8

1406 Words
سمير لم يتحمّل هذه السخرية من ذلك اللئيم ، و ثار قائلا : " لم يبق إلا أن يعمل الأعزة عند الأذلة المنحرفين ! " صرخ بريتفي قائلا : " اخرس أيها الأعور القبيح ! من سمح لك بالتحدث ! ألا تخجل من وجهك المفزع ؟ " و التفت إلى أصحابه و قال : " اهربوا يا شباب ! الأعور الدجال ! " سيل من اللكمات العنيفة وجهتها بلا توقف و لا شعور نحو كل ما وقعت قبضتي عليه من أجساد بريتفي و أصحابه ... لحظتها ، شعرت برغبة في فقء عينيه و سلخ جلده ... أخي سمير نال منهم أيضا و احتدّ العراك و تدخّل من تدخل ، و فر من فر ، و انتهى الأمر بنا تدخل من قبل الشرطة ! في تلك الليلة و للمرة الأولى منذ الحادثة المشؤومة ، سمعت صوت بكاء أخي خلسة . عندما أصيب بالحرق ، كان لا يزال طفلا في الحادية عشرة من العمر ... ربما لم يكن شكله يشغل تفكيره و اهتمامه بمعنى الكلمة ، أما الآن ... و هو فتى بالغ أعمق تفكيرا ، فإن الأمر اختلف كثيرا ... ليلتها ، قال أنه يريد أن يخضع لعملية تجميل جديدة ... لكن أوضاعنا المادية في الوقت الحالي ، لا تسمح بذلك .... عندما أحصل على شهادتي الجامعية ... و أعمل و أ**ب المال ، فسوف أعرضه على أمهر جراحي التجميل ، ليعيده كما كان ... فقط عندما أحصل على شهادتي ... في اليوم التالي ، وجدت سيارتي مليئة بالخدوش المشوهة ! " إنه بريتفي الو*د ! تبا له ! " أوصلت أخوتي للمدرسة ، و شغلت نفسي ذلك الصباح بمزيد من الإعدادات للسفر المرتقب ! امتحاني سيكون يوم الغد ... لذا ، قضيت معظم الوقت في قراءة مواضيع شتى من كتبي الدراسية السابقة ... و كلما قلبت صفحة جديدة من الكتاب ، قلبت صفحة من ألبوم الصور ... كيف أستطيع فراق أهلي ...؟ كيف أبتعد عن بريتا ؟ إنني أشعر بالضيق إذا ما مضت بضع ساعات دون أن أراها و أداعبها ... و أنزعج كلما باتت في بيت خالتها بعيدا عني ... فيما أنا منهمك في أفكاري و قراءتي ، جاءتني بريتا ... ! طرقت الباب ، ثم دخلت الغرفة ببطء ، تاركة الباب نصف مفتوح ... " كاران ... لدي تمرين صعب ... ساعدني بحله " لم يكن هناك شيء أحب إلي من تعليم صغيرتي ، ألا أنني يومها كنت مشغولا ... لذا قلت : " اطلبي من والدتي أو سمير مساعدتك ، فأنا أريد أن أذاكر ! " لم تتحرك من مكانها ! نظرت إليها مستغربا و قلت : " هيا بريتا ! أنا آسف لا أستطيع مساعدتك اليوم ! " و بقيت واقفة في مكانها ... إذن فهناك شيء ما ! حفظت هذا الأسلوب ! تركت الكتاب من بين يدي و نهضت ، و قدمت إليها و جثوت على ركبتي أمامها : " بريتا ... ما بك ؟ " تقوس فمها للأسفل في حزن مفاجئ و قالت : " هل صحيح أنك ستسافر بعيدا ؟ " فاجأني سؤالها ، إنني لم أكن أتحدث عن أمر السفر معها ، فالحديث سابق لأوانه ... قلت مازحا : " نعم يا بريتا ! إلى مكان بعيد لا يوجد فيه بريتا و لا شريستي و لا شجار ! و سأترك رأسي هنا ! " لم يبد ُ أنها فهمت مزاحي أو تقبلته ، إذ أن تقوس فمها الصغير قد ازداد و بدأت عيناها تحمرّان قالت : " و هل ستأخذني معك ؟ " هنا ... عضضت على شفتي و جاء دور فمي أنا ليتقوس حزنا ... طردت الموجة الحزينة التي اعترتني و قلت : " من أخبرك بأنني سأسافر ؟؟ " " سمعت والداي يتحدثان بهذا " مسحت على رأسها و قلت : " سأسافر فترة مؤقتة لأدرس ثم أعود " " و أنا ؟؟ " " ستبقين مع الجميع و حالما أنهي دراستي سأعود و آخذك إلى أي مكان في العالم ! " " لا أريدك أن تذهب كاران ! من الذي سيحبني كثيرا مثلك إذا ذهبت ؟ " شعرت بخنجر يغرس في ص*ري ... بريتا .... أيتها الفتاة الصغيرة ... التي تربعت في كل خلايا جسمي ، ألا تعلمين ما يعنيه فراقك بالنسبة لي !؟؟ لا أعرف إن كانت قد أحست بالطعنة التي مزقت قلبي أم أنني أهوّل الأمر ، ألا أن دموعها سالت ببطء من مقلتيها ... دموع أميرتي التي تزلزل كياني ... مددت يدي و مسحت دموعها و أنا أحاول الابتسام : " بريتا ! عزيزتي ... لا يزال معك شريستي و سمير ... و أمي و أبي ... و روشني و أمان و سارة ( و سارة هي الابنة الثانية لأم حسام ) مع أمهم ! و كل صديقاتك ! لن تكوني وحيدة ! أنا فقط من سيكون وحيدا ! " قالت بسرعة : " خذني معك ! " ضغطت على قبضتي ، و قلت : " يا ليت ! لا يمكنني ... صغيرتي ! لكنني عندما أعود ... " و لم أكمل جملتي ، رمت بريتا بكتابها جانبا و قاطعتني بسيل من الضربات الخفيفة الموجهة إلى ص*ري ... إلى قلبي ... إلى روحي ... إلى كل عصب حي في جسدي ... و شريان نابض ... " لا تذهب ... لا تذهب ... لا تذهب ... " " بريتا ... " " أنت قلت أنك ستعتني بي كل يوم و دائما ! لا تذهب ... لا ... لا ... لا .. " و أخذت تبكي بعمق ... و كلما حاولت المسح على رأسها أبعدت يدي و ضربت ص*ري استنكارا ... ضرباتها لم تكن موجعة ، لو أنني لم أكن مصابا ببعض الكدمات و الرضوض في ص*ري ، أثر عراكي الأخير مع بريتفي و أصحابه ... شعرت بالألم ، و لكنني لم أحرك ساكنا ... تركت لها حرية التعبير عن مشاعرها قدر ما تشاء ... لم أوقفها ... لم أبعدها ... لم أنطق بكلمة بعد ... إنها بريتا التي تربت في حضني ... و عانقت ذات الص*ر الذي تضربه الآن ... ليتهم لم يحرقوا الجامعة ... ليتهم لم يحرقوا المصنع ... ليتهم أحرقوا شيئا آخر ... ليتهم أحرقوا بريتفي ! و يبدو أن صوت بريتا قد وصل إلى مسامع والدي فجاء إلى غرفتي و وقف عند فتحة الباب ... عندما رأى ولدي بريتا تضربني ، غضب من تصرفها و بصوت حاد قال ، و هو واقف عند الباب : " بريتا ... توقفي عن هذا " بريتا رفعت رأسها و نظرت إلى والدي ، ثم قالت : " لا تدعه يذهب " إلا أن أبي قال بحدة : " خذي كتابك و عودي إلى أمك ، و دعي كاران يدرس " لم تتحرك بريتا من مكانها ، فرفع والدي صوته بغضب و قال : " ألم تسمعي ؟ اذهبي إلى أمك و كوني فتاة عاقلة " بريتا التقطت كتابها من على الأرض ، و خرجت من الغرفة أما قلبي أنا فكان يعتصر ألما ... بعدها ، قلت لأبي : " لماذا يا أبي ؟ إنها ستظل تبكي لساعات ! جاءت تطلب مني تعليمها " والدي قال بغضب : " لقد كانت والدتك تعلّمها ، و حين جيء بذكر سفرك ، حملت كتابها و أتت إليك ، نهيناها فلم تطع " قلت مستاءا : " لكنك صرفتها بقسوة يا أبي " لم تعجب جملتي والدي فقال : " أنت تدللها أكثر من اللازم يا كاران ... يجب أن تعلمها أن تحترمك لا أن ترفع يدها عليك هكذا ، تصرف سيئ " " لكني لا أستاء من ذلك يا أبي ... إنها مجرد طفلة ، كما أنني أتضايق كثيرا إذا أساء أحد إليها ، والدي ... أرجوكم لا تقسوا عليها بعد غيابي ... " من يدري ماذا يحدث ؟ بعد أن أغيب ...؟ هل سيسيء أحد إلى طفلتي ؟؟ إنني لا أقبل عليها كلمة واحدة ... ليتني أستطيع أخذها معي ! انتظرت حتى انصرف والدي من المنزل ، ثم فتشت عن بريتا ، فوجدها في غرفتها ... و كما توقعت ، كانت غارقة في الدموع ... أقبلت إليها و ناديتها : " بريتا يا صغيرتي ... " رفعت رأسها إلي ، فرأيت العالم المظلم من خلال عينيها البريئتين ... اقتربت منها و طوّقتها بذراعي ، و قلت ... " لا تبكي يا عزيزتي فدموعك غالية جدا ... " قالت : " لا تذهب ... يا كاران ... " قلت : " لا بد أن أذهب ... فسفري مهم جدا ... " " و أنا مهمة جدا " " طبعا أميرتي ! أهم من في الدنيا ! " أمسكت بيدي في رجاء و قالت : " إذا كنت تحبني مثلما أحبك فلا تسافر " في لحظة جنون ، كنت مستعدا للتخلي عن أي شيء ، في سبيل هذه الفتاة ... و بدأت أفكار التخلي عن حلم الدراسة تنمو في رأسي تلك اللحظة ... ليتني ... أيا ليتني استمعت إليها ... يا ليتني فقدت عقلي و جننت لحظتها بالفعل ... لكنني للأسف ... بقيت متشبثا بحلمي الجميل ....
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD