: قصـــة قصيـــــرة
-----------------
ارض الحــــــــــب
تحت النجفة الكبيرة بالكنيسة .... وقف "عادل" متأملا الصلوات المكتوبة والصور الناطقة حينا .. والمرنمة أحيانا على جدران الكنيسة منتظرا "القس إبراهيم" .. في ذات الوقت الذي تنتظر فيه "منى" في الطرف الآخر من المدينة انتهاء صلاة المغرب بالزاوية الصغيرة أسفل منزلها حتى تستجمع شجاعتها وتروي لـ"الشيخ عبد الرحمن إمام المسجد .. ومدرسها السابق .. مشكلتها وهي متاكدة انه سيصون سرها .. فهو فوق هذا .. جارهم بالشقة المقابلة .. كان الشعر الفضي يغطي معظم وجه "القس إبراهيم" .. بينما ترك "الشيخ عبد الرحمن شاربه حليقا .. وكان الاثنان يمتلكان جلبابان من القطن المصري الممتاز فاقتسماهما .. فأخذ احدهم **ت وهدوء وسكينة الليل .. بينما اخذ الاخر نور ونار النهار .. واستعاض كل منهم اللون الاخر باللحية .
القس إبراهيم : أهلا يا بني ... خير ؟.
ردت منى تحية الشيخ : الله يسلمك يا مولانا .
عادل : يا بونا ... انا في مشكلة كبيرة .
الشيخ عبد الرحمن : خير إن شاء الله يا منى يا بنتي .. مشكلة إيه ؟ .
قال عادل خجلا : أنا بحب فتاة .
الشيخ عبد الرحمن : الحب يا بنتي أرقى انواع العلاقات البشرية طالما كان طاهرا .
منى مبادرة : وحياة ربنا يا مولانا .. حبيبي .. أقصد "عادل" .. لم يحاول حتى
لمس يدي فهو يخاف علي حتى من نفسه.
القس إبراهيم مبتسما : ما أجمل الحب الطاهر يا بني .. فإنه حب يباركه الرب .. فالله محبه
كما تعلم .
عادل : أنا عارف يابونا .. بس المشكلة ان البنت اللي بحبها مسلمة ..
اتسعت حدقتا عين الشيخ عبد الرحمن وصاح مستنجدا .. لا حول ولا قوة
إلا بالله العلي العظيم .. ليه كده يا بنتي ..
مني .. خجلة : مش بإيدي يا مولانا .. احنا زمايل في الجامعة .. ومكانش باين عليه
أي اختلاف عنا .. فهو دمث الخلق .. خجول النظرات .. محب لجميع
زملائه ومحبوب منهم ..
- نظر" القس إبراهيم" باتجاه أحد الصلوات المكتوبة خلف الشموع المضيئة بحائط الكنيسة ورددها .. ثم اتجه بنظراته صوب "عادل" بحنو .. قائلا : إن وصفك لمحبوبتك واخلاقها زاد من صعوبة المشكلة .
بصوت يملؤه الامل : يعلم الله أني لم أقل سوى الحق .. ولم امتدحها بشيء ليس فيها .. فأنا امامك يا أبونا عاري تماما .. هنا ابتسم "الشيخ عبد الرحمن للابنة المسكينة وقال لها .
لو لم اعلم بحكم جيرتنا .. انك مواظبة على الصلاة .. ودائمة قراءة القرءان .. وانك مثال للورع لكان الامر هينا علي .. التقط "القس إبراهيم" طرف الحديث .. قائلا لـ"عادل" .
أنا حاسس إن ربنا عايز يقول حاجة بقصتكم دي .. فكر معي يا "عادل" .. يمكن نقدر نفهم ربنا عايز يقول ايه .
بلهفة رد "عادل" : نفسي يابونا .. ياما حاولت .. وسالته في صلواتي .. وفي ليلة نمت
وأنا احتضن الصليب .. فرأيت في الحلم من يقول لي أمامك الحل ولا تراه .
- تعجب "الشيخ عبد الرحمن من الحلم الذي روته منى .. وقال لها .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. اياك ووسوسة الشيطان .
منى : لكنه صوت جميل يا مولانا .
**ت "القس إبراهيم" لحظات قبل أن يجيب .. ان ابليس يدق بابك .. اياك ان تفتح له يا بني .. ف*ندم طوال حياتك .
يعترف عادل بخجل : لقد فكرت يابونا في تغيير ديني .. حتى لا أفقد منى .. لكني وجدت
انه من العار أن أضحي بمن ضحى من أجلى .. وان ألمي لفراق
محبوبتي لا يعادل بأي حال الآلام التي تحملها عني .. وان حبي له لا
يدانيه أي حب آخر .
الشيخ عبد الرجمن : الله اكبر .. الله اكبر .. بارك الله فيك يا ابنتي .. وقوى ايمانك اكثر
وأكثر .. واعانك على مجابهة وسوسة الشيطان .
منى متسائلة : يعني مفيش امل يا مولانا .
القس إبراهيم باسما : إزاي مافيش امل والحياة وقودها الأمل .. لكن عايز أسالك سؤال
وترد علي بصراحة وبدون خجل أو حرج .
عادل مؤكدا : لن تجد مني سوى الصراحة يابونا .
بخجل محبب قال الشيخ عبد الرحمن : هل .. هل تستولى عليك يا بانتى رغبة التملك واعذريني لو
قلت .. ش**ة الجسد وانت معه واقعا او حلما .. اسف يا بنتي ولكن
يجب أن تعلمي ان راحتك في صراحتك .
منى بكلمات كطلقات الرصاص : أبدا .. أبدا يا مولانا .. أقسم لك ..
- نهر القس إبراهيم .. "عادل" قائلا : لا تقسم .. فأنا أصدقك .. يا بني .. لقد حلت مشكلتكما .. فإن كان اختلاف عقائدكم يمنع زواجكم .. فإن اتحاد إيمانكم بالله الواحد خالق وواهب الحب يبيح حبكم الطاهر المبارك ..
فهمت "منى" ما يرمي إليه الشيخ عبد الرحمن .. فقالت بصوت يملؤه الاقتناع المشوب بالألم : لكن الفراق صعب قوي يا مولانا .. فرد" الشيخ عبد الرحمن ضاحكا : لكنه فراق مؤقت يا بنيتي .. حتى تلتقيا قريبا في المكان الذي توحدت القلوب وال*قائد فيه .
سال عادل القس ابراهيم بلهفة : إمتى ؟ .. وفين يابونا ؟ .. فرد "الشيخ عبد الرحمن و
"القس إبراهيم" بصوت متحد قوي وجميل .. بعد حين .. هناك .. هناك .. في أرض الحب
.
: القاهرة اغسطس 1966
ش*يقي استأسد علينا كثيراً بعد وفاة والدي .. كان يريد ان يكون ضابط في البيت كما هو ضابط في وحدته العسكرية ..
اليوم صفعني على اذني لاني تأخرت في كي بذته العسكرية ..
سمعت صفير حاد .. ثم ساد الكون **ت حاد .. وشعرت بذلك السائل الدافيء يسيل من اذني ..
قال الطبيب بعد الكشف انني لن اسمع بأذني تلك بقية حياتي ..
رفضت تحرير محضر كما نصحني الطبيب ..
كان ش*يقي يض*بنا جميعاً .. لم تسلم ش*يقه من يده الا اذا تزوجت .. كلنا نحن الاربعة ض*بنا على يديه اكثر من مره ..
بعد ان فقدت السمع في اذني تلك .. وبعد ان عنفته امي كما لم تفعل من قبل .. كف يده ول**نه عني ..
20 يونيو 1967
انقطعت اخبار ش*يقي تماماً .. اخبرونا انه مفقود ..
بكت امي كثيراً .. بكيت لبكاءها .. ثم بكيت عليه ..
العريش 9 يونيو 1967
انا الان اسير ..
ضُربت كثيراً ..
تعمدو اذلالي ..
العجيب انه لا يوجد رجل واحد مد يده ليصفعني كف او حتى يعطيني شلوت ..
كل من يض*بنني نساء مجندات في جيش العدو .. نساء فقط ..
: حبيبتى ..
دارت رحى الحياة بى سنوات طويلة تخطت حدود السبعة عشر عاما .. و قلبى لم يخفق لأنثى ، و لم يعرف للحب طريقا .. و بعدما ظننت أن الحب قد انتحر على قدمىّ و ما عاد له فى عمرى وجود و لا سطوة ، إذا بقلبى يلقاه دون سابق إنذار .. و يفتح له الأبواب التى صدأت أقفالها بفعل الزمن .. و خيم ال**ت و السكون على ال*قل و هو يرى القلب يذهب مرغما إلى الحب غير عابئ بنداءات الروح خشية الان**ار .. حتى استسلمت هى الأخرى لنفس نداء الحب فراحت تسبح فى ملكوت العاش*ين ترفرف على أعتاب الحبيب ، تشتهى حديثه و ترغب فى رؤية كلماته و حروفه و تحلم كل ليلة بلقياه ..
و دبت نيران الحيرة بعدها اليأس و بعده الضيق ، و كان لابد لى من اتخاذ المبادرة .. و لكن الخوف الذى اعتمل فى نفسى من قسوة الرد جعلنى أتراجع دون صبر .. و اثبت فى موقعى دون حراك ، و ارتضيت بجعل الحب و مشاعره مع طيفك رفقائى فى ليلى و فى نهارى ، و استقرت نفسى قليلا و هدأت عن قناعة بعدما خاطبتها الظنون و حاربتها الأفكار ما بين البقاء أو الرحيل .. و كان الاختيار الثانى الذى ما لبث أن وافاه التراجع ضعفا منى فى مفارقتك ..
و فى يوم و ليلة تبدل الحال .. و جاءنى الليل مع أقصى الأمانى ، تهت فى دروب الليل بينما أنا أجدك فيه معى حقيقة لا خيالا .. و يكون كل ما نسجته عنك واقعا أزهى و أرقى من خيالاتى .. جئتى فى الصورة الأروع .. و صرت فى الليل ملكا لا يبصر و لا يسمع غير ملكته .. حتى و إن كرهتى هذا اللقب ، فأنتى فى القلب صاحبة السمو الملكى ، لن يفارق التاج جبينك ، و لن تغادرى قصرى أبدا ما حييتى ..
و كان المقام لى فى حدود ضقت بها ذرعا .. فلقد أتانى الحب و قد بلغت بى المشاق ذروتها و كم كنت فى حاجة إليه و لكن كان اختيارك هو البقاء معى بعيدا عن تلك المنطقة .. و كيف لى أن أتحمل أنى لا أسكن قلب من أحب كما أحب .. فكيف سأرتقى فى الحب إلى رباطه المقدس و قد كان هذا ما تمنيت .. و كيف سيكون لى معه رحلة عذاب من جديد .. و طالما كان القرب عناء و البعد عناء فليكن البعد عن الماء خير للصائم من البقاء امامه و هو لا يمكنه إدراكه .. أولى بهذا الصائم أن يبقى على صومه و ليستمر مدى الحياة بعد إخفاقه فى البقاء الأبدى إلى جوار من أحب ..
تقبلى منى المحبة و الأمنية الأبدية من جديد و إلى مالا نهاية .. و لتعلمى أن القلب لن يسكنه سواكى حتى و إن كنت بين الناس وسط الضجيج و الزحام فلن تفارقى القلب و لن يكون القلب مع غيرك ما تبقى لى من حياة .. و لن يكون لقائى القادم بك إلا على الصورة التى أحلم بها و كما تمنيتها .. و لو لم يأت ذاك الميعاد فى يوم فاعلمى أنك أنتى أقصى الأمنيات و آخرها ..
: ذ*ل القطة
قصة قصيرة
الشارع مزدحم .. فضاق رغم اتساعه .. مغلق من كل الجهات .. لو تحرك أحدهم يميناً سرعان ما يعود لليسار .. ثم شرقاً .. ثم يمينً .. ثم .. ثم .. هكذا دواليك .. ما الذي يدفعني للدائرة المملة التي يدور في فلكها البلهاء .. أنني وبشهادتهم جميعاً .. أذكاهم .. لكن لا مجال هنا لأثبت ذلك فعلاً .. فأنا مثلهم .. تقيدني تلك الحدود الأربع .. من المستحيل أن أبقى مع هؤلاء الهوام ... لاسبيل أمامي .. إلا أن أتخطى تلك الأرض الظالمة .. التي يتساوى فيها الجميع .. فإمكانياتي أعظم منها .. أنني خلقت لاحتضن تلك النجوم التي تناديني كلما نظرت إليها ..مسترسلآ في رغبة وتلهف .. إذن لماذا لا أصعد ذلك المبنى الشاهق الذي يخشاه الجميع ؟ .. ما الذي يمنعني من الصعود ؟ .. وتبؤ مكاني الطبيعي بين تلك النجوم المضيئة ؟.. بقرار سريع .. وبخطوة أسرع .. تقدم من باب البناية الضخمة ... تجمدت الصورة في الشارع فجأة .. التف الجميع حوله ليمنعوه من الصعود للمجهول .. طلب احدهم منه التريث .. تجاهله .. عنفه آخر قائلا : لما لا تسير في المنظومة مثل الآخرين ؟ .. رمقه بنظرة استهجان .. حذرته امرأة .. مسترجعه ذكريات أليمه .. عن كثير ممن ابتلعهم هذا الباب الضخم .. ولم يعودوا .. أو حتى يعرف أحد مصيرهم .. فصرخ في الجميع قائلا .. الآن أيها الهوام سمعت أصواتكم المرتعدة خوفا .. من أن ارتقي مكاني الذي استحقه .. فأعلوا فوق تفاهتكم .. ثم رمق الجميع بنظرة احتقار .. ودلف من باب البناية .. التف جميع المارة حول البناية ليتابعوا مصير هذا المارق .. داخل البناية رأى رجل ضخم مفتول العضلات يرتدي بزه سوداء ...بدا كأنه حارس البناية .. ولدهشته ! لم يسأله الرجل عن مقصده .. بل أشار له بالصعود عبر السلم الرخامي لعطل أصاب المصعد منذ سنوات .. في ثوان معدودة بلغ شرفة الدور الأول .. نظر منها .. وجد نفسه فوق رؤوس الأشهاد .. أحس بغبطة .. وتجاوز نظراتهم الشاخصة نحوه صاعدا للطابق الثاني .. ثم الثالث .. ثم الرابع الذي أطل من شرفته فوجدهم بحجمهم الحقيقي .. مجرد هوام يستطيع دهسهم أنا شاء .. كانت أشارات بعضهم التي لا تكاد ترى بالتحية له رايات نصر رقص لها قلبه .. وهكذا .. كلما صعد .. كلما تدانوا .. فأحس بال
***ة تكاد تبتلعه .. على الأرض بدا يتلاشى تدريجيا أمام الجميع .. حتى أصبح من المستحيل رؤيته .. فقالت المرأة التي حذرته .. ألم أقل لكم ؟ .. لم يدخل أحد هذه البناية .. وخرج ثانية .. فلنرحل من أمام هذه البناية المشئومة .. وبدأ الجميع في الانصراف في هدوء وأسف ... أعلى ..على سطح البناية .. وقف على حدها المواجه للشارع صارخا ..ها أنا .. ها أنا أيها الأغ*ياء ال**الى .. في موقعي الذي اكتسبته بقدراتي التي تعلو مستوى أحلامكم .. ها أنا أرتقي فوق تفاهتكم .. وأتبوأ مكاني بين النجوم .. لكن ما أدهشه انه لم يسمع هتاف ولا تهليل .. فدنا من الحافة ونظر .. فلم يرى احد .. بل .. لم يرى الأرض نفسها .. فقد محيت .. ومحي معها كل شيء .. فضحك ضحكة مجنونة قائلا .. إذن .. فقد تلاشى العدم .. تلاشيتم تماما أيها المغفلون المرتعدون من أسطورة البناية .. بعد الآن .. لن تؤذى عيني بالنظر إليكم .. ولن تضجرني أصواتكم المنفرة .. وأحاديثكم المملة .. ضحك مرة أخرى .. ثم ضحك مرة أخيرة .. وبدون أن يشعر .. داس بقدمه .. ذ*ل قطة حديثة الولادة .. اتخذت من الحافة ملجأ لها .. فأصاب ظافر قدمها الصغير ساقه .. فرفعها .. واهتز جسده .. فقد اتزانه .. حاول أن يستند على سور الحافة .. فسقط من عليها .. فالحافة بلا سور .. على الأرض ...... شعر المارة بارتطام شيء ما بالأرض .. فالتفت الجمع حوله .. تحسسه احدهم .. أعلن وفاته .. طلب أحدهم تنحية جثته جانبا حتى لا تعطل سير المارة .. حمله بعض الرجال .. وضعوه بجوار الرصيف .. وغطوه بصفحات لا تقرأ من جرائد الصباح .. وانصرفوا يمينا .. ويسارا .. شرقا .. وغربا ..في دائرتهم المغلقة الآمنة .
: بحب أحتفظ بصورهم، بحب أحتفظ بصور الضحايا بتوعي
.
الضحية الأولى كانت إيميلي ستويت، إنسانة لطيفة جدًا، جاية من كارولينا الشمالية عشان تدوّر على فرصة شُغل مُناسبة، قابلتها في محطة المترو، شعرها أشقر وملامحها جميلة، حسيت باهتمام ناحيتها، عينيها الزرقاء أسرتني من أول ما شُفتها، ابتسامتها كانت بتنوّر يومي، لكن لسوء الحظ كُل حاجة إتقلبت للنقيض لمّا قربت منها
لمّا الشُرطة لقوا جُثتها، كانت مُعظم أسنانها م**ّرة، شعرها متقطّع بوحشية، عين من عيونها مفقودة
كُل مرة ببُص في صورتها، ببتسم، لحَد ما بفتكر شكلها بعد ما انتهيت منها
ابتسامتي بتختفي
.
الضحية التانية كان روجر باركر، رجل أعمال مُهتم بالمضاربة في البورصة، حاطط مُعظم فلوسه فيها وعنده أمل إن ثروته تتضخم في يوم وليلة، لكن البورصة انهارت، وخسر كُل فلوسه بالكامل، دخل في حالة اكتئاب، حتى لمّا هاجمته كان باين عليه الإحباط والاكتئاب، كان مُستعِد ومُرحِب بالموت، لمّا الشُرطة لقوه كان تقريبًا في نفس الحالة اللي للقوا بيها الجُثة الأولى، لكن كان ماسك في إيده شنطته، وجواها كُل الورق اللي محتاجينه عشان يعرفوا كُل حاجة عنه
الصورة اللي معايا ليه كانت صورة ليه مع أسرته، آخر صورة إتصورها قبل ما يموت
.
الضحية الثالثة كانت فيكتوريا سميث، امرأة أربعينية، أم لثلاثة أولاد، بصراحة السن مش باين عليها، بتشتكي طوال الوقت إن رعاية أولادها بتاخد كُل وقتها ومفيش وقت فاضل ليها عشان تهتم بنفسها، وزوجها مش بيهتم بيها بشكل كافي، لقوها ميتة بعد ما إتض*بت بوحشية، جُثتها كانت مفتوحة وأمعائها برا، جمجمتها م**ورة بعُنف، أخدت صورة ليها وسط أولادها، أولادها اللي مكانوش مُهتمين بيها لحَد ما خسروها
.
الضحية الرابعة كانت كيلي سوير، موظفة بتقطع تذاكر في شباك المترو، طالبة جامعية وبتذاكر أثناء الشُغل، شعرها أحمر وجميل، وهي لطيفة جدًا، ابتسامتها كفيلة تدوّب كُل الحُزن اللي جواك، كانت بتحب تتكلّم معايا، يا ****، الوحيدة اللي بتمني لو مكُنتش قربت منها، دي الوحيدة اللي بندم إني قتلتها، بس هي كانت في المكان الغلط وفي الوقت الغلط، صورتها اللي معاها كانت حاضنة فيها كلبها ولابسة الزي الرسمي للعاملين بالمترو
.
الضحية الخامسة والأخيرة كان تود ليبرون، يوتيوبر مش مشهور بيحب يعمل أل**ب مُخاطرات أدام الكاميرا لكن اللي بيتابعوه ويعرفوه مش كتير، شُفت الفيديوهات بتاعته بعد ما قتلته، كان كويس ويستحق شُهرة أكتر، جذب انتباهي مرة لمّا كان بيحاول يتنمر عليّا، سخر مني وضايقني، معرفش ليه عمل كدا، لكن جُثته كانت في أسوأ حالة مُمكن تتخيلوها، مقدروش يتعرفوا عليه إلا من خلال أسنانه
الصورة اللي معايا ليه وهو واقف جنب الكاميرا الجديدة بتاعته وبيضحك
.
بعد كُل وفاة، بحاول أقنع نفسي إنها مش غلطتي، بس أنا مش بقدر أنسى شكلهم في لحظاتهم الأخيرة، ببص في عيونهم لمّا بنتهي منهم، بسرق صورهم عشان لمّا أشوفها أحس بالارتياح وأفتكر قتلتهم ليه، بحطهم في المكتب بتاعي، حضرت جنازاتهم عشان أشوف الناس وهي بتودعهم، عشان أفتكر أنا قتلت كُل واحد فيهم ليه
إيميلي كانت مُدمنة م**رات ومؤخرًا بدأت تتجه للد***ة عشان تقدر توفّر فلوس الم**رات
روجر لمّا خسر فلوسه بدأ يختلس فلوس من الشركة اللي اشتغل فيها ويضارب بيها في البورصة ويخسر
فيكتوريا خسرت كُل حاجة، ولادها مش مُهتمين بيها وزوجها بي**نها، مؤخرًا اكتشفت إنها مُصابة بمرض نادر ومؤلم، كان أدامها شهور وتموت بس كانت هتتعذب في الشهور القُليّلة دي
كيلي كانت ضحية للتنمُر، كانت كاتبة على صفحتها في الفيس بوك إنها بتحب كُل الناس اللي بيعاملوها بلُطف، لكن كانت ضعيفة ومش بتقدر تاخد حقها، بتتعامل مع الأمور بسلبية
تود بقي كان مُتنمر، بيطلع إحباطه وغضبه من فشله وعدم شُهرته في التنمر على الضُعفاء، بيعامل الناس بقسوة وخشونة ومش بيحترم حد
مش عارف ليه مُ**مين يعدموني ... كُل جريمة قتل قُمت بيها كان لها أسباب منطقية، لازم يسمعوني ويفهموا موقفي
.
: دايمًا واقف مُبتسِم، لكنها ابتسامة د**ية، كأنه جرح مقطوع في الجلد بين الأذن دي والأذن دي، ودايمًا الجرح شكله جديد، كأنه حد شاقق الجلد من طرف فمه لحد أذنه حالًا أو من شوية قُليلين، الدم كثيف ومُتجلّط على أركان فمه، أصلع ومالوش شعر، لكن المُخيف أكتر إن معندوش عينين، أمكان عينيه عبارة عن حُفر سوداء فارغة، آه زي ما قريتوا كدا، حُفر سوداء فارغة، هو مش إنسان
آه طبعًا مش إنسان، مُستحيل، ساعات بينمو جلد ق**ح كثيف على أماكن العيون عشان يحجبها، طويل جدًا، حوالي 6 أقدام تقريبًا، شاحب جدًا بشكل مُخيف، جلده شاحب لدرجة إن عضمه الم**ّر باين من تحته، عضم ب*ع مُتسِخ وم**ّر، هحاول أقرّب لك الصورة، عارف شكل هدومك لو طلعت من منجم حجري؟، هو دا نفس الإتساخ اللي في عظامه
إيديه نحيلة وطويلة، أظافره حادة وأظافره مُتسخة، لونها أ**د، بس أ**د طبيعي مش مدهونة بلون أ**د، كأنه عفن، كأن جسمه بيتعفن وهو حي، إيديه كمان م**ورة وأظافره م**ورة بشكل ب*ع
لابس على جسمه شوال خيش لونه رمادي وقذر، لو ركزت شوية هتقدر تسمع صوت تنفسه الخافت، ساعات بيشوبها صفير حاد، كأنه بيجاهد عشان يقدر يتنفس، صفير حاد خافت جدًا، ساعات مبيقدرش يتنفس من أنفه فبيضطر يتنفس من فمه وساعتها بقدر أشوف ل**نه، طويل وأ**د وشكله مُرعب، فمه مليء بالكدمات الد**ية والجروح المفتوحة، أسنانه مش مُنتظمة، أغلبها حاد وم**ور، والباقي طويل وعليه دم
.
أول مرة شُفته كان عندي 6 سنين، صحيت من النوم بالليل بترعش وخايف، كان واقف مستنيني، في رُكن غرفتي، إيديه الطويلة بتتحرك ببطء، وجهه الب*ع كان بيبُص ناحيتي، صرخت ... أهلي جُم غرفتي بيجروا، شاورت علي رُكن الغُرفة وأنا بصرُخ إن فيه وحش شرير واقف هناك، لكن لمّا بصوا مكانش فيه حاجة، بس أنا كُنت شايفه كويس، أنا الوحيد اللي قادر أشوفه وأسمعه، إبتسم ابتسامة د**ية واختفى من ادامي
.
بعد فترة قُليّلة الموضوع دا إتكرر تاني، وبمرور الوقت كان بيزيد، أهلي بدأوا يشكوا إني مجنون، عشان كدا بطلت أحكي لهم اللي بيحصل
.
ساعات بيكون موجود، وساعات لا، بس عُمري ما شُفته وهو بييجي أو وهو بيمشي، بعد حوالي 6 شهور بدأ يؤذيني، تقريبًا كان بيعاقبني عشان كُنت ببُص له لفترة طويلة، مكُنتش مُدرِك إنه يقدر يوصل لرجليا بإيديه الطويلة، زحف بصوابعه جوا جلدي من أول رجلي لحَد ما وصل لوجهي، ساب جرح طويل مُمتد على مدار جسمي، صرخت بألم وبخوف، أهلي جُم يجروا زي كُل مرة، بس مكانش فيه حاجة، هو اختفى والجرح اختفى كأنه مكانش موجود، قالولي إنهم زهقوا مني ومن كذبي، بعتوني لدكتور نفسي، كشف عليّا وقالهم إني كويس ومش بعاني من حاجة
رحت لعشرات الدكاترة، عملت كُل التحاليل والأشعة اللي مُمكن تتخيلوها، والنتايج كُلها كانت واحدة، أنا سليم جدًا ومفيش فيّا أي حاجة غلط
.
مرت السنين، كان بيختفي لأيام طويلة، ساعات لمُدة أسابيع، وساعات لشهور، لكن آجلًا أم عاجلًا كان بييجي، مهما كان مكاني، كان بيظهر في ركن الغُرفة اللي أنا موجود فيها، جربت كُل الفنادق وكان بيعرف يلاقيني، واقف ... بيراقبني، استمر في الظهور ل*قود، هي دي حياتي اللي أعرفها واللي بعيشها، خوف مُستمِر بلا نهاية، بيؤذيني لمّا بطوّل في النظر إليه أو لمّا بيحس إني مش خايف منه
في يوم شُفت إعلان لوسيطة روحانية في واحد من الجرايد، قررت أزورها، كُنت يائس ومش عارف أعمل إيه، دخلت غُرفتها عشان أحكيلها اللي بيحصل، كان مستنيني، واقف في ركن غُرفتها مستنيني، كُنت خايف منه، قالتلي بهدوء إنه مش هيقدر يؤذيني في وجودها، كانت شايفاه وعارفة مكانه وحاسّة بوجوده، أول مرة حد غيري يشوفه، سألتها، إترجيتها تساعدني، وفي النهاية ...
قالتلي الحل والطريقة
.
الحل كان في مُنتهى البساطة، إني أحكي للناس، أحكي لهم كُل اللي حصلّي، أقولهم شكله بالتفصيل المُمِل، أقولهم أول مرة قابلني كان فين وإمتي، لكن الأهم كان وصفه ... شكله، عشان لمّا حد يقرا أو يسمع القصة دي، يتخيله
حد منكم هيكون سيء الحظ، هيقدر يتخيله بشكل كافي، حد منكم هيكون سيء الحظ إنه هيخلق وجوده من قلب خوفه، أنا وصفته بأفضل طريقة مُمكنة عشان تتخيله صح، بمُجرد ما هتفكّر فيه وتتخيله، هيتواجد، هيحتل حياتك، ركزوا وفكروا فيه وتخيلوه عشان تخلصوني من لعنتي
عشان أستعيد حريتي وحياتي منه
.
قصة قصيرة
الشارع مزدحم .. فضاق رغم اتساعه .. مغلق من كل الجهات .. لو تحرك أحدهم يميناً سرعان ما يعود لليسار .. ثم شرقاً .. ثم يمينً .. ثم .. ثم .. هكذا دواليك .. ما الذي يدفعني للدائرة المملة التي يدور في فلكها البلهاء .. أنني وبشهادتهم جميعاً .. أذكاهم .. لكن لا مجال هنا لأثبت ذلك فعلاً .. فأنا مثلهم .. تقيدني تلك الحدود الأربع .. من المستحيل أن أبقى مع هؤلاء الهوام ... لاسبيل أمامي .. إلا أن أتخطى تلك الأرض الظالمة .. التي يتساوى فيها الجميع .. فإمكانياتي أعظم منها .. أنني خلقت لاحتضن تلك النجوم التي تناديني كلما نظرت إليها ..مسترسلآ في رغبة وتلهف .. إذن لماذا لا أصعد ذلك المبنى الشاهق الذي يخشاه الجميع ؟ .. ما الذي يمنعني من الصعود ؟ .. وتبؤ مكاني الطبيعي بين تلك النجوم المضيئة ؟.. بقرار سريع .. وبخطوة أسرع .. تقدم من باب البناية الضخمة ... تجمدت الصورة في الشارع فجأة .. التف الجميع حوله ليمنعوه من الصعود للمجهول .. طلب احدهم منه التريث .. تجاهله .. عنفه آخر قائلا : لما لا تسير في المنظومة مثل الآخرين ؟ .. رمقه بنظرة استهجان .. حذرته امرأة .. مسترجعه ذكريات أليمه .. عن كثير ممن ابتلعهم هذا الباب الضخم .. ولم يعودوا .. أو حتى يعرف أحد مصيرهم .. فصرخ في الجميع قائلا .. الآن أيها الهوام سمعت أصواتكم المرتعدة خوفا .. من أن ارتقي مكاني الذي استحقه .. فأعلوا فوق تفاهتكم .. ثم رمق الجميع بنظرة احتقار .. ودلف من باب البناية .. التف جميع المارة حول البناية ليتابعوا مصير هذا المارق .. داخل البناية رأى رجل ضخم مفتول العضلات يرتدي بزه سوداء ...بدا كأنه حارس البناية .. ولدهشته ! لم يسأله الرجل عن مقصده .. بل أشار له بالصعود عبر السلم الرخامي لعطل أصاب المصعد منذ سنوات .. في ثوان معدودة بلغ شرفة الدور الأول .. نظر منها .. وجد نفسه فوق رؤوس الأشهاد .. أحس بغبطة .. وتجاوز نظراتهم الشاخصة نحوه صاعدا للطابق الثاني .. ثم الثالث .. ثم الرابع الذي أطل من شرفته فوجدهم بحجمهم الحقيقي .. مجرد هوام يستطيع دهسهم أنا شاء .. كانت أشارات بعضهم التي لا تكاد ترى بالتحية له رايات نصر رقص لها قلبه .. وهكذا .. كلما صعد .. كلما تدانوا .. فأحس بال
***ة تكاد تبتلعه .. على الأرض بدا يتلاشى تدريجيا أمام الجميع .. حتى أصبح من المستحيل رؤيته .. فقالت المرأة التي حذرته .. ألم أقل لكم ؟ .. لم يدخل أحد هذه البناية .. وخرج ثانية .. فلنرحل من أمام هذه البناية المشئومة .. وبدأ الجميع في الانصراف في هدوء وأسف ... أعلى ..على سطح البناية .. وقف على حدها المواجه للشارع صارخا ..ها أنا .. ها أنا أيها الأغ*ياء ال**الى .. في موقعي الذي اكتسبته بقدراتي التي تعلو مستوى أحلامكم .. ها أنا أرتقي فوق تفاهتكم .. وأتبوأ مكاني بين النجوم .. لكن ما أدهشه انه لم يسمع هتاف ولا تهليل .. فدنا من الحافة ونظر .. فلم يرى احد .. بل .. لم يرى الأرض نفسها .. فقد محيت .. ومحي معها كل شيء .. فضحك ضحكة مجنونة قائلا .. إذن .. فقد تلاشى العدم .. تلاشيتم تماما أيها المغفلون المرتعدون من أسطورة البناية .. بعد الآن .. لن تؤذى عيني بالنظر إليكم .. ولن تضجرني أصواتكم المنفرة .. وأحاديثكم المملة .. ضحك مرة أخرى .. ثم ضحك مرة أخيرة .. وبدون أن يشعر .. داس بقدمه .. ذ*ل قطة حديثة الولادة .. اتخذت من الحافة ملجأ لها .. فأصاب ظافر قدمها الصغير ساقه .. فرفعها .. واهتز جسده .. فقد اتزانه .. حاول أن يستند على سور الحافة .. فسقط من عليها .. فالحافة بلا سور .. على الأرض ...... شعر المارة بارتطام شيء ما بالأرض .. فالتفت الجمع حوله .. تحسسه احدهم .. أعلن وفاته .. طلب أحدهم تنحية جثته جانبا حتى لا تعطل سير المارة .. حمله بعض الرجال .. وضعوه بجوار الرصيف .. وغطوه بصفحات لا تقرأ من جرائد الصباح .. وانصرفوا يمينا .. ويسارا .. شرقا .. وغربا ..في دائرتهم المغلقة الآمنة .