الفصل الاول
(1)هروب من حفل زفاف
كان الجميع منشغلاً بما يدور في حفل الزفاف الذي تم سريعاً حتى أنه كان مفاجئاً للكثيرين ، كانت العروس ترقص سعيدة ، وتوزع ابتساماتها للجميع كانت لا تهتم عندما يسقط الفستان عن كتفها فيتعرى ليمد زوجها يده ليغطيه ، حتى لا يرى الرجال كتف زوجته الناعم ، لكنه من ناحية أخرى كان يريد أن يرى من حوله جمالها و أنوثتها الطاغية لشيء في نفسه.
كانت أسماء تتمايل راقصة بجسدها المائل للسمرة و الذي كان سبباً في تأخر زواجها حتى سن الثانية والثلاثين ، كان الرجال لا يرون جمالها الفتان لحيائها و جديتها ، كان البعض يأتي بنية زواجها لكنه يبدل رأيه ما أن يرى إحدى أخواتها الأربع ، لم تكن أسماء ق**حة الوجه و إنما كانت عادية و إن كانت تميل للقبول ، برغم جديتها التي جعلتها تحصل على ماجستير في العلوم الطبيعية إلا أنها كانت مرحة مع المقربين ، هكذا كانت تشهد أخواتها الأربع و حتى أخويها الإثنين الذكور ، كما كان يشهد بذلك المقربين و المقربات منها في الجامعة من أصدقاء و صديقات ، لكن أحد الشبان لم يفكر بها يوماً كحبيبة ، دوماً يرونها أخت أو زميلة.
في هذه الليلة غيرت فكرة الكثيرين عنها ، فقد خلعت الحجاب و لبست فستان زفاف عاري الكتفين .
بدر زوجها هو الآخر كان سعيداً قبل حفل الزفاف أنه استطاع أن يجد عروساً ليغيظ بها خطيبته التي تركته بعد فترة سنتين من الخطوبة لخلافات تافهة حول أثاث الشقة ، و برغم أنها تكبره بأربع سنوات ، بل و أنه كان طالباً عندها في الجامعة ، وهي تتابعه في الدراسات العليا ، إلا أنه وجد فيها ما لم يجده في غيرها ، تقدم لخطبتها مقتنعاً بجديتها ، وذكاءها الحاد ، و طيبة قلبها ، كما أنها لم تكن يوماً ق**حة المظهر.
كانت نرمين تقف وحيدة ، تنظر لخطيبها السابق و هو جالس فوق الكوشة إلى جوار واحدة غيرها ، هي زميلة بدر في الدراسة لكنها لم تكمل بعد البكالوريوس ، وكذلك كانت طالبة لدى زوجة خطيبها السابق ، لم تسمح للدموع أن تهزمها بل وقفت بقوة تصفق و تتقدم من الكوشة و ترقص في بعض الأحيان.
و بدأت الموسيقى الهادئة و يبدأ معها الرقص الهاديء بين العريس و عروسه ، وضع بدر يده على وسطها و الأخرى أراد أن يحتضنها بها أو يضمها أو يأخذها بعيداً عن أعين الجميع ، كانت الرقصة رائعة وضعت رأسها فوق كتفه و همس هو "مش هنروح بقا ؟ أنا مش قادر" رفعت رأسها ضاحكةً و ض*بته على ص*ره برفق ثم همست "احترم نفسك" ، هنا لم تتمالك نرمين نفسها ، تذكرت عندما كانت تذهب مع بدر لحفل زفاف أو خطوبة و تحين لحظة الرقص الهاديء ، تذكرت تلك اللحظات الرومانسية و كلماته العاشقة التي تلهب القلب و المشاعر ـ لم تتحمل فهرولت إلى خارج القاعة و لم تعد لها ثانيةً ، لاحظ هو بطرف عينه ذلك.
بدأ خروج العروسان من القاعة في فرحة الحاضرين ، لكن نرمين كانت قد اختفت عن الأنظار ، و هو ما لم يهم أحد من الحضور، لكنه يهمنا نحن ، لذلك سأجعلها تحكي لك ما حدث عندما خرجت منهارة من القاعة.
تقول نرمين : خرجت منهارة ، لم استطع أن أتحكم في دموعي كنت أبكي بقوة ، ولم أرد أن يرى دموعي أحد ، خرجت مسرعةً و أنا أتذكر كل شيء ، دارت حياتي معه كشريط حول رأسي .
كنا في السنة الأولى للجامعة عندما تقابلنا لأول مرة في المدرج ، الصدفة جمعتنا إلى جوار بعضنا البعض ، لم أنظر له و هو لم يهتم بوجودي ، انتهت المحاضرة و كان بعدها ساعة راحة و محاضرة أخرى بعد الساعة أردت أن اذهب لأشتري شيئاً أشربه ، لكن بعض الشباب الذين يجلسون عند نهاية البينش ضايقوني حيث لمس أحدهم متعمداً جسدي ، تضايقت وشتمته ، فرد علي و كاد يض*بني ، بدر كان يتابع ما يجري ، فتقدم للشباب و تشاجر معهم لكنهم ض*بوه بعنف و لم ينقذه سوى إجتماع الطلبة لإنقاذه من بينهم.
لم يكن لنا أصدقاء بعد ، سنده بعض الطلبة و أجلسوه على مقعد في حديقة الجامعة و ذهبوا ، أنا جلست إلى جواره معتذرة وبشدة عما تسببت له فيه ، رفع عينه ليرد علي و تغير كل شي ء ، بعد مرور كل هذه السنوات لا أعرف ما قاله ، نسيت كل شيء و بقيت عيناه ، أحبتته ، لكنني لم أجروء أن أعترف له .
مرت الأيام أصبحنا صديقين لا نفترق أبداً ، أنا لم أره صديقاً يوماً ، ظللنا هكذا إلى أن جاء اليوم و أعلنها ، كنا صباحاً كنت أقف في يدي كوب النسكافيه الصباحي ، حين نظر في عيني و قالها "بحبك" سقط الكوب من يدي و سقطت حقيبتي و سقطت الشمس إلى جواري و سقطت أنا و سقط كل شيء.
بدأت علاقتنا تتطور فبعد أن كنا صديقين أصبحنا حبيبين و الفرق كبير جداً ، كنا نخرج معاً و نذهب إلى كل مكان سوياً ، و ذات يوم ذهبنا إلى حديقة شهيرة بالمواقف الرومانسية ، مكان خاص بالعشاق و للمرة الأولى تبادلنا القبلات ، كانت قبلات حارة يقودها العشق
بعد التخرج تقدم لأهلي و بعد مشاورات و محاورات تمت الموافقة ، و تم كل شيء ، و بدأنا تجهيز عش الزوجية ، لكن كل جميل لا يكتمل ، اختلف مع أهلي ، و ظن ان أكون معه لأنه كان على حق ، لكنني خالفت ظنه "أهلي هما اللي بقينلي" خلع دبلة الخطوبة ، وضعها بيدي ، و تركني و ذهب ، كنت مضغوطة من أهلي ، كانوا يقولون لي كوني قوية معه ، لذلك كان هذا رد فعلي .
حاول عدة مرات أن يعود فرفضته ، توسط إلي عن طريق أصدقائنا فأرجعتهم خائبين ، حتى والدته لم تظفر مني بالموافقة فكانت النتيجة أن خسرته ، في بعض الأوقات الكرامة تكون عدواً للإنسان.
(2)تغيير مسار قلب
تعود نرمين لتروي ما حدث معها بعد خروجها من القاع ف تقول :
كنت عاوزه أبعد ، مش عاوزه حد يشوف دموعي" أوقفت أول سيارة أجرة و عدت إلى منزلي ، تخفيت عن الأنظار و دخلت غرفتي ، وجلست فوق طرف السرير ، و تذكرت كل المرات التي قال فيها احبك
بدأت أتخيل بعد هذه الصدمة ما يحدث الآن ، خيالي أخذني إلى غرفة نومهما ، رأيته يقبلها و يحملها بين ذراعية كدت أجن و أنا آراهما أمام عيني.
جلست فوق سريري أفكر ، قبل أقل من أربعة أشهر كنا معاً كان كل شيء على ما يرام ، أنا أحبه لم أرد أن أتركه ، كل ما فعلته كان المقصود منه أن أصنع لنفسي قيمة و أرفع من ثمني حتى لا أكون رخيصة ، لكن يبدو أنني زودتها عن اللازم ، لكن كيف تغير كل شيء ، كيف تحول إلى أسماء التي لم يفكر بها أبناء جيلها ، أنا أعلم أنه تزوجها نكاية بي ، و أعلم أنه لن يكون سعيداً معها ، و سيعود لي قريباً جداً ، رغم مرحها اليوم و ظهور شيء من جمالها ، رغم السعادة البادية على وجهه هو ، كل هذا تمثيل ، لن يستمر طويلاً.
بينما نيرمين على هدا الحال
كان بدر و زوجته قد وصلا إلى بيتهما نزلا من السيارة التي يقودها صديق عمره بلال و إلى جواره زميلهم وليد الذي عاد من السفر صباحاً لحضور حفل زفاف صديقه ، نزل بدر و تأبط يد زوجته يحيط بهم الأهل و الأصدقاء في سعادة غامرة ، صوت الزغاريد كان يعلن عن فرح كبير ، صعدا سوياً و انتظر بلال و وليد والدة بدر و أخته حتى يعودان بهما إلى بيتهما .
كان وليد يسأل بلال عن أمور عدة فيخبره أن ينتظر حتى يجلسا سوياً بعد إنتهاء حفل زفاف زميلهما ، و بالفعل بعد أن أوصلا أم بدر و أخته إلى بيتهما ، ذهبا سوياً إلى إحدى المقاهي.
سأل وليد " أنا مش فاهم حاجة يا بلال" ينفث بلال دخان سيجارته "عاوز تفهم إيه يا وليد" ينظر له باهتمام "مش بدر كان خاطب نيرمين ؟" يعتدل بلال في جلسته "أيوة فعلاً ، بس النصيب بقا" يتسأل وليد من جديد " يعني إيه اللي حصل غير كل حاجة كدا؟" يبدأ بلال في الحديث.
كان كل شيء جاهز و كانت الأمور تسير على خير ما يرام ، و كان زواجهما بعد أقل من شهرين حتى أن بدر قد دفع ثمن الأثاث لورشة الموبيليا و لم يبقى سوى تحديد ما يريدانه لتبدأ الورشة في تجهيزه في فترة لن تتجاوز الشهر، ذهب بدر لبيت خطيبته ليأخذها بصحبة والدتها لاختيار غرفة النوم و السفرة و خلافه حتى تبدأ الورشة في إنهائه لكنه فوجيء بأمها و أبيها و أخيها الأكبر ينتظرونه للحديث معه فجلس مرحباً ، بدأ الحوار ودياً لكنه تحول إلى حديث عصبي عندما تحول الأمر إلى حديثهم عن علاقته بنيرمين بعد الزواج و كيفية معاملتها ، و شروط زيارتها لأهلها و زيارتهم لأهله و تدخل أهله في حياتهما زاذ الأمر سواً عندما طلب والده منه أن تكون شقة الزوجية باسم نيرمين ، أخبرهم بهدوء أن هذه الأمور تتم بينه و بين زوجته وليس من حق أي من كان التدخل فيها ، لكن النقاش احتدم و علا الصوت ، فقام أخوها منفعلاً و نظر لأخته "ادخلي جوا أنتي" ثم وجه كلامه لبدر "فكر في كلامنا براحتك ، و لحد ما تقرر معندناش بنات للجواز" ، خرج بدر من عندهم لا يُصدق ما حدث ، حاول الاتصال بها فلم ترد ، في اليوم التالي اتصلت به و أخبرته أنها تود مقابلته فوافق.
التقيا سوياً في أحد الكافيهات في وسط البلد و بعد الترحاب سألها " إيه الكلام اللي بيقولوا أهلك دا" نظرت له متعجبة "إيه مالو الكلام؟ مش عاجبك ليه؟" حاول تهدئة أعصابه "مش من حق حد يدخل في حياتنا يا نيرمين" تعبس وجهها "يعني إيه يا بدر؟ دول أهلي" يبتسم بود "على راسي يا قلبي ، بس دي حياتنا" ، يحتد بينهما النقاش لتختمه نيرمين "أهلي هما اللي بأقينلي يا بدر ، و أنا مش هصغرهم " ينظر لها بصدمة و يرد باستغراب "أهلك هما اللي بأقينلك يا نيرمين؟" ترد بعصبية "أيوة ، و مقدرش أخالفهم ، و لو أنت مش عجبك كلامهم يبقى خلاص" يهز رأسه غير مصدق "خلاص إيه يا نيرمين؟" بنفس العصبية "يبقا خلاص مفيش نصيب بينا" أفقدته الصدمة صوابه ، فعلا صوته "مفيش نصيب؟ بعد كل دا جاية تقولي مفيش نصيب ؟ أنتي نسيتي بينا إيه ...." لكنها تتركه و تذهب دون أن تهتم لندائته.
في الليل عندما هدأت أعصابه اتصل بها فلم ترد ، كرر الاتصال كثيراً لكن بلا جدوى، لم يستوعب ما حدث ، أخوها اتصل به و هدده" لحد ما تاخد قرار متتصلش بيها خالص ، ملكش دعوة بيها" ، طلب منه أن يكلمها فرد عليه بجفاء "ليه شايفني عيل صغير تضحك علية بكلمتين؟ تكلمها لما ترسى على بر معاها " ثم يغلق الهاتف.
بعد يومين يحاول الوصول لها دون جدوى فقرر أن يذهب لمقر عملها لمقابلتها فكانت الطامة ، حيث أخبرت العاملين معها أنه كان خطيبها و تم فسخ خطوبتهما و أنه يطاردها فطرده أصدقائها بالعمل و هددوه من العودة مرة أخرى .
حاول بشتى الطرق أرسل لها و لأهلها بعض الأصدقاء و الجيران و المقربين دون جدوى ، ثم أخبرته والدته أنها ستذهب بنفسها لمعرفة ما يحدث ، حذرها كثيراً لكنها قررت ان تذهب.
يكمل بلال كان يجلس معي عندما كانت والدته عندهم ، لتتصل به و تخبره أنهم على كلامهم ، كان لازال يلبس دبلة الخطوبة لكنه بعد أن أغلق الهاتف مع والدته ، خلع دبلته و ألقى بها بعيداً " ، و النعمة لو آخر واحدة في الكون ما هتجوزها " .
كان قد غاب عن الجامعة لمدة أسبوع او أكثر لكنه عاد قبل موقف والدته هذا بثلاثة أيام .
فوجئت به بعد إسبوع و قد تغير حاله للأفضل ، فسألته متطفلاً "إيه يا بني بقالك كام يوم حالك متغير ، حاسك مبسوط" فإذا به يخبرني بلا مقدمات "أنا هتجوز يا بلال " كانت مفاجأة لي "نعم؟ تتجوز مين؟" فرد و في وجهه يرتسم الفرح "دكتورة أسماء ، بجد أنا كنت أعمى" ، استغربت كثيراً منه و حذرته أن يكون ذلك انتقاماً و في هذه الحالة سيظلمها و يظلم نفسه ، لكنه أخبرني بأن الأمر و إن كان يحمل إنتقاماً إلا أنه عن تفكير سليم ، سألته "و ازاي حصل دا؟".
فأخبرني أنه خلال فترة المشاكل مع نيرمين و أهلها إنقطع عن الجامعة عشرة أيام تقريباً ، لكنه بعد إلحاح مني و من أهله عاد إلى الجامعة قبل موقف والدته مع أهل نيرمين. يقول أن أصدقائه التفوا حوله مرحبين و مستفسرين عن سبب غيابه فأخبرهم أنها ظروف خارجة عن إرادته و لم يخبر أحداً بالسبب الحقيقي برغم إلحاحهم .
ثم أثناء جلوسه في غرفة المعيدين بالجامعة فوجيء بأسماء تدخل إليه مبتسمة و تجلس مقابلةً له "خير يا استاذ وليد ، أيه الغيبة دي؟" يبتسم لها متودداً"مفيش يا دكتور شوية ظروف كدا" تبتسم هي الآخرى "عموماً أنا كنت بحضر مكانك السكاشن بتاعتك على قد ما أقدر ، و هاجيبلك محاضرات الدرسات العليا اللي غبت عنها عشان مفيش حاجة تفوتك" ، لم يستطع الرد ، لكنه شكرها بلطف ، يبدو أنها لاحظت شروده لكن حيائها لم يجعلها تسأل عن شيء آخر.
همت بأن تقوم ، لكنها عادت لتجلس "استاذ بدر ، هنلتزم بقا ، عشان نخلص بسرعة" ابتسم متودداً "أكيد يا دكتورة" ابتسمت بطلاقة هذه المرة فشعر بشيء غريب لم يعهده معها ، ابتسامتها لها طبع خاص ، جذابة جداً لذلك أراد أن يستبقيها فأكمل حديثه "بجد يا دكتورة مش عارف أشكرك ازاي، اللي بتعمليه معايا دا كتير اوي" تبتسم مرة أخرى ، هذه المرة كان ينظر لها ، إبتسامتها أوقعت قلبه "أولاً إنت طالب عندي من فترة ، وطالب متفوق و ملتزم و لو عندك ظروف واجبنا كزملاء أني أشيلك" ، بدا يشعر بالهم ينزاح من فوق ص*رة و خرج الكلام عفوياً مازحاً" بس أتمنى مكونش تقيل على حضرتك" تفاجأ بضحكتها البريئة التي كتمتها بوضع يدها فوق فمها لتقول "على الرحب و السعة" ثم تذهب.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
( ( ( نهاية الجزء الأول ) ) )
هل أحب بدر أسماء بالفعل ؟ أم أنه كما نصحه زميله مجرد انتقام؟
هل تستسلم نيرمين و ترضى بالأمر الواقع ؟ أم تفكر في شيء ما ؟
احداث مشوقة و مثيرة نجدها في القادم