاول تهدأة نفسه بأن كل شئ سيصبح بخير، رغم وغزة قلبه التي كانت تؤكد له أنها بخطر، و أن حبيبته بين أيدي الأسد بالفعل!!!!!!
• • • •
فتحت مقلتيها ببطئٍ، رمشت بأهدابها التي ألتصقت قطرات الدمعات بها، وخفقات قلبها تعادل شخص يتسابق في سباق الماراثون، تشعر أنها بالفعل على وشك الموت، نظرت إلى سقف الغرفة مجدداً بنظراتٍ خاوية، وبدون أن تشعر قبضت على الملاءة التي تخفي جسدها، سالت الدموع من عيناها بغزارة، حتى النفس الذي تأخذه لم تعُد تطيقه، و تتمنى من ربها أن يقطع تلك الأنفاس الأن لكي تذهب له فـ لمتى سوف تظل في تلك المعاناة منذ أن خُلقت إلى تلك اللحظة المقيتة، سمعت باب المرحاض يُفتح من قِبله، لم تنظر له أبداً، فـ هي باتت تمقت النظر لوجهه و مواجهة عيناه، أتجه "أدهم" بعد خروجه من المرحاض مرتدياً ملابسه إلى الشرفة، و لكنه ألقى نظرة عليها قبل الدلوف، ثم دلف يقف مستنداً على سور الشرفة التي تطل على حديقة كبيرة، و يبتسم بأنتصار غريب و
***ة مُقيتة!!!!استجمعت "عهد" القليل جداً جداً من قوتها التي بدأت أن تتلاشى، ثم حاوطت جسدها بالملاءة، لتُنزل قدميها البيضاوتان على الأرضية الباردة، ثم نهضت متحاملة على جسدها و على قدميها الرخوتين، و سارت ببطئ تجاه المرحاض، مستندة على الحائط جوارها، فـ ألم جسدها لا يُحتمال، بالكاد تستطيع أن تسير و لا تسقط أرضاً، دلفت ثم أغلقت الباب خلفها ببطئ..
وقفت خلفه، لتضع كفها على قلبها تحاول التخفيف من حدة ألمه، ثم دون وعيٌ منها أنهمرت الدموع من عيناها مبللة وجنتيها الحمراء، كتمت شهقات بكاءها بكفها وهي تضم الملاءة لص*رها، لتنهار على الأرضية الباردة وجسدها ينتفض بكاءاً، ظلت هكذا دقائق، تبكي على الأرضية فقط، حتى أستعادت أتزانها، ثم حاولت الوقوف على الأرض، ووثبت بالفعل ولكن بقدمين ضعيفتين، وقفت أمام المرآة تسند كفيها على الحوض، و عندما نظرت إلى نفسها في المرآة، فـ شهقت برعب، وهي ترى حُطام أمرأة، وجه ذابل شاحب كالأموات، عدا أحمرار وجهه أثر قبلاته، شفاة شبه حمراء للغاية و متورمة، و خصلاتٍ مشعثة، ولكن ما جعلها تطلق آه متألمة عندما نظرت لتلك الكدمات التي صبغت كتفيها ورقبتها وبداية نحرها، علاوةً على ذلك ذراعيها البيضاوتان والتان تلونا بلون أحمر قاتم لقبضته عليهما، حتى أصابعه الغليظة تاركة أثار ب*عة على جسدها، لم تستطيع تحمل ما رآته، كان كالكابوس بالنسبة لها، كابوس تتمنى لو أن يود أن يوقظها أحد ليُخلصها من هذا العذاب، تسارعت أنفاسها من شدة البكاء، لتبعد الملاءة عن جسدها، ثم رفعت إحدى قدميها لتدلف إلى الدُش، وقفت أسفل المياه المنهمرة تفرُك جسدها بقسوة، تحاول أن تزيل لمساته المقززة، تحاول إبعاد رائحته الكريهة الملتصقة بها!!!
جلس هو بجمود شديد، ينفث دخان لُفافة تبغ فاخرة، ينظر للفراغ أمامه ببرود، يستمع إلى المياه الهادرة بالداخل، يتذكر ما حدث بينهم فـ يُكشر عن أنيابه المفترسة، ولكن مُحيت أبتسامته وأنتفض جسده فور أن سمع طرقات قوية على باب الجناح، ليتصبب جبينه عرقاً عندما أستمع لصوت أخيه!!! يصرخ بصوتٍ جهوري به لكي يفتح، وثب ولا يعلم ماذا سيفعل، فـ خرج سريعاً ليوصد باب الغرفة عليها، ثم خرج لبهو الجناح، ليفتح بابه بأيدي ترتعش، هربت الدماء من وجهه عندما طالع ملامح أخيه الغاضبة، وعيناه التي تقدح شراراً، حتى أنه أعتقد أن هناك من أخبره بما فعله بها!!!
أمسكه "ليث" من تلابيبه بقسوة شديدة، ليُقرب وجهه منه يردف بنبرة مُرعبة:
- هي فين؟!! عملت فيها أيه!!!
أبتلع رمقه بصعوبة، فـ ظهرت والدته خلف "ليث" تقول بحدة هي الأخرى:
- فين عهد يا أدهم!! أنا صحيت لقيتها مش جنبي، عملت فيها أيه!!!
تحول وجهه للون الأصفر، ليعاود النظر إلى اخيه "ليث" قائلاً بصوتٍ متوتر:
- أنا .. أنا معملتش فيها حاجة!!!
نظر له "ليث" بنظراتٍ مشتعلة، ثبت عيناه بعينان أخيه المهتزة، ليردف بصوتٍ حاد:
- أدخلي يا أمي شوفيها!!!!
سقط قلبه أرضاً، ليقبض على مفتاح غرفتهم بيداه، فـ لاحظ "ليث" ما يُخبئه، ليقطب حاجبيه ثم أمسك كفه بـ قبضة كالفولاذ، ليأخذ منه المفتاح عنوةً، قائلاً بصوتٍ حذٍر:
- قافل عليها بالمفتاح!!!!!
دلفت والدتهم تزيح جسد "أدهم" لتأخذ المفتاح، ثم دلفت إلى داخل الغرفة بعد أن فتحتها، فـ صُدمت من الغرفة المبعثرة للغاية، والملابس الملقاة على الأرض، والسرير ذو الملاءة المشعثة و كأن حرباً ما أُقيمت عليه، أهتاج ص*رها خوفاً مما فعله أبنها والذي ترفض تصديقه، ألتفتت عندما وجدت الباب يُفتح، لتشهق بعنف عندما وجدت "عهد" تخرج بمنشفة طويلة تحاوط بها جسدها الذي لُون بكدماتٍ مُخيفة، جحظت عيناها لتض*ب كفها على ص*رها، أرتجفت "عهد" خوفاً عندما رأتها بمنتصف الغرفة، لتركض نحوها الأخيرة، قائلة وهي تطالعها بنظرات قلقة:
- عمل فيكي أيه الحيوان دة يا بنتي، قوليلي يا ضنايا متخافيش!!!!
نظرت لها "عهد" بعينان دامعتان، ولم تنطق بحرف، و داخلها يقول الكثير الي لا تستطيع البوح به، نظرت الأم إلى كدمات جسدها، و شفتبها المتورمة و إلى عنقها و كتفيها وبداية نحرها المصكوكين بعلامات ليس لها إلا تفسير واحد، فعلِمت بالضبط ماذا حدث لهافـ آن قلبها ألماً عليها، لتأخذها من يديها تجلسها على الفراش، تمسح على خصلاتها المبللة قائلة بحسرة:
- مكنتش أتخيل أنه ممكن يعمل كدا، للدرجة دي أنا معرفتش أربيه!!!!
نظرت لها "عهد"، لتمسك يداها قائلة برجاء:
- ماما أنا عايزة أمشي من هنا، أعتبريني زي بنتك ومشيني من هنا أرجوكي!!!
قطبت حاجبيها بحزن قائلة:
- هتروحي فين بس يا عهد!!!!
- الشارع عندي أهون مليون مرة من هنا!!!
قالت وهي تشدد على كفيها، لتتابع عندما وجدتها صامتة:
- عشان خاطري مشيني من هنا!!! قولي لـ ليث و هو أكيد هيخليني أمشي من هنا!!!
**تت بحرج عندما نطقت بأسمه، ولكنها سرعان ما رفعت رأسها بصدمة لما هتفت به "نادية" :
- مش هقدر أقوله يا عهد، أنا و أنتِ عارفين أن ليث بيحبك من زمان و أن ابوكي الله يسامحه هو اللي فرقكوا، و بردو أحنا الأتنبن عارفين غلاوتك في قلبه عاملة أزاي، و لو ليث عرف باللي أدهم عمله فيكي مش بعيد يقتله وساعتها هاخد عزاه، و دة أبني يا بنتي، مش عايزة أخسره، متجيبيش سيرة لـ ليث أبداً ، ارجوكي
يا عهد متقوليلوش!!!!
رمشت بعيناها من شدة الصدمة، لتقسو نظراتها، ثم أبعدت كفيها عنها، لتنهض من جوارها قائلة بنبرة لا روح بها:
- سيبيني لوحدي لو سمحتي!!!!
أنتفضت الأم قائلة برجاء!!!
- أفهميني يا عهد!!!!
قاطعتها "عهد" صارخة بجنون:
- أفهم أيه!!! أفهم أنك عايزة تسيبيني عايشة في الجحيم دة عشان خايفة على أبنك، طيب و أنا؟!! هي دي وصية بابا ليكوا؟!! هي دي الأمانة اللي سبهالكوا؟!!