الفصل الرابع :

2198 Words
" دعوني.. هل هي جلسة استجواب؟.. ابعدي يدك هالة.. " نفضت رهف يد هالة مبعدة نفسها فتدخلت رنا من الجهة الآخرة لتدفعها حتى كادت توقعها فوق ارضية الصف الفارغ الا من اربع فتيات وضحية وحيدة.. " كان عليك التفكير بهذا قبل ان تشتكي للناظرة " جوري التي كانت تلتهم شطيرة من الجبن وتطالع الموقف بهدوء غريب من فوق مقعدها حيث تجلس.. محركة ساقيها في الهواء وقفت اخيراً تترك مكانها فتخطو ببطئ نحو فريستها.. وما ان وصلت اليها حتى جرت بأصابعها خصلة كبيرة من الشعر الطويل الأ**د متقمصة دور الساحرة في قصص الاطفال .. مستخدمة طريقة أدم في دفع الرأس من مؤخرة العنق.. يالها من متعة .. لطالما تمتعت بهذا التقمص .. برؤية خوف الاخرين منها .. برؤية ذاك الألم في عيون رهف الان وهي تصرخ ألماً.. " ارها الصورة هالة " بالكاد همست لتخرج هالة هاتفها وتعبث به ثم توجه شاشته لوجه رهف الخائف بمتعة وتسلية .. وسرعان ما تحول الغضب في قلب جوري لتشفي كبير مع توسع عيون غرميتها.. " انظري .. اهذا حسام ابن المعلمة مرفت ؟! .. وهذه .. حسنائنا اللطيفة رهف صحيح ؟! .. انظروا لهذه الرومنسية المميزة يا فتيات!!!! " " ارجوك جوري !!." تغيرت ملامحها متذكرة كلمات الناظرة لها لتشدد من شدها لشعر الفتاة وهي تهس بسخط : " كان عليك تذكر ذلك قبلا رهف.. انت تعلمين اني لا اترك ثأري لاحد.. ابداً " الصراخ العالي الذي انطلق من حلق الفتاة ويد جوري تشتد حول خصلها، جعل دنيا تبتعد لنهاية الصف ورموشها تتحرك لمرات منزعجة ربما من طريقتها الفظة انما تفضل عدم التدخل هذه المرة .. بينما عادت هي لتدفع الفتاة بعيداً عنها فتجد الدموع تبدأ بالهطول على بشرة خدها بنحيب منخفض . " اتوسل اليك الا اخي .. اي شيء تريدينه سافعله " " واشية تافهة " هست رنا من خلفها بحقد واكملت : " كل هذا فعلته لتنتقمي .. حقودة " شهقت رهف واخذت تنظر حولها.. تبتلع ل**بها لمرات قبل ان تلتمع الدموع في العيون الداكنة ثم ظهرت كلماتها منخفضة متألمة وهي تجيب : " انتن السبب .. هل تظنون انكن عصابة ما.. وانت الرئيسة جوري ؟! .. انتن بغيضات جداً .. تتصرفن كما يحلو لكن .. تتواقحن مع المعلمات وتؤذين رفاقكن .. لما علينا تحملكن ؟! .. ثم هل كذبت ؟! .. اليست تلك الرسالة بخطك .. والمجلة ملك لك .. انا لم افعل شيء خاطئ " صفقت هالة ساخرة من ما سمعته، بينما تتجاهل هي تمرد تلك الطفلة الخائفة مقابل لها. " انظروا للحقد والغيرة " جرت جوري الفتاة من لباسها المدرسي بيدها الخالية، تهدد بصوت منخفض ارجف اوصال رهف الخائفة مما ستفعله تالياً : " ستعتذرين وتتوسلي لمرات .. وستخبري الناظرة بان تلك الرسالة ملك لك لانك كنت غيورة مني، وانت سرقتها من اشعاري الخاصة ، بسبب اني حصلت على علامة كاملة على مادة الفيزياء .. وان لم تفعلي .. صورتك اللطيفة ستصل لهاتف اخاك مساء غد .. واظن انك تعرفين اني لا امازحك .. كما تعلمين ان اخاك سقتلع عيناك بمجرد معرفته لسرك هذا " اخيراً دفعتها بعيداً عنها ثم عادت لتلتقط الشطيرة فتقضمها بكل براءة وهدوء .. بينما تسمع صوت الفتاة تترجاها : " جوري .. ارجوك .. جوري !! " " هيا يا فتيات .. احتاج للهواء واظن انها تحتاج لبعض التفكير .. لنترك دماغها يتفاعل مع ما قلته .. رغم اني انصحها ان الافضل لها ان تعاقب من الناظرة بدل اخيها " خرجت تتقدم صديقاتها لترى التجمهر خارجاً والذي سرعان ما انحل والفتيات اصدقاء رهف يندفعن بعيداً عن طريقها.. " تلك التافهة .. تمنيت ان اش*ه وجهها باظافري.. هل حقاً تعرفين اخيها زيد هالة ؟! " " لا مؤكد .. لقد سمعت رفيقة مقعدها تسألها عنه منذ يومين ولاجل الحظ التقطت اذني اسمه .. كانت تقول بانه حاد الطباع وعصبي جداً وانها خائفة من معرفته بانها تحب ابن معلمتنا " أدم آخر اذاً.. ومالت شفتيها بتبسم لا هو مسرور ولا حزين.. دنيا التي كانت صامتة ساخطة لاسلوبهم لم تتدخل همهمت الآن " الا تظنون انكم تجاوزتم الحد.. رهف... " قاطع استرسال الفتاة صوت هالة الجاف : " فلت**تي انت.. الا يكفي انك رفضت مساندتنا ها انت تدافعين عن تلك الواشية.. " " هناك حدود لكل شيء هالة.. انا لن اشارك في اذية اي احد.. اراكن لاحقاً.." سارعت دنيا تتخطاهن ولحقت بها رنا بينما تبادلت جوري وهالة النظرات مطولاً : " اخبراتك انها لا تناسبنا.. انها تتصرف كبطل خارق.. اخرجيها من المجموعة جوري.. " " دعيها احب سماع صوت العدالة من وقت لآخر.. انه يذكرني بضميري الميت." " بما انا ذكرنا ضميرك الغائب.. اذا هل ستكلمي اخيها ؟! " عضت شفتها وبخبث كبير اجابتها : " ليس الان .. عندما تحصلين على سكين حادة .. خبئيها الى ان تحتاجينها .. ان هددتي بها **بتي .. ان استعملتها .. لن تغدو ذا فائدة مرة آخرى" " اووه !! .. اين سمعتي هذا ؟! " توسعت ابتسامتها وهي تضم صديقتها اليها ثم تجيب بخبث مرح : " انه فيلم .. احد افلام الرعب تلك التي احب حضورها سراً .. لا تخبري احد عن اقتباساتي والا قتلتك وجعلت روحك تهيم لتتقمص جسد دنيا البريئة .. " قهقهت كلتاهما ثم سارتا بجانب بعض ليعود مظهرهما كمراهقتين لا همام لهما ابداً... ********** " جوري " النداء العالي جعلها تجفل .. سقط القلم من يدها فوق الطاولة الصغيرة الخاصة بالدراسة في غرفتها .. " جوري !! " تكرر النداء بصوت اعلى جعلها تهرع للخارج ونبضها يتسارع بجنون خوفاً من القادم .. هل فعلت شيء خطأ ؟! .. هل اشتكت والدها من قلة تهذيبها ؟! .. ام امها اعترضت على سوء افعالها في المدرسة .. بمجرد وصولها لجانبه في آخر الممر تسمرت تخفض رأسها وهو يسألها بحدة : " ساعة لتردي .. احضري حذائي وسترتي " زفير راحة خرج من داخلها وتحركت بسرعة تنفذ امره .. حمدت ربها وهي تبحث عن اغراضه بهوس الى ان وجدتهم .. عادت بعدها تحث خطاها لتعطيه سترته ثم تخفض جسدها لتضع حذائه الاسود اسفل قدميه .. " امسحيه " عادت لتتحرك .. تجلب قطعة قماش مبللة وتنفذ الامر باتقان شديد .. فادم يكره ان تتسخ احذيته او الا تكوى قمصانه على الخط نفسه .. وهتف سخط داخلها .. وكأنه هو من يعاني مع ذاك القماش المزعج لا هي .. اعادت الحذاء للاسفل لتجد قدمه اليمنى تدخل في احداها. " لن اتأخر .. ولا تتصلوا بي ان فعلت .. ساعود قريباً .. اه .. وامر آخر " امسك عنقها يجرها نحوه، ورغم انه فعل بسيط معتاد منه .. فاللطف صفة لا يملكها بكر العائلة .. فقد كان يؤذيها .. يؤذي داخلها وقلبها .. ارتجفت تغمض عيناها والرعب يتسلل اليها . " الخروج من المنزل ممنوع في غيابي .. لا رنا .. لا هالة .. لا اي اعذار .. اسمعتي ؟! " " حاضر " " اغربي عن وجهي الان " بمجرد ان اغلق الباب خلفه تنفست الصعداء.. راحة كبيرة حلت على داخلها وبات المنزل اوسع بعد ان كانت تشعر انه يضيق حولها حتى ليكاد يخنقها.. عادت نحو غرفتها بهدوء شديد .. كقط يتسلل نحو قطعة لحم دون ان يلاحظ صاحبه .. اقفلت الباب وتسحبت للداخل تخرج الهاتف المحمول الذي اطفئته سابقاً واخفته تحت فراش السرير .. ان علم أدم بان لديها هذا فالويل لها منه. عضت شفتها ثم رمت نفسها فوق سريرها لتعبث به حتى شعرت بالملل فاعادته لمكانه وخرجت نحو غرفة الجلوس لتزاحم عيسى الصغير على التلفاز تاركة باقي دروسها معلقة حتى اشعار آخر .. مساءً ركنت الى فراشها باكراً.. تنتظر خروجه مرة آخرى.. بالتأكيد سيزور خطيبته المدللة التي تظن انه ملاك بجناحين.. وبمجرد سماعها لاقتراب صوت خطوات اخفت وجهها تحت الغطاء في الظلمة التي تبددت ما أن فتح الباب " هل انت نائمة ؟! " تسلل صوت والدتها لاذنيها لكنها لم تتحرك من مكانها متصنعة النوم باكراً فالساعة بالكاد تجاوزت الثامنة والنصف.. " يبدو انها غفت باكراً.. اذهب انت لقد تأخرت على هدى " " اتصلي بي ان احتجت لشيء ما " خفت الاصوات وهي تبتعد ثم انصتت تنتظر ارتفاع صوت سيارته معلناً عن موعد حريتها اليومي من الجميع.. ثوان مرت ثم قفزت من مكانها ليظر جسدها الرقيق الم**و بسترة جلدية وسروال من الجينز الازرق بينما تنحني لتضع قدمها في حذائها الاسود المخبئ اسفل السرير .. ضجة ابتعاد سيارة ادم جعلها تتنفس بانتصار، ها قد حان الوقت .. تلا ذلك صوت اهتزاز الهاتف ليجعلها تجفل ثم تنفست براحة وهي تسحبه من اسفل مخدتها لتجيب بصوت هامس : " نعم هالة .. ادم ذهب لرؤية خطيبته للتو ووالدي عند صديقه المفضل .. يشربان ذاك السم المعتاد .. انا قادمة انتظريني " وصلها صوت صديقتها من الطرف الآخر : " رنا لن تأتي .. خالتها وصلت من السفر وستبقى طوال العطلة " " لقد اخبرتني بهذا .. لحظات واصبح اسفل منزلك " اقفلت الهاتف ثم توجهت تفتح الباب بهدوء شديد وتطالع الرواق .. الظلام كان يعم الرواق ويبدو ان والدتها قررت ان تشاهد مسلسلها المسائي برفقة عيسى في غرفة الجلوس .. اعادت اغلاق باب الغرفة وتسللت في الظلام الى الشرفة الصغيرة الخاصة بها ثم رمت حقيبة الظهر السوداء للسطح المقابل الذي كان يبعد متر واحد فقط وقفزت ورائها .. انه سطح المستودع الخاص باخيها ادم .. حيث يحتفظ بسيارته دوماً .. وبخفة تحركت لتصل للسلم الحديدي المعلق على الجدار الخلفي .. ف*نزل عبره الى ان وصلت للارض الرطبة الترابية .. كانت هذه الرحلة معتادة فهي لطالما استخدمتها للهرب من المنزل.. فهو كان مؤلف من طابقين.. كانت عائلتها تحتل الطابق الثاني بينما يعمد اخيها لتحسين الاول لكي يسكنه بعد زواجه من هدى خطيبته وابنة صاحب شركة التعدين التي يعمل بها بمرتب مرتفع لا يناسب شهادته التعليمية المتواضعة من معهد المكانيك حيث اكمل دراسته بعد الشهادة الثانوية .. هزت رأسها تترك افكارها العبثية وتنطلق بعيداً نحو الحي المقابل .. اخذت تعدو وهي تضع قبعة سترتها لتخفي ملامحها في الظلام .. وصعدت التلة الصغيرة خلف الابنية بجهد بالغ لتجد هالة تنتظر بفارغ الصبر وهي تحتل مقعد القيادة في سيارة والدها .. " هل تمكنت من اقناع والدك باعارتك السيارة ؟! " " اقنعه ؟! .. اجننت؟! .. لا مؤكد لقد سرقت المفاتيح .. لقد خرج برفقة اصدقائه ولن يعود الا متأخراً .. اصعدي " " دعيني اقود " اخذت هالة التي ترتدي ملابس مشابهة تفكر ثم تخلت عن مكانها لجوري، لتحتل هي مقعد السائق بسرور طفولي كبير.. لقد طلبت من أدم مرة ان يعلمها القيادة والجواب معلوم بالتأكيد.. في عرف أدم.. القيادة للرجال فقط.. " لا تشغليها .. سادفع وانت وجهيها لاخر المنحدر عبر المقود .. كما فعلنا المرة الماضية " تطلب الامر عدة ثوان لتتحرك اخيراً السيارة فتهبط سريعاً المنحدر من التلة لنهاية الشارع .. استعملت المكابح ثم انعشت المحرك وهالة تنضم لها لاهثة بتعب.. ف*نطلقا بجنون سريع دون ان تهتما لعواقب ما يفعلانه .. فالمراهقتان الصغيرتان ارادتا وقت حراً من كل همومهما.. " اذا في اي اتجاه هذه المرة ؟! " " قريباً من المدرسة .. لدينا شيء لفعله " ضحكت جوري بصخب لرد صديقتها البارد .. تلك الفتاة التي لا يعلم احد انها الاكثر خبثاً بينهما .. انها تتصرف كالصبية وتدفع جوري للتهور دائماً .. متناسية ما ستحصل عليه من توبيخ وعقاب ان علم احد بمغامراتهم الليلية .. خاصة غول العائلة .. ادم. صفقت هالة بينما تسرع هي بالقيادة وتتجاوز المنعطف بجنون، غير مهتمة ان فاجئهما اي شيء وقضى على حياة كل واحدة منهما. " وااو !!!! .. اظن ان دروسي افادتك .. انت تقودين بشكل رائع الان " " لن نتأخر .. ان علم ادم سيقتلني " " لا تخافي .. نصف ساعة لا اكثر .. لنضع اغنية ما رأيك ؟! " " افعلي .. سامر من الشارع المهجور انه فارغ .. لا اريد ان يعرف احد من رفاق ابي او ابيك ونحصل على ما نستحقه من التوبيخ " انعطفت تجتاز الزقاق التالي بحذر لضيقه تخفي مجدداً خصل شعرها التي بدأت بالظهور من خلف قبعتها .. وتدعو الا ينتهي هروبهما بمشكلة كبيرة .. لقد كانت اكبر امانيها دقائق من الحرية الخالية من الخوف.. ذاك الخوف الذي يستعمرها منذ سنوات طويلة.. حتى انه ترك اثاره فوق اعماق روحها الفتية.. .******* القت تحية الصباح بوجه ناعس وجسدها م**و بزي المدرسة، ثم رمت معطفها فوق الكرسي بأهمال دون اهتمام ان تجعد .. بينما قدماها داخل حذائها الاسود محلول الاربطة.. الراحة غمرتها بمجرد استيقاظها ومعرفتها بان ادم غاد قبل ان تترك غرفتها .. شعرت بالم في عنقها ففركته بيد قاسية .. مازل الزكام يتحكم بجسدها الضعيف .. انها تكره الشتاء .. وتكره بداية الاسبوع .. فبعد عطلة ليومين عليهم ان يعتادو مجدداً على الاستيقاظ باكراً . " ايقظي عيسى .. سيتأخر على مدرسته " صوتها والدتها المبحوح جعلها تقبض يدها وجلست فوق كرسي المائدة في المطبخ الواسع دون ان تهتم بتنفيذ امرها .. " افعلي انت .. تعرفين انه لن يستيقظ معي .. ثم لقد تاخرت " انحنت تعقد رباطي الحذاء ثم تركت مكانها تسحب معطفها وتتسلل اليها صوت والدتها بامر لطيف علها تجد اجابة توافق اهوائها : " كلي اولاً .. هل ستذهبين معي مساءً لنزور هدى ؟! .. ادم يريد .. " ها نحن ذا .. النغم المعتاد .. ادم يريد .. ادم يرغب .. ادم يأمر والكل ينفذ ما يريد ادم .. زفرت تجيب ببرود : " لم اقرر بعد .. ولست جائعة .. وداعاً " تحركت نحو باب المنزل تحمل حقيبتها باهمال فوق احد اكتافها بينما تتحرك المرأة خلفها بجسدها النحيل وقميص نومها الانثوي الشتوي .. مخفية شعرها بمنديل منزلي رقيق بالوان زاهية تلائم بشرتها البيضاء " خذي هذه على الاقل " التفت للخلف لتجد بعض الاوراق المالية في يدها .. ابتسمت بسخرية واجبتها : " هل هذه منه ؟! .. مؤكد ومن غير ادم يدخل مالاً للمنزل .. اذا لما لا ؟! .. لننفق من مال الحنون الكريم ابنك البكر .. وداعاً " " هل انتهيت من سخريتك ؟! .. اذهبي الى مدرستك وكفاك ثرثرة.. " سحبت المال ببعض الحدة ووضعته في جيب بنطالها تتوعد ان تنفقها على اتفه الامور كعادتها .. ربما تشتري ذاك الحذاء الذي رأته البارحة. " صباح الخير جوري "
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD