الفصل الثاني :

1656 Words
بمجرد حلول الاستراحة سمعت صوت الناظرة حنان يناديها من الرواق الخارجي مما جعلها تزفر بملل.. ها قد بدأ الحساب.. " جوري .. احتاجك " " اسبقاني.. لدي زيارة " قالت لصديقاتها بشفاه مائلة وغادرت الصف تسير خلف المرأة الاربعينية ذات الجسد الممتلئ والشعر المصبوخ بلون باذنجاني لا يلائم لون بشرتها.. بينما اخذت جوري تلامس عرضاً الجمع الغفير في الرواق .. لتدفع هذه وتدوس على قدم الاخرى.. متسببة بفوضى اكبر في المكان.. " ادخلي .. " امرتها الناظرة بصوت خانق تتجاوز باب غرفة المعلمات ثم جلست وراء مكتبها ذو اللون الابيض المائل للرمادي من كثرة استعماله والذي يحمل فوقه العديد من الملفات وهاتف ارضي عف عليه الزمان.. ثوان مرت والمرأة ترمق اياها بعيون لائمة بينما تقف جوري قريباً تنظر حولها دون اهتمام.. فهي تحفظ ادق التفاصيل هنا لكثرة زياراتها للمكان.. " اولاً .. اخبرتني شهد انك تنعتيها بالسمينة كلما رأيتها " اعترضت سريعاً بعيون واسعة : " هل اشتكت لك تلك الواشية السمينة ؟! " " توقفي عن نعت اصدقاتك بكلمات غير مهذبة والقاب سيئة " امرتها بحدة تشير باصبع السبابة وتحركه لمرات بينهما جالبة الابتسامة لشفتي جوري .. هل تستخدم التنويم المغناطيسي مع الطلاب ؟!.. " لكن اليس صحيح ما اقوله ؟! .. انها سمينة وتشبه برميل الماء " " لا تجعليني اهذب ل**نك بطريقتي.. " تهديدها لم يلقى اي صدى في نفس جوري.. وسمعت صوت تحرك الدرج الجانبي ثم ظهرت مجلة بين اصابع الأنسة حنان التي رمقتها بحدة وفم مزموم ثم اكملت : " ما هذا؟!. اجيبيني!!.. لن تفعلي؟! ،مجلة نسائية ، هل نحن في مدرسة ام في منزلك ؟!. انها سنتك النهائية .. هل ستحصلين على علاماتك من صور الموضة والاحذية.. من لقاءات الفنانين ومواضيع لا تلائم المدرسة؟!.. انت ستجلبين والدتك غداً للصف.. لقد تجاوزتي كل حدود الصبر لدي.. وهذا دون ان اذكر تواقحك مع مدرسة العلوم. " " لقد حاولت التعامل معها باحترام.. لكن داخلي ابى.. تعرفين انا سيئة.. ما رأيك ان تجمعينا في صلح ؟.. ست**بين اجراً " تنفست الناظرة بسخط مقابل لها دون ان ترد على كلامها الساخر .. لطالما كانت تلك المرأة حاسمة ولم تستطيع ان تخرجها عن طورها مهما فعلت.. ولكن يبدو انها بدأت تنجح اليوم .. فها هي ملامحها تتكشف عن عضب دفين للمرة الاولى.. وهذا واحد من اكثر مشاهد جوري متعة.. لكن ما تبع ذلك غير من الموقف.. اوراق وردية اللون ظهرة من الدرج الآخر ورميت فوق المكتب.. " وهذه .. رسائل الغرام الخاصة بك .. نحن في مدرسة ايتها الفاسدة .. وان كنت لا تريدين التعلم.. غادري قبل ان تعدي باقي الطلاب بجنونك وطيشك وقلة تربيتك.. نحن لا ينقصنا وقاحة وتفلت هنا.. " عضت شفتها واغمضت عيناها للحظة.. احد ما سرب رسالة لها الى الناظرة.. والويل كل الويل للفاعل.. " اذكرك لدي علامات عالية جداً .. حتى ابنتك لا تستطيع تخطيها " " ا**تي ولا تتواقحي معي فأنا لست احدى زميلاتك.. لن تدخلي المدرسة دون ولية امرك.. ومجلتك هذه ساحرقها.. اما عن الرسالة.. فكوني شاكرة اني لم ارسلها للمديرة والا طردتك ولكن هذا لا يعني ان عائلتك لن تعلم بالأمر.. سأحرص على ايصالها ليد والدتك بنفسي.. والان اغربي عن وجهي قبل ان ارميك انا خارجاً " تململت جوري للحظة على ساقيها ثم انحنت اقرب تترك نظرة بريئة لا تناسبها.. تتصنع عيناها دموعاً لم تزرف ولن تفعل.. وما ان رقت ملامح الناظرة قليلاً لاجلها حتى فاجئت كلتاهما بردها : " اقرأي المقال السادس في المجلة هناك.. انه عن تعلم الصبر.. سيفيدك كثيراً سيدتي الناظرة.. والدتي لم ولن تهتم بما يجري هنا وكلتانا تعلمان هذا.. " كان هذا صدى لصراخها الداخلي المكتوم.. اشبع بارتفاع الحرارة عند وجود خطب ما في الجسد.. انما تلك المرأة لن تفهمها.. احد لم يفعل يوماً.. " اغربي عن وجهي فوراً قبل ان اقرر طردك لثلاث ايام من المدرسة.. " تحركت تترك مكانها تخرج بوجه مختلف عما دخلت به.. تتأمل اصابعها ثم تقبض كلتا يديها.. ذاك الوتر الحساس الذي لامسته الناظرة دون معرفة شد بعنف فكاد يخنقها.. ومن سيراها الآن سيظن ان احد ما مات من احبائها.. ليس وكأن هذا ليس صحيح.. وظهر تبسم مر فوق شفتيها سرعان ما كتمته وهي تستعيد ذاتها السابقة.. فتعود تلك الطالبة الحاذقة السيئة الخلق والمعشر.. ******** خرجت من باب المدرسة بعد انتهاء الدوام لتجد كالعادة تجمهر لصبية المدينة.. تماما على الرصيف المقابل الخاص بالمحال التجارية المتنوعة كان الفتية يتجولون.. مما جعلها تزفر سخرية لافكار المراهقين تلك.. فهي ابداً لم تكن تحب ان تلاحق من احدهم او ان ينتظرنها غ*ي صغير بغية ان يلقي كلمات غزل عليها او يحاول ايصال رقم هاتفه ليدها.. رنا وهالة سبقتاها لاجل جلب شيء من المحل التجاري ولا تذكر ما هو.. اما دنيا رحلت مع اخيها في سيارته للتو.. كانت متعبة.. جائعة ولا تريد التأخر في العودة الى المنزل. اخذت تسير داخل الحي الكبير حيث تعيش.. تتأمل الابنية العشوائية المتراكمة فوق بعضها تاركة مساحات ضئيلة هنا وهناك لتتخللها شمس النهار.. كم عدد ساكنيه يا ترى؟!.. عدة آلاف ربما.. سؤال لم تجد اجابته يوماً.. ففي كل اسبوع تسمع عن ولادة جديدة.. ومئتم جديد.. لذى فالعدد في تزايد ونقصان كل يوم.. قدماها تحولتا نحو احدى افرع الحي لتدخل مباشرة الى زقاق منزلها ثم اصبحت داخل المبنى الخاص بها المؤلف من طابقين.. متجاهلة تحية احدى الجارات الحشريات التي نادتها لمرتين .. تلك الجدة التي تحشر انفها في كل شخص يمر من امام درج منزل ابنها المقابل حيث تجلس لتحتسي الشاي مع قرينتها ام حسن .. صعدت الدرجات بسرعة للطابق الثاني وعبرت الشرفة الخارجية.. اصبعها وضع فوق الجرس واسندت جسدها للحائط تنزع حذائها الاسود بنزق لترميه جانباً دون اهتمام بوضعه داخل الخزانة الصغيرة الخاصة بالاحذية عن يسارها.. فتح اخيراً الباب وظهرت سيدة رقيقة الملامح في منتصف العمر مع غطاء رأس مورد : " عدتي؟.. جيد.. ادم لم يصل بعد ادخلي " " وكأني اهتم " رددت على والدتها ببرود تسير فوق السجاد السميك الذي ي**و ارضية المنزل.. تتجه نحو غرفتها التي تقع في اخر الممر.. بينما تتبعها امها وهي تلقى عبارات عتاب متعددة : " اتصلت الناظرة بي.. ما الذي فعلته هذه المرة جوري؟.. ان علم ادم لن يتهاون معك.. قلت لك مراراً لايجب ان تتصرفي دون تهذيب في المدرسة.. ستجعليهم يظنون اني لم اربيك كما يجب.. " تجاهلت اللوم الظاهر من كل عبارة منتزعة سترتها لترميها ارضاً بأستهتار واضح فتخرج هاتفها من جيب بنطالها عابثة به بينما تجيب بوقاحة : " ارجوك ارحميني من موشح التربية والتعليم فقد القته علي السمينة حنان.. ثم هل قررت الذهاب للمدرسة ام كالعادة تحججتي بالف حجة ؟! .. " " الاساءة للاخرين لن تجعلك سعيدة جوري .. انا لم اربيك هكذا.." رمشت مع ارتفاع الصوت واستدارت اخيراً لتنظر الى تلك المرأة الرقيقة الجسد.. امها مازلت امرأة جذابة وذات وجه حسن مميز.. عيون عسلية اورثتها لها مع ملامح ناعمة لم تنهكها السنوات.. وشعر طويل تتباها به امام جاراتها الحاسدات .. " كيف ربيتني اذاً ؟!.. ام هل علي ان أسأل هل ربيتني فعلاً؟!.. " تسائلت بمرارة دافعة امها لاطلاق استغفار مسموع والحقت ذلك بكلام هادئ : "حباً بالله جوري .. غيري ملابسك وتوقفي عن التجادل معي.. سنأكل سوياً عندما يصل اخيك وابيك.. اه ام سعيد اتصلت بي لارد على طلب ابنها للزواج منك.. قلت ان علي سؤل ادم اولاً " كانت تبدل ملابسها فتوقف يدها عند اخر جملة ليرتفع رأسها ورد لازع يفارقها : " ومتى مات ابي ليصبح رأي ادم من يجب ان يؤخذ؟!.. ثم اخبرتك لا اريد الزواج.. لا الغ*ي ابنها ولا اي ا**ه آخر " انحنت والدتها تلتقط الثياب المتناثرة فوق ارض الغرفة جامعة اياها بين يديها محاولة اقناعها كما كل مرة : " ولما لا تريدين الزواج؟!.. لقد اصبحت فتاة ناضجة جميلة.. والكل يطلب يدها.. اخبرتك سابقاً اني كنت بعمرك عندما كان لدي اخيك " تنفست لمرات تلجم نفسها قبل ان تتهور وتقول اشياء لا تريد قولها .. عاضة على باطن شفتها بحدة بينما **ى جسدها منامة كحلية باكمام طويلة.. " الخطاب المعتاد كل يوم والجواب نفسه مني.. انا اريد ان اكمل تعلمي.. انتهينا " تركت غرفتها تستمع لاستغفار اخر من فم المرأة خلفها.. تتجاهل ما تبعه من كلمات عن ان العلم لن ينفعها.. وتوجهت نحو مص*ر الصوت العالي في غرفة الجلوس ذات الاثاث النبيذي والستائر الحريرية بلون ذاته.. الجو كان دافئ بسبب وهج المدفئة في زاوية الغرفة.. وجسد ضئيل يتوضع هناك على الاريكة بجانبها.. الطفل ذو التاسعة كان يشاهد التلفاز ويلعب بسيارته البلاستكية السوداء.. ثم صرخ ما ان سحبت بقسوة مقلب القنوات من يده عنوة : " جوري.. انا اشاهد غامبول.. اعيديه " " وانا اريد ان اشاهد مسلسلي.. ابتعد " دفعته بعيداً عن طريقها حتى كاد يهوي ارضاً فهتف بعيون دامعة : " اكرهك.. انت مقيتة " " اسمعوا الطفل المدلل.. انت تردد هذه الكلمة عشر مرات في اليوم.. لا!!.. انهم يعرضون نقلاً مباشراً لاحد المؤتمرات السياسية.. خذ " رمت مقلب التلفاز على الاريكة ثم سحبت قطعة حلوى من صحنه واكلتها بجوع دون اهتمام لاعتراضاته. " انها حلواي.. امي !!! " اخذت تتلذذ بها لتغيظه اكثر ثم تحركت نحو المطبخ ذو الاريكة البنية والطاولة الخشبية المتوسطة الحجم.. يدها امتدت لتسحب معلقة من احد الادراج وصحن زجاجي من الارف العالية ذات اللون الخشبي فتعبث بالقدور دون اهتمام بانتظار احد، ثم صرخت بحدة وصوت عالي : " ما هذا ؟!.. أمي !!.. انت تعرفين اني لا اكل الفاصولياء.. " اجابت والدتها من خلفها بهدوء شديد بينما تضع هي الصحن باهمال على الرخام الخاص بالحوض : " لقد طلبها والدك فطبختها " " هذا ليس منزل .. هذا عذاب نفسي .. كان عليك طبخ شيء اخر اضافي .. او اي شي تافه لاتسمم به .. ماذا سأكل الان ها ؟! " زفرت والدتها بيأس.. عيناها غامتا لحدة كلماتها لكنها لم تتوقف.. وجرى سيل الكلمات التالية دون ان تبالي او تهتم : " انظري لهذا .. حتى الثلاجة لا يوجد فيها شيء للاكل.. ما هذا المنزل ؟!.. كان الافضل لو اني اشتريت اي شيء في طريقي الى هنا " توقف كل شيء فجأة حولها.. الوقت تلاشى.. الوجوه اختفت.. حتى دوران الأرض اصبح ابطئ .. وحده صوت الباب جعل حواسها تتأهب.. لتنظر جوري بجمود نحو مدخل المنزل وترمش لمرات.. ثم اختنق النفس داخل جسدها وهي تسمع ضجة اغلاقه المكتومة انما كانت صاخب جداً لاذنيها.. فوقعت المعلقة المعدنية من بين اصابعها لترطم بالارض عدة مرات ثم تستقر بجانب قدميها.. شعرت باقترابه.. يدها ارتجفت وفمها تشنج بخوف.. تراجعت خطوة للخلف تبحث بعينيها عن منفذ لتهرب من خلاله.. اي فراغ لتحشر نفسها به.. وحدثها عقلها.. لقد فات الأوان.. اختنقت الانفاس ابية ان تخرج من ص*رها.. والخطوات تقترب ليخم ظل مديد ارجفت رؤيته حتى اعماق روحها.. لقد عاد الغول الى المنزل والويل كل الويل لها...
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD