? " قُبلة " ?

4453 Words
وِزر الاشتياق ومعصية الرؤية الفصل الثاني ـ المخادع كيف تمكن مِن استدراجي بهذا الشكل؟! هتفت بسؤالها هذا وهي تجلس على السرير تكادُ تنفجر غيظاً، لتُردف بإصرار بعد ذلك: ـ غداً سنرى كيف ستستطيع خداعي يا هذا؟ أنهت كلماتها لتَهُمّ بالنهوض ببطءٍ مِن على الفراش قاصدةً دورة المياه، تَحسست بأناملها كل ما حولها حتى لا ترتطم بشئٍ ما.. تَسللت إلى مسامعها أصوات حشرات الليل التي دلَفت مِن خلال النافذة المفتوحة بجوار الفراش لتَشعر ببعضِ الهدوءِ والسكينة.. ودونَ انتباه خَطت بقَدميها فوق شئٍ حديديّ لتُطلق تأوهاً خافتاً وقد تَغضّنت معالمها ألماً وهي تهمس بحِنق: ـ ا****ة، ما هذا؟! انحنت نحو الأرض لتتحسس بأناملها ما وجدته لتَلتقط يدها شيئاً ما أدركت مِن ماهيتهُ بأنّهَ خاتمٌ ذكُوريّ ظّلت تتحسسهُ بحاجبين مُقطبين لتتوصل إلى نتيجةٍ واحدة لتهمس بحدة: ـ لابد أنهُ يخص ذلك اللئيم.. لم يدخل أحداً لحُجرتي سواه اليوم ابتسمت بخبثٍ وهي تَدسّهُ في جيبها هاتفةً: ـ فلنرى ما الذي ستفعلهُ؟ أقسم بأنّني سأجعلك مُختلاً كمرضاك أنهت كلماتها وهي تتوجه بخُطاً بطيئة نحو غايتها، بينما على الجانب الآخر كان هو قد أنهى استحمامهُ ليَشرع في ارتداءِ ثيابهٍ المنزلية توجه نحو طاولةِ المكتب ليجلس أمام الحاسوب وهو يضع عويناتهُ الطبية لترتفع يديهِ تلقائياً كعادتها في تَحسُس خاتمهُ الذي قد أهداهُ له والدهُ قبل رَحيله قطب بين حاجبيه وهو يشعر باللاشئ حول اصبعهُ، نظر نحو يديه مُتعجباً عن عدم وجودهِ ليتساءل بداخلهُ عنه، نهض من على المِقعد وهو يدور حول المكان باحثاً عنه: ـ أين وضعتهُ؟! قلب المكان رأساً على عَقِب وهو ينفخ بضيقٍ مِن فقدانه ليتوقف فجأةً وهو يَستعيد ذاكرتهِ اليوم.. عودة للوراءِ قليلاً.. حينما كان بحجرتها يتحرك نحوها ليجذب أحد المقاعد مُبتسماً ليمكث به أمامها بينما هي تصيح مُعترضة على وجودهِ، قام بنزع الخاتم من إصبعهُ ليقوم بوضعهِ على الطاولة الصغيرة التي كانت أمامهُ. عودة للوقت الحالي.. كشّر عن أنيابهِ وهو ينفخ بضيق هاتفاً: ـ يا لغبائي، أتمنى أن أجدهُ غداً بنفس المكان أنهى كلماتهِ ليعاود الجلوس خلف مكتبهُ مُحاولاً إنهاء بعض الأعمال المهمة إلا أن قاطعهُ طرقٌ على باب حجرته.. هتف دون أن يُبعد عينيهِ عن الأوراق التي بيده: ـ تفضلي أمي دلفت بصمتٍ دون أن تتحدث مُغلقةً الباب خلفها وهي تتوجه بخطواتٍ صامتة نحوه ليتحدث بابتسامةٍ صغيرة: ـ أرجوكِ أمي.. ألم أُخبركِ بأنّني مشغولٌ الآن ولا وقت لدي للعشاء؟ شعر بذراعين ناعمتين تُحيطان بعنقهِ مِن الخلف وهي تهمس بجوارِ أذنيهِ قائلةً: ـ وإن كنتُ عشاؤك هل تتناولني؟! أنهت جملتها ليلتفت برأسهِ نحوها ليجدها خطيبته، كان على وشكِ التحدث إلا أنها سبقتهُ بقُبلة على شفتيهِ أسكتتهُ ليقوم بإبعادها مُسرعاً وهو ينظر نحو باب حجرته هامساً: ـ ما الذي تفعلينهُ سارة؟ ماذا لو جاءت أمي؟! جذبتهُ مِن ذراعهِ ليقف أمامها وسط كلماتها التي خرجت بابتسامةٍ أنثوية ناعمة: ـ وماذا فيها حبيبي؟ لقد تم عقدُ القِران، أي أنني زوجتك ويحقُ لي هذا؟! رفع حاجباً وهو يقترب منها ليُشرف عليها مُظهراً الفارق البدني بينهما ليتحدث بصوتٍ أجش قائلاً: ـ وهل اعترضت؟ اعتراضي على المكان ليس إلا؟ تعمدت الالتصاق به وهي تتحسس أناملها بص*رهِ قائلةً ببحةٍ ناعمة: ـ إذن لنهرب؟ أنا وأنت فقط! أو لا داعي لذلك.. أستطيع الهروب بعقلكَ الآن قطب بين حاجبيه مُتسائلاً: ـ كيف؟ ما إن أنهى حروفهِ إلا وقد كان عنقهُ حبيس قبضتها لتُصافح شفاهه بشفاهها غير عابئة بمكان تواجدهم.. لم يُبدي اعتراضاً ولا يستطيع لطالما كان ضعيفاً أمام أنوثتها المُهلكة، ارتفعت أنامله لتُمسك بخصرها تعتصرهُ بينما قدميه تَسوقها نحو طاولةِ المكتب دون أن تبتعد عنه.. شعرت بأناملهُ التي تختلس الدخول أسفل كنزتها لتطلق تأوهاً خافتاً ما إن قام بقرصها من خاصرتها لتُشعل بهِ براكين كانت على وشك افتراسها إلا صوت والدتهِ التي هتفت مُقاطعةً لهم: ـ خاالد!!؟ بُنيّ.. أحضر سارة وتعالا لتناولِ العشاء انفصل عنها وهما يلهثان لتقوم بمسح أحمر الشفاه من وجههِ وهي تضحك قائلةً: ـ هيا بنا لقد تم القبضُ علينا ضحك بخفوت وهو يتحرك خلفها هاتفاً: ـ اسبقيني أولاً يجب عليا غسل وجهي وإلا ستكون فضيحة تحركت للخارج وهي تعدل هندامها بينما هو قام بغسل وجههِ ليقوم باللحاق بها وهو يهندم ثيابه ليتوجه نحوهم لتناول الطعام... ******************************** ـ ابتعدي عني أيتُها الشمطاء .... هتفت هناء بتلك الجملة وهي تدفع بهذه المرأة التي تحاول إعاقتُها عن الخروج من الحجرة، هَروَلت والدةُ هناء بعد أن أفاقت من نومِها على صوتِ ابنتها لتُسرع نحوها هاتفةً : ـ اهدئي حبيبتي لا عليكِ .... اتركيها تحدثت بكلمتها الأخيرة للمُمرضة بينما هتفت هناء بعصبيةٍ وهي تُشيح بيديها في جميع الأنحاء لتَستند على شئٍ ما قبل أنْ تسقط : ـ أريدُ الخُروجَ أُمي، أريدُ الخروج .... أشعر وكأنّني بداخلِ صندوقٍ مُحكم يُزيد من إِطباقِهِ عليّ، أختنق ... ساعديني أمي، أخرجيني من هنا. سارَعتْوالدتُها بعِناقِها وهي تبكي هاتفةً : ـ اهدأي ابنتي أرجوكِ، لن أترككِ أنا هنا لم تهدأ حالتُها ولو قليلاً لتهتُف والدتها بالمُمرضةِ : ـ أسرعِ بطلب ابني هيا .... على جانبٍ آخر كان هوقد أفاق من نومه بعد ليلةٍ طويلةٍ من العملِ المرةق ذهنياً، تَهيأ ليخرج من المنزلِ للذهابِنحو المَشفى .... أثناء ذلك صعد رنين هاتفَه النقال ليُطالع الشاشة، وقعت عينيه على إسمِها ليُجيب بابتسامة هادئةٍ : ـ صباحُ الخيرِ عزيزتي، لا لم أنسى الموعد سأنُهي ما لدي واصطَحبُكِ للعشاء.. حسناً لن أتأخر، أُحبكِ وداعاً .... أغلق الهاتف ليُلقيهِ جانبا وهو يُردد لنفسهِ : ـ النساء يَنسَين أماكن حُليّهم ولكن لن تنسى لكَ إحداهُن المُشاجرة التي حَدثَت بينكُما مُنذُ ثلاثِ سنواتٍواربعةَ أشهُرٍواسبوعاً وثماني واربعين ساعةٍ ما إن أنهى جُملته وقد ضحكَ مِلئ شدقيه يَئساً ليُتابِع طريقه نحو غَايتُه .... وَصلَ بسيارتِه للمَشفى ليَترجّلَ مِنها نحو الداخل، وَصلَ لمَسامعِه بعض الأصوات العالية وهو يتحرك نحو الحجرةِ التي تتواجد بها ليُقَطّب بين حاجِبَيه وهو يُشاهِد حالةً من الهيجانِ تتملَكُها بينما والدتُها تُحاول السيطرةَ عليها ولا يوجد غير طاقمِ التمريض .... تَحركَ نَحوها ليَهتف بها بقوةٍ : ـ هناء ؟ تَوقَفت عن الحركةِ لتَبدأ باللُهاثِ وهي تُحاول أن تهدأ وقد إتضحَ عليها آثارِ العُنف والغضب من خُصلاتِها المُشعثةِ ووجهِها الذي إحتُقِنَ بالدِماءِ حينما إنتبهت والدتُها لذلك هَتفَت بإستجداءٍ قائلةً : ـ أغثنا بُني ؟ تلوّتْ هناء بعنفٍ وهي تَتحرر من بين يديها هاتفةً : ـ علامَ تطلُبين العونَ أُمي ؟ تَقدّمَ هو نحوها وهو يَهتف بحدة قليلاً : ـ توقفِ الآن واخبريني ما الذي تُريديِنَهُ ؟ حَركَت رأسَها نحو مَصدَرالصَوت لتَهتِف قائلةً : ـ أريدُ الخروجَ من وسطِ الظلامِ، أريدُ أَن أَشعُر بالحرية لما لا تَتركوني وشأني ؟ قالتْ جُملتها الأخيرة بصوتٍ عالٍ ليضع هو يديه بجيبي بنطالهِ وهو يتساءل ببرودٍ : ـ وهل الأمر يستحق كل هذا الصراخ لطلبه، ألا تسمعين عن التهذيب ؟ حَركَت رأسَها بشكلٍ سريع يميناً ويساراً وهي تَصيحُ بحدة لكلِ مَن حولها : ـ لولا هؤلاءِ الأغ*ياء الذين يعملون هنا لكان الأمر بسيطاً، يحاولون منعي، إن إقترب أحدٌ منهم سوف أقتله هل تسمعونني ؟ حمقى .... حَاولت التَحرُك ليهُمَّ الباقين بمحاولةِ إعتراضِها إلّا أنّ خالد قد أشَارَ لهُم بكفهِ للتوقف وهو يهتف بها بتَشكُكٍ : ـ ألا تعتقدين بأنكِ تحتاجين لبعضِ المساعدة ؟ هتفت بحدة وهي تَتَعركَل عدة مراتٍ بكُلِ ما يُقابِلُها : ـ أنا في غِنى عنها، دَعوني وشأني ... حدّقَتها والدتُها بخوفٍ وقلق ليهمس لها خالد قائلاً : ـ لا تقلقي دَعيها لي، لن أتركها .... أومأت والدتُها له بقلق ليتحرك خلفها ببطءٍ يُتابع خطُواتها، تَحرَكت لتَستند على حائط الحُجرة لتتحسسه وهي تَسير نحو الباب بينما شفتيها لا تتوقفان عن إطلاق السُباب على هؤلاء الأغ*ياء وعلى رَأسهِم ذلك المُختل .... كانت مَحط أنظار الجميع وهي تَتحرك بتلك الثِياب المَنزلية التي أتتها بها والدتها وحالتها التي دَعَت البعض للشعورِ نحوها بالشفقة ... انتبه هو لذلك فحاولَ التحدُث بهدوءٍ وهو يسيرُ بالقُرب منها : ـ ألا تعتقدين أنّ ذلك كافٍ ؟ حسناً أنتِ قوية هيا لأساعدكِ .... إنكمشت على نَفسِها بقوةٍ وهي تَستَند بجسدِها إلى الحائط المصقول خلفها هاتفةً : ـ لا تقترب مني، أحمق... هل تظنُ بأنني أنتظرُ مساعدةً منك ؟؟ قَطّب بين حاجِبَيه وهو يتساءل بضيقٍ قليلاً : ـ ألا تعتقدين بأن لسانكِ يحتاج إلى بعض التهذيب ؟ فكما أرى لا يردعه رادع ... عاودت التحرك ببطءٍ وهي تتحدث بحدةٍ خفيفة قائلةً : ـ استمع دائماً لصوتِ روحُك، وصوتُ روحي يُخبرني في هذهِ اللحظةِ بأنّك أَحمَق ... رَمشَ بعينيه عِدة مراتٍ ليُردِف قائلاً : ـ صريحة ... هتفت بجمودٍقائلةً : ـ لا أتَصنّع المُجاملات وخاصةً إن كانت مِن أجل شخصٍ مثلِك ... قَطّب بين حاجبِيه بضيقٍ : ـ شخصٌ مثلي ؟؟ لم تنتبه لما قالَهُ فقد كان هَمّها الأوَحد الآن أنّها شعَرت بالحياةِ ما إن ضَربَت نسماتُ الهواءِ العليلِ وجهها لتطاير خصُلاتها برقة .... أغمضَت جفنيها وان كانَ ذلك لن يُشكل فارِقاً إلا أنها أرادت أن تشعر بأنّ ذلك الظلام مفروضاً عليها، تحدثت بجمودٍ وهي تُحرك رأسها للجانبِ في إتجاهِه قليلاً: ـ أشمُ رائحةَ الورودِ خُذني إليها ؟ اقترب منها بهدوءٍ ليقوم بالإمساكِ بيدها ليتحرك بها ببطءٍ هابطاً الدرج ليسير كلاهما نحو الحديقة التي تحوي بركة صغيرة بمياهها الصافية يحاوطها العديد من أنواع الورود .... وصل بها إلى إحدى الأشجار الضخمة التي تتواجد بالحديقةِ أسفلُها بعض الورود النضرة، توقف بها ليترك يدها ببطءٍ وهو يتراجع خُطوتين للوراء ليقف خلفها ... أخرج من جيبه عصابةً سوداء قام برفعها نحو رأسها ليضعها على عينيها وسط تساؤلها البارد : ـ ما هذا ؟ هتف بصوتٍ خفيض وهو يقوم بربط العصابة حول عينيها : ـ لن تشعري بعد ذلك بالعجز، لن يكون هناك ما يمنعكِ من الرؤيةِ سوى تلك العصابة، هذا هو ما ستٌخبرين نفسكِ به ... لستِ كفيفة ولكن هذه ما تَحُول بينكِ وبين النور .... تركته يفعل ما يريُده ليبتعد عنها بعد أن أنهى ما يقوم به ليُشاهدها ترفع ذراعيها ببطءٍ شديد نحو الأعلى لتقوم بفردِهِما على جانبي جسدِها لتحتَضن الهواء الطلق الذي يضرب صفحة وِجنَتيها بنسماته .... رفعت رأسها للأعلى وهي تشعر بالإنتشاء يتملك من جميع جسدِها، كانت تلتقط أنفاسها بصوتٍ مسموع وهي تشعر بالسكينةِ ولو لوهلة ... الهدوء والصمت هو فقط كل ما تبحث عنه الآن .... تحدثت بجمودٍ متسائلة وهي على حالها : ـ أخبرني ما الذي يجب أن تراهُ العين ؟ اقترب منها ليجاورها وهو يحدق بالبركةِ الصغيرة، أجابها قائلاً : ـ الرَوْح، يجب أن نرى الرَوْح .... أخفضت ذراعيها جانباً لتتساءل بوجهٍ خالٍ من التعابير : ـ لو كانت أعيننا ترى أرواحاً فقط بدلاً من الأجساد، لأي درجة سَترى الجمال ؟ تن*د بعُمقٍ وهو يُردِف : ـ لدرجةٍ تكاد تنعدم، لن نستطيع أن نُغير شئ، يجب علينا أن نَنظُر للأمور كما هي وليس كما نُريدها أن تكون فليس بمقدورنا تغيير كل شئ ... ضحكت بسخرية وهي تتحدث لنفسها وكأنَّ أمامها صورةً متجسدةً لها : ـ إليكِ خبرانِ هناء، السيئ أنكِ لن تستطيعين جعل الناس يفهمون، يحبون أو يتقبلون ... والخبر الجيد أنّ ذلك لن يهمك إطلاقاً .... ضحك هو الآخر على حديثها قائلاً : ـ أنتِ كارثة ... لم تُحرك له إنشاً ليتن*د متسائلاً : ـ أتعلمين هناء ما هي المشكلة الحقيقة التي تُواجهنا بالحياة ؟ التفتت له برأسها قليلاً ليُردِف هو قائلاً : ـ أنَّ العالم مليئٌ بالأغ*ياء .... أطلقت ضحكة متهكمة وهي تستطرد قائلةً: ـ منذ الأمسِ وأنا أحاول إقناعُك بحالتُك المرضية وأنت لا تصدق ابتسم ليُردِف قائلاً : ـ الأغ*ياء والحمقى يتحلون بثقةٍ كبيرة ويعتقدون دائما بأنّهم على علمٍ بكل شئ ولكنَّ الحُكماء هم الخائفون والمُتشَكِكُون .... إلتفت لها فجأةً وهو يهتف بزمجرةٍ : ـ تُعارضين القدر، لا يهُم إن كانت الحياة جميلة أو سيئة لا يهُم إنْ كانت قد خذلتكِ لمرةٍ أواكثر إستيقظي كل يوم وكوني شاكرة لله عليها، فهُناك غيركِ يُصارع من أجل البقاء على قيد الحياة تن*دت بعُمقٍ وهي تُردف قائلةً : ـ لا يهُم إن كانت سيئةً أم جميلة في النهاية جميعنا سنصُبح مُجردَ قصصٍ، وقد لا نَصل لتلك النقطةِ حتى قالت جملتها الأخيرة بتهكُم ليقَطّب بين حاجبِيه هاتفاً : ـ إقتُليه ... قَطَّبت بين حاجبَيْها بغير فهمٍ وهي تتساءل : ـ ما هو ؟ أجابها بهدوءٍ وهو يُعاود التحديقَ أمامه : ـ اليأس هناء، إنه يقتل بلا رحمة ويحكُم بالخديعةِ والخوفِ هتفت مقاطعة ً له ولوجهة نظره قائلةً بجمود وان كان يشوبه بعض الحزن: ـ أَحَبُ الأشياءِ لدينا هي التي تُدمرُنا، لا شئ يؤلم أكثر من خيبةِ أمل تأتيك من شخصٍ ظننت أنه لن يُؤذيكَ يوماً ابتسم بهدوءٍ وهو يتحدث قائلاً : ـ تقصدين خَطيبكِ السابق الذي إنفصلَ عنكِ بعد الحادث ؟ كان إقراراً أكثر من كَوْنهِ سُؤالاً ولكن كان كافياً بجعل النيران تَتأجَجُ بداخلِها لتلتفت له بعُنفٍ وهي تجاوره على ذلك المقعد بالحديقة، هتفت بغضبٍ جامح من بين أسنانها : ـٌ لئيم، ومَن سمح لك بالتدخُل بخُصوصِياتي أيُها الغ*ي ؟ أخبرني ؟؟؟ هل وظيفتُك تُطالِب بذلك ؟ هتفت بكلمتها الأخيرة بصُراخٍ ليرفع حاجباً وهو يُجيب بصرامة : ـ وهل تظنين بأنني سأستخدمُ السِحرَوالأرواحَ في علاجكِ ؟ دعيني أُقدم لكِ التهاني وانبئكِ بأنني بِتُّ الآن على علمٍ بكل ما مررتِ به في حياتكِ مالت نحوهُ برأسها قليلاً وهي تَبتسمْ بشكل غير طبيعي قائلةً : ـ هل أعجبكَ السيناريو الخاص بها ؟ و في لحظةٍ تملكُها الغضب لتصيحَ بعصبيةٍ مُطلقةً السُباب : ـ أيها المختل الغ*ي هل باتت حياتي الآن مسرحاً سينمائياً يُعرض لأمثالِك!! كان على وشك التحدُث إلا أنّها أسكتته فجأةً وهي ترفع راحتها أمام وجهه هاتفةً بابتسامة متراخية : ـ توقف، هناك صوتٌ لا يستعمل الكلمات، أنصت إليه ... هل تسمعه ؟ صوت السكون والراحة حدق بها بصمتٍ وهو يتمعن بتلك الحالةِ المُعقَدة التي تقبع أمامه إلا أن ذلك لن يردعه عن خوض التجربة في سبيل علاجها، ظهر شبح ابتسامة يكاد يختفي على جانبي فمه ليصمُت تماماً إلى أن قَطعت هي ذلك السُكون هاتفةً بابتسامة تنُم عن الراحة : ـ الحياة محيرة، لابد من الحزن لنشعر بالسعادة، ولابد من الغياب حتى ندرك قيمة الحضور تسائل بنبرةٍ تحمل في طياتها بعض الخُبث : ـ إذا تعترفين بأن غياب خطيبَكِ السابق له تأثيره الكبير ؟ تفتقدينه ؟ إختفت الابتسامة عنها ليحل محلها الغضب وهي تهتف بزمجرة حادة : ـ وهل إفتقدت يوماً خِنزير ؟ تقلصت تعابير وجهه إشمئزازاً وهو يُردِف قائلاً : ـ أقام الطبيب بجذبك من لسانك أثناء ولادتكِ يا فتاة أم ماذا ؟ من أين تأتين بتلك التشبيهاتِ الرائعة ؟؟ رفعت حاجباً وهي تحرك رأسها نحوه هاتفةً ببرود : ـ لا تقلق سأُعلمُك البعض .... رفع راحتيه معترضاً وهو يُردد : ـ لا شكراً، والآن لنعد لحديثنا ؟ قاطعته وهي تُلقي جملتها الحاسمة : ـ لا أفتقده لأنه ببساطة لم ولن يُشكل لدي فارقاً رفع كتفيه وهو يُكمل مبتسماً : ـ لكي يصنع أي شخص فارقاً في حياةِ أحدِهم لا يتوجب عليه أن يكون حادَ الذكاءِ أو جميلاً أو غنياً فقط الأمر يحتاج إلى بعضِ الإهتمام إلتفتت برأسها نحوه متهكمة : ـ وبرأيك فيما تنحصر تلك الإهتمامات أيها الطبيب ؟ في بعض الورودِ الحمراء أم في الهدايا والدُمى ؟ إلتفت نحوها برأسه ليتساءل بإهتمام : ـ كيف تَريْن الحُب هناء ؟ توالت الإجاباتُ من كلاهما كالآتي : ـ شعورٌ غ*ي ومخادع رد عليها بابتسامةٍ صغيرة: ـ بل هو شعورٌ بالثقةِ والأمان أجابتهُ بجمودها: ـ حرفان يشيران لكلمتين ... حياة بائسة رفع حاجبيه مُعارضاً: ـ أُفضل لو كان تعريفكِ لهما هو... بقاءُ الحياة كزت على أسنانها غيظاً: ـ لا يُسبب سِوى الأذى والضرر تن*د بعمقٍ قائلاً: ـ الحقيقة أن الكُل سيؤذيكِ عليكِ فقط أن تجدي من يستحق أن تُعاني من أجلِه تبادل كلاهما تلك الكلمات لتضحك هي بسخريةٍ متسائلةً : ـ هل من يُجالسني الآن روميو أم قيس ؟ ابتسم بهدوءٍ وهو يُعاود الحديثَ قائلاً : ـ كلاهما توفيا ... قاطعته هي مُسترسلةً باستهزاء : ـ ولم يتركا خلفهما سوى قصصٍ متشائمة رفعت أناملها نحو عينيها لتَهُمَّ بإبعاد تلك العصابةِ عنها إلا أنه هتف بجدّية مانعاً لها : ـ اتركيها، لا تنزعيها أبداً هتفت هي ببرودٍ قائلةً : ـ لماذا ؟ انحلت العصابةُ عن عينيها ليتن*د بعُمقٍ وهو يقترب ممسكاً بها ليعاود عقدِها مرة أخرى خلف رأسها وهو يُردد بصوتٍ هادئ : ـ قلتُ لكِ ستُصبح هذه العصابة هي الحائل بينكِ الآن وبين الضوء،إتركيها حتى يأتي الوقت المناسب عِندها لن تعودي في حاجةٍ إليها .... هل فهمتِ؟! لم ينتج عنها كلمةً واحدة، فقط ... السكون،ما إن انتهى من عقدها وقد رفعت رأسها قليلاً لتعتدل في اعتقاداً منه بأنه ابتعد إلا أنها تفاجئت بتلك الأنفاس الدافئة بالقرب من وجهها تراجعت برأسها للخلف ببطءٍ دون أن تُحركها بعيداً عن عينيه، لحظاتٌ قليلة لتُشيح بها للجانب الآخر في جمودٍ شديد لتهتف بعدها قائلةً : ـ لا أريد البقاءَ هنا ... أومأ هو برأسه موافقاً : ـ لكِ ما تريدين آنسة تابعت الهتاف بجمود قائلةً : ـ اكتفيت منك اليوم، على الرغم من أنني قمتُ بطردك بالأمس إلا أنك لم تتوارى عن العودة مرة أخرى .... أعدني للداخل وانصرف قبل أن يظهر لك مَاردِي ولن تستطيع السيطرة عليه .... ضحك بخفوتٍ وهو ينهض ليُعاونها في ذلك، هَمَّ بالتقاطِ يدها إلا أنها أَبَتْ ذلك وهي تقوم بدفعِه بعيداً هاتفةً بإصرار : ـ لا أريد العَوْن، "اقتلي الجُزء الذي يُخبركِ بأنكِ لا تستطيعين النجاة بدون الآخرين" أليس ذلك كلامك ؟ ابتسم ابتسامة واسعة وهو يُردد قائلاً : ـ سعيد بما تفعلين، هيا أكملي وحدك لنرى إلى أي حدٍ تبلغين من القوة والعزيمة ؟ ولا تقلقي ... أنا هنا حتى لا أسمح لمكروهٍ بإصابتكِ همست بجمود وهي تتحرك ببطءٍ وصعوبة : ـ عديمُ الذَوْق استطاع أن يلتقط كلمتها ليكتم ضحكة كانت على وشك الإفلاتِ منه، تصنّع الجدية وهو يتنحنح مُراقباً لها بعناية بينما هي أخذت تتحرك ببطءٍ وهي تتلمس بيدها كل ما يُقابلها لتُحاول السير ..... ******************************* ـ لا تتأخرِ ساره ... هتفت بتلك الجملة سيدة مُسنة لابنتها التي تشرُع في ارتداءِ ثيابها المكونةِ من فستانٍ أَسود لامع يصل للكاحل بأكمامٍ طويلة، هتفت بهدوءٍ وهي تصفف خصلاتها البنيةِ التي تصل لمُنتصف ظهرها : ـ وان يكُن أمي أليس بزوجي ؟ لقد تم عقد القِران تحركت والدتها نحوها السيدة وفاء لتدلف لحجرتها وهي تتحدث مُوضحةً : ـ عزيزتي الناس لا يتوقفون عن الكلامِ في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ، ما إن يتمُ الزفاف اصنعي ما تشائين انتهت ساره من تجهيز نفسها لتلتفت لوالدتها هاتفةً بجمودٍ : ـ لا يهمني الناس ولا أشتري أحاديثهم الرخيصة ولو بفلسٍ واحد، أنا طبيبة ناضجة لا أفعل شئٌ خاطئ، زوجي ونفعل ما نشاء لا دخل لأحد بحياتِنا ... أتمنى لو يهتم كل شخصٍ منهم بشئونه بدلاً من الجلوس لسماع تُراهات الآخرين، إلى اللقاءِ أمي قامت بارتداءِ المعطف القطني لتتقدم نحو والدتها لتعانقها وهي تُقبلها، تن*دت والدتها بابتسامة قائلةً : ـ أبلغيه سلامي ؟ ابتسمت ساره وهي تُلوح لها بيدها هاتفةً: ـ لن أنسى خرجت من الشقةِ التي تمكُث بها مع والدتها لتتقدم نحو المِصعد، دقائق لتُصبح خارج البناية الراقية التي تقطُن بها لتقع عينيها على سيارتهِ السوداء اللامعة والتي تَصطفُ أمام البناية ابتسمت ابتسامة هادئة وهي تَتقدم نحوها لتصعد بها، استقرت بجواره وهي تهتف بابتسامتها الجذابة : ـ مرحباً عزيزي .. أتبعت جملتها بقبلةٍ على وجنته ليهتف بابتسامة هادئة : ـ مرحباً حبيبتي .... ما كل هذا الجمال ؟ توردت وجنتيها وهي تُجيب بابتسامة ناعمة : ـ شكراً لك حبيبي .. اعتدل هو ليقوم بتشغيل السيارة بينما هي أردفت بتساؤل وهي تُهَندمْ ثِيابها : ـ كيف كان يومك ؟ انطلق بسيارته وهو يبتسم بإثارةٍ هاتفاً : ـ مُثير ضحكت مِلئ شَدقَيْها وهي تُردد : ـ عسى الله أن يجعلُه دائماً مليئاً بالإثارة ؟ ضحك كلاهما بخفوتٍ لينطلق بها نحو أحد المطاعِم الشهيرة بساحِل المدينة .. كان كلاهما يتناول طَعامه وسط الموسيقى الهادئة التي تَنبَعث مِن حولِهما، تَحدث خالد بابتسامة مُتسائلا ً : ـ هل أعجبكِ الطعام عزيزتي ؟ أومأت ساره برأسها وهي تبتسم مُجيبةً : ـ رائع عزيزي، شكراً لك ... ابتسم لها ليسود الصمت لدقيقتين ومِن ثَمَّ تَحدث مُتسائلاً : ـ عزيزتي ؟ همهمت له وهي تُحدق به بينما تتناول طعامها، أكمل هو بابتسامة صغيرة : ـ إلى متى سنستمر على ذلك الحال ؟ قَطّبت بين حاجبيها بغيرِ فهم ليُردِف هو موضحاً : ـ أعني الزفاف، أريدُ أن أُقيم الزفافَ، تكفي هذه المدة، ألا تَرين ذلك أيضاً ؟ تمللت مِن ذلك الحديث الذي لا يَنفك يُعاود فتحه مراراً وتكراراً، تحدثت بجمودٍ وهي تُعاود تناول طعامها دون أن تُبالي : ـ لقد أخبرتُك خالد، فقط انتظر... لست ُمُهيأةً لذلك الآن رمش بعينيه عدة مراتٍ وهو يتساءل بضيقٍ قليلاً : ـ كيف ذلك ؟ عَمّا تتحدثين ألم نعقد قِرانُنا ؟ ما الفارق بين ذلك إذاً وبين الزفاف ؟ كل ما عليكِ فعلهُ هو ارتداء الفستان الأبيض والرقص لمُدة ساعتين وسط الأغاني، لا أفهم كيف تُفكرين بالأمر أريدُ توضيحاً رجاءاً ؟ تن*دت بعُمقٍ وهي تضع الملعقة جانباً لتمسح أناملها بالمحارم الورقية وهي تُحدق به بابتسامتها الناعمة التي دائماً ما تُسيطر عليه، تحدثت برقةٍ وهي تقبض على راحته بيدها الدافئة : ـ عزيزي، أنا لا أمُانع البَتّة ولكن أنتَ تعلم بأنني على وشكِ نَيل الدُكتوراة هذه الفترة وحُلمي بأن أفتَتِحَ مركزاً طبياً خاصاً بي، الزفاف ... التجهيزات ... كل هذه الأشياء سوف تأخذ من وقتي الكثير وأنا لا أُريد لشئٍ بأن يُعرقِلُني الآن وخَاصةً بعد كل ذلك العَناء الذي بَذلتُه لأَصلْ لتِلكَ النُقطة، فَقطْ كُل ما أطلبهُ مِنكْ هو الانتظار، وكما قُلتَ أنت مُنذُ قليل لقد عقدنا القِران أي أننا زوجين الآن فقط أعطني بعض الوقت خالد ... أرجوك ؟ تن*د بعُمقٍ وهو يَتمّعَن بحدِيثِها، لا يُريد أن يُحبطها أو يُطفئ تلك اللمعة بعينيها، إنْ فَعلَ ذلك سيكون قد ظَلمَها ... ابتسم بحنانٍ وهو يحتضن راحتيها بَين يَديه قائلاً : ـ بالتوفيقِ حبيبتي، أُريدُكِ أن تُصبِحين مِن أَمهر الأَطِباءِ بالبلد ؟ لَمعَت عَينيها بنظرةٍ غريبة وهي تَقول بتصميم : ـ لا تقلق عزيزي لن أتوارى عن ذلك حتى أُصبح فوق الجميع.. اهتزت ابتسامته قليلاً وهو يُحدق بتَمَعُن بتلك النظرات الغيرُ مُطَمئِنة التي بَدرَت منها، عاوَدت هي تناول طعامها بينما هو شَردَ قليلاً بعينيهِ المُتنَقلة بينها وبين طعامهِ لم تُخطئ عينيهِ نظرةَ التصميمِ التي بَثّت بداخلِه بعض الخوف مِما قدْ يحدُث مُستقبلاً .... لا يُنكر بأنَّه أُعجِب بتلك القوة والإصرار بداخلها إلّا أنَّه في هذه اللحظة كُلَ ما جَال بخَاطِرهِ هو ذلك الحديث بينه وبين مريضَتُه الشرسة " بالتأكيد الجميع يعشق القوة ولكنَّ الإفراطَ بها مُدمِر ... أحياناً ما قد تَضُر مَنْ حَولك دُون الشُعور بذلك " عَاد مِن شُرودِه ليُحدِقَ بزوجَتِه التي يعلم عن ظَهرِ قَلب بأنَّه لن يَردعها رادع عن تَحقيقِ مُبتغاها حتى وان كَلّفَ الأَمر التَضحيات، الخَوف مِن نقطةٍ واحدة ... إن وَصل الأَمر لتِلكَ المَرحلة... سُؤالٌ واحدٌ، ما هي التضحية التي ستُقدم ؟؟ ********************************* استيقظت مِن سُباتِها العَميق لتَشعُر بِشئٍ ما متواجداً فوقَ عَينيها، قَطّبت بَين حاجبيها باستغراب وهي تَمُد أناملُها لتَتحسَسهُ، لحظاتٍ لتَعود لها ذاكرتُها بِما حَدث أمس لتَهتف بسخريةٍ وهي تَضع يَديها جانباً : ـ أ**ق ... تَن*دت بعُمقٍ وهي مُمَددة على سريرها، شَعرت بأشعةِ الشمسِ الدافئة التي تَسقُط على بَشرتِها الناعمةِ لتَنتبه لها، حاوَلت النُهوضَ بهدوءٍ وهي تَتلَمَس كَلَّ ما يُحيطُ بها دون أَن تَنزِع تِلك العِصابة عَن عَينيها إطلاقاً.. أَنزلت قَدميها ببطءٍ مِن على السَريرِ لتَنهَض واقفةً وهي تَسير ببطءٍ شديد بَينما يَديها أمامها تَتلَمس بِها أَي شَئٍ يُقابلُها ... كانَت أشِعَةُ الشمسِ التي تَدلُف مِن خِلالِ النَافذةِ العَريضة هي دَليلُها في السَيرِ نحو الشُرفة، وَصلت للبابِ الزُجاجي الخاص بالشرفة لتصطدم به، تَحسسَتهُ بأناملِها الرفيعة لتُمسك بالمِقبض وهي تُحاوِل فَتحه.. ما إن أدارَتهُ لِتدفع البابَ بيديها الاثنتين بقوةٍ لتَفتحه على مصراعيهِ لتُفاجئ بالهواءِ الشديد الذي ضَربَ وجهها ليقشَعّر جسدها بقوة . على الرغمِ من سطوعِ بعض أشعةِ الشَمسِ الدافئةِ إلّا أنَّ الطَقس كان مُتقلِباً، كانتْ الرياحُ قويةً وكفيلةً بجعلِ أصواتها تصل لأُذنَيها لتشعُر بأنّها تَطيرُ بداخلِ عالمها المُظلم ... تَحركَت بقدميها عدة خطواتٍ وسَط الهواءِ الذي أصابَها بالبرودةِ لتتجه دونَ أَن تَدري نحو الحاجِز المَعدني الخاص بالشُرفة . توقفت قَدميها عَن التحرُك ما إنْ شَعرت بالحَاجز، حالةٌ مِن الصَمت سيطَرت على عالمِها الأَسودْ لم يَتخللهُ سِوى أصواتِ الرياحِ التي بَعثَرتْ خُصلاتها بقوة، مالت برأسها نحو الأسفل وهي تتساءل بتَهكُم : ـ ما الذي سيحدث إن تجاوز جَسدي ذلك الحاجز ؟ أدارَت وجهها بعد لحظاتٍ وهي تتن**د بعُمقٍ، خطت بقَدمَيها خُطوتين لتَتعَرقل بالمِقعد الذي كَان مُتواجداً برُكنٍ ما، اصطدمَت بالحَاجِز ليَهوي جَسدها مُتخطياً له نحو الأسفل... أَطلقت صرخةً عالية وهي تتمَسك بالمعدن بقوةٍ بينما لا تشعُر بأي شئٍ أسَفل قدمَيها ... أطلقت صيحاتُ الاستغاثة وهي تَشعر بأناملِها تؤلمُها بشدة : ـ النجدة !! ساعدوني ... النجدة !! بَدأت عِبراتُها تنهَمر وهي تُتمتِم : ـ ساعِدني يا الله ... النجدة !! ـ هناء ؟!! هَتفَ بها بذُعرٍ حينما دَلفَ لحُجرتِها ووَقعَت عَينيه عَليها وهي في هَذهِ الحالة، صاحَت باستجداءٍ من وَسط عِبراتُها وهي تشعُر بأنَّ يديَها لم تَعُد تَتحملها : ـ خالد ساعدني أرجوك، سأسقُط ركضَ نحوها مُسرِعاً لتَشعُر بعدها بكلاليبٍ مِن الحديدِ تقبض على ذراعيها في سبيلِ رفعِها، هتف قائلاً وهو يجذبها للأعلى : ـ لن يصيبُكِ مكروه لا تخافي نجح في رفعها نحوه لتشعر بعدها بالأرض ومن ثْمّ الأمان، لم تستطع قدمَيها تَحمُلَها لتجثو أرضاً على رُكبتَيها وجسدِها ينتفض من الأدرينالينِ الذي مَلأ جسدِها من هَولِ الموقف ... حاولت تهدئة أنفاسُها قليلاً بينما هو كان واقفاً أمامها يُحدق بها مِن أعلى بحاجبين مُقطّبَين بحدة وهو يَلهث مُحاولاً السيطرة على نوبة الغضب التي على وشك الانفجار . بعد أن شَعر بأنها قد هدأت قليلاً قام برفعِها مِن كَتفَيها لتَقف أمامَهُ شامِخة بقوة ليتحدث هو من بين أسنانِهِ مُتسائلاً : ـ هل لي بأن أعرف كيف وصلتي إلى هذه الحالة ؟ أريدُ تفسيراً كفيلاً بجعلي أتغاضى عن محاولةِ قتلكِ الآن ؟ رَفعَت رأسَها بالعِصابةِ نحو صوته لتَهتف بجمودٍ : ـ أريدُ الذهابَ للشاطئ ؟ أخرجني من هُنا ؟ أغمض عينيه وهو يَعض على شفتيهِ ليَلتقِط شَهيقاً عَميقاً مُحدِّثاً نَفسهُ : ـ سيُصبح الطبيبُ مريضاً بسبب تلك الفتاة فتح جفنيه ليُحدق بها ببرودٍ قائلاً : ـ إن كانت فكرة أنكِ كنتِ على وشك الموت الآن وقد كُتبَ لكِ عُمراً جديداً قد نسيتها فاستعدي هتفت بدونِ تُردد : ـ أريدُ الذهاب .... دقائق وكان كلاهما بداخل سيارتِه بعد أن أخبرَ والدتها وشقيقها الذي اعترَضَ في بادئ الأمر إلّا أن خالد كان كفيلاً بإقناعهِ ليوافِق الأَخير على مضٍّ وخاصةً بعد أن هتَفت هناء لشقيقها بجمودٍ قائلةً : ـ لا تُصبح مثله زياد، أنتَ في غِنى عَن التقليلِ مِن شأنكَ .. تَفهّمَ شقيقها ووالدتها مَقصدها من حدِيثها وان مَن تتحدث عنه هو والدهما، حتى خالد الذي علم مِن والدتها كل ما واجهَته في حياتها قبل الحادث، سيحاول مناقشتها بتلك المشكلة التي تواجهها ولكن ليس الآن .... وصل بها نحو الشاطئ ليُوقف سيارته بمكانٍ ما، هتف بهدوءٍ قائلاً : ـ وصلنا... تساءلت ببرودٍ دون أن تتحرك : ـ هل هناك أحدٌ غيرنا ؟ أومأ برأسه مجيباً : ـ بالتأكيد هن... قاطعته وهي تتحدث بجفاء آمرة : ـ إذا خذني لواحدٍ خالٍ لا يتواجد به أحد حدق بها بهدوءٍ للحظاتٍ لينطلق بعدها إلى شاطئٍ آخر، توقف بالسيارة ليهتف بجمودٍ : ـ لا يوجد غيرنا ابتسمت ببرودٍ وهي تُحاول الترجّل من السيارة إلا أنّه أوقفها قائلاً : ـ ارتدي هذا فالطقس سيئ، فلا يأتي للشاطئ الآن في هذا الوقت سوى من أصابهم ضربٌ مِن الجنونِ أمثالك ... حَرَكت رأسها نحوه وهي تهتف بنبرةٍ جليدية كالصقيع : ـ حسناً يا من أراك بصُحبتي وأصابكَ ضربٌ من الجنونِ مثلي لا أُريد شيئاً ولا أريدُ سماعَ صوتك فأنا لم أصطحُبك سِوى لتُرشدني لستُ مُتيمةً بسماعِ مقطوعة هوفن حينما تتحدث أريد الصمت والوحدة أنهت جُملتَها التي جعلته يُحدق بها بدهشةٍ رافعاً لحاجبيه من لِسانها السليط بينما هي ترجلت من السيارةِ بهدوءٍ لتشعر بالرياحِ ونسماتِها القويةِ التي جعلت الأمواج تهتاج أفَرجَ فمها عن ابتسامة واسعة وهي تشعر لأولِ مرةٍ بذلك الإحساس الرائع وعلى الرغمِ مِن الظلامِ الذي يُغلفها الآن إلّا أنّها تشعُر بالسكينةِ تغمرها ... ترجّلَ من سيارتٍه خلفها ليَتبعُها بينما هي تُرشدُها أصوات الأمواجِ نحو المياه، كانت قدميها تَغوص أكثر بالرمالِ كُلّما اقتربت، ها قَدْ بدأَت تَستَشعِر الرمال الرطبة، هتفَ هو من خلفها بعد أن توقفَ ليُراقبُها : ـ أنتِ بين غذاءِ الروحِ، استعيدي قوتكِ وطاقتكِ الإيجابية ... شعرتْ بالمياه أسفل قدميها لتتسع ابتسامتُها وهي تزدادُ تعمُقاً قليلاً، ظل مُحدقاً بها بينما هي توقفت حينما وصَلتْ المياه لرُكبتَيها، رفَعتْ رأسَها للسماءِ وقد أطلَقتْ العنانَ لضحكاتِها العالية .... جَلسَ أرضاً على الرمالِ ليُتابعها باهتمامٍ بينما هي قد صدحت ضحكاتها الرنانة وهي تَدور حول نفسِها بالمياه .. توقفت عن الحركةِ فجأةً ليحل الصمت والجمود، قَطّب هو بين حاجبيهِ بتَرقُب لما سيحدث . هدأت تماماً وتركت الحرية للرياح لتحملها بداخل عالم الظلام بين الأمواج ..... عالمٌ من السكون وهي بمُنتصف تلك المياه، انحَنت للأسفل تحت أنظارهِ لتتمدد بجسدها بداخل المياه، تركَت المياه تَحمل جسدِها لتطفو على سطحها ... انتَفضَ واقِفاً حينما وَجدَ المياه تَحملُها بعيداً نحو الداخل، هتف عالياً بحدة وهو يشُق طريقه وسط المياه : ـ هناء توقفِ ... لم تُلقي بالاً لهُتافهِ ولم تُعرهُ أي اهتمام، عاوَدَ الهُتاف بحدة وهو يسبَحْ نحوها بعد أن تعمَقت بها المياه نحو الداخل : ـ هناء أفيقي، سوف تغرقين ... هناء ؟؟ ***********************************
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD