وخارج الذكريات كان انتهى سيجاره حتى اكتوت يده ولم يبالي أو ربما لم يشعر فداخله ما هو أكثر!
بداخله عبارة عن إحتلال من الحزن والوجع!!
قطع سيل الذكريات صوتها, تلك الراحة التي دخلت لعرين وجعه وإنتقامه بلا إختيار..!
همسها باسمه كان موجع ومريح , نصفه بسمة تنشق داخله و الأخر كان ندم ينحره!
-غسان !
رفع نظراته لها يتأمل هيئتها الهادئة المريحة قبل أن يجاوبها بنبرة باردة:
-خير فيه إيه!
اقتربت منه وغضبها هنا ينشق ويحترق , تتعجب منه ومن ابتعاده منذ سقوطه الأخير , حتى بناته يقترب منه مرة و يبتعد ألاف المرات !
نبرتها القوية خرجت منها توازي تحكمها في كل شيء لا منطقي تحيا داخله بتعايش قارب وشارف أن ينتهي:
-البنات
همهم وبإغماض عينيه يخفى مشاعره المتصارعة:
-مالهم!
هي لا تعلم أنه هنا كقوس مشدود يتعلم كيف يذهب إلى أبعد من نفسه ويتغلب على حدودها ببساطة!
هي لا تعلم أن غسان يصارع نفسه التي تحكمت فيها خلايا الشر يوازيه الضعف!
هي لا تعلم أنه هنا يتعلم فن التغلب على النفس !
تلك النفس التي ورثها ولم يشكلها غيره , تلك النفس التي خضعت لشيطانها في لحظة ضعف فخسر هو ما هو أبعد من كينونتها !
هو ببساطة خسرها.. خسر نفسه!
اقتربت منه واجهته تحتل عينيه بنظراتها الحائرة .. تراقب جموده بتعجب ..!
تتساءل أين ذلك الثائر لذكر توأمه ؟!
لما يبتعد عنهم وكأنه يخشى الإقتراب؟!
هتفت بمنطق تواجهه بحقيقة تقتله بواقع لا يريد أن يلتفت له .. تضغط بطريقتها حتى يعود:
-غسان أنا مهما كان اديتهم حنان واهتمام , فأنا بالنهاية مرات أب
بتر هو حديثها بضحكة عالية ..!
ساخرة..!
بائسة من تلك النظرة المطلة من عينيه!, يشعل سيجار أخر , يهتف بمرار:
-ايه قصدك هتعامليهم بقسوة مثلا!
هزت كتفيها رغم رغبتها بالنفي ورغم أنها من المستحيل أن تستخدم القسوة ورغم عشقها لبناته ولكنها هتفت بجمود تحرق أخر بطاقة لديها لاستفزازه :
-يمكن وليه لا , مش هكون أحن عليهم منك!
هز رأسه وكأنه لا يكترث لما تقول , يستقيم من مكانه ويدور حول مكتبه يقف بالقرب منها , يخالط أنفاسها الثائرة بأنفاسه الباردة , يرفع أنامله فيلمس وجهها , ينتظر أن تبتعد ولكنها بقيت مكانها تتحداه ربما!
تخرج منه أخيراً نبرة مختنقة لم تلاحظها هي:
-يمكن القسوة تربيهم يافريدة, اصل تربيتي فشلت مع عمتهم !
ابعد أنامله ودار في الغرفة, يتوقف أمام صورة تجمعه بنيرة ويامن !
صورة عائلية مثالية سعيدة وكل ما سبق مرسوم داخل البرواز بامتياز, يمسك الصورة يعرضها أمام فريدة يطلق تساءل وينتظر الرد:
-قوليلي الغلط كان فين يا فريدة !
لا تفهمه فنظرت له بحيرة بينما هو يشير إلي نيرة التي يجلسها بأحضانها, يغمض عينيه عن صورة أخته بصعوبة:
-أنا غلطت في ايه عشان هي ت**رني , عملت ايه قوليلي عشان ...
كاد يكمل ويخبرها بحقيقة الأمور ولكنه توقف !
والتوقف وال**ت كان من أجل الخوف من خسارتها , هو بكل هدوء لا يرحب بخسارتها ولا يريد رغم معرفته ويقينه أن تلك الخطوة قادمة لا محالة!
أكملت هي بدلاً منه :
-قصدك جوازها العرفي من مازن!
هز رأسه إيجاباً فتكمل وتزيد من تأنيب ضميره:
-بس انت مكنتش كده ايه حصل فجأة عشان تبعد يا غسان عن بناتك , وبعدين انت بس موازنتش امورك مش اكتر!
ابتسم بسخرية ثم هتف بسؤال يعرف أن اجابته ال**ت والسؤال هنا هروب:
-فريدة انت نسيتي الي عملته!
لم يأتيه الرد مازالت هي تتهرب وتتحاشى المواجهة , فيستقيم من مكانه قاصداً الخروج من الغرفة فهمست هي:
-ابقى شوف بناتك ياغسان!
لم يستدير لها بل أكمل طريقه للخروج وصراعاته ترافقه !
يتساءل ما الخطأ الذي أقدم هو عليه وما القادم له, وأين النهاية!
اما هي خلفه تنظر له بتعجب يزاد يوماً بعد يوم؛ هو لا يهمل بناته..
يتابعهم جيداً .. يعرف كل ما يدور بيومهم ولكن..
هناك شيء مختفي..
هناك شيء مفقود..
هناك حنان مبتور!
أغمضت عينيها تهز رأسها بحيرة..تخرج نفسها من بؤرة التفكير..فربما الغد يحمل ماهو أفضل!
*******************************
الأوجاع عندما تظهر أمامنا لا تسأل هل نريد عناقها أم لا , بل هي تعانقنا بكل براءة , تحتوينا بكل سهولة وفقط هذا ما يحدث! تتغذي علينا .. تقتات على مشاعرنا وتنمو حد اليأس من الخلاص منها!
وهي !
هي أنثى بعثرها الحب المدنس بإثم الخطيئة , هي بعض الارتباك والملل!
هي لا شيء!
دمعت عينيها داخل غرفتها بالمشفى التي خطته بعد محاولة إنتحار في لحظة فقد وانتهاء...
محاولة أخرى تقترب فيها من خطيئة أكبر خطيئة كفر!
وما أكثر خطاياها وما أعظم ذنوبها !
أغمضت عينيها تتدارك بعض النقاء التي تحاول الحصول عليه , تكترث بثباتها التي إكتسبته هنا بعد عناء في طريق الندم!
نورا الشيخ صاحبة الخطيئة والذنب بالأمس , الباحثة عن التوبة والخلاص اليوم!
رنين هاتفها أخرجها من الشرود بحالة مبتسمة , توقن بل تجزم أن المتصل أثير ومن سواها قد يفعل ..
لقد خسرت الكل في طريقها للخصول على ما تريد وليت ما أدركته كان جنة بل كان نار أحرقتها وحدها !
نار نزعت منها الوجه المزيف للحقيقة فتراها ع***ة دون أي زيف يذكر , لقد توصلت بالنهاية أنها خسرت نفسها وطفلها .. عائلتها و...هو!
أمسكت سماعة الهاتف تستمع لأثير وهي تتحدث لها بنبرتها الحنونة, أثير الدافئة التي استطاعت أن تنشلها من ذلك اليأس الذي عانق وتغلغل روحها بكل بساطة مُجبراً إياها على الرغبة بانتهاء الحياة:
-نورا عاملة ايه النهارده!
-وإجابة نورا كانت هادئة ممتلئة بالرضا بصورة جديدة:
-الحمد لله يا أثير , أخبارك أنت وأخبار عبد الله الصغير!
ضحكة خافتة مع همسة حانية ص*رت من الأخرى على الجانب الأخر من المكالمة :
-اهو ياستي نايم شوية , ش*ي ومتعب!
ورغماً عن نورا دمعت عينيها لطفل فقدته ودون أن تدرك كانت يدها تلمس موضع بطنها المسطحة بالأسفل..
تخبر نفسها وتضع أمامها حقيقة خطاياها وهذا الطفل كان أحدهم كما سقوطه!
تحشرج صوتها وهي تهمس لأثير بوجع يتغلل نبرتها المغموسة داخل الألم :
-أنا نفسي الزمن يرجع, أنا نفسي لو كنت قوية واحتفظت بالبيبي
الوجع يصل أثير فتدمع عينيها هي الأخرى وقلبها ينشطر لنورا!
نورا بالنسبة لها باتت ابنتها لا ش*يقة زوجها , لقد اكتشفت هي بأبسط الطرق أنها مجرد أنثى بروح طفلة تحتاج وتأمل الاهتمام والحب!
هي فقط أرادات بعض الحنان والدفيء , تبغض بداخلها والدة زوجه وتدعو من الله الرحمة لوالده علي ما فعلوه بها..
هتفت تهدئها وتضع أمامها بعض الأمل ولو عبثاً:
-رحمة ربنا واسعة يانورا, وبعدين انت لسا صغيرة بكره تتجوزي وتخلفي وتجيبي ولاد ياحبيتي
وبنبرة متحسرة .. من**رة.. مشتتة قالت:
-ولاد واتجوز تاني, ياه دانت عندك أمل بقى!
والإجابة كانت صارمة حد عدم القبول بالإعتراض تهتف بحزم نابع من قوتها كأنثى :
-نورا خلاص خروجك من المستشفى أخر الاسبوع ومفيش حاجة اسمها مش عاوزة أخرج انتهينا!
كادت نورا أن تبدي اعتراضها ككل مرة ولكن أثير هتفت تبتر رغبتها واعتراضها:
-أنا هقفل بقى عشان عبد الله صحي!
وأغلقت سريعا تاركة نورا تعود لشريط ذكرياتها القديم عندما اقتربت من موسى !
وقوعها بالخطيئة وخسارتها شرفها!
ا****به لها !
دموعها وان**ارها!
ضعفها وذلها!
الوجع الذي لازمها إلى الآن منذ أن فقدت طفلها!
الغدر وتلك كانت كلمة تحمل مفردات ومعاني لا حصر لها داخل نفسها الموجوعة!
فتباً لضعفها وتباً لخزيها من كل شيء!
لما لا يعرفون أنها فقط خائفة , خائفة أن ترى موسى , خائفة أن تلمحه صدفة , بل هي ترى الجميع موسى!
هو ا****ة والوجع !
وهي البائسة التائبة حد الندم