الفصل الرابع

1803 Words
فتاة ستوكهولم الفصل الرابع - ١ - تمدّدت ”سلمى“ بقدّها الرشيق فوق سريرها بعد أن عَقَدَت يديها خلف رأسها، ثم راحت تحملِق في سماء غرفتها المظلمة.. ظلامٌ سرمديّ، جعلها تسترجع أحداث وتفاصيل يومها كاملةً، حتى لحظة دلوفها إلى السرير.. أعجبها جداً طريقة حديث ”ربيع“ وثقته بنفسه؛ ولكن ما أقلقها هي وحدته، التي عاشها بعد رحيل والديه وهجرة أخته.. تشعر أحياناً في قرارة نفسها أن تلك الوحدة، ستجعله مفتقِراً للحنّيّة والعاطفة؛ بل ومن الممكن أن يكون قد إعتاد على الجفاء بسببها.. لا تدري أين قرأت ولا متى سمعت أنَّ فاقد الشيء لا يعطيه؛ ولكن أفاقد الشيء لا يعطيه حقاً؟!!. أطاح ذلك التساؤل ببصيص النوم؛ الذي حاول مداعبة جفونها.. كيف لشخص إعتاد الوحدة لسنوات طويلة أن يتّصف بالحنان؟!!.. في حيرة موحِشة، تحسّست ”سلمى“ خاتم أحاط ببنصرها، أراد منها ”ربيع“ إرتداؤه اليوم؛ بعد أن أعلمها بأن ذلك الخاتم لم يفارق يد والدته طوال حياتها. ها هو سلطان النوم عاد من جديد؛ ليض*ب بمعوّله الجهنّمي على جفونها المتثاقلة؛ ولكن أطاح تساؤل فلسفي قصير بهدوء عقلها.. ما هو التصنيف الدقيق لفعلة ”ربيع“ اليوم؟!!.. أينتظر منها أن تكون نسخة والدته الكربونية؟!!.. أم أنه يهديها الأغلى والأعزّ على قلبه؛ كقربان بسيط ليظفر بحبها؟!!.. في لوعة، رَفعت الغطاء لتدفن رأسها تحته، لعلَّ عقلها يحنو عليها بسِنة خفيفة.. خاصّة أنها قد إستخارت بارئها من قبل، وقد جاءها الجواب في رؤيتها المناميّة. الإستخارة.. ذلك الطقس الديني، الذي تُسييء فهمه وممارسته، الغالبية العظمى من الجموع.. غالبية تعتقد أن الله سيلهمهم الجواب على تساؤل، يطرق عقولهم المُتبلّدة عَقْب غفوة طويلة.. غالبية لا زالت تنتظر النفحة الربّانية وهُم نيام. تقلّبت ”سلمى“ على جنبها اليمين مفترِشة راحتها اليمنى، كوسادة لرأسها ذات الجفون؛ التي بلغت ثِقَلِها وزن جبال «أطلس».. وإن هي إلا لحظات، زحف فيها الخَدَر إلى عقلها البالي؛ حتى لمع تساؤل أخر في ثنايا جمجمتها.. ما سِرّ تلك الحَكّة، التي يُدلّل بها ”ربيع“ أرنبة أنفه دائماً، كلّما ألقى عليه أحدهم سؤال!!.. لم تكن متمرّسة في قراءة لغة الجسد، ولا تعلم عنها سوى قشرة خفيفة؛ ولكن.. أين يمكنها إدراج ذلك التصرّف أيضاً؟!.. ربما تكون ليست سوى حركة عفوية ولا إرادية.. إجابة أطلقتها روحها، لتُخرِس بها عقلها المُجهَد.. وأخيراً دَشّنَت الأغطية الوثيرة حولها؛ فبدت كشطيرة على صاج خشبي، ثم حَجَبَت ظلام الغرفة عن عينيها براحتيها، بعدما أسدلت جفون تأبى الإنغلاق طوعاً. لم تكن يوماً متديّنة؛ رغم إنكبابها الدائم على قراءة القرآن، كلما دَنّس الرَيب عقلها بغتةً.. وربما كانت تخشع في صلاتها أيضاً؛ بَيد أنها لم تكن يوماً متدينة. — ياااا رب.. يا رب قَدّم لي اللي فيه الخير.. يا رب يكون حنيّن عليّا!.. يا رب يطلع زيّ بابا الله يرحمه!!. إبتهالاً تضرَّعت لربها، عَلَّها تنل نصيباً من رحمته في حُسن إنتقاءها لـ”ربيع“.. ولا تعلم كم من الوقت ظلَّت تدعي حتى إنتبهت لإهتزازة صامتة، أطلقها تليفونها النائم على الكومود جوارها.. تجمَّدت للحظة بعد أن أطلَّت بعينيها الذابلتين على شاشته، ثم تردَّدت للحظتين في الإستجابة له، وأخيراً : — آلو، مساء الخير يا ”سلمى“.. آسف إذا كنت قلقتك من نومك!!. — مساء النور يا ”ربيع“، لا أبداً مفيش حاجة!.. أنا لِسّة ما نِمتش. فحيحاً همست بها بصوتٍ خافت حتى لا توقظ أختها.. أرادت أن تسترسل لتتعرّف عليه أكثر؛ ولكنها لم تعتاد بعد على تلك المكالمات في منتصف الليل.. لقد كانت تشعر بأنه لا زال غريباً عليها؛ فلا يَصِحّ الحديث متأخراً هكذا : — أنا قولت أتصل بيكى أطمّن عليكى، وأشوفك إذا كنتى محتاجة حاجة!!. إبتسمت ”سلمى“ قليلاً لسؤاله بعدما بدأت تستشعر حنانه، حتى أنها تمنَّت لو ظلّ يتحدّث كثيراً ولا يهمد أبداً.. وفي إنشكاح، أسدَلت جفنيها ثم إستجمعت روحها الهائمة بخجل؛ لترد عليه بفحيح تجاوز إنخفاضه «كوبرا» تايلانديّة : — لأ شكراً، ربنا يخلّيك.. تصبح على خير. أعادت ”سلمى“ تليفونها لمضجعه مرّة أخرى، بعدما أنهت مكالمتها التي لم تتجاوز الدقيقة.. وأخيراً، أنهت جفونها حالة العِصيان بعدما أُضرِم فيها النوم؛ لتغيب بإبتسامتها في أحلامها الرقيقة. . *** . - ٢ - فضّ ”يوسف“ ورقة مطوية حَوَت سِمّه المفضل، ثم أفرغ محتوياتها على زجاج الطاولة أمامه.. عِدّة أعمدة تُرابيّة من سُكّره البنّي، إستطاع ترتيبها أفقياً بإستقامة يعجز «فيثا غورث» عن رَسْم مثيلتها مستخدماً جميع أدواته الهندسية.. سريعاً لَفّ مائة جنية إسطوانياً، ثم إستنشق ثلاثة إعمدة حتى الثُمالة.. وبطيئاً أراح ظهره للخلف وهَرَش أرنبة أنفه، بعد أن إستقامت الأعمدة مجدّداً في رأسه ليطعن أحدهم عقله.. بعدها، عَمِدَت أنامله إلى مستودَع الكُحول المُرخصّ أسفل الطاولة ساحباً إزازة «Black Onyx»؛ ليروي عقله بعد إنتهاءه من نَثْر الأسمدة البنية عليه.. وبعد مرور دقيقة تقريباً، كان ينبت فيها محصوله الأ**د، صرخ تليفونه مقرقِعاً بأزيز : — أيوة يا ”مراد“، وصلت خلاص؟!!.. ماشي، طب إقفل أنا طالع لك أهه!. متثاقلاً جاهد ”يوسف“ سيراً لباب فيلّته وقرص المقبض بيمينه؛ فدخلت أشعة الشمس بصحبة حقيبة رمادية، تعلَّقَت بظهر يرفع رأساً صلعاء تماماً كم***ة جنين : — شبّيك لبّيك ”مرادونا“ بين إيديك.. ها!!.. إتأخّرت عليك؟!!. وسوس بها ”مراد“ بعدما خَلَع الحقيبة عن ظهره، ووضعها أرضاً.. جسد رياضي شديد البياض ومنحوت عضلياً، وتفترشه ملابس سوداء ضيّقة جعلته يبدو رياضياً أكثر؛ بالإضافة إلى وجه أملس تعتليه صلعة قحل : — سيبك بقى من الـ«همبَّكة» بتاعتك دي!!.. وبعدين لمّا تعوز تغطس تاني، إبقى عرَّفني قبلها عشان أعمل حسابي!. نطقها ”يوسف“ عائداً بصحبته إلى مجلسه الموَقَّر مرة أخري، ثم ملأ كأساً ناوله لـ”مراد“، مشعِلاً سيجار رفيع «Cafe Cream»، سحب منه نفساً عميقاً : — والله يا ”چوو“ غصب عنّي، ما أنت عارف!.. كنت لازم أهدّي اللِعب شويّة عشان الحكومة مفتَّحة عينيها جامد أووي اليومين دول.. هااا!!.. زي كل مرة ولا هتزوّد المرّة دي؟!!. أخرج ”مراد“ بعد سؤاله عِلبة معدنية من شنطة جلد طبيعي، تسكُن كبيرتها الرمادية.. بعدها، سحب معيار بلاستيك وملأه مرتين بمحتويات العِلبة، ثم أفرغهما داخل كيس بلاستيك صغير، سحبه سريعاً من جيب بنطلونه الـ«مِحَزَّق»، ثم قدَّمَه أخيراً لـ”يوسف“ بيسراه ملتقطاً الكأس من على الطاولة بيمينه. علاقة روتينية لا جديد فيها.. أسبوعياً كان يأتي ”مراد“؛ في الميعاد المحَدّد كمسئول الأمن الغذائي، ثم يُورِّد بضاعته لحَدّ باب البيت لزبائنه المُخلَصين فقط.. خدمة مستحدَثة لا يقوم بها إلا لقُدامى العملاء كـ”يوسف“.. وتستطيع ضبط ساعتك على مواعيده؛ فالإنضباط هو ما يميّزه عن باقي منافسيه : — كده يبقى لِسّة فيه ألف جنية يا مدير!.. دول خمسة بس!!. — معلش، إعتبرها غرامة تأخير.. أو إعتبرها تعويض عن الهِباب اللي إدبّست فيه بسببك الأسبوع اللي فات!!.. ده أنا كنت هموت فيها.. المهم!.. كنت عايزك في حاجة تانية!..قدّها ولّا؟!!. . *** . - ٣ - — مش هتأخّر عليكي يا روحي.. همّا ساعتين بالظبط، وراجع على طول.. عايزة حاجة أجيبها لك معايا وأنا راجع؟!!. سؤال رتيب وجَّهه ”إبراهيم“ لزوجته؛ وهو يرتدي ساعة يده بعدما جلس على مسند الـ«فوتيه» جوارها.. تلقَّى بعده إجابة صَمّاء، جعلته يطبع قبلة على جبينها مداعباً بأنامله شعر رأسها البنّي، ثم تحرّك نحو باب الشقة بخطى سريعة.. رغم بدانته الملحوظة من قِبَل عشيرة من العميان؛ إلا إنه بدا جذّاباً في مظهره بتلك الملابس العصرية.. ملابس «كاچوال» إحتوت دهونه؛ فجعلته يبدو أنيقاً بزيادة.. بعدها، جذب باب الشقة خلفه وإنصرف، ولم تمرّ ثانيتين حتى لفحه هواء بارد جعله يرتدي البالطو الأ**د؛ الذي كان يتأرجح على ساعده الأيسر.. تسعة أدوار قطعها هبوطاً بالأسانسير، حتى وصل لسيارة الدفع الرباعي خاصّته.. «شيروكي» ذهبي يعود صنعها كما هو مدوّن في الرخصة لعام ٢٠٠٦. ولا إرادياً، إهترأت أحباله الصوتية الرثَّة من أثر أطنان الدهون عندما نادى على البوّاب، لتنظيف الدُشمة الذهبية ذات الإطارات الأربعة : — ده كلّه يا زفت!!.. إنت إيــــــه، نايم على ودانك!!. نطقها وتحصَّن داخل سيارته، ثم جذب تليفون أجاد تخبأته أسفل دوّاسة كرسيه.. ضغطة زِرّ، أعادت الحياة لقطعة البلاستيك السوداء؛ فتصفّح من خلالها سريعاً الإنترنت، ثم أجرى مكالمة مخطّط لها مسبقاً. هل يمكن تسميتها خيانة؟!!.. لا أعتقد ولا هو أيضاً؛ فذلك اللفظ يُفترَض معه وقوع ضرر - ولو محتمَل - على الطرف الأخر.. وهو حريص كمريض الوسواس على ألا ينمو داخل ”ريحانة“ أيّة شكوك تجاهه.. بالإضافة إلى أنه قد إهتدى منذ أمدٍ بعيد، إلى إستحالة تطويق عنقه بذلك اللقب؛ لإقتناعه المطلق بأنّ هناك ثمّة عَلاقة طرديّة بين غيرتها وبين غضبها حال علمها بحقيقة الخيانة.. يقينه تام بأنها قد تغير فقط على كرامتها وشكلها؛ ولكنها لن تغير عليه هو. هل الغيرة عَرَض من أعراض الحب حقاً؟!!.. سؤال لم يهنأ بالإجابة عليه؛ لطرق البوّاب على زجاج السيارة المعتِم : — تمام كده يا بيه، طوَّقتها وخليتها لك زيّ الفُلّ.. أيّ خدمة تانية يا ”إبراهيم“ بيه!!. لا يعلم كم عملة معدنية، إلتقطتها يده من دُرج التابلوه؛ ليضعها داخل يد سمجة لا تكُفّ أبداً عن الإمتداد.. بعدها، أطلق العنان لإطارات تنهب أسفلت، بلّلته طينة المطر ليتحرّك من أمام أبراج الـ«أغاخان» قاصداً شارع «إبراهيم أبو النجا» بمدينة نصر.. وفي صعوبة جاهد عبر الأنابيب المروية حتى وصل أخيراً أسفل العمارة، ثم رَكَن سيارة لها قدسيّة غرفة النوم بالنسبة له بمحازاة الرصيف.. قبر حديدي كان يعتبره بيته الأول، ويستطيع إخفاء سيارة نقل خفيف في حقيبتها إذا أراد. ببطء دُبّ «پاندا» عجوز، صعد إلى الدور الثاني، حتى وصل أخيراً لباب شقّة موضوع أمامه ممسحة صغيرة.. ولم يستقرّ ثابتاً لمسح حذائه فيها، حتى فتحت له إزازة «لبنيتا» منزوعة الدسم وجذبته للداخل.. ”شاهيناز“ في البطاقة، و”شوشو“ فقط بالنسبة له عندما يناديها أثناء جماع إسطوري، له قوّة تدميرية تفوق خمسة أصابع «ديناميت».. يحدث دائماً حين تغضب عليه ”ريحانة“ وترفضه ليلة خميس مرتقبة بـ«حبَّاية» زرقاء.. مُطلَّقة تزيده بأربعة أعوام، وترتدي بإستمرار قميص نوم أ**د، يع** بياض ن*ديها الدافئين؛ فتبدو أكثر أنوثة.. وعلى سبيل الشوق، تمسَّحَت فيه محتضنة رأسه بين يدين، تمّت **وتهما بالدهب الأبيض، ثم أمطرت شفتيه بقبلات كثيرة لا تستطيع إحصاؤها ماكينة ألمانية؛ تماماً كقِطّة بلدي تل*ق بو**ي صفيحة تونة : — وحشتني، وحشتني مووت يا (بيبي)!!.. إسبوع بحاله لا أشوفك، ولا تكلّمني!!.. إيــــــــــــــــــــه!. ما وحشتكش!!!. نطقتها ”شاهيناز“ وهي تمشي جواره ناحية غرفة نومها؛ حافية القدمين إلا من خاتم رقيق حول أحد أصابع القدم اليسرى، وخُلخال يطوِّق أعلى اليمين بعشرين جرام من الدهب الأبيض : — آسف والله يا ”شوشو“.. بسّ كان عندي شوية مشاكل في الشغل!!.. ده حتى في المطار رفضوا طلب الأجازة اللي كنت هاخدها عشان نسافر سوا زيّ ما وعدتك!!.. بس ما تقلقيش، هعوضها لك قريّب يا قلبي.. وبعدين ما أنتي عارفة، أنا بتخنق أمّا بقابلك هنا.. بحِسّ إن إبنك هيفوق في أى لحظة ونتفضح.. ما نبقى نتقابل في أيّ أوتيل بعد كده!!!. خلع البالطو وهو ينطقها، ثم جلس على كنبة صغيرة، وُضِعَت أسفل شُبّاك الغرفة.. لحظة أو أقلّ، ثم عملت أصابعها في ملابسه ما يفعله المَفَكّ في البراغي؛ فأخذت تُجرّده منها بإحترافية قوَّادة خضرمها الزمن، بعدما جلست جوار قدميه لتخلع عنه حذائه : — ليه بس يا حبيبي!!.. ما إنت عارف إنه في غيبوبة!!.. وبعدين مش عايزة حِجَج، هتبات معايا الليلة دي يعني هتبات!.. أنت بتاعي أنا بس الليلة دي، ولا مش قادر تبعِد ليلة واحدة عن البومة بتاعتك!!. ركلها ”إبراهيم“ بقدمه اليمنى في ص*رها، ثم جذبها من شعرها حالك السواد بغتةّ، حتى كادت تنسلخ فروة رأسها في يده : — حِسِّك عينك تجيبي سيرتها تاني على ل**نك!!.. أنتي سامعة؟!!. لم تشهده قطّ متعصباّ هكذا؛ فما كان منها إلا أن وقفت على ركبتيها بين قدميه.. وإثباتاً لمقولة {القُط ما يحبّش إلا خنَّاقه}، قامت ”شاهيناز“ بالتمسُّح بوجهها في رقبته لاعبة بأناملها بين طيات ص*ره، علّه يغفر لها خطيئتها.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD