المواجهة دائماً وأبداً صعبة وبعض الأحيان تمكث أسفل متاهة المستحيل!
وإن كانت هي توقعت وتخيلت أن مواجهته لا شيء يذكر, مجرد عبث فارغ لا ضرورة له بالمرة .. فهي حقاً خاطئة !
ابتسمت داخلها بسخرية عارمة تجتاحها بكل هدوء , تضع أمام عينيها كل الحقائق عارية دون غطاء ستر تحت مسمى النسيان !
والنسيان هنا كذبة وربما وهم عاشت فيه وأقنعت دواخلها به !
وهنا أمام ملامحه كانت تقف جامدة وغضبها يتسارع .. يتقافص ثم يشتعل ثم يقتلها كل ذلك بهدوء قاتل .. بارد .. حاد كحد سيف صدأ يقتلها ببطيء متلذذ بأنينيها ونزفها حد الثمالة !
نيرة كانت تجلس كما هي لا تقوى على تحريك أي من أطرافها تنقل نظراتها بين مريم تارة وتعود لشقيقها تارة أخرى !
تتعلق نظراتها بالصغير الذي بدأ بالاستسلام لسلطان النوم تاركا لزوج من الأعين تتبارى في حرب نزف باردة !
فلا خاسر هنا ولا منتصر !
خرج صوته مرة أخرى يكرر سؤاله بنبرة مختنقة بعض الشيء وإحساس يكتنفه داخل فقاعة من الندم :
-اخبارك يا مريم!
مريم لا تجاوب ولا تفلت نظراته , كانت تتأمله بغموض قبل أن تتقدم من الحاسوب أكثر ,ترفع أناملها بارتعاش وصل لنيرة , وبعدها أغلقته بحدة , توجه صدمتها له ولها!
ابتعدت ثم جلست على السرير المواجه لنيرة تهتف بنبرة صلبة تطلق تساؤلها بجمود يخالف ضجيجها الداخلي:
-هو يامن خلف من ميرال
تشنج جسد الأخرى .. تبتلع ريقها وهي ترمقها بحذر ثم أومأت برأسها دون أن تضيف أي حديث يلازم الإجابة, تلتزم بال**ت , تشعر وكأنها على صفيح ساخن ..
تود أن تهرب من مريم , فالموقف لا يحتمل ولا هي كذلك!
مطت مريم شفتيها , تطلق ضحكة ساخرة تسألها بوجع يحتل نظراتها غير منطوق بل**نها وحديثها:
-اسمه ايه!
والحيرة من نيرة وهي تتأملها بحاجب معقود فكانت وكأنها تحيا التيه ولا تعرف عن من تسأل :
-مين!
استقامت من مكانها , تسير بعض الخطوات ببطيء تقف أمام المرأة تتأمل نفسها بقنوط تام..!
تمسك إحدى الخصلات .. تتلاعب بها تعيد السؤال بصيغة مالحة لجرح قد أقيم الآن مراسم فتحه من جديد وكأننا بالأمس حيث السقوط والصدمة:
-ابنه اسمه ايه يانيرة
أجابتها بتوتر وهي تعض شفتيها .. ويدها تتلاعب بقلم أ**د ترسم به بعض الخطوط الوهمية علي ورقة بيضاء:
-مروان!
استمعت للاسم والتفتت لها ترمقها بنظرة ثابته لا إهتزاز فيها أو شرود .. تبتسم وهي تحمل حقيبتها هاتفة بهدوء :
-يتربى في عزه ..
ساد ال**ت للحظات قبل أن تخرج مريم هاتفها رادفة دون النظر لنيرة:
-أنا هطلب بيتزا , تطلبي معايا!
اهتزت نظرات نيرة وهي تولي مريم كل التأمل والمحاولات لسبر أغوارها ..
هل هي لا تهتم فعلا أم أنها تحترق خلف قناع
الجليد ؟!
اقتربت منها بتردد , متحدثة بتأثر والعبرات باتت وشيكة من التحرر تبحث عن اعتذار مناسب لأجلها:
-انا اسفة يامريم
ابتسمت بتهكم .. تلقي بهاتفها داخل حقيبتها مرة أخري, تشملها بلا مبالاة حقيقة , تقف عند باب الغرفة توليها ظهرها رادفة ببرود:
-شكلك مش جعانة , تصبحي على خير!
خرجت من غرفة نيرة دون أن تنتظر الرد وبسرعة الريح كانت تسارع الخطوات حتى وصلت أخيراً إلى غرفتها تفتح بابها بأنامل مرتعشة , تدخلها سريعاً وكأنها تلقي نفسها داخل هوة من الحجب , هذا الحجب الذي تريده الآن حيث تستطيع الصراخ!
وكانت هنا الصرخة بين طيات وسادتها البيضاء , والصرخة تبعها عبرات حارة لا هوادة في تحررها!
والعبرات تبعها تشنج جسد فتحت جراحه تواً!
وتشنج جسدها تبعه ألم نابع من داخلها يحثها مرة أخرى على الصراخ , فتعود الدائرة مرة أخرى من البداية!
استقامت من مكانها تمسح عبراتها بظهر يدها كطفلة !-
تستل هاتفها , تض*ب بعض الأرقام فيأتيها رنين الجهة الأخرى تنتظر هي الرد!
_الو, ازيك يامريم..
باغتت مريم بسؤال سريع , يحمل بين طياته الاتهام:
-انت مقولتيش ليا ليه ان يامن خلف يا ماما!
أغمضت منى عينيها بتعب وملامحها المنهكة منذ عام مضى لم تشفى بعد من إنهاكها تهتف بخفوت بارد:
-وده يهمك في ايه, أو هسأل بطريقة تانية ده يخصك يامريم!
قاسية وهي تعلم.. تعرف أنها الآن تصارع انفعالاتها ومخاوفها وبشدة!
تعلم أنها تكبح أنينها وتكتمه بصعوبة , تعلم أنها تتم نحرها هنا في تلك الليلة!
ولكن هي تعلم أن بعض الأشياء يجب نحرها كنحر الشاة حتى لا تتعذب!
همست مريم بنبرة تحمل من الألم ما يكفي:
-عندك حق , عندك حق ميخصنيش في حاجة !
رقت منى في الحديث تهتف بنبرة متعاطفة تسأل بطريقة مباشرة:
-مريم انت لسا بتحبي يامن!
السؤال كان طرحه بسيط وجوابه مفقود داخلها , تسارع بيده تكتم شهقاتها بصعوبة , تهز رأسه نفياً ووجعاً وقهراً ..!
هل يمكن أن تخبرها ببساطة أنها لا تعلم الإجابة وإن ادعت القوة والجمود؟!
وإن ادعت ال**ود والمضي قدماً دون الإلتفات للخلف! رغم أنها تلتفت وتلتفت مرات ومرات!
هل يمكن أن تصرخ بوجع يطاردها في أحلامها يوماً بعد يوم, يحتل نور نومها .. يحيله لظلام معتم .. دامس!
-أنا مبقتش عارفة حاجة , أنت عارفة أنا عاملة زي ايه!
أحنت منى كتفيها بتهدل متحدثة بهمس هادئ .. حزين:
-زي ايه فضفضي يامريم!
انفجرت مريم بالبكاء دون أدنى سيطرة , تاركة لنفسها العنان بإخراج ذلك الألم الحادث من رؤيته..!
لم تتوقع أبداً أن رؤيته ستعيد الماضي من جديد, رؤيته ببساطه أعادتها عند تلك النقطة حيث فقدت جنينها وعرفت حقيقة نسبها..!
ومنى تستمع بقلب يتألم لأجلها ينشطر لحالتها..
تهتف مريم بصوت متقطع من بين شهقاتها بنبرة مريرة:
-أنا تعبانة, مش كويسة , انا هكدب لو قلت نسيت, أنا لسا مريم الي عاوزة يطبطب ويحن عليها , وفي نفس الوقت مبقتش اصدق الحب بقيت أكره واشوفه وهم وسراب..
توقفت عن الحديث وهي تشعر أن كل ما يحدث فوق طاقتها ثم تكمل بخفوت بارد:
-انا اسفة تعبانة وهنام!
هتفت منى وهي تغمض عينيها علي الطرف الأخر, تستوعب حالتها جيداً:
-نامي يا مريم , واعرفي ان الحب مش وهم!
أغلقت معها وبقيت مكانها كما هي على السرير شاردة وبتمرد انغمس بلا منطق استلت هاتفها تلمس شاشته بأنامل باردة.. مرتعشة , تدخل على الحساب الخاص بميرال على الفيس بوك تتصفحه بتردد يزداد كلما لمست شاشتها تمر عليها بنظرات مترقبة ..!
وفجأة كانت صورة ميرال مع صغيرها , الصورة كانت تؤلم .. تشطرها وكأنها في مهب ريح !
عبراتها لم تتوقف بل ازدادت وقلبها كان يموت!
اغلقت هاتفها ثم رفعت عينيها لسقف غرفتها تنظر للفراغ بتعابير شاردة حتى غلبها النوم
والنوم أصاب الجسد ولكنه نفر من القلب والروح!
نامت والسؤال هنا مطروح وبقوة ..
هل حقيقي أن الحب لذته ساعة وألمه طوال العمر؟!..
أم هو مجرد سراب يناوش القلب بحماس ينهكه فيتركه بعدها يتألم, يحيا بتيه دهاليزه المعتمة دون أي إضاءة حتى لو من جحيم مستعر!
********************************
في بعض الأحيان يرى أحدهم في منطق فاسد أن الحب وهم كبير!
يحكي العاشق لنفسه حكاية ويخلق المحبوب متجاهلاً في قرارة نفسه أن هذا المحبوب يعج بألف إغراء وأنه هو نفسه ذلك العاشق الذي يجذبه تلك الألف لا سواها ممزوجة بباء رغبة!
أمسك بصغيره بعد أن غفا على قدمه يحتضنه برفق بالغ . يقبل رأسه ثم يضعه على سريره الخاص به..
يفكر إن كان زواجه من ميرال سقطة سقط فيها بإرادتها , فإن صغيره أمل يمس القلب بحنان بالغ..
هبط إلى الأسفل عندما وجد فريدة تجلس مع والدته بينما عهد وعلا يقفزون حولهم في صخب محبب لروحه .., اصطدمت به علا شبيهة والدتها !
فخملها بين يده يقفزها لأعلى عدة مرات يتأملها بتركيز هاتفاً بمشا**ة:
-اه يابنت غسان طالعة حلوة بزيادة , لما تكبري نص شباب مصر هيجروا وراكي , بعيونك الخضرا وشعرك الاصفر ده
قبل خدها الأيمن بينما عهد تقف تنظر له بفضول , يقترب منها يحملها بين يده هي الأخرى متحدثاً بصخب عالي موجهاً حديثه لوالدته:
-انا شايف اخطب واحدة منهم لمروان الاتنين احلى من بعض!
ابتسمت والدته بفتور , تهز رأسها دون أن تتحدث ومازالت تحت تأثير مكالمة مريم وبكائها!
هتفت فريدة بنبرة هادئة :
-اقعد يا يامن الغدا قرب
ابتسم لها ثم سألها مباشرة:
-هو غسان فين
اشاحت بنظراتها بعيداً عنه رادفة ببرود:
-رجع من الشغل وقاعد في المكتب..
تركهم بعد ما قالته وذهب لأخيه الأكبر! الذي كان في تلك اللحظة يعمل على حاسوبه الخاص نافضاً جميع مشاعره المتناقضة داخل روحه التي تنبع مرارة .. تهاجم حياته بقوة حتى وإن كان غارقاً في سلام يختلقه أحياناً!
رفع نظره على صوت يامن:
-ايه يابني بنادي بقالي فترة!
أغلق غسان حاسوبه , يرجع رأسه للخلف ثم يرجع مرة أخرى سريعاً هاتفاً بملل:
-خير في إيه..
جلس الأخر على مقعد يقا**ه يعانق نظراته الجليدية متحدثا بنبرة تحمل تساؤلات عديدة:
-وبعدين ياغسان هتفضل كده لحد امتى
أشعل اخيه لفافة تبغ هاتفاً ببرود وهو يستقيم من مكانه يدور بالغرفة يعطيه ظهره متأملاً حديقة منزله من نافذة الغرفة :
-كده ازاي مش فاهم
تأفف يامن يض*ب بقبضته على المكتب صارخاً:
-انت مش شايف ازاي , مش شايف برودك ..
**تت قليلاً يتنفس ثم يعاود بلهجته الغاضبة:
-انت بقيت بعيد عن الكل عني وعن نيرة ..
توقف قليلاً ثم أكمل بلهجة جادة:
- بناتك .. ومراتك فريدة!
- تشنج جسده لذكرها , فمع ذكرها تعود الذكريات وكأنها الأمس!
وبعودة الأمس يعود سعير روحه الملطخة بإثم غير خالص التوبة داخل دهاليز الانتقام !
فريدة ذنبه وراحته!
ألمه وخلاصه من الالم!
عقابه ومكافأته!
القى بلفافة تبغه من النافذة في نفس الوقت الذي تساقطت به الأمطار على الأرض تغسلها وتطهرها متمنياً أن يحظى بفرصة كتلك التي تحظى بها الأرض!
هتف بهدوء يخالف وجعه :
-فريدة !
التفت إلى يامن متسائلاً:
-تفتكر هتسامحني في يوم! هتقدر تنسى وتتعايش , هنبقى زوجين طبيعين!
عقد يامن حاجبيه قائلاً بحيرة:
-انا اصلا مش فاهم ايه وصلكم كده ياغسان , انا كنت بدأت احس انكم عايشين عادي
ضحك غسان بخفوت تحول صخب , يصفق بيديه قائلاً:
-عادي , وهو بدايتنا كان عادي!
اقترب منه مكملاً بهدوء متهرباً من كل شيء:
-مالك شكلك مش مظبوط
ابتسم بشرود هامساً بحنين التقطه غسان في نبرته :
-شوفت مريم وانا بكلم نيرة
مسح رأسه قائلا وهو يجلس على إحدى المقاعد القريبة منه متجاهلاً اسم نيرة بصعوبة:
-وبعدين
هز كتفيه وهو يشعل لفافة تبغ هو الاخر هامساً بجدية:
-مسيرها ترجع ليا!
انهى جملته وهو يشير لنفسه بخيلاء ذكورية , يتخيل أنها هنا عائدة لأجله ..!
ونفسه تؤكد له وهل لها غيره تعشقه؟
يخرجه أخيه من حالة هوسه الزائفة من خلف دخانه الكثيف بصرامة حادة:
-انسى مريم , مش هترجعلك, اسمع مني يا يامن انا عارف بقول ايه!
يهتف يامن مسرعاً بلهجة تحمل اصرار وكأن مريم شيء يمتلكه ورجوعه أمر فرغ منه كل شيء ولم يتبقى سوى العودة:
-مريم بتاعتي
يقترب منه الاخر يسيطر عليه بنظراته الحادة التي تسبر أغواره , يتحدث وهو يضع يديه على كتفيه الاثنين يخبره بأمر هو يجهله :
-مريم عاوزة الحب انت هتديها الحب, بلاش ده هتعوضها عن ابنها الي راح , عن تعاستها معاك!هتعوضها عن ال**ر الي جواها
تهرب يامن بنظراته فيكمل غسان بجدية يبتر تملكه بحد بارد .. مؤلم:
-مريم مش ليك ولو فكرت بس تأذيها انا ساعتها هنسى انك اخويا! مريم بنت عمنا وانا الي هحميها!
عقد يامن حاجبيه متهرباً من سطوة شقيقه التي تخرسه , يود لو يعترض على ما يقوله ولكن هذا كان درب من المستحيل هو رجل يحيا داخل بوتقة من مبالغة مضللة والتي باتت تصاحبه كظله!
بينما الاخر يبتعد عنه ينظر من نافذة الغرفة مرة أخرى ! يتهرب من كل شيء بتألمه للسماء التي اختارت أن تمطر في تلك اللحظة..
يجول بعينيه يتابع قطرات المطر المناسبة على النافذة فتقع نظراته في تلك اللحظة عليها !
سبب عذاب ضميره المشتعل فلا يريحه ولا يموت!
تدور حول نفسها وقطرات المطر تتساقط عليها .. تغمرها وتعانقها !
ناوشته ابتسامة وهو يراقبها يمسح رأسه بتوتر وهو يتأمل ابتسامتها وإغماض عينيها بنظرات ودودة! خصلاتها المبتلة التي التصقت بوجهها في تمرد على الانسياب والجاذبية للحركة!
ولكن فجأة التوى كاحلها .. يتابعها وملامحها المتألمة تحثه أن يسرع و يخرج لها تاركاً خلفه يامن الذي مازال يحيا فلسفة تحت مسمى عبث الحب! غارقاً في ذكريات الماضي حيث..
شهرزاد!
وهناك كانت تدور وتدور , تعشق المطر وان كان يضر وإن كان يقتل.. وإن كان خلاص!
تعانق القطرات بروحها المفقودة علها تعود للأبد !
تغسل عالمها مع كل استدارة ترتمي بأحضان المطر وكأنه عاشق تتشبث به وتعطيه الحب دون حساب ولكن فجأة التوى كاحلها فيلازم الالتواء والسقوط صرخته خافتة! وملامح متألمة..
تستند على يدها في محاولة منها أن تعتدل وتستقم مرة أخرى ولكن باءت المحاولة بالفشل , وجدت في تلك اللحظة من يحملها دون أي مقدمات ومن يجرؤ على فعلها سواه!
رجل خارج التوقعات دائماً وأبداً يثير حنقها وغضبها وفي نفس الوقت برودها !
هتفت بنزق وهو يسير بها في اتجاه المنزل:
-نزلني هعرف امشي
ابتسامة ساخرة ارتسمت على جانب فمه دون أن يمنحها نظرة واحدة يكمل طريقه هاتفاً ببرود:
-لا واضح انك هتعرفي , انت مكنتيش عارفة تقومي اصلاً
خبطت كتفه بغضب يجتزه فأخر ما تريده ذلك التواصل الغريب القائم في تلك اللحظة..
صرخت به وهي تتمرد بين يديه:
-ميخصكش , ابعد عني
تجاهلها تماماً يتركها تثرثر كما تشاء متأففاً من داخله هي حقاً مثل باقي النساء يعشقون الثرثرة والجدال..
صعد بها للأعلى بخطوات سريعة وقد بدأت تهدأ, يتأمل حالتها بعصبية شديدة فيصرخ بها:
- اهدي بقى انت صغيرة بترقصي تحت المطر
هزت رأسها بخبال و بعض خصلاتها الفحمية تتناثر حول وجهها والاخر يتشبث بسكونه ملتصقا بها .. تحاط في هالة وحشية ذات جاذبية غامضة.. ترفع أصبعها في لهجة تحذيرية أمام عينيه:
-انا كنت بدور حوالين نفسي مش برقص
رفع إحدى حاجبيه وهو ينظر لها , يقترب منها ببطيء, نظراته لا تحيد عنها أبداً, يقترب أكثر وتبتعد أكثر !
ويتأملها هو أكثر و تتهرب هي أكثر!
يشرف عليها بطوله هاتفاً بعد فترة تعانقت فيها النظرات في تحدى مبهم يهدر ببضع كلمات أثارت حنقها :
-ليه ساعات بحس انك عندك ربع ضارب
حاولت أن تعتدل.. تعترض على ما يقول ولكن التواء كاحلها لا يساعدها أبداً !
يرمقها بجفاف يشير لها بيده أن تهدأ متابعاً حديثه وهو ينحي لمستوى قدمها:
-وريني رجلك يا فريدة
لم ينتظر منها أن تمتثل لأوامره ..أمسك بقدمها الملتوية , فتطلق هي صوت يدل على ألمها .. يهتف باهتمام ونظراته تحتويها:
-انت محتاجة دكتور عشان نطمن ولو ان افتكر هيبقى حاجة بسيطه
هزت رأسها تتهرب بنظراتها من هذا القرب الغريب الذي لم تعتاد عليه تهمس تهرباً:
-ليه صاحبتي دكتورة هكلمها
أومئ لها يتابع هو بلهجة متوترة :
-انت محتاجة تغيري هدومك على فكرة هتاخدي كده برد
ساد ال**ت بينهم وعندما وجدها مازالت كما هي ..اقترب منها يمسك بيدها هامسا :
-اسندي عليا عشان تمشي
امتثلت لحديثه توليه الأمر.. تستند عليه ..تمسك بيده بينما ذراعه يلتف حول خصرها في رسالة تشبه العناق!
الأمر برمته غريب وغير متوقع ولا تنكر أن لطفه وحنانه في تلك اللحظة أصاب شيء ما مفقود داخلها, اقترب بها من خزانة ملا بسها , يمد يده يفتحها قائلاً:
-اختاري حاجة تلبيسيها
فعلت ما قاله في هدوء تام بينما هو مازال كما هو مكانه يساندها دون تأفف.. أو ملل..
بعد أن اختارت ملا بسها التفتت له ..هامسة:
-خلاص خلصت
فيساندها تعود بخطواتها الى السرير يجلسها أعلاه قائلاً:-
-افتكر هتعرفي تبدلي هدومك وانت قاعدة
احنت رأسها خجلاً وإيجاباً وهو ينحني لمستواها :
-هخرج انا لو في حاجة نادي عليا
كان المشهد هنا ثابت غير قابل للحركة , إحساس يتغلل بروحه في تلك الحظة بسبب ذلك القرب الذي لم ينعم به قرابة عام !
رفعت عينيها .. تعانق نظراته تهمس :
-شكراً
هز رأسه بثبات , يقترب أكثر منها -وكأنه -على وشك إقتناص قبلة ! يرفع يده .. يمرر أنامله برقة وهو يلامس خصلاتها ينشد راحة مفقودة منذ أكثر من عام !
لحظة هنا خالية من الماضي تجمعهم., هي تعانق نظراته .. تتأمله وهو يقترب أكثر فأكثر ولكن فجأة !
يبتعد , يمسح خصلاته بتوتر يعاود النظر لها هاتفاً دون أن يعي لما يقوله:
-انت حلوة يافريدة!
وبعدها خرج سريعاً وكأن هناك عالم من الجحيم ينتظره ..
أما هي فكانت تنظر لأثره بتيه وحيرة , هل أخبرها أنها حلوة! وهل كانت هي تتوق لقربه أم ثباتها دون حركة جراء صدمة من قرب مفاجئ تراه ربما مهلك!
غسان ابو العزم رجل دائماً وأبداً يربكها بطريقته الخاصة !
أغمضت عينيها بوجع , تكتنفها حسرة على حياتها المبهمة المعالم!
تهتف أن هذا كثير جداً, تتناسى قاعدة الحياة(لا شيء كثير جداً)
هو رجل أخفى اسراره بعناية حتي أن روحه باتت لا تعرف تلك الأسرار فقط عقله من يعرف !
خرج هو مسرعاً يمسح رأسه بتوتر مدمجة بعصبية , غاضباً.. ساخطاً على كل شيء!
تباً إنه يشتاق لها , أم أن جسده يعلن عن رغبة وليدة !
فريدة باتت له امرأة كغصن شجرة فقدت أوراقها في خريف مظلم, فعانقتها قطرات المطر فمات الخريف في أوراقها الماسية , التي بددت ظلامه بلمعانها!
هي ببساطة قطرة غيث من شتاء حالم, نسمة هواء باردة في صيف حار, رياح نقية في ربيع مختال, وورقة شجر خضراء في عناد خريف!
والسؤال يهاجمه مرة أخرى!
هل يتركها بلا عودة أم يأسرها بلا خلاص؟!