? " النبضةُ الأُولى "?

3751 Words
وِزر الاِشتِياق وَمَعصِيَةِ الرُؤية الفصل الثالث ما إنْ اعتدلَت وقد أنزلَت قدمَيها لتخطُو بهما وسَطَ الرمالِ إلا أنّها لم تجد شيئاً، تصلّبَ جسدها وهَمَّت بالهُتاف إلّا أنّها وجدتْ مَن يقبض على كتفيها صائحاً بغَضب: ـ ا****ة عليكِ وعلى من يستمع لكِ.. سَبحَ بها نحو الشاطئ لينفجر بها بعصبية : ـ بحقِ الله ما الذي كنتِ تحاولين فعله ؟ تنعتينني بالمُختل وأنا لا أرى مُختلاً غيركِ، مِن الآن فصاعداً سوف تستمعين لما أقولهُ هل تفهمين ؟ كانت ترتجف بسبب البرودةِ التي تُلفح جسدِها إلا أنَّ ذلك لم يمنعها من الضحكِ بخفوتٍ تهكماً تحت أنظارهِ التي حدّقَتها بجمود ... بعد أن هدأت قليلاً تحدث هو بجفاءٍ قائلاً : ـ ربما سألجأ إلى العلاجِ بالكهرباء فكما أرى حالتُكِ لن يصلح معها سِوى بعض التنشيط لعقلك الذي أراه أقل من عقولِ الأطفال أخذت تُحرك رأسها بشكلٍ مائل لليمين واليسار وهي تبتسم بهدوءٍ هامسةً : ـ كنت ُ أطير وسط الأمواج، لابد لك أن تخوض هذه التجربةِ أيها الطبيب بعد أن أنهت جملتها أخذت تتمايل بجسدها ببطءٍ لتهتف بابتسامة واسعة قائلةً : ـ هل لد*ك بعض الموسيقى على هاتفك طبيبي ؟ تحدث ببرودٍ وهو يجلس على الشاطئ محدقاً بالمياه : ـ حينما تُنهين حلقة الرقص الخاصة بكِ اجلسي فأنا أريد إعطاؤكِ شيئاً توقفت عما تفعله لتهتف بوجهٍ خالٍ من التعابير قائلةً : ـ وهل تعتقد بأنني قد أنتظر شيئاً منك سوى العته المُبكر ؟ رفع حاجبه وهو يحدق بها ليهتف باستفزازٍ قائلاً : ـ حسناً يا صاحبةَ العقلِ الثمين والذي كاد أن يُنهي حياتكِ اليوم مرتين اجلسي في صمت ولا داعي لإسماعي سِمفونية سُبابكِ الناعمة رفعت حاجبيها باستنكارٍ لتتحرك نحو صوته لتجلس بجواره على الرمال، هتف قائلاً بهدوءٍ : ـ انزعي عنك العِصابة وقومي بعصرِها جيداً من المياه فعلت ما قاله لها بهدوءٍ لتشعر به يضع مِعطَفُه على جسدِها الذي يرتَجف مِن البَرد لتهتف هي : ـ لا داعي لأن تظهر أمامي بأنك شخصٌ شهم، وفّر العرضَ لفرصةٍ أُخرى هتف قائلاً : ـ اصمتي ...؟ كان كلاهما يجلس بين الأمواجِ المُتلاطِمة برمالِ الشاطئِ معصوبةَ العينين، لحظاتٍ لتسمع صوتَهُ الغليظ وهو يمد أنامله لها قائلاً : ـ تفضلي ... التقطت بين أطرافِ يديها كرةً كبيرة تشبه الفَرو لم تلبث للحظاتٍ أن تعرفت عليها، ضحكت بسخرية وهي تدُس قطعة منها بفمِها قائلةً : ـ أيها الطبيب لم أُخطئ حينما قلتُ لنفسي سابقاً أنت مخادع ضحك ملئ شدقيه وهو يحدق بالأفق أمامه قائلاً بثقة : ـ أعلمُ ذلك مطت شفتيها بإعجابٍ ثم عاودت تناول حلوى (غزل البنات) بتلذذ، ص*رت منها همهماتٍ خافتة تدل على استمتَاعِها بها لتَجذبَ انتبَاههُ نحوها ليحدق بها في صمت ضحكت فجأةً بتهكم وهي تُردد: ـ يا إلهي إنه يشبهه تماماً ... أنهت جملتها لتُعاود تناول ما تَبقَى بينما هو قَطّب بين حاجبيه مُتسائلاً باهتمام : ـ ما هو ؟ تصنعت هي اللامبالاة وأكمَلت ما تقوم به ليُعاوِد طَرحَ السؤالِ مرة أُخرى : ـ ما هو هناء ؟ التفتت له برأَسِها قليلاً لتبتسم بمُكرٍ قائلةً : ـ لن يُعجبَكَ جوابي أيُها الطبيب ... أعادَه بنَبرتهِ الجليدية : ـ قلتُ لكِ ما هو ؟ اتسعت ابتسامتُها الخبيثة وهي تُلقي بأحرُفِها الهامسة على أُذنيه قائلةً : ـ يُشبه المذاقُ اللذيذ الذي أشعُر به كُلمَا ... توقفت عن الحديثِ ليتسرب إليه بعض الفضول الذي سيطر عليه ليُظهِر الجمود بدلاً منه إلا أنَّ ذلك لم يردعُها عن تكملةِ الحديثِ قائلةً بصوتها الخافت : ـ ذلك المذاقُ اللذيذ الذي أشعر به كلما همَستُ باسمك يا ... خااالد ... أطلقت العنانَ لضحكاتها الساخرة بينما هو رمش بعينيه عِدة مراتٍ ليحتل الجمود معالمه وهو يَهتف : ـ خلف كل " كنتُ أمزح " جزءاً من الحقيقة، لذلك أنصحُكِ بعدم تجاوِز الحدود مع أحدٍ فقد تُؤذينه دون أن تشعرين، ولِمن أتحدث ؟ ما أنتِ بالفعل تؤذين كل من حولك وخاصةً والدتكِ المسكينة .... توقفت عن الضحك لتلوِي جانب فمها هاتفةً : ـ كل وَصلة العتابِ تلك من أجل عدة كلماتٍ ليس لها قيمة ؟ أنهت جملتَها لتتبعها بأُخرى خرجت بلهجةٍ قاسية : ـ من الأساس لا دخل لك بعائلتي لن تهتم بهم أكثر مني، بالنهاية تظل غريباً لذا وفر نصائُحك لنفسك .... رفع حاجباً بتفكير ثُم إِلتفت مُحدقاً بالأفق وهو يتحدث بهدوءٍ : ـ هناء محمد القاسم،أربع وعشرون عاماً، كلية الفنونِ الجميلة، لد*كِ شقيقكِ زياد الذي يكبرُكِ بسبع سنوات، تعيشين أنتِ وهو، زوجته،والدتكِ بمنزلٍ بعد انفصال والد*كِ والسبب ... أنك تكرهين والدكِ بشدة بسبب معاملته لكم ... لطالما كان يضرب والدتكِ ويُهينها وبالطبع لم يترككِ وشأنكِ بل نِلتِ من الحظ جانب، في ذلك الوقت لم يكن شقيقكِ متواجدٌ بالدولة بل كان في الخارج في بعثةٍ بعد تفوقه الدراسي في دراسته بمجال الطب .... ما إن عاد بعد خَمس سنوات وقد علم بكل ما جرى وحدث الانفصال، ثم تَمَت خِطبتُكِ لشابٍ كان رفيقكِ بالجامعة واستمرتْ الخِطبة عاماً ونصف ثم صار الحادث وانفصل عنكِ ذلك الشَهم .... والآن ... أنتِ هنا بجواري، هل نسيتُ شيئاً ؟؟؟ كَزّت على أسنانِها بقوة حتى أوشكت على تحطيمها وهي تَهمس لنفسها بصوتٍ لا يكاد يُسمع : ـ سامحكِ الله على تلك الفضائح يا أمي، لم يعد ينقُص سِوى أن يخبرني بألوان ثيابي في خِزانتي .... هَمّت بالتحدث إلا أن قاطعَهم صوت صياح لطِفلٍ وهو يبكي عالياً، التفت كِلاهُما للخلف لتهتف هناء بتساؤل قائلةً : ـ ماذا يحدث ؟ وقعت عيني خالد على شاباً يكاد يناهزه في عمرة التاسعةِ والعشرين عاماً وهو يُمسك بطفلٍ صغير لم يتجاوز عُمرة الحادية عشر ويقوم بضربه بقوةٍ وهو يُطلق بعض السُباب .... انتفَض هو من جوارها لينطلق مُسرعاً نحوَ ذلك الشاب لتهتف الأُخرى بقلقٍ حينما شعرت بقَفزتِهِ : ـ هاي أَنت ؟ إلى أين تذهب ؟ ما الذي يحدث هنا ؟ تحركت لتنهض بهدوءٍ وهي تَتحسَس المكانَ من حولها بينما وصل خالد لللإثنين الآخرَين ليُبعد الشاب عن الطفل وهو يهتف بحدة : ـ توقف عما تفعله .... تحركت هي بخُطَى متوترة وهي تتلمس بيديها المرفوعتين الهواء بينما أصوات المُشاحنة الكلامية القائمة بين خالد وبين ذلك الشاب عالية، اتخذت من صَوتهِ مُرشداً لتصل إليهما، التقَطَت أُذنيها حديثَ خالد الحاد : ـ كيف لك بأن تضربه بهذه الطريقة ؟ هتفت بتساؤلٍ حاد : ـ أيها الطبيب ما الذي يحدث ؟ التفت لها خالد قائلاً بزمجرة : ـ دقيقة هناء ... قاطع استِرسالُ خالد حديث الشاب حينما أشارَ هاتفاً بحدة نحو الطفل الصغير الذي تَعلّق بخصرِ خالد وكأنه طَوْق النجاة ليختبئ خلفه وهو يَبكي : ـ ألم تسمع ما أخبرتُك به ؟ قلتُ لكَ بأنه قام بسرقةِ بعضِ الأسماكِ التي قُمتُ باصطيادُها وكأنّها كانت تنتظرُ تلك الفرصة لتُخرج جامَ غضبِها على شخصٍ ما وخاصةً بعد تصريحِ خالد لها بمعرفته لتفاصيل حياتها، تحرك الجواد لسانُها ليتحرر من لجِامهِ وهو يتسابق في إمطارِ الواقف أمامها بسيلٍ من الكلمات النارية دون توقف : ـ أيها الو*دُ الدنيء، هل تضربه لذلك السبب ؟؟ من أجل أنّه شعرَ بالجوعِ ولم يجد ما يأكله تقوم بضربه ؟؟ إنه مجرد طفلٍ صغير لا يفقه شيئاً ! ا****ة عليك وعلى أمثالِك من الأغ*ياء ... ألم تُفكر بأنّه من الممكنِ أن تحلَ محله بيومٍ من الأيام ؟؟ بدلاً من أن تقوم بإعطائه البعض وإطعامه تقوم بسبّه وضربه ؟ لما لا تخاطب من هو في قدرِكْ أيها الخروف ؟؟ ضحك الطفل الصغير على كلمتها وكذلك خالد الذي انقطعت ابتسامته وهو يرى الآخر يقترب منها في سبيلِ أن يضربِها وهو يهتف بعصبيةٍ نارية: ـ أيتها الغ*ية العمياء ومن أَذِن لك..... لم يكد ينتهي من كلماته وقد إندَفع خالد نحوه بعنفٍ مما أدى إلى سُقوط الطفلِ للخلف على جسد هناء التي تفاجئت من قوة الدفعة وكانت على وشكِ السقوط إلّا أنها تماسكت بصعوبة وهي تَتلقَفُه بين ذراعيها ... سَدد له خالد لكمة بأنفه أدت إلى نزولِ بعض قطرات الدماء من أنفه، قبضَ على تلابيبِه ليُزمجر بحدةٍ من بين أسنانه آمراً : ـ اعتذر حالاً لها .... ضمَت هناء الصغير إلى خصرها وهي تُربت على رأسه وكتفه هاتفةً بحنان : ـ لا تخف عزيزي , حسناً ؟ رفعت رأسها نحوه لتنتبه لجملته الحادة للشابِ قائلاً: ـ قلتُ لك اعتذر حالاً ؟؟ حَدّق الشاب هناء بنظراتٍ كارهة وهو يعتذر غصباً : ـ أنا أسفٌ يا آنسة دفعه خالد بعيداً بقوة ليتوجه نحو هناء، مَدّ أناملَه لجَيْب مِعطفه الذي ترتديه ليُخرج بعض النقودِ التي قام بإلقائها في وجه الآخر وهو يهتف باشمئزاز قائلاً: ـ مقابل الأسماك، أغرب عن وجهي ... ابتسم الشاب بأعين لامعة وهو يَلتقط النقودَ التي فاق ثمنُها من الأسماكِ أضعافاً مُضاعفة... التفت خالد لتقع عينيه عليها لتجثو أرضاً أمام الصغير لتبتسم له هاتفة: ـ هل أنت حقاً جائع ؟ أومأ الصغير برأسه لتتحدث قائلةً : ـ هلا تحدثت عزيزي حتى أسمع صوتك ؟ همس الصغير وهو يمسح عينيه بباطن يديه : ـ نعم خالة، أنا جائع ... ابتسمت بحنانٍ وهي تُربت على يديه : ـ حسناً عزيزي لن أتركك حتى تقول أرجوكِ خالتي لم أعد أحتمل، اتفقنا ؟ ابتسم الطفل ابتسامة واسعة وهو يُردد بالموافقة بينما كان هو يقف يُتابِع باهتمام تلك الشخصية التي تظهر الآن أمامه مُتمعِناً بدقة بالجانب الآخر الذي يختفي بداخلها، الجانب الذي يقع تحت طُغيان الشخصية الأخرى العنيفة .... انتبه لها وهي تهتف به بقسوةٍ ساخرة : ـ هاي أنت أيها الطبيب ألا تسمع ؟ هل أصبحت أصمّاً أم يجب عليّ مُناداتك بالمُختل حتى تُجيب ؟ تن*د بعُمقٍ وهو يُردد بداخله : ـ ها قد عادت من أحفظها عن ظَهرِ قلب أجابها قائلاً : ـ ماذا ؟ ماذا تريدين ؟ لوت فمها بتهكم وهي تجيب : ـ حفظك الله لشعب بلدنا الحبيب الذي تُغدق عليه بكرمك، من يسمعك يظن بأنني علاء الدين وأنت مَاردُ المصباح الذي يُنفذ الأوامر ؟ قلب عينيه لأعلى لتهتف بجفاءٍ : ـ نريد أن نأكل أم ستتركنا نموتُ من الجوع ؟ رفع حاجبيه لأعلى متعجباً وهو يتساءل : ـ وهل طلبتِ مُسبقاً يا بنت الحلال وقلتُ لا ؟! أخفضت رأسها نحو الطفل وهي تهتف بابتسامة صغيرة : ـ هيا حبيبي ... رفعت رأسَها ليَحتل الجمود وجهها وهي تتحرك هاتفةً : ـ هيا بنا ؟ ابتسم بقلة حيلة وهو يتحرك ببطءٍ بجوارهما هاتفاً : ـ سنتناول الأسماك ..... ********************************* ـ مرحباً أيتها الطبيبة ؟ هتف بتلك الجملة ذلك العامل الذي يعمل بالعيادةِ الخاصة بساره، دلفت للداخل وهي تنزع عنها مِعطفها الصوفي الأ**د لترتدي المعطف الأبيض وهي تهتف : ـ ماذا هُناك الآن ؟ هتف العامل قائلاً : ـ حالة ولادة طارئة أيتها الطبيبة ... تساءَلت ساره بصرامةٍ وهي تُهندم ثيابها : ـ هل أنهوا التكاليف الخاصةِ بهم ؟ هز العامل رأسه بالنفي بتوتر وهو يتحدث قائلاً : ـ في الواقع أيتها الطبيبة ليس بمقدورهم دفعها الآن كاملة، بإمكانهم سدادُ النصف والنصف الآخر بعد العملية، هُم أناسٌ بسطاء وحالة الولادة مُتعسرة و .... ضربت على المكتب بحدة وهي تهتف بقوةٍ : ـ وهل هذا بيتُ الزكاة، لم ينهوا كل الإجراءات لن ينالوا شيئاً، أرسلِهم للطبيب وليد الذي يقبع بالبناية المجاورة، لم أفتتح هذه العيادة وأزودُها بأحدث الأجهزةِ حتى تكون مَلجئاً للجميع ... هل سمعت ؟ أومأ العامل برأسه بشفقةٍ على الأم وأهلها ليتحدث بخفوتٍ وهو يخرج من حجرةِ مكتبها : ـ حسناً أيتها الطبيبة كما تأمرين ... خرج من الحجرةِ بعد أن أذنت له بالانصرافِ وهو يُردد من بين أسنانهِ : ـ عسى الله أن ينتقم منكِ أيتها الجاحدة بينما هي جلست بكل جمود وكأن شيئاً لم يكن، وكأنّه لا توجد حياةً على المحك تُصارع من أجل البقاء هي وطفلٍ لم يُولد بعد ؟؟ أين القسم الذي قد أقسمته قبل القيام بوظيفتها ؟ .... إجابة واحدة ... المال ****************************************** ـ لقد اكتفيت هتف بتلك الجملة ذلك الصغير الذي يقبع بجوارِ هناء ويتناول كل ما لذّ وطاب من الأسماك، كانت تجلس بجوارهِ دون أن تضع الملعقةَ في الوعاءِ، كيف ذلك وهي ستصبح في تلك الحالةِ علكةُ بفم الجميع وهي تعجز عن تناولِ الطعام أمامهم ... كان خالد يُحدق بها بهدوءٍ في صمت واكتفى فقط بسؤالهِ لها لمرةٍ واحدة : ـ ألن تتناولين طعامكِ ؟ وكل ما أجابتهُ به هو كلمة واحدة خرجت منها كالسيف قائلةً : ـ لا ... تن*د بعُمقٍ وهو يُومأ برأسهِ بهدوءٍ، تحدث الطفل قائلاً : ـ لقد اكتفيت خالتي ... شكراً ابتسمت هي بمودة وهي تَتحسس خُصلات الصغير هاتفةً : ـ بالهناء والشفاءِ عزيزي ابتسم الصغيرُ مُتسائلاً: ـ خالتي لمَ تضعين هذه ؟ قَطّبت بين حاجبيها بغيرِ فهمٍ متسائلة : ـ ماذا ؟ أشار الصغير نحو العصابةِ هاتفاً ببراءة: ـ هذه ؟ تَملَك منها الجمود ظاهرياً إلا أنّ ما بداخلها كان الألم، جاهدت لرسم الهدوءِ على وجهِها تحت أنظار الآخر المراقبة لها باهتمام، تحدثت بابتسامة لا تظهر قائلةً : ـ لدي بعض المشاكل عزيزي ولذلك لابُد لي من وضعِها دائماً تحدّث الصغيرُ متسائلاً : ـ هل أستطيع رؤية عينيكِ خالة ؟ ساد الصمتُ لثوانٍ وقد بدت جامدة كالتمثال إلا أنها أومأت بهدوءٍ لترفَع أناملها نحو العصابة لتنزعها تحت أنظار الصغير الذي ابتسم ما إن رأى مقلتيها السوداء ليُردد ببراءةٍ : ـ ها أنا خالتي ؟ كان يحدق بهدوءٍ بها، ما إن أزالت تلك العصابة عن عينيها وقد تَمكّن من رؤيةِ تعابير وجهها بالكامل، ضاقت عينيه قليلاً وهو يَتمعن بتلك الأعيُن بما تحتويه من عاصفةٍ هوجاء محملةِ بالعديدِ من الاضطرابات النفسية ..... بأعين طبيبٍ ماهر تمكن من رؤيةِ ذلك الصراع الذي يدور بداخلها، ما إن هتف الصغير بجملته وقد انتبه لها حينما اهتزت حَدقتَيها لتتحدث بصوتٍ خرج مُتهَدجاً بعض الشئ : ـ لا أستطيع رؤيتك عزيزي، ولكن ذلك لن يمنعني عن تخيُل وجهِكَ الجميل ... ظهر طيف ابتسامة صغيرةٍ على جانب وجهه وهو يتحدث بهدوءٍ قائلاً : ـ كما قُلت سابقاً لطالما كان بداخل الإنسان تلك النزعة للصراع دائماً، لا تفقديها هناء ... حركت رأسها ببطءٍ من جهةِ الصغير نحوه وهي تهتف من بين أسنانِها : ـ لستُ بحاجة لنصيحةً منك و ليكن بمعلُومك نعم أصارع ولكنكَ لن تراني أنسحب أبداً رفع كتفيه وهو يمط شفتيه بابتسامة قائلاً : ـ وهذا كل ما أريده وسأظل بجواركِ، إن شعرتُ لوهلةٍ بأن تلك النُزعة قد إنطفئت سوف أُشعلها ... ثم أكمل ببرودٍ وهو يتناول طعامه مُحدقاً به : ـ و لكن قبل ذلك لابد لكِ أن تتعلمي الغُفران ... ضيقت عينيها اللتين تُحدقان بعيداً عنه نسبياً لتصُك أسنانها بقوةٍ وهي تتحدث من بينها قائلةً : ـ إن كان مَقصدُك من الحديث هو والدي فلا داعي بإقحامِ نفسِكَ في أمرٍ لن أتوانى للحظةٍ عن التقليل منك بشأنه ؟ رفع حاجبه وهو يتحدث ببروده قائلاً: ـ اعتدتُ منكِ على كلماتكِ الرائعة، لن يكون الأمر بجديد، تعلّمي أن تُسامحي هناء، أخبريني ؟ إن دار الزمان بكِ وجاء والدكِ يطلب السماح منكِ ... قاطعته هي بغيظٍ وغضب هاتفةً : ـ أبداً ولو سَقطت السماءُ على الأرض ... ضحك بسخرية وهو يُعاود تكملة حديثه: ـ لم تدعيني أُكمل سؤالي حتى! حسناً وبما ستشعرين بتِلك اللحظة ؟ ابتسمت بسعادةٍ مُتشفية وهي تُجيب : ـ بالقوةِ والرضا ... نَظفَ فَمُه بالمحارم الورقية أولاها كامل انتباهه قائلاً : ـ حسناً، لن تسامحينه مُطلقاً وستشعرين بالرضا والقوة ؟؟ هَمهمَ بهدوءٍ وهو يُعاود الهُتاف : ـ هل تعلمين هناء ما هُم الأساسيات الثلاث بحياتي التي أسعى دائماً للسير عليها ؟ أنصتت بشئٍ من الاهتمام ليُجيب قائلاً : ـ الصبر، الغُفران والإيمان ... إن اعتقدتِ للحظةٍ بأنكِ ستكونين قوية برؤية من أمامُك ضعيفاً وهو يطلب منكِ السماح دعيني أخبركِ بأنكِ ستكونين تعيسة في حياتكِ... لوت فمها بسخريةٍ لتحتل معالمها الشراسة وهي تُزمجِر بحدة : ـ ما بك؟ هل أصبحتَ داعية إسلاميا وأنا لا أدري؟ وهل تظُنني حجر؟ أم قلبي من الصخر؟ لا تتوقع مني بأن أُسامح وأنسى كل ما عانيتُه، قد أُسامح ولكن لست غ*يةً لأنسى أنا أتعلم الدرس ولن أسمح بأن يَمسَني سُوءاً مرةً أُخرى لن أدع تسامُحي يتحول إلى غباءٍ أيُها الطبيبُ الشيخ... قالت جملتها الأخيرة بسُخرية ضحك هو مِلئ شَدقَيه مُردداً : ـ حسناً، ولكن لما تنظُرين للأمر من الناحيةِ السيئة فقط ؟ رفعَت حاجباً ببرودٍ وهي تتساءل : ـ وهل ترى أي جانبٍ مفيد فيما حدثَ معي ؟ تن*د بعُمقٍ وهو يتحدث قائلاً : ـ عندما تُسامحين أحداً تُطلقين سراحَ سجين، ثُم تكتشفين بأنكِ أنتِ ذلك السجين، أنا أعلمُ بأنَّ ما حدث قد سبب لكِ الألم، ولكن لا أُريدكِ أن تتأثري بالنوعِ الذي يجرح لما لا تتعلقين بالنوع الذي يُغير؟ رفعت حاجبيها باستنكارٍ وهي تضحك بشكلٍ متقطع مستهزئةٍ قائلةً: ـ نوعٌ يجرح ونوعٌ يُغير ؟ أطلقت ضحكةً جذبت الأنظار نحوها ليتساءل الصغير قائلاً : ـ علام تضحكين خالة ؟ ابتسمت هي هاتفةً من بين ضحكاتها : ـ لا شئ عزيزي ولكن العمَ الطبيب لا يبدو بأنّه يعيش مثلنا ؟ في عالمٍ ظالم لا يسوده سِوى الضغينةِ والكراهية ؟؟ تحدث بنبرةٍ جامدة كالجليد: ـ لا يمكن للظلام بأن يطرد الظلام فقط النور هو الذي يستطيع ذلك وكذلك الكراهية لا يقتلها سوى الحب عاودت الضحك وهي تهتف بسُخرية : ـ حقاً من أتيت أيها الكائن الفضائي ؟ من أي عالمٍ أنت أيها الطبيب ؟ تراني كفيفة ولكن أصبحتُ على علمٍ بكُلِ ما يحدُث حولي على ع**كَ تتحدث وكأنّك ملِكَ العالم الذي يُسيّره بعدالته، يا إلهي!! أنهت جملتَها لتُعاود الضحك بصخبٍ بينما هو ابتسم ببرودٍ قائلاً : ـ دعيني أخبركِ أمراً عزيزتي، إنْ كنتِ تتوقعين بأنّ العالم سيكون عادلاً معكِ لأنكِ شخصٌ عادل فأنتِ من تخدعين نفسكِ ... إلتقط كوبَ العصيرِ بيده ليرفعه لفمه وهو يمُط شفتيه مُتحدثاً ببراءةٍ مزيفة : ـ تماماً كما تتوقعين من الأسد ألا يأكُلكِ فقط لمُجرد أنكِ لم تفكرين بأكلهِ أولاً .... ابتسمت وهي تميل نحوه لتتحدث بفحيحٍ قائلةً : ـ أحسنتَ أيُها الطبيب، العدالةُ لا تُحقق نفسها بنفسها نحنُ مَن علينا تحقيقها، الظلمُ لا ينتهي ولا يَنفكُ يسلبنا الحرية والسلام وان نَويتَ البقاءَ طيباً فأنت جبان وستؤُكل حيّاً ... كان مُحدقاً بها وهو يَتجرّع كأسَهُ ليضعه جانباً وعينيه مُعلقةً بضحكاتِها المُتهكمةِ، تحدَّث بجمودٍ قائلاً:ً : ـ وراء كل ظُلم قوة تعتقد بأنها الأكثر سطوة، تعتقد بأنها سيدة الإمبراطورية التي لا ُتقهر وهنا تَكمُن نقطةُ الضعفِ... لا يُمكنكِ أن تعودي للخلف هناء وتُغيّري البداية، إنْ سنحت الفرصة لكِ بذلك لن يتوانى الجميع عن فِعْل المِثل، الخطأ هوان يرضى الإنسان بحالةِ اليأس التي قد تُصيبه ... ما يمكنكِ فعله الآن هو أن تبدئي من مكانكِ وتضعين نقطة النهاية.... حالةٌ من الصمتِ تملكت منها تماماً وكأنه حاصرَها بحديثهِ الصحيح، فقط كل ما بَدرَ منها هو تنهيدة عميقة وان كانت تحمل في جُعبتها الكثير، تَحدّث هو بتساؤلٍ قائلاً : ـ ما الذي تُريدِينَهُ هناء ؟ أجابته بجمودٍ بعد أن قامت بربط العصابةِ حول عينيها : ـ أريدُ أن أختفي .... ابتسم هو بهدوءٍ مُردِفاً ـ لا ... أنتِ لا تريدين الاختفاء، كل ما تُريدينَهُ فقط هوان تجدي نفسكِ همست بشرودٍ قائلةً : ـ ربما ؟؟ تن*د بعُمقٍ وهو يميلُ عليها مُستنداً بمِرفقَيه فوق الطاولةِ الفاصلة بينهما ليُردِف قائلاً بصرامة وان كان يُخالطُها بعض الرجاء المُتخفي: ـ اسمعيني، لا أريدُ أن أقول يوماً ... كانت قصتها تقول بأنها كانت سجينه، أريدُ القول أنَّ ذلك لم يكن صحيحاً لقد كان لديها الأمل و به لن يستطيع أحدٌ أن يُخضِعُها تحت رحمته، لم يكن ذلك صحيحاً لقد امتلكت القوة التي جعلتها تتقبل كل ما هو كائنٌ الآن وتنسى كل ما كان وبانتظار ما سوف يكون .... هل فهمتني ؟ وجهت وجهها نحو مص*ر صوته لتعقد بين حاجبيها بقوةٍ من أسفل العصابة إلّا أنّهُ استطاع أن يُلاحظ تعابيرها جيداً، حالةٌ غريبة تسربت إليها ببطءٍ وهي تشعر بأنَّ من يتحدث معها هذه المرة شخصٌ آخر بالفعل ... نبرة الرجاء التي بداخل كلماته أخافتها، خاصةً مع هذهِ النبضة الغريبة التي استرقت الخطى نحو قلبها... نبضة جعلتها تميل نحوه وهي تتساءل بحاجبيها المُنعقدَين بحدة خفيفة: ـ هل أسمع نبرة اهتمامٍ بحديثك طبيبي أم أخطأت أُذناي ؟ ابتسم ابتسامة واسعة وهو يُجيبها بهدوءٍ : ـ قُلتِها بنفسك هناء، طبيبك ... إن لما أهتمُ بكِ من سيفعل ؟ زمجرت بوجهه بحدة وهي تنتفض واقفةً : ـ إذا أعدني للمشفى فلا أريد أن أُلازم السرير لأسبوع بسبب ثيابي المُبللة وبرودك اللامُتناهي الذي سيُصيبُني بنوبةٍ قلبية وأنت تشرح نظرية اهتمامك بي.. رمش بعينيه عدة مراتٍ وهو يُحدق بنوبةِ العصبية التي أصابتها ليُحمحم قليلاً وهو ينهض بهدوءٍ هاتفاً : ـ حسناً ... أأ ... أيها النادل ؟ الحسابُ من فضلك ... مَدّت هي كفها نحو الصغير هاتفةً : ـ هيا عزيزي لنذهب ... وضع خالد بعض النقود على الطاولةِ ليتحرك خلفهما وهو يهتف بجمودٍ ساخراً: ـ انتظري أيتها الراشدة الحكيمة لن تغادرين وحدك ... ************************************** كان يجلس على مقعدهِ الخاص به في الشُرفةِ التابعة لحجرة نومه شارداً، دلفت عليه والدته لتجدهُ على حاله إلّا أنها تفاجئت بهالةٍ من السُحب البيضاء تُحيط به ...عقدت جبينها وهي تتوجه نحوه بخُطواتِها هاتفةً : ـ خالد ما هذا ؟ اتضحت لها الرؤية وهو يعتدل ليُطفئ لُفافة التَبغ التي كان يتجّرعها بشراهةٍ بداخل المِطفأة الزجاجية الخاصة بها، هتفت بحدة وهي تنهرهُ قائلةً : ـ تدخن ؟ زَفَر بحنقٍ وهو يُحاول السيطرة على هدوءه ليتحدث قائلاً بإرهاق : ـ لا شئ أمي، فقط لُفافة واحدة ... لدىّ بعض المشاكل التي أردت ُالتنفيث عنها قليلاً ... جلست أمينه بجوارهِ على المِقعد المُجاور لتُربت على كتفهِ قليلاً وهي تتحدث بقلق: ـ ماذا هناك حبيبي ؟ ما الذي يؤرقك لهذه الدرجة ؟ تن*د بعُمقٍ وهو يبتسم بتكلُفٍ قائلاً : ـ لا شئ حبيبتي لا داعي للقلق .... قال جملتَهُ وهو يُقبّل يدها لتتحدث بحدةٍ خفيفة : ـ انظر... لن تستطيع خداعي بهذه الطريقة، أريدُ أن أعرف ما بك حالاً ؟ حدق بها قليلاً ليجد أنه لا مفرّ له مِن المواجهة، ربما إن أخرج لها ما يَعتملُ ص*ره ليرتاح، تحدّث بضيقٍ قليلاً : ـ ساره ... تحدثت هي بتساؤل قائلةً : ـ ما بها بني ؟ هل تشاجرتُما ثانيةً ؟ هز رأسه بالنفي موضحاً : ـ لا، كُل ما في الأمر أنني لا أعلم لما لا تجعلني أُقيم الزفاف حتى الآن ؟ أحاول معها بشَتّى الطُرق وكُلَ ما تُقابلُني به أنها تريد أن تحقق حلمها أولاً في نيل الدكتوراة وافتتاحِ مركزها الطبي .... ابتسمت والدته بحنان وهي تُردد : ـ لا تلومها بني، لقد بذل كلاً منكما ما بوسعه للوصول إلى هذه المكانة، أخبرني ماذا سيكون إحساسك وان تشعُر بأنّ كل ما أردت تحقيقه بَاتَ على وشكِ الحُدوث ؟ لم يتبقى على نيلِ مُرادك سوى القليل ؟ بالتأكيدِ ما ستشعر به هو الحماس بالإضافةِ إلى الخوف ... الخوف من فُقدان كل ذلك ... التفت لها ليتحدث بضيقٍ قائلاً : ـ لما أمي ؟ أنا بالتأكيد سأُساعدها ... لن أكون حائلاً بينها وبين ذلك، سوف أدعمُها وسأكونُ أولَ السُعداءِ حينما أجد زوجتى في المكانةِ الأولى، لما تَظن بأنني سأكونُ عقبة بحياتها ؟ وان كان الأمر كذلك لما وافقت هي مُنذُ البداية، لكانت وفَرت عليّ تلك المُعاناة التي أشعر بها الآن .... أنهى حديثه ليدفن رأسه بين راحتيه وهو يتن*د بإرهاقٍ تحت أنظار والدته الحزينة، مالت عليه لتُقبّل رأسَهُ وهو تَضمّه لِص*رها هامسة : ـ هَوْن عليك بنى، لا يوجد ما يستحق حُزنك حبيبي .... قد تَجدُني أنانية بما سأقوله ولكن حِب نفسكَ أولاً وكن طيباً معها .... قطب بين حاجبيه بدهشةٍ وهو يبتعد عن أحضانِ والدتِه ليُحدق بها باستغرابٍ وكلماتِ تلك الشرسة تُرددها والدته أيضاً، تحدّث بصوتٍ مُتحشرج قليلاً وهو يتساءل : ـ مِن ... مِن أين لكِ بهذا الكلام أمي ؟ انعقد حاجبيها بغيرِ فهمٍ وهي تُردد مُتسائلةً : ـ ماذا ؟؟ ما به كلامي ؟ شردت مُقلتيه بعيداً وهو يتحدث قائلاً : ـ لا شئ فقط يُذكرني بأمرٍ ما، " حِب نفسكَ أولاً وكُن طيباً معها فهذا عالمك وحدك شَكلّه بنفسك وإلا سيُشكله لك غيرُك ".... ردد جملتها لتُردِف والدته بابتسامة صغيرة : ـ ها أنت قُلتها عزيزي، هذا عالمُك شكله بنفسك ولا تسمح لغيرك بذلك، فَوّض كل أمورك لله ودَع له القضاء والتزم الصبر لترى ما ستؤول إليه الأُمور بالأخير تمام؟ أومأ هو برأسه ليبتسم بتكلُف لتُكمل الأُخرى حديثها قائلةً : ـ هيا إلى النومِ الآن لقد قارب الوقت على مُنتصف الليل ولد*ك عملاً بالغد، تُصبح على خيرٍ عزيزي .... تحدث مردداً وهو يتمدد على السرير خلفه قائلاً : ـ وأنت من أهل الخير أمي دثّرَته جيداً لتتحرك بعدها نحو الخارج بينما هو حدّق بسقفِ حجرته ليشرد عقله بمنطقةٍ أُخرى، ضيق بين عينيه قليلاً وهو يَبتسم ابتسامة طفيفة مُتذكراً كل ما حدث اليوم .... تحدث هامساً قائلاً : ـ رأسُها يابس ولكن لا بأس فلن يقف أمامي حائلٌ مِن إصلاحه .. *****************************
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD