الفصل الثاني عشر :

1970 Words
وزفرت براحة بينما تنهي المكالمة ثم سمعت سؤال وسام " من هذا ؟! " " ريم " ابتسم ولمعت عيناه الزرقاوتان .. هذا الرجل معجب بصديقتها مؤكد .. ومدت يدها تلتقط احدى الفطائر ثم قالت " اذا قاعة المرايا جاهزة .. لدي اسبوع لتحضير كل شيء " " ستنجحين كالعادة .. " ابتسم لنبرة التأكيد في صوته ثم اخذا يتناقشان حول الدعاية وما يلحق هذا .. لقد تعلمت خلال الايام الماضية اشياء كثيرة .. كما تعرفت على بعض اشهر الفنانين في الرسم والنحت والتصوير .. وهذا يفيدها جدا .. الشيء الذي لم تعتده بعد هو الصحافة .. فالعمل معهم اكثر صعوبة مما ظنت .. وسألته " اي مجلة ستكون حاضرة " " ثلاثة محلية .. واثنان من خارج البلاد " رفعت حاجبيها ثم عادت تسأل وهي تمضغ ببطئ " كل هذا ؟! " " انت تستهينين بنفسك شمس .. صدقيني النحت فن عالمي محبوب جدا .. وظننت انك ادركتي هذا من معرضك السابق " القت جسدها على الكرسي بجانبه دافعة ثوبها الربيعي ليغطي كاحليها " كنت مشغولة بامور اهم .. مرض والدتي وغيرها من الاشياء .. اتمنى ان يكون هذا المعرض افضل .. " انهى فطيرته ثم مسح فمه بمنديل ورقي واجابها " لا تخافي الامور ستتحسن .. ثم انا انوي نقل المعرض لفرنسا .. سنفعل هذا معا " قطبت حاجبيها فاجاب تساؤلها يشرح لها " لدي صديق هناك سيسره استقبال معرض لك .. لقد رأى اعمالك واعجبته .. انه هنا في البلد وسيأتي للمعرض فقد دعوته .. سأعرفك به وبعدها سنرى ان كان نقل معرض لك للخارج شيء يناسبك .. جيد ؟! " رغم الشعور بالقلق الا ان نوع من الحماس انتابها فابتسمت وهزت رأسها توافقه ثم اكملت قضم شطيرة الجبن بشهية كبيرة .. ******** في عتمة السيارة على جانب الطريق الفرعي كانت تسند رأسها للخلف وعيناها تؤلمانها .. لا دموع .. لكن حرق مؤلم .. من قال انها ستكمل حياتها ببساطة .. كيف تقنع روحها الهائمة دون راحة ان تسكن اليها وتتوقف عن التجول .. لما لا يغادر تفكيرها ؟! .. وصرخت لنفسها .. امير لم يعد لك .. اوقفي هذه الشفقة على الذات .. العودة للمنزل عذاب .. الابتسام بوجه والدتها .. وتصنع السعادة شيء لا يحتمل .. الكذب على الجميع والقول انها افضل .. يقتلها .. هو يقتلها .. جلادها " شمس !! " نظرت للنافذة حيث طرقة على زجاجها نبهت كل خلايها المتعبة .. هل استحضرته خيالاتها مجددا ؟! .. رأت الباب يفتح من جهتها ثم امتدت يده ليلمس وجهها وينظر اليه اكثر في عتمة الشارع .. " انت بخير ؟! .. لما انت هنا في هذا الليل ؟! .. تعطلت السيارة ؟!! " لم تملك القدرة على الاجابة .. ارتجف كل جزء منها لذكرى لقائهما الاخير .. نظراته الباردة .. كلماته المهينة .. وصوته المعذب يأمرها بالرحيل .. فاغمضت عيناها تتوسل بصوت منخفض " ارحل " " انت لست بخير ... لن اتركك تقودين وانت بهذه الحالة .. تعالي معي لاوصلك " ابتسمت بمرارة لصوته القلق .. وكأنه يهتم .. وكأنه لم يقتل روحها ويدفنها فوق الارض لتعيش بجسد خاوي .. وكررت " ارحل " " انظري الي .. قلت انظري الي " رفع رأسها بيد عنيفة وتأمل وجهها ثم شتم بصوت منخفض وسحبها رغما عنها خارج السيارة .. سحب المفاتيح واغلق الباب بعنف ليمنعها من العودة للداخل .. وجرها خلفه .. حاولت المقاومة لمرات لكنه كان اقوى منها بمرات .. واخيرا وجدت نفسها على الكرسي بجانب السائق داخل سيارته السوداء ويده تمتد لتضع لها حزام الامان .. جسده كان قريبا لدرجة اوقفت انفاسها .. وحررها اخيرا ثم تقابلت نظراتهما وهي تهمس " اناني .. لا قلب لك " ابسامة ساخرة امالت فمه بشكل بالكاد ملحوظ ثم سمعته يقول بصوت منخفض وهو يحاول لمس خدها فأبعدت وجهها بسرعة عنه " ليتني كنت اناني .. لكن مؤكد انا بلا قلب " " اياك ولمسي .. " ابتعد اخيرا واقفل الباب ثم رأته يحتل مكانه ويحرك السيارة .. صوته كان اجش وهو يخبرها بينما تتجاهله " سأرس سائقي لاخذ السيارة لا تقلقي " " اكبر همومي فعلا " .. وابتسمت بسخرية ثم اخذت تتامل الأضواء من نافذة السيارة .. تحاول لجم نفسها عن الصراخ بوجهه ان يدعها وشأنها فقد اكتفت منه للابد .. " كيف حال والدتك ؟! .. اظن انها .. " قاطعت كلامه بتشغيل المسجل وجعلت الصوت مرتفع .. رمقها بحنق وحاول اطفاءه فدفعت يده ومنعته ثم عادت لتسند رأسها لظهر الكرسي خلفها .. ضحكت بسخرية لسماع الموسيقى التي وصلت لاذنها بمجرد تغير الموسيقا .. هذا حقا شيء رائع .. لحظات واخذ صوت مطربها يتردد في السيارة جاعلا انفاسها تتوقف " بعد الحب .. وبعد العشرة .. نلتقي متل الاغراب .. اااه .. واحد ما يعرف الثاني .. ولا كأنا كنا حباب .. احباب .. ماتت لهف*نا المجنونة .. ما اقساه وما اقساني .. اتسائل وحدي واتألم .. يا ترى من فينا الجاني ؟! " قبضت يديها تجمعهما في حجرها وتحرك رأسها لتسنده الى الزجاج وشعرت بالم اكبر وكلمة مات الانسان .. تجرفها اعمق .. هل كان يعلم نزار قباني انه يكتب لاجلها هذه الاغنية .. وعادت لتبتلع بصعوبة .. كم هي مرة هذه الحياة .. دون ادراك راح صوتها يدندن بخفوت مع صوت كاظم .. كعادتها .. انجراف حتى في وقت تعاني به من الخمول .. ونظرت نحوه تتامله بينما الكلمات تلسعها لمرات دافعة بدموع لامعة داخل عينيها " وين دموعي وين وين وين دموعك .. وين التنهيدة التنهيدة لي بضلوعك .. من كنت تضمني وتحسس جمر نفاسك ويا نفاسي .. طاير بيك وطاير بيا .. ياعمق حساسك وحساسي .. وين الحب الهز العالم .. وين خلاصك .. وين خلاصي " ضحكة هازئة خرجت عنها فرئته يرمقها بعنف وحاول اغلاق المسجل للمرة الثانية .. فمنعته .. يدها دفعت يده بعنف واخذت تردد " سنسمعها .. انا وانت .. ستسمعها معي .. ابعد يدك " " اوقفي هذا الجنون .. هذا كاف " صرخ بوجهها فنظرت نحوه بيأس وعادت لمكانها .. شعرت كأن كل شيء يخنقها .. وحاولت التنفس .. مرة .. اثنان . وألمها ص*رها .. احاطت جسدها بيديها واخر كلمات كاظم التي وصلت اليها تطعنها لمرات دون رحمة " مات الانسان بداخلنا .. مات .. مات .. " توقف الصوت .. يده اطفأت المسجل بعنف كبير .. وسمعت شتيمته .. تن*دت تنظر نحوه مجددا وسمعت صوته يقول " اظن انك اكتفيت ايضا .. " " لما عدت ؟! .. انا اكره وجودك هنا .. عد الى لندن .. " قبضتيه تشددت على المقود ولم يجبها .. غلى الدم في عروقها دافعا بها للصراخ بعنف اكبر " عد الى لندن .. مجرد وجودك يخنقني .. " اهتز جسدها مع اندفاعه للامام وزعيق الفرامل القوي وبردة فعل طبيعية اخفت رأسها بين ذراعيها وهي تصرخ بذعر .. ثم اهتز جسدها بخوف .. ولم تجرؤ على رفع رأسها " انت بخير ؟! " عضت شفتها وهتز جسدها بنحيب ضعيف .. بالكاد خرج صوت بكائها وهي تضم فمها بيديها .. يده لامست شعرها فزداد الامر سوءً .. " شمس .. لا تبكي .. نحن بخير انظري .. نحن بخير " " لست بخير .. لما لا تفهم ؟! .. لست بخير ابدا .. هذا مؤلم .. مؤلم بقدر لا استطيع تحمله .. وهذا اللعين لا يغادر يدي .. وانت لا تحررني .. ولا تعود .. لما ؟! .. لما علي تحمل كل هذا ؟! .. " حاول احتضانها فدفعته بعيدا وتحركت لتفتح الباب لكنه كان مقفل فهمست بصوت مخنوق " افتحه .. هذا كاف .. اخرجني " " شمس .. توقفي عن البكاء .. انظري .. ها ؟! .. انظري الي " رفع رأسها ثم تلاقت نظراتهما فزمت شفتيها وعادت دموعها لتخونها وهي تهمس " كيف تحولت لتصبح جلادي اخبرني .. هل استحق هذا منك ؟! .. على الاقل اتركني .. ابتعد ودعني احاول العيش .. اهذا صعب جدا ؟! " بصوت معذب اجش اجابها " جدا .. اكثر مما يمكن ان تتخيلي .. لا تبكي .. هذا يكفي " ومرت اصابعه تحت جفونها لمرات تجفف دموعها .. اغمضت عيونها للمرة الاخيرة ترجته " عد الى لندن " " لقد اكتفيت من لندن للباقي من حياتي صغيرتي .. لنعيدك للمنزل " تن*دت وابتلعت ل**بها بعد ان حررها ثم مررت يدها ب*عرها تعيد ترتيبه .. اهذا يعني انه لن يتركها وشأنها ؟! .. وتململت بيأس .. متى سينتهي هذا العذاب ؟! غادرت السيارة بمجرد وصولهم .. لم تنظر للخلف كان تعلم يقينا انها ان فعلت فستجن لتعرف لما يعاقب كلاهما ؟! .. صوت السيارة يغادر جعلها ترتجف .. وخطت لتجلس على السلالم وتدفن رأسها بين ذراعيها .. " تمالكي نفسك .. لاتجعليها تشعر بشيء .. اهدأي " اخذت تتنفس لمرات ومرات .. وبعدها وقفت لتخطو فوق الدرجات وتدخل للمنزل بابتسامة لطيفة كاذبة لم تصل لعينيها هذا قدر لا مهرب منه .. عيش حياة بجحيم لا ينتهي ******** اخذ نظرها يتأمل القاعة .. كانت المنحوتات تعم ارجاءها .. المرايا تع** كل جوانب المنحوته .. بثلاث جهات او اثنتان .. الاضاءة واضحة قوية .. وتجمع كبير جعلها تقطب .. الديها هذا الكم من المحبين لما تفعله ؟! " لا افهم شيئا .. لما حطمت المنحوته الاساسية ؟! .. انها جميلة جدا " اقتربت تستمع لحديث الفتاتان ونظرت نحو التمثال الذي تحطم يوم عودته .. لقد جمعته كقطع متباعدة ووضعت الصورة الاصلية للمنحوته .. المرايا ع**ت القطع بثلاث جهات .. وبدا انها اجمل جدا مع تهشمها .. وهتف قلبها وتهشم صاحبتها .. وابتلعت ل**بها بصعوبة .. انها لم تره منذ تلك الليلة .. لكن داخلها ما زال يصرخ .. وكأنها فقدت روحها هناك ... وعلى يديه هو وحده " الاسم يوضح الامر .. لقد كانت تشتاق لاحدهم .. ثم تهشم شوقها .. اما انتظارا .. او بسبب حدث فجائي لم تتوقعه " صوت رجولي من خلفها اوقف شرودها .. يبدو مألوف بشكل كبير والتفت لتراه .. عيون خضراء طالعتها بمرح معتاد .. وشعرت بانجذاب غريب في عمق ابتسامته .. كما لو كان يدعوها لمشاركته التسلية .. " تسرني رؤيتك .. شمس الصباح " ابتسمت بود ثم صافحت يده وسألته " صدفة مجددا ؟! .. ام منزل قريب اخر في الشارع المقابل ؟! " ضحك بمتعة لكلامها ثم ترك يدها ووضعها في جيب بنطاله الكحلي " لا .. تعمد .. " قطبت حاجبيها ثم رأت وسام يقترب منها ويضع يده على كتف الرجل الذي لا تذكر اسمه حتى " ارى انك وجدت نحاتتي المفضلة .. ما رأيك بالمعرض ؟! " " موهوبة جدا كما اخبرتني .. سيسرني ان تقبل العمل معي " نظرت نحو وسام ثم نحو الرجل وسمعت الشرح من فم صديقها " جاد حداد شمس ... انه صديقي الذي اخبرتك انه يملك معرض في فرنسا .. جاد .. شمس الصافي .. مبدعتنا " " كم يسرني ان ارى ان احدى ملهماتي .. هي نفسها من تملك هذه الموهبة " بما يتفوه هذا الرجل وهزت رأسها ترفع حاجبيها وتمرر يدها فوق ثوبها الرمادي الطويل .. جاد حداد .. لما يبدو الاسم مألوف لها ؟! .. وكتمت تساؤلها ثم رأت عمرو يعبر القاعة باتجاههم " مرحبا " ابتسمت له ثم قبلته بمودة على خده .. عينا الغريب فقدت شيء من مرحهما ثم اكمل حديثه مع وسام " ارجو المعذرة .. تمتع بالمعرض ارجوك .. عمرو لنتجول معا قليلا " تركت الرجلان خلفها واخذت تنظر هي وصديقها للمنحوتات ذات الاحجام المتفاوتة .. " هل يبدو اسم جاد حداد مألوف لك ؟! " قطب حاجبيه ثم هز رأسه بلا فزفرت واهملت الامر .. تنقلت خطواتهما .. وبعد وقت تفرقا .. اخذ بعض الموجودين يسألوها عن المنحوتات بإسهاب .. فاجابت بثقة كبيرة .. " شمس .. اريد ان اعرفك لاحدهم " واخذتها سارة جانبا لتخطو فوق حذائها الرمادي العالي الكعبين وتلامس الكم الدانتيل الذي يصل لمرفقها بأصابع يدها الاخرى .. كان الرجل احد اهم الناقدين الفنيين .. وتبادلت معه الكثير من الاحاديث .. ثم سأل يفاجئها " هل فقدتي عزيز مؤخرا ؟! ابتلعت ل**بها ونفت الامر .. وتكلم صوت داخلها .. الا ان كان يقصد فقد روحها التي تلاحق ذلك الرجل الذي دخل لتوه مع مرافقته الشقراء التي تتمسك بساعده وتبتسم بلطف للجميع .. ها قد جاء .. رجل لا يعرف الرحمة .. صرخ داخلها " لما تسأل ؟!" " بشأن انسلاخ الروح .. اسم غريب .. لكنه معبرا جدا لما رأيته .. انثى تتسرب منها روحها .. كم هو عمل مبدع رغم قسوته " اجابت وهي تخفض رأسها والمنحوته كانت احدى اهم ما صنعته مؤخرا .. ف*نفست وقالت " احيانا يكون العزيز هو انفسنا .. ارواحنا .. ويكون الفقد هنا اشد وطأة صدقني "
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD