9

1414 Words
" عزيزتي ، سأكون قريبا ... اتصلي بي كل يوم و أخبريني عن كل أمورك ! و إذا تشاجرت معك شريستي فأبلغيني حتى أعاقبها حين أعود ! " نظرت إلي نظرة سأضيفها إلى رصيد النظرات التي لن أنساها ما حييت ... ما حييت يا بريتا لن أنسى هذه اللحظة ... " كاران ... خذلتني ... لم أعد أحبك " بريتا لم تكلمني طوال الصباح التالي ، بل و لم تنظر إلي ... كانت حزينة و قد غابت ضحكتها الجميلة و مرحها الذي يملأ الأجواء حياة و حيوية ... الجميع لاحظ ذلك ، و استنتجوا أنه بسبب موضوع سفري و غضب والدي منها يوم الأمس ... و كالعادة ، أوصلت سمير إلى مدرسته ، ثم شريستي و بريتا .... وهي تسير مبتعدة عن السيارة و متجهة نحو مدخل المدرسة ، كانت بريتا مطأطئة الرأس متباطئة الخطى جعلت أراقبها قليلا ، فألقت علي نظرة حزينة كئيبة لم أتحمل رؤيتها فابتعدت قاصدا المكان الذي سأجري فيه اختباري المصيري ... المشوار إلى هناك يستغرق قرابة الساعة ، و كنت ألقي بنظرة على الساعة بين الفينة و الأخرى خشية التأخر أعرف أنها فرصة العمر و أي تأخير مني قد يضيعها ... حينما أوشكت على الوصول ، وردتني مكاملة هاتفية عبر هاتفي المحمول من صديقي ( ريشاب ) يتأكد من وشوكي على الوصول . و ريشاب هذا هو أقرب أصحابي ، و هو مرشح معي أيضا لدخول الامتحان . بعد دقيقة ، عاد هاتفي يرن من جديد ... كان رقما مجهولا ! " مرحبا ! لابد أنك كاران ! " بدا صوتا غير معروف ، سألته : " من أنت ؟؟ " قال : " يا لذاكرتك الضعيفة يا مسكين ! يبدو أن الضرب الذي تلقيته من قبضتي قد أودى بقدراتك العقلية ! " الآن استطعت تمييز المتحدث ... إنه بريتفي ! " بريتفي ؟؟؟ !" " أحسنت ! هكذا تعجبني ! " استأت ، كيف حصل على رقم هاتفي الخاص و ما الذي يريده مني ؟ " ماذا تريد ؟ " " انتبه و أنت تقود ! أخشى أن تصاب بمكروه ! " " أجب ماذا تريد ؟؟ " ضحك ذات الضحكة الكريهة و قال : " لا شك أنك في طريقك للامتحان ! أليس كذلك ! إن الوقت سيستغرق منك أقل من ساعتين فيما لو قررت الذهاب إلى المطار ! " ضقت ذرعا به ، قلت : " هل لي أن أعرف سبب اتصالك ؟ فإما أن تقول ماذا أو أنه ِ المكالمة " " رويدك يا صديقي ! سأمهلك ساعتين فقط ، حتى تمثل أمامي و تعتذر قبل أن أسافر بهذه الصغيرة بأي طائرة ، إلى الجحيم ! " بعدها سمعت صرخة جعلت جسدي ينتفض فجأة و يدي ترتعشان ، و المقود يفلت من بينهما ، و السيارة تنحرف عن حط مسيرها ، حتى كدت أصطدم بما كان أمامي لو لم تتدخل العناية الربانية لإنقاذي .... " كاران ... تعال ... " لقد كان صوت بريتا .... جن جنوني ... فقدت كل معنى للقدرة على السيطرة يمكن أن يمتلكه أي إنسان ... مهما ضعف صرخت : " بريتا ! أهذه أنت بريتا ؟؟ أجيبي " فجاء صوت صراخها و بكاؤها الذي أحفظه جيدا يؤكد أن أذني لا زالتا تعملان بشكل جيد ... " بريتا أين أنت ؟ بريتا ردي علي ّ " فرد بريتفي قائلا : " تجدنا في طريق المطار ! لا تتأخر فطائرتي ستقلع بعد ساعتين ... إلا إن كنت لا تمانع في أن أصطحب شقيقتك معي !؟ " صرخت : " أيها الو*د أقسم إن أذيتها لأقتلنك ... لأقتلنك يا جبان " ضحك ، و قال : " لا تتأخر عزيزي و لا تثر غضبي ! تذكر ... طريق المطار " ثم أنهى المكالمة ... استدرت بسيارتي بجنون ، و انطلقت بالسرعة القصوى متجها نحو المطار ... لم أكن أرى الطريق أمامي ، الشوارع و السيارات و الإشارات ... اجتزتها كلها دون أن أرى شيئا منها لم أكن أرى سوى بريتا و أتذكر كيف كانت تنظر إلي قبل ساعة ... ثم أتخيلها في مكان بين يدي بريتفي لم أعرف كيف أربط بين الأحداث أو أفكر في كيفية حدوث أي شيء ... أريد أن أصل فقط إلى حيث بريتا أريد أن أعرف كم الوقت استغرقت ... شهر ؟ سنة ؟ قرن ؟ بدا طويلا جدا لا نهاية له ... و سرت كقارب تائه في قلب المحيط ... أو شهب منطلق في فضاء الكون ... لا يعرف إلى أين ... و متى و كيف سيصل ... و بم سيصطدم ... أخذت هاتفي و اتصلت برقم عمال ظاهر لدي ، أجاب مباشرة : " لقد انقضت عشرون دقيقة ! أسرع فشقيقتك ترتجف خوفا ! " " إياك أن تؤذها ... و إلا ... " " سأفعل إن تأخرت ! " " أيها الـ ... ... ... دعني أتحدث إليها " جاءني صوتها الباكي المذعور : " كاران لا تتركني هنا " " بريتا ... عزيزتي أنا قادم الآن ... لا تخافي صغيرتي أنا قادم " " أنا خائفة كاران تعال بسرعة أرجوك ... آه ... أرجوك ... " أي عقل تبقى لي ؟؟ لماذا لا تتحرك هذه السيارة اللعينة ؟ لماذا لم اشتر صاروخا لمثل هذه الظروف ؟ لماذا لم تحترق في الحرب يا بريتفي ألف لعنة و لعنة عليك أيها الجبان ... ويل لك مني .. بعد ساعة و نصف ، و فيما أنا منطلق كالبرق على الشارع المؤدي إلى المطار ، إذا بي ألمح سيارة تقف جانبا ، و يقف عندها رجل و أنا أقترب توضح لي أنه بريتفي بسرعة ، أوقفت سيارتي خلف سيارته مباشرة و نزلت منها كالقذيفة و ركضت نحوه ، في الوقت الذي فتح هو في الباب ، و أخرج بريتا من السيارة ... جاءت بريتا تركض نحوي فالتقطتها و رفعتها عن الأرض و أطبقت بذراعي حولها بقوة ... " بريتا ... بريتا صغيرتي ... أنا هنا ... أنا هنا عزيزتي " بريتا كانت تحاول أن تتكلم لكنها لم تستطع من شدة الذعر ... كانت ترتجف بين يدي ارتجاف الزلزال المدمر ... كانت تحاول النطق باسمي لكن لم تستطع النطق بأكثر من " ك ... ك ... ك " انهمرت دموعي كالشلال و أنا أضغط عليها و هي تضغط علي و تتشبث بي بقوة و أشعر بأصابعها تكاد تخترق جسدي فيما ترفع رجليها للأعلى كأنما تتسلقني خشية أن تلامس رجلها الأرض و تفقدها الأمان ... " أنا معك عزيزتي لا تخافي ... معك يا طفلتي معك ... " حاولت أن أبعد رأسها قليلا عني حتى أتمكن من رؤية عينيها و إشعارها بالأمان ، لكنها بدأت بالصراخ و تشبثت بي بقوة أكبر و أكبر كأنها تريد أن تدخل بداخلي ... " كاران ! لد*ك امتحان مهم ! هل ستضيّع الفرصة ؟ " قال هذا بريتفي الو*د و أطلق ضحكة كبيرة ... انتابتني رغبة في تحطيمه ألا أن بريتا عادت تصرخ حينما خطوت خطوة واحدة نحوه ... " خسارة يا كاران ! جرّب حظك في مصنع والدي ! " و ابتسم بخبث : " دفّعتك الثمن ... كما وعدت " ثم استدار و هم بركوب سيارته ... خطوت خطرة أخرى نحوه ، فأخذت بريتا تصرخ بجنون : " لا .. لا .. لا .. لا .. لا " انثنى بريتفي ليدخل السيارة ، ثم توقف ، و استقام ، و استدار نحوي و قال : " نسيت أن أعيد هذا ! " و من جيب بنطاله أخرج شريطا قماشيا طويلا ، و رماه في الهواء باتجاهي رقص الشريط كالحية في الهواء ، وأنا أراقبه ، في نفس اللحظة التي ظهرت فيها طائرة في السماء مخترقة قرص الشمس المعشية ، و دوت بصوتها في الأجواء ، فيما يتداخل صوتها مع صوت بريتفي وهو يقول : " إلى الجحيم ! " ثم هبط الشريط المتراقص تدريجيا و بتمايل حتى استقر عند قدمي ّ ... ركزت نظري على الشريط ، لأكتشف أنه الحزام الذي تلفه بريتا حول خصرها ، و التابع لزيها المدرسي الذي ترتديه الآن ... رفعت نظري ببطء و ذهول و صعق إلى وجه بريتفي ، فحرك هذا الأخير زاوية فمه اليمنى بخبث إلى الأعلى في ابتسامة قضت علي ّ تماما ... و دمرتني تدميرا أبعدت وجه بريتا عن كتفي و أجبرتها على النظر إلي ... فيما أنا عاجز عن رؤية شيء ... من عشي الشمس ... و هول ما أنا فيه ... لم أر إلا دمارا و حطاما و نارا و جحيما ... لهيبا ... و صراخا ... و دموعا تحترق ... و آمالا تتبعثر ... و أحلاما تظلم ... سوادا في سواد ... عند هذه اللحظة ، نزعت بريتا عني عنوة ، و دفعت بها أرضا و نظرت من حولي فإذا بي أرى صخور كبيرة قربي ... التقطت واحدة منها ، و بسرعة لا تجعل مجالا للمح البصر بإدراكها ، و قوة لا تسمح لشيء بمعا**تها ، رميتها نحو بريتفي و هو يهم بركوب سيارته ، فارتطمت برأسه ... و صرخ ... و ترنح لثوان .. ثم هوى أرضا ... و انتفض جسده ... و انتزعت روحه ... و إلى الجحيم ...
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD