بعد مرور بعض الوقت من الهرب .
- ما الذي تفكر فيه ... نحن لا نزال في الغابة ... هل أحضرتني لكي أموت !!
نظرت إليه بعينين مليئتان بالخوف ،وهو يزيح بعضاً من الأغصان الذابلة ،ثم قال :
- مستحيل ... سيدي لا يريدك متأذية .
فنفثت أنفاسها بتذمر ،وهي تحاول جاهدة تمالك نفسها ،حتى خرج ضوء يعمي الأبصار ،وتفتح ثقباً مضيئاً داخل الفراغ .
- هيا بنا !
- ماذا ؟! ... هل تريد قتلي هنا ؟!
- أخبرتكِ ،سيدي ...
- حسناً ،حسناً ،فهمت ،لكن لا تحسب أنني سأدخل هذا الثقب المشبوه بسهولة .
- إنه مدخل موطني .
فقالت بثقة :
- تقصد الجنة !
فنظر إليها بدهشة ،وقال مستغرباً :
- أخبرتكِ ،أنني لست حاصد أرواح .
ترددت ،كيف يمكن لفتاة أن تصدق غريباً ،يأخذها ببساطة إلى مكانٍ مجهول ؟ هي نفسها لا تعلم لمَ تبعته منذ البداية ؟ أو ربما الفوضى التي عمت المكان منعتها حتى من التفكير ملياً .
بدت مترددة ،كل ما عليها الآن التراجع ،لكنه كما لو قدر ذلك لها ،لتهب رياح قوية ،تجرفها معه داخل الثقب ،ليغطي كل شيء النور ،وتصبح الرؤية غير واضحة ،ثم تتضح ،لترى نفسها على بساط أخضر ناعم ،بتلك النضارة الأخاذة ،وبذلك اللون الزاهي.
- ما هذا ؟
تساءلت .
فأخذ ينفض نفسه من الغبار ،ثم قال :
- هذا ما حدثتكِ عنه ،إنه موطني .
- موطنك ! .. إذا هي ليست الجنة أو النار .
فأخذ يجد شيئاً آخر ينظر إليه ،وهو يحاول تجنب إحراجها ،حتى جاء صوت ذكري من الخلف :
-أرى أنك أحضرتها يا سيان .
- أجل سيدي .
فأتى صوتها مدهوشاً :
- أهذا سيدك ؟!
نظرا إليها وكأنهما لاحظاها لأول مرة ،وأخذ الرجل يحدق فيها باشمئزاز ،وقال يخاطب سيان :
- ألا تبدو مختلفة عن التي نعرفها يا سيان .
- أجل ،فقد تعرضت لإصابة قلبت شخصيتها رأساً على عقب .
وما إن أنهى عبارته ،حتى وجد لكمة على رأسه ،وصاح الرجل بغضب :
- ألم أخبرك أن لا تعرضها للأذى ،كيف ستقابل السيد الأعلى بذلك الوجه الغ*ي ؟
أخذت سايانا تنظر في كليهما بذهول ،وهي تفكر :
"سيد ! سيد أعلى ! ... في النهاية ،أي نوعٍ من الأسياد سأقابل !!"
- أنتما !
أتى صوتٌ جاد حازم ،فاعتدلا في وقفتهما ،وقال الرجل الذي لكم سيان :
- سيدي ماكاروف ،أعتذر عن التسبب بالازعاج .
- الفارس في حالة هيجان ،وغضب شديد ... كيف ستمثل أمامه الآن ،بعد موقفك المحرج ؟
بدا متردداً ،ولكن سايانا لاحظت في عينيه شيئاً آخر ،فخاطبه ماكاروف بذات الهدوء والحزم :
- إذاً ،هل تملك حلاً لوضعك الحالي ؟
وبسرعة توجه نحوها ،وهو يقوم برفعها ؛لتنهض ،يقول بصوتٍ يشوبه الخوف والارتباك :
- آه ، أجل ... أحضرت له عروس المستقبل الزاهر لأرض الحيرة .
- أحضرت العروس !
بدت عبارته ساخرة ،أكثر منها دهشة ،ورسم وجهه علامات عدم الاقتناع ،ثم قال :
- ليون ! كم من الضحايا تريد حتى يهدأ بالك ؟
جحظت سايانا عيناها لأقصى حد ،وهي تشعر بأن جسدها خدر ،ولم تعد تقوى على الحراك ،فقال سيان :
- المعذرة سيد ماكاروف الموقر ،استسمح بمكانتي المتدنية أن تخبرك أنني تأكدت من كونها الفتاة المنشودة .
لم يبدِ ماكاروف أي تعبير ،صمت لبرهة ،قبل أن يقول :
- لقد تجاوزت حدودك سيان ... من متى تملك الحق لالتأكد من عروس جلالته ؟ كما أنك تتكلم عنها وكأنها فتاةٌ عادية .
- استسمحني عذراً حضرة السيد الموقر !
وانحنى معتذراً ،ثم نظر ماكاروف نحوها ،ولاحظ ما داخل عيناها يرتجف من شدة الخوف ،فابتسم بخفة ،وقال يخاطب ليون :
- حتى إنها تملك تلك النظرة التي واجهتنا بها سابقاتها .
- أليس من الطبيعي أن تملك تلك النظرة ،وأنتَ تتكلم ببساطة عن سابقاتها الضحايا .
علق ليون ،فقال ماكاروف ساخراً :
- أليست تملك شيئاً من القوة المزعومة ؟
فعلق سيان بانفعال :
- إنها كذلك .
فنظر ماكاروف إليه بنظرة حادة ،جعلته يتراجع ،وهو يطأطئ رأسه أسفاً .
تن*د ،ثم قال :
- حسناً إذاً ،فلنرى مدى قدرتها على الصمود .
وهم منصرفاً ،بينما نظر ليون نحوها ،ليجدها اختفت من مكانها السابق ،وينظر في ما بعد ذلك ،ليجدها تركض هاربة ،فصاح بعصبية :
- سيان ،أمسك بها ،لا تدعها تهرب .
وقبل أن ترحل بعيداً ،ظهر أمامها ،وشعرت بهالته المرعبة ،ليمسكها أحدهم من الخلف ،ويكمم ثغرها ،ويسحبها إلى اللامكان .
***