الفصل الثالث عشر
ما هو العشق .. ؟!
هل هو ذلك الشعور المتسلل لخلايا الجسد دون أن نشعر..
نتحكم .. !
نسيطر..!
نقاوم..بل في حضرة ذلك الشعور نجد أنفسنا نفقد المقاومة..ونفقد أنفسنا!
هل هو ذلك النيزك الملتهب بنيران مشتعلة؛ فيقذف الروح والقلب بوشم ابدي عن الحب...؛عازفاً على اوتار القلب قصته؟!
أم هو ذلك الأمر الذي نتوه من خلاله في دائرة وردية بدايتها إن كانت خاطئة فنهايتها دمار!
تنهيدة فلتت منها وهي تنظر بشرود إلى الحديقة المحيطة بشرفتها من الأسفل,والأسئلة تتضارب بداخلها عن الحب الذي اجتاح حياتها وهي صغيرة ..!!
بل هي مازالت صغيرة ولكن بيدها هي جنت على حالها..
جلست على مقعد خشبي موضوع بإحدى جوانب الغرفة وعادت بذاكرتها إلى ما قبل عدة أشهر..
كانت تجلس معه بالنادي وخصلات شعرها السوداء تحاوط وجهها بنعومة فائقة ؛بينما ملامحها الطفولية البريئة تتٌوَج بالخجل؛كانت فاتنة وذلك الجالس بجانبها كان يدرك تلك الف*نة ويتمنى أن يقطفها ويمتصها للنهاية …
وهي..هي كانت تعلم ذلك ولكنها لم تتخيل النهاية…!
في ذلك الوقت جلس هو بجانبها يلمس يدها برقة مبالغ فيها ؛يشعرها أنها كنز ثمين.. يهديها وعدا زائفا من وعوده.. يقترب منها بأنفاسه هامسا بنبرته اللعوب والتي لم تنتبه هي لها:
-انت عارفة انك اجمل واحدة هنا..!
خجلت بنظراتها..فابتعدت عن نظراته الثاقبة و التي كانت تتأملها بعمق آثار بجسدها تلك الرعشة .. رعشة كانت تض*ب جسدها كبركان ناري يفور من الحب بها ؛ يشعلها يجعلها بغير مكان؛ بل ويتوه الزمان.. ابتسامة مرتجفة ارتسمت على ملامحها وهي تسأل بهمس:
-بجد.. شايفني احلي واحدة!
هز رأسه يهديها إحدى إجاباته المحفوظة بقاموسه والتي كانت قادرة مع نظرات عينيه على إسكارها ..؛أليست تلك هي القصة المعهودة وكما اعتاد هتف بصوت خفيض :
-انت احلي من اي احلي حاجة..
وبعدها ابتسمت هي ؛إنها تصدقه وكيف لا ..لقد سلمته نفسها دون أدنى مقاومة!
كانت تفكر أنه ربما كلمات بسيطة لا تخدع.. ولكنها خُدعت ببساطة , ربما سنوات عمرها الصغيرة, وربما قلة خبرتها..!
ولكن بالنهاية هي أخطأت..!
ولا يمكنها أن تلوم أحد سواها؛ فتلك هي اللعبة القديمة ولكنها كانت الغ*ية هنا..فتم إعادة الرواية التي اخبرتها عن سذاجة تلك الفتاة التى صدقت وعود الحب الزائفة…
شرودها طال يأخذها .. يخ*فها نحو ذكريات لا تريد أن تقترب حتى منها ..
بينما هو كان يقف يتأمل شرودها بلا مبالاة وحتى تلك العبرة التي تحررت من عينيها فهتف بصوت أشبه بالصراخ يناديها بإسمها من خلفها يخرجها من ذلك الشرود التي تحيا داخله :
-نيرة..
كرر النداء وهي كما هي لا تجيبه؛هائمة بملامحها المعذبة..المثيرة للشفقة!
وأخيراً شعرت به وسمعته فتشنج جسدها ثم التفتت هي بفزع من نبرته الصارخة..فألمتها تلك النظرة الدونية الذي يخصها بها فقالت بصوت جاهدت الحفاظ على ثباته:
-ايوه يا كريم..
ساد ال**ت قليلا وهو يتأمل ملامحها الشاردة قبل أن يجلس بالمقعد الخشبي المقابل لها.. وهو مازال كما هو يتأملها العمق ورغم كل شيء يستغفر بداخله مما فعله ش*يقه بها ولكنه أخفى شفقته عليها هاتفا بتساؤل:
-بنادي بقالي كتير.. كنت فين .. سرحانه في ايه؟!
اشاحت بنظراتها تتهرب منه تبعد عينيها عنه ؛فهل يجوز أن تخبره أنها شاردة في ش*يقه (مازن)! غارقة في ذكريات لا تضع أمامها سوى حقيقة عارها وجسدها الذي دنسته بيدها هي لا أكثر!
هل تخبره عن كلمات ش*يقه الذي أخذتها ؛بل وأغرقتها في بئر حب زائف لم تنال منه سوى الفقد والغرق بعار أصاب الجميع بلعنته..
هزت رأسها ونفضت أفكارها.. وأجابته حينها بتهرب وصل له:
-باباك عامل ايه , بقي كويس..
مرر هو تهربها قائلا وهو ينقر بأنامله أعلى المقعد الخشبي :
-الحمد لله بقي بخير..
ال**ت دام لثواني معدودة هي تتحاشى النظر إليه وهو ينظر إلى السماء من شرفة الغرفة حيث يجلس قبالتها؛ثم استقام من مكانه مكملا حديثه برتابه وهدوء :
-انا هروح اشوف فريدة..
كاد أن يخرج ويتركها ولكنه استدار لها هاتفاً بحزم :
_ عاوز ارجع الاقي الغدا.. فاهمة طبعا..
جحظت عينيها تتأمله ثم هبت صائحة من فورها تخبره بحقيقة يعلمها:
-انا مبعرفش اطبخ..!
ورغم معرفته بذلك ورغم أنه بالفعل تناول غذائه مع اثير.. ولكنه هتف ببساطة وهو يهز كتفيه ببرود:
-اتعلمي.. مش مشكلتي..
اطلق كلماته ورحل..
تركها تنظر لأثره بشرود حزين..!!
ولا تعلم ما نهايته معه..هي هنا مفقودة داخل دائرته ؛ولا ترى مخرج أو شيء يعيدها إلى وقت سابق حيث كانت نيرة المراهقة الصغيرة الحالمة بفارس يخ*فها يوما..
والنتيجة انها هي نيرة التي لم تعد صغيرة..
نيرة التي مات بها الحلم.. ولم يعد هناك مجال لأي فارس!!!!
********************************************
في القصر الخاص بالعائلة .. كانت قد عادت إلى التوأم بعد أن ابدلت فستانها .. لتجلس برفقة والدة ذلك المسمى بزوجها ,ثم اكملت لعبها مع صغاره…
ورغم كل ما حدث ورغم عذابها؛ وألمها ..احساسها بالغدر..
رغم تلك النيران المشتعلة داخلها والتي لا تهدأ ابداً..
هي ترى في الصغار راحة حقيقة؛ فالصغيرتين رغماً عنها يُعطوها طاقة بريئة ..قوية حتى تكمل..
لقد توقعت في البداية أنها لن تتقبلهم ولكن للمفاجأة هي احبتهم ؛احبت ملامحهم الغربية الشبيهة بوالدتهم…
والدتهم(ريتا)... تلك الجميلة التي لم ترى منها سوى تلك الصورة المعلقة بغرفة صغارها..؛ فغسان ابو العزم من الواضح لها أنه يملك جانب انسانياً؛ فتلك الصورة أوضحت لها مدى حبه لبناته..
مدى حنانه..ذلك الحنان الذي يظهر لهم دون حدود..
تتذكر كلمته (بناتي خط أحمر يافريدة)...فتصيبها الحيرة وبنفس الوقت تشعر بنغز في قلبها..؛فهي لم تسمع من والدها تلك الكلمة…لغسان !
كانت تمسك بإحدى الألعاب..حينما سمعت صوت ش*يقها يهتف بأسمها:
_فريدة
التفتت له .. تنظر له ببرود فوجدته يتسائل وعلامات التعجب تغزوا ملامحه:
-بتعملي ايه يافريدة..!
لم تعطيه أي إهتمام بينما تواصل هى اللعب ؛فترفع كتفيها وهي تجاوبه بنبرة ساخرة:
-بلعب مش شايف..
لهجتها كانت باردة ..متباعدة وكأنها فريدة آخرى..؛وكأن أحدهم قام بإبدالها ؛تأمل ملامحها الجامدة وهو يشعر بالذنب..أجل هو يشعر بالذنب ؛ ولا يلومها على رد فعلها؛ ألم يشارك بنفسه في زيجة نورا هو ايضا..!ألم يتجاهل وجعها وهو يمسك بيد موسى يزوجه ش*يقته..!
اصطنع الابتسامة متجاهلاً برودها الذي يغلفها ببراعة
والتفت بنظره إلى السيدة منى يلقي عليها سلام بارد كعلاقتهم .لتكتفي هي بإيماءة بسيطة ثم استقامت بعد ذلك من جلستها هاتفة بأمر موجه للمربية الخاصة بالتوأم:
-يلا خدي البنات جوه ..
انصاعت لها وهي تحملهم ذاهبة إلى الداخل ؛ثم التفتت بعد ذلك منى إلى فريدة قائلة بهدوء وابتسامة ودودة تخالف تلك التي تخص بها كريم :
-خدي راحتك مع اخوك.. انا هدخل انا والبنات..
بعد لحظات قليلة كانت فريدة تجلس على المقعد ثم أشارت لأخيها بالجلوس..
انصاع لها ليسود بعدها ال**ت؛بينما كريم يجاهد تجميع كلماته ليخبر فريدة..
رغم كل شيء هو مازال كما هو يحب الحديث معها كما الماضى واخيراً همس هو من فوره:
-انا تجوزت اثير النهارده الصبح..!
كانت تمسك بكوب من الماء.. ترتشف منه.. ولكن حديثه جعلها تشهق مفرغة ما تبقى من الماء بوجهه هاتفة بصدمة ونظرات عينيها الجاحظة تواجهه :
-بتهزر صح.. !
لم يعطها إجابة مما جعلها تكمل وهي مازالت في طور الصدمة:
_انت لسا متجوز من يومين ..
توقفت عن الحديث ثم رفعت يدها تشير بأناملها تزيد من توكيد حقيقة هو يعرفها جيداً:
_ يومين ياكريم..
ابتسم هو بمرارة من تلك الحقيقة الساخرة والتي تحاوطه بواقعية سوداء؛ثم هز كتفه ببرود أنيق يليق به متحدثا بسلاسة يخبرها بحقيقة أخرى موشومة داخله و لو خالفت ذلك الواقع الذي يحيا بهِ:
-مش معتبرها جوازة.. ثم انا بحب اثير وانت عارفة..
لم تتراجع عن صدمتها بل تحولت الصدمة لهجوم فتهدر بنبرة خفيضة حتى لا يسمعها أحد والنبرة هنا رغم انخفاضها كانت مدمجة باستنكار :
-بتحب اثير مقولناش حاجة.. بس ذنبها ايه تدخل معاك في الدايرة دي..
كانت منفعلة وتشنج جسدها يزداد ويزداد تشعر أن الجميع هنا داخل فراغ مظلم..
الجميع هنا يدور يبحث عن مخرج ولكن لا مخرج…!
ولكنها همست بتساؤل مغلف بتعحب..تعجب لأن اثير لا ترضى بذلك ابداً:
وهي وافقت ازاي اصلا..!؟!
تن*د هو قبل أن يفرغ ما عنده لها.. وكيف تزوجها ولما..؟!
يخبرها ويسرد وعند إسمها يتحشرج الصوت بحروفها من شدة حبه لها..
يحكي..يتحدث بينما عينيه تلمع مع ذكرها..تلتهب ناراً بذكر غيرها..
كل هذا علي مسمع فريدة بملامح متأثرة لأجل رفيقتها ..تتأمل حالة كريم بقلب موجوع وهي تعلم وجع الحب..
وبعد أن أنهي حديثه هتفت بتأثر متسائلة :
-واثير عاملة ايه دلوقت ..؟!
امسك بيدها يربت على ظهرها برقة وهو يهز رأسه.. يطمئنها قائلا بنبرة هادئة..حنونة
-الحمد لله.. اثير في عنيا يافريدة..
سحبت يدها من بين يده ثم باغتته هي بسؤالها الجامد :
-ونيرة..!
وحينها لم يجاوب ؛بل ساد ال**ت وهو يتحاشى النظر لها ربما لأنه لا يملك إجابة وربما الإجابة تم تأجيلها إلى أجل آخر.. وربما بعد عام عند الانفصال..!يجاوبها!
وعندما طال ال**ت استقامت من جلستها هاتفة ببرود استعادته سريعاً :
-مبروك.. وطبعا مش هأكد عليك بلاش حد تاني يعرف.. ممكن يأذوا اثير..
ثم ابتعدت قليلا؛ بخطوات هادئة في اتجاه القصر إلا إنها التفتت قائلة بنبرة فاترة:
-ونيرة رغم كل حاجة خد بالك منها.. اخونا اذاها اذي كبير ياكريم..وهي مراتك برده ولو قدام الناس
ألقت جملتها ورحلت دون أن تسمع منه الرد؛بل تركته خلفها يستوعب.. يفكر..
وبالنهاية هي محقة.
. والحقيقة الأخرى أمام عينيه ظاهرة بوضوح؛ هو الان متزوج من اثنتين..!!!!
ولكنه لايرى سواها هي أثير!!!
**************
.