الفصل 5

2764 Words
مضت أيام واتصل بها يو جين يسأل عن حالها ويدعوها للقاء بعض الأشخاص من المعهد التقني الذي يعمل لحسابه، فقبلت واتفقا على موعد معين في اليوم التالي. أنهت ميري المكالمة ونظرت لنام شين وتنفست الصعداء، فابتسم قائلاً: أحسنت صنعاً، لا تقلقي سأكون معك وأراقبك من بعيد. أومأت ميري برأسها ثم قالت: لولا أنني أود كشف أولئك المحتالين الذي يعمل معهم لما تحدثت معه إطلاقاً ولا حتى نظرت لوجهه المثير للاشمئزاز. قالت ميري جملتها بكثير من الغضب والقهر والحزن مما جعل الدموع تجتمع في عينيها، فاقترب نام شين وضمها لص*ره فقالت: أنا لا أبكي. فرد بلطف: ولكنك توشكين على البكاء. فقالت بألم: لن أبكي مجدداً بسبب هذا الو*د، لن أبكي، لن أدع عيناي تذرفان المزيد من الدموع ... بسببه. بدأ نام شين يربت على رأسها وكتفها حتى هدأت، ثم ابتعد عنها قائلاً: غداً ستأتي السيدة كانغ أيضاً لتراقب من بعيد وأنا سأبقى قريباً منك قدر الإمكان لأسمع وأرى ما يحدث معك، لذا لا تقلقي حتى لو لم تتمكني من رؤيتي. ابتسمت ميري وقالت: ولماذا أقلق؟ فهم لن يؤذونني ولا سبب لديهم لفعل ذلك كما انني أعلم بأنك ستكون موجودًا لحمايتي ... أليس كذلك؟ ابتسم نام شين قائلًا: بالطبع سأحميكِ. في اليوم التالي انطلقت ميري بسيارة والسيدة كانغ ونام شين وفريقها الخاص يتبعونها بسيارة أخرى حتى وصلت مكان اللقاء الذي كان مطعماً فاخراً. ترجلت ميري من السيارة ووجدت يو جين بانتظارها، فدخلا معاً ومن ثم تبعهما نام شين بهدوء وجلس بعيداً عنهم متوارياً عن أنظارهم. عرفها يو جين على الأشخاص الجالسين وأعربوا من سرورهم بلقائها، ثم قدموا لها عرضاً مغرياً جداً مقابل الانضمام لطاقم الباحثين الخاص بهم، فقالت ميري: هذا عرض مغرٍ جداً وفي الحقيقة لا أدري إن كنت أستحقه، فليس لدي إنجاز يذكر حتى أنني لم أجري أي أبحاث تذكر بعد أن تمت سرقة بحثي. فقال أحدهم: أجل، يؤسفنا سماع هذا، ولكننا نعلم قدراتك جيداً ولهذا نحن نقدم لك هذا العرض المميز. ابتسمت ميري قائلة: يسعدني سماع هذا الإطراء، ولكنني في الحقيقة لم أعد أثق بنفسي ولا بقدراتي. أنا أكتفي بالعناية بالمحمية وما فيها ولم يعد يهمني شيء آخر. ابتسم أحدهم بمكر وقال: ولكن قدومك هنا يعني بأنكِ مهتمة بالأمر أو على الأقل تفكرين بالعرض، أليس كذلك؟ ابتسمت ميري بتهكم، ثم قالت: ليس تماماً، بل أتيت بدافع الفضول، لأعرف ما الذي تريدونه مني وما الغرض من هذا العرض المغري؟ لذا دعونا نتحدث بصراحة وأخبروني ماذا تريدون مني؟ ابتسم الرجلان بمكر وارتشف الرجل الأخير بعض القهوة، ثم قال: حسناً، لنتحدث بصراحة. السيدة كانغ، زارتك أكثر من مرة مؤخراً، لماذا؟ ردت ميري باستنكار: هل تتجسسون علي؟ رفع زاوية فمه اليمنى ثم قال ببرود: ليس عليك بل عليها، فنحن متنافسان في مجال الأبحاث. ابتسمت ميري بتهكم وقالت: متنافسان! تباً لهذه المنافسة! يجب أن يكون همكم الوحيد إنقاذ الجنس البشري وما تبقى من كائنات على هذا الكوكب، وتقول لي منافسة في الأبحاث، كم هذا مثير للسخرية! رد عليها بابتسامة ساخرة وقال: بالطبع هذا ما يهمنا ولهذا نحن نتنافس لنبذل أفضل ما لدينا من أجل البشر والبيئة. دعينا من هذا وأخبريني لماذا أتت لزيارتك لطفاً؟ تن*دت ميري ثم قالت: السيدة كانغ صديقة مقربة من كلا والداي، وأتت لتطمئن علي بما أنني اعتزلت الحياة الخارجية منذ وقت طويل، ثم طلبت مني حضور ذلك الحفل السنوي بدلاً من والداي لتحاول جعلي أنخرط مع الناس من جديد. هذا كل ما في الأمر. ابتسم الآخر قائلاً: آه هكذا إذاً، ألم تتحدث معك بشؤون أبحاثها أو اختباراتها الجديدة؟ ردت ميري: كلا، لم نتحدث في العمل فهي تعلم بأنه ليس لدي أدنى اهتمام لسماع شيء من ذلك. أوشك الرجل الآخر على طرح سؤال جديد، فتأففت ميري وقالت بنفاذ صبر: ما هذا؟ هل طلبتم حضوري لتجروا معي تحقيقاً؟ لقد أخبرتكم بأننا لم نتحدث في العمل فلم كل هذه الأسئلة؟! لهذا السبب اعتزلت البشر لأنهم تافهون ولا يدركون الأهمية الحقيقية لهذه الحياة، يمضون حياتهم في السعي وراء أمور تافهة ويفعلون أي شيء لتحقيق رغباتهم حتى لو كانت على حساب حياة الآخرين وسعادتهم. يتجاهلون جميع الكوارث التي تحدث في الكوكب ويركزون على مصالحهم وجشعهم وحسب لهذا صببت كل اهتمامي على المحمية لأتجنب رؤية البشر بشتى أنواعهم لأنهم يشعرونني بالغثيان. نهضت ميري ومشت بسرعة وقد بدا عليها الغضب، فحاول يو جين إيقافها لكنها التفتت نحوه بحنق وطلبت منه بغضب ألا يتبعها فعاد وجلس مع الرجلان قائلاً: لم يكن عليكما الضغط عليها هكذا، إنها فتاة سريعة الغضب وبالفعل هي اعتزلت الناس منذ وفاة والديها لدرجة أنها باتت تكره البشر وقدومها إلى هنا إنجاز كبير، ولكنكما أفسدتما كل شيء. فقال أحدهما: لا بأس، فقد عرفنا بأنها لا تعرف شيئاً عن أبحاث السيدة كانغ. ابتسم الآخر بخبث وقال: كلا، بل تعرف الكثير، ولهذا حاولت المراوغة وتظاهرت بالغضب لتهرب منا بأسرع وقت ممكن، فتاة ماكرة. فقال يو جين: ماذا؟ هل أنت واثق؟ أكمل الرجل حديثه وعلى وجهه الابتسامة الخبيثة ذاتها: أجل، فقد كانت نظراتها توضح بأنها تكذب ورغم أنها أخفت توترها إلا أن لغة الجسد تفضح ما يخفيه الإنسان. فقال الآخر: إذاً علينا أن نمسك بها ونضغط عليها بأي وسيلة ممكنة لتخبرنا بما تعرفه. ابتسم الرجل وهز رأسه نافياً، ثم قال: كلا، دعها تظن أنها بأمان وتخفض دفاعها ومن ثم سنرى ما تخفيه. كانت ميري قد خرجت من باب المطعم وتبعها نام شين بهدوء متوجهاً لسيارة السيدة كانغ بينما استقلت ميري سيارتها عائدة في طريقها للمحمية. أما نام شين فقد قال للسيدة كانغ: هل سمعت ما قالوه بعد مغادرتها؟ أومأت السيدة كانغ برأسها إيجاباً والقلق واضح على وجهها، فقال نام شين: إذاً لا تورطي ميري في أمور هؤلاء مجدداً وإلا ستكون معرضة للخطر. وضعت السيدة كانغ يدها على كتفه، ثم قالت: حسناً، سأتولى الأمور بنفسي من الآن فصاعداً، لا تقلق بشأنها. نظر لها نام شين باستغراب وقال: أقلق؟ هل تصرفي هذا يسمى الشعور بالقلق؟ ابتسمت السيدة كانغ قائلة: أجل، لأنك تهتم لأمر ميري، لذا فأنت تقلق بشأنها، أظن بأنك طورت قدرتك على محاكاة بعض المشاعر البشرية. صمت نام شين للحظات واسترجع تسجيلات لوجه ميري عندما كان يقترب منها وتشعر بالخجل، ثم نظر للسيدة كانغ وقال: هل تشعر الفتاة بالخجل وتحمر وجنتاها دائماً عندما يقترب منها شخص ما عادة؟ فقالت السيدة كانغ: هذا يعتمد على بضعة أمور فلو كان الشخص غريباً وتقرب منها ستغضب أو تنزعج وإن كان بينهما علاقة كصداقة أو قرابة سيكون الأمر عادياً، ولكن إن كان لديها مشاعر تجاهه ستشعر بالخجل بالطبع. فقال باستفهام: مشاعر مثل ماذا؟ ابتسمت السيدة كانغ قائلة: إعجاب أو حب. ابتسم نام شين بلطف ونظر أمامه قائلاً: آه ... إعجاب أو حب. ابتسمت السيدة كانغ وقالت: لماذا تسأل؟ هل حدث شيء ما؟ أومأ برأسه نافياً ولا زالت الابتسامة اللطيفة مرسومة على وجهه. بعد قليل من الوقت توقفت السيارتان ونزل نام شين ليركب في سيارة ميري ويذهبا للمحمية في حين أكملت السيدة كانغ طريقها. انطلقت ميري في طريقها، ثم قالت: ماذا قالت السيدة كانغ عما حدث؟ فقال نام شين: إنهم يشكون بأمرك وبأنك تخفين شيئاً ما، لذا لا داعي لرؤيتهم بعد الآن حتى لا تتعرضي للخطر وقالت بأنها ستتولى الأمر بنفسها بعد الآن. أومأت ميري برأسها وهمهمت قائلة: هذا جيد. بقي نام شين يحدق بها مبتسماً، فلاحظت ذلك وتساءلت قائلة: ما بك؟ ماذا هناك؟ رد نام شين بنفس الابتسامة: هناك سؤال أود أن تجيبي عليه. قالت ميري: حسناً، ولكنني لا أريد التحدث أثناء القيادة، فأنا لم أقد السيارة منذ فترة طويلة وأشعر بالتوتر. فقال نام شين: حسناً سأنتظر حتى نصل البيت بما أنكِ لا تحبين القيادة الآلية للسيارة. مضى بعض الوقت ودخل كلاهما البيت وأسرعت ميري نحو قطتها يونا ووضعت لها الطعام وربتت عليها، ثم ذهبت لتبدل ملابسها وتغتسل وعادت بعد دقائق لتجد يونا في حضن نام شين الذي يجلس على الأريكة، فجلست بجانبه وأخذتها منه لتداعبها قليلاً، فتركتها يونا وعادت لحضن نام شين مجدداً لتقول ميري باندهاش: يونا، أيتها الخائنة، هل بت تحبين نام شين أكثر مني؟! نظر لها نام شين مبتسماً وأمسك بيدها قائلاً: ماذا عنك؟ هل تحبينني؟ هل أنت معجبة بي؟ صدمت ميري بسؤاله هذا وصمتت لبرهة، ثم سحبت يدها بسرعة وقالت: ما هذا السؤال السخيف؟ ما الذي جعلك تطرح سؤالاً كهذا؟ فقال نام شين: لماذا تتهربين من الإجابة؟ يمكنك أن تجيبي بنعم أو لا؟ أم أنك تخشين قدرتي على كشف كذبك؟ نظرت له ميري بغضب وتوتر، ثم قالت: ولماذا سأكذب؟ كل ما في الأمر أن سؤالك سخيف، فكيف لفتاة أن تحب رجلاً آلياً؟! هل من المعقول أن أقع في حب آلة معدنية؟! هذا هراء. فقال نام شين ببرود: إذاً أجيبي على سؤالي بلا وانتهى الأمر. أمسك نام شين بيدها مجدداً، فنظرت في عينيه بارتباك، ثم إلى يده التي تمسك بيدها وابتلعت ريقها بصعوبة، ثم قالت: لم عليَّ أن أجيب عن سؤال سخيف كهذا؟ أليست الإجابة واضحة؟! سحبت ميري يدها ونهضت متوجهة لغرفتها حيث أغلقت الباب على نفسها وألقت بنفسها على سريرها وبقيت تحدق في الفراغ وتقول في نفسها: هل كان الجواب صعباً لهذه الدرجة؟ هل لأنني لا أثق بإجابتي أم أخشى اكتشاف حقيقة مشاعري؟ هناك صراع كبير في داخلي، إنه مجرد رجل آلي، فما الذي يفعله قلبي الغ*ي؟ هل يعقل بأنني جننت من الوحدة؟ هل أعاني من الجفاف العاطفي لدرجة أن أحب رجلاً آلياً معدنياً؟! آه سأفقد عقلي. في صباح أحد الأيام التي تلت هذا اليوم تأخرت ميري في النهوض من نومها، فبدأ نام شين يطرق باب غرفتها، لكنها لم تجبه ومع استمراره بمناداتها طلبت منه تركها وشأنها إلا أنه دخل الغرفة عندما شعر بنبرة صوتها المتعبة، فنظرت له قائلة: لماذا دخلت دون إذني؟ ألم أطلب منك أن تدعني وشأني؟ فقال نام شين: لقد بدا صوتك متعباً لذا دخلت لأطمئن عليك، هل أنت مريضة؟ تن*دت ميري بحزن، ثم قالت: كلا، أنا متعبة فقط. هل يمكنك الاعتناء بأمور المحمية بدلاً مني اليوم؟ نظر لها نام شين بتفحص محاولاً معرفة ما بها ثم قال: حسناً سأفعل. الفطور جاهز عليك تناوله الآن. وضعت ميري رأسها على الوسادة مجدداً وقالت: لا رغبة لي بتناول الطعام. يمكنك الذهاب. حاول نام شين الاعتراض، ولكنها أصرت على كلامها وطمأنته أنها بخير، فخرج من غرفتها وذهب للاعتناء بأمور المحمية. مضى بعض الوقت وإذا بيو جين يطلب الإذن بدخول المحمية. نهضت ميري لترى من القادم وعندما عرفت بأنه هو نفخت الهواء باستياء، ثم ضغطت الزر لتفتح له البوابة وبعد دقائق أصبح أمام البيت وقد عرف نام شين بقدومه وأسرع نحو البيت. أدخلته ميري وهي تسأله عما أتى به إليها فقال: أتيت لأطمئن عليك فأنا أعلم بأنها الذكرى السنوية لوفاة والد*ك. وقفت ميري لبرهة وهي مولية له ظهرها تحاول كبت غضبها واستياءها وتقول في نفسها كيف يتجرأ على القدوم والتحدث بشأنهما كأنه يهتم لأمرهما بعد ما فعله؟! ألهذه الدرجة بلغت وقاحته؟! وصل نام شين باب البيت ووقف يراقب من بعيد بينما التفتت ميري نحو يو جين وقالت وهي ترسم على وجهها ابتسامة ساخرة: تطمئن علي؟ أنا بخير كما ترى، أنا ... في أحسن حال، ولكن رؤيتك وفي هذا الوقت بالتحديد تثير اشمئزازي. كيف أمكنك الظهور في ذكرى وفاتهما وأنت تعلم ما الذي فعلته بي حينها، من أين لك كل هذه الوقاحة؟! أنت عديم المشاعر ولا تتحلى بأدنى مقدار من الإنسانية. صدم يو جين بكلامها بعد أن ظن أنه تمكن من إقناعها سابقاً ببراءته مما حدث، فصمت لبرهة ثم قال: ما الذي تقولينه؟ لقد وضحنا سوء الفهم هذا من قبل فلماذا تقومين باتهامي مجدداً؟! ابتسمت ميري بغضب وقد بدأت الدموع تتجمع في عينيها وقالت بحنق واستنكار: سوء فهم؟! أيها الو*د! هل ظننت بأنني صدقت أكاذيبك وتلك الترهات التي تفوهت بها؟ لقد كنت فقط أرى مدى غبائك عندما ظننت بأنك خدعتني. في الحقيقة كان الأمر ممتعاً رؤية حماقتك ومحاولتك التقرب مني مجدداً، لكنك محض فاشل وأ**ق. غضب يو جين من كلامها وقال بخبث: كنت تخدعينني أنا؟ وهل رغبتك بخداعي هي التي دفعتك لحضور اللقاء الذي دعوتك إليه؟ أم أن هناك ما تريدين معرفته على وجه التحديد؟! صمتت ميري لبرهة تحاول فهم ما يقصده عندها دخل نام شين مسرعاً وطلب منه المغادرة فقال يو جين بتهكم: ها قد أتى حبيبك لينقذك، ولكن هل هو حقاً حبيبك أم أنها كذبة أخرى؟ نظرت ميري لنام شين بصمت لا تدري ماذا تقول في حين كرر نام شين طلبه له بالمغادرة، فغضب يو جين أكثر وقال بتهكم: ومن تكون أنت لتطردني من هنا؟ هل تظن بأنني صدقت بأنك حبيبها؟ أنا أعرف هذه الفتاة جيداً، أعرف مشاعرها الباردة وعدم تعبيرها عن نفسها وجنونها أيضاً وما قلته أنت عنها لا يمت لها بصلة. هل أنت حارسها الشخصي؟ بدأ يو جين بمحاولة دفع نام شين، ولكنه لم يستطع، فاستغرب وبذل قوة أكبر في حين كانت تطلب منه ميري التوقف بنبرة حادة، لكنه حاول لكم نام شين، فصرخ متألماً وهو ممسكاً بيده. ثم قال: ماذا تكون؟ من المستحيل أن تكون بشري، هل يعقل أنك من صنع السيدة كانغ وهيئتك هذه بسبب التقنية الجديدة التي سمعنا عنها؟ بقي نام شين صامتاً في حين بدأت ميري بدفع يو جين نحو الباب بكل قوتها ليغادر. بعد مرور بعض الوقت أتت السيدة كانغ وفريقها لأخذ نام شين والجهاز الذي وضعوه من أجله في بيت ميري قبل أن يحاول يو جين ومن معه سرقته في حين كانت ميري تراقب ما يحدث بحزن وقبل خروجهم قالت: ألا يمكنكم ترك نام شين؟ هل عليكم أخذه؟ من فضلكم دعوه يبقى معي. بقيت تردد هذه الجمل حتى أيقظها نام شين من نومها، ففزعت وما أن فتحت عينيها وأدركت أن ما حدث كان حلماً مزعجاً فقط تن*دت بارتياح، ثم نظرت لنام شين وعانقته قائلة: إياك أن تتركني مهما حدث، لا تتخلى عني أنت أيضاً، هل فهمت؟ عدني بذلك. ابتسم نام شين بلطف وهو يربت عليها قائلاً: حسناً، أعدك. ضمته ميري بقوة أكبر وقالت بألم: لا طاقة لي لفقدان أحد آخر، إن تركتني أنت أيضاً لن أتمكن من البقاء على قيد الحياة، لذا إياك أن تتخلى عني مهما كانت الظروف. ربت نام شين على ظهرها قائلاً: لن أفعل، لن أتخلى عنك أبداً. بعد قليل ابتعدت عنه فابتسم، ثم طلب منها تناول الطعام، ولكنها رفضت فنظر لها بتمعن لبرهة وقال: لماذا تبدين حزينة، هل لأنها ذكرى وفاة والد*ك؟ نظرت له ميري باستغراب وقالت: كيف عرفت؟ ابتسم نام شين وقال باستنكار: كيف يمكنك أن تسأليني سؤالاً كهذا؟ ابتسمت ميري قائلة: بالطبع من الغباء أن أسألك وأنت عبارة عن موسوعة معلومات متنقلة. نظر لها لبرهة ثم قال: هل تعلمين شيئاً؟ من الجيد أنك لست اجتماعية ولا يأتي أحد لزيارتك فأنت دائماً تبدين في حالة مزرية، ما هذه الملابس التي ترتدينها وشعرك الأشعث والهالات السوداء تحت عينيك رغم أنك تنامين كثيراً؟! بدأت ميري تنظر لنفسها باندهاش من كلامه وقد اتسعت عيناها، ثم قالت: أيها الو*د هل بدأت بانتقادي الآن؟! ما خطب ملابسي وشعري؟! لقد استيقظت لتوي وهذا طبيعي. ابتسم نام شين قائلاً: يمكنك إخافة الأطفال، لست بحاجة للتنكر في الهالوين، فقط استيقظي من النوم واخرجي هكذا. أمسكت ميري وسادتها وضربته بها، فابتعد عنها بسرعة وهو يضحك بينما كانت هي تحاول اللحاق به وتطالبه بالتوقف. أراد نام شين أن يخفف عنها بهذه الطريقة ونجح في ذلك. أثناء مطاردتها له توقف فجأة قائلاً: سأتوقف، ولكن لا تضربي فأنت من سيتأذى. أنا لا أشعر بالألم. فقالت ميري بحنق وإصرار: وإن يكن ... سأضربك، كيف تقول عني كلاماً كهذا؟! اقتربت منه ميري وبدأت بضربه بالوسادة وهو يبتسم، ثم طوق خصرها بذراعيه ورفعها فقالت باندهاش: ما هذا، لماذا رفعتني هكذا؟ أنزلني هيا. أومأ نام شين برأسه نافياً، ثم وضعها على كتفه حتى بات رأسها يتأرجح خلفه وساقيها تركلان الهواء أمامه. مشى بها نحو المطبخ وهي تسأله ما الذي يفعله وتطلب منه وضعها أرضاً، لكن دون فائدة. دخل نام شين المطبخ وأجلسها على الطاولة الرخامية وبقي ممسكاً بخصرها ويحدق بها، ثم قال: لا تغضبي، كنت أمزح، فأنت جميلة مهما كان مظهرك. توترت ميري وبدأت تتلعثم قائلة: وهل سأصدقك بعد ما قلته؟ أنت فقط تريد تجنب الضرب. قرب نام شين وجهه منها وأمسك بيدها ووضعها على وجنته قائلاً: اضربيني، فلن أشعر بالألم على أي حال، ولكن انتبهي ليدك. نظرت له ميري تتأمل وجهه لبرهة وبدأت أناملها تتلمس وجنته برقة، ثم قالت بشرود وهي تحدق بقسمات وجهه: وكيف يمكنني ضرب وجه كهذا؟! وجه لديه ابتسامة جميلة كهذه! انحنت ميري نحوه أكثر وطبعت قبلة على جبينه بتريث ولطف، فابتسم محدقاً في عينيها، ثم اقترب منها أكثر وطبع قبلة متريثة على شفتيها، وبعد لحظات دفعته ميري قائلة: ما الذي فعلته؟ هل جننت؟ وقف نام شين وقد بدا يحاول استيعاب ردة فعلها، ثم قال: هل انزعجت؟ لقد قبلتني أولاً، لذا أردت فقط أن تشعري بالسعادة لأنك معجبة بي. ردت ميري باستنكار وهي تحاول التغلب على مشاعرها الجياشة والمرتبكة في هذه اللحظات: من قال ذلك، وكيف وصلت لهذه النتيجة؟ قال نام شين: كل تصرفاتك ونظراتك واحمرار وجنتيك وتسارع دقات قلبك كما هو الحال الآن. كل هذا يوحي بأنك معجبة بي. ردت ميري بحنق تخفي به توترها: ربما تكون رأيت ردود فعلي هذه، ولكنني فتاة عاشت وحدها لفترة طويلة ويبدو بأنني فقدت صوابي لأبدي ردة فعل كهذه تجاه رجل آلي ليس لديه قلب ولا مشاعر. هذه الأمور مؤقتة، لذا تجاهلها، فأنت لن تبقى معي طويلاً واقترب موعد مغادرتك المحمية، لذا لا تتصرف بتهور معي، هل فهمت؟ طأطأ نام شين رأسه وقال: حسناً فهمت. أعتذر منك على تصرفي ... أعتذر لأنني رجل آلي ولست بشرياً يمكنك أن تبادليه المشاعر. نزلت ميري عن الطاولة وهمت بالعودة لغرفتها، فأمسك نام شين بيدها قائلاً: تناولي الطعام أولاً، فأنت لم تأكلي شيئاً منذ الصباح. ردت ميري ببرود دون أن تلتفت نحوه: لا رغبة لي بذلك. دخلت ميري لغرفتها وبدأت تبكي بصمت يغلفه ألم وحرقة، فعلى الرغم من أنها عرفت مشاعرها أخيرًا إلا أنها تنافي العقل والمنطق. كيف يسعها أن تتقبل وقوعها في حب رجل آلي؟! هل حاجتها لشخص بجانبها يشاركها حياتها المملة والوحيدة جعلها تشعر بالانجذاب تجاه رجل آلي؟! أم أنها فقدت صوابها لبقائها في هذه المحمية وحدها لفترة طويلة؟! لم تعد تدري ما هي الحقيقة، ولكنها تعلم بأن الأمر ليس صائبًا ولا يمكن تقبله بأي حال من الأحوال.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD