الفصل العاشر
الفصل العاشر
المرأة لم تخلق للضعف..
خلقت للقوة ..
للمواجهة.. !!
هي شجاعة .. متملكة..
ربما انانية..!!
تعشق القتال في ميدان من تحب لتفوز وتنتصر..!!
إنها ببساطة انثي محبة وعاشقة..
تضحي وتأخذ المقابل , ولا تقبل بأنصاف الحلول..!! الأنصاف في عرفها عبثا أن تنشُده,
وهي كانت كذلك تلك الجميلة كما اطلقوا عليها.. زهرة عائلتها..
فاتنة الجميع..
منى أبو العزم..!!
تلك الشابة ذات الثامنة عشر ربيعاً التي قبلت برجل مطلق ومعه طفل..!
قبلت بابن عمها يسري أبو العزم.. مع إستنكار الجميع , وتعجبهم , فالجميلة كانت مطلب لأفضل العائلات وأعرقها, ولكنها ض*بت لهم المفاجأة بزواجها من بن عمها.. والأغرب تلك الزيجة تقليدية بحته , لا يوجد بها تلك المشاعر التي قد تجذب مراهقة يوماً ما..!
وكما تعلمت على يد جدها الذي قام بتربيتها بعد وفاة والدتها وهي في سن صغير, ورحيل والدها للخارج منزويا بائسا في عزلة حزينة على وفاتها..
فكما تعلمت منه أن العائلة اولاً واخيراً, العائلة أهم..!! ورغم أنها تعلم أن جدها هو من اقترح تلك الزيجة على بن العم .. وافقت !
في حديقة القصر كانت جالسة ترتشف قهوتها السوداء مع فريدة تلك الزهرة التي دخلت حياتهم دون أدنى ذنب , كانت ترتشف بتمهل تارة وتتمعن بملامحها تارة وتستمع ببداية يومها تارة آخري, تتمعن بفريدة أكثر فتدرك كونها مهزومة من الداخل بملامحها الذابلة..
وكأن روحها شاحبة..
والنظرات كانت شاردة!!
وكأنها بعالم آخر..!
عقدت حاجبيها وهي تتأملها بعمق ونظراتها لا تحيد عنها ورغم ما تراه من ضعف يتملك من روح تلك الجميلة , لكنها كانت موقنة بداخلها أنها تشبهها ..!!
فتطلعت بها بنظرات عميقة قائلة بلهجة حانية ودودة تطلق سؤال تحتاجه الآخرى , سؤال كربته حانية على روحها المفقودة داخل ذلك الظلام المدنس بلوثة الإنتقام:
-عاوزة تعيطي..؟!
تساؤل لمس أوتار قلبها البائسة يدغدغها فيحاول إعادتها للحياة وبنظرات حائرة حزينة أجابت فريدة هامسة بألم بينما يدها تتلاعب بكوب العصير الموضوع أمامها أعلى المنضدة التي كانت تفصلها عن منى وملامحها ترسم الجمود رغم احتياجها لتلك الجالسة بحنانها :
-وبعد ماعيط هيرجع الي كان ,همحي ذنب بتعاقب عليه وانا معملتوش..!
أطلقت كلماتها بشرود تام, فقط بضع كلمات اختصرت الوضع , اختصرت الألم..!!
اختصرت ما تحيا هي به بسرد سلس سهل في كتابته وقوله , حزين .. بائس في باطنه المظلم.
ورغم أنها بضع كلمات ولكنها اختصرت الواقع وأظهرته في أفضل وأوضح صورة.
كانت الآخرى تنظر لها فتألمت لأجلها.. حائرة لأجلها, فأمسكت بيدها الموضوعة أعلى المنضدة هاتفة بنبرة ودودة تؤكد حديثها خاصة مع ملامحها المستكينة في طلتها تلك:
-مش هيرجع بس. هيهد*كي.. يمكن يقويكي..!!
هزت فريدة كتفها بتهكم ثم ابتسمت بسخرية وهي ترتشف عصير البرتقال , تسحب يدها من يد منى ببرود مصطنع, تحمي نفسها من أن تقع في التعلق بتلك المرأة هاتفة بتعجب بارد.. ساخر:
-العياط بيقوي.. جديدة دي.. !
أمسكت منى بيدها مرة آخرى متجاهلة ملامحها الجامدة وبرودها الخارجي ثم ربتت علي ظهرها قائلة بلهجة أمومة لطالما افتقدتها فريدة لطالما ارادتها..!!
لطالما تمنتها رغم كل هذا الحنان الأبوي الذي عاشت فيه واستأثرت به:
-عارفة انت شبه مامتك..!
احرزت هدف..! هي تعلم ذلك وتقصده تماماَ
فتلك النظرة المتطلعة الفضولية , لأجل والدتها كانت الطريق هي تعلم ذلك, لذلك تعمدت ذكرها!
وبلهفة لم تخطئها وبقلب ضعيف لذكر الراحلة التي لم تري منها الا ملامح باهته ببعض الصور.. ذكريات منثورة في ماضي لم تحضره..!! هتفت بلهجة تحمل بين طياتها حماسا مخلوط برجاء:
-تعرفي ماما.. بجد تعرفيها..!!
وبابتسامة ودودة منتصرة اومأت لها ضاحكة بخفوت :
-اه اعرفها , ورد وهي كانت ورد, كانت معايا في الجامعة كنا اصحاب
**ت قليلا تتأمل ملامح فريدة الشغوفة المتمهلة لتكمل هي باقي رواية والدتها , فتكمل منى بتمهل وهي تنظر لها بعمق:
-مامتك كانت قوية..لا منهزمة ولا ضعيفة..
تشنج جسد فريدة للحظة ولا تفهم لما تقول ذلك ماذا تعني بمنهزمة وضعيفة .. لما تشعر أنها تض*بها هي بذلك الحديث, فسارعت متسائلة وملامحها بها بعض الإمتعاض من أن يكن هذا مقصدها:
- قصدك ايه..؟
هزت منى كتفها قائلة بهدوء حاني.. وهي تتابع ارتشاف قهوتها بهدوء وا*****ة غير عادية:
-ابدا ورد كانت من عيلة عادية.. بس كانت قوية وواجهت مع والدك كل الصعوبات عشان يبقوا سوا..
اكملت أخر رشفة بفنجانها ثم غرزت طرف إصبعها به تتذوق بقايا البن المترسبة كعادتها فتتلذذ به وهي تكمل بلهجة اشبه بالمسرحية:
-قصة حبهم كانت افلاطونية..!!
ابتسمت فريدة بحنين لذكريات لم تحظى بالعيش بها..! لوالدتها التي لا تمتلك منها سوي حكايات وكلمات وبعض السطور المنسية داخل قلبها..
فشردت في تلك التفاصيل التي سمعت عنها الكثير من والدها وخالتها ورغم ذلك هي تريد أن تسمعها مرة اخري..! تريد أن تعرف المزيد إن وجد..!
كانت تريد قول شيء ما إلا أن صراخ ش*يقها كريم بإسمها جعل قلبها ينقبض وبشدة..!!
*************************
منذ قليل..
كان يجلس بغرفته متعباً بعد ليلة طويلة من العذاب وخصام للنوم, أراد أن يذهب لإعداد
قدح من القهوة , خاصة أن الوقت كان منتصف النهار وذلك الصداع الذي يلتهم رأسه ألماً يجعله في حاجة ماسة له, هم بالذهاب ولكن صوت هاتفة أوقفه عندما وجد والدته هي المتصلة, فأجاب سريعا رادفا بملل غير منتبه لتلك الرعشة التي تخللت نبرتها:
-ايوه ياماما..خير!!
انعقد حاجبيه وتشنج جسده ما أن أتاه إجابة الطرف الثاني , فلم يشعر بنفسه وهو يقفز يرتدي ملابسه مهرولاً للخارج..! بملامح قلقة .. متوترة...!!
********
الوقت الحالي..
كان يقترب من فريدة مهرولاً وهو يتحدث بصوت أشبه بالصراخ يتخلله فزع بين طياته:
-بابا في المستشفي يافريدة.. بابا بيموت..
تجمدت مكانها, لا تستوعب ما يقوله ...! أبيها يموت , يموت وهى هنا في سجن مؤقت , دارت افكارها وذكرياتها تخشي الوصول للفقد, تخشي أن يتركها هو أيضاً..
فكانت صامته ..وكأنها لا تتقبل ما يقال.. !! لا خظت منى حالتها فأمسكت بها وكأنها تساعدها على الشعور بما يحدث هاتفة بملامح جادة ونظرات قلقة تشع من عينيها :
-قومي يافريدة روحي مع اخوكي المستشفي لباباكي.. وانا هحصلكوا..
لم تتحرك من مكانها بينما كانت توزع نظراتها بين ش*يقها ومنى, فلم تعي بحالها إلا وكريم يمسك بيدها يسير بها مسرعاً للخارج في إتجاه المستشفى الراقد بها والدهم...!! تبتهل من داخلها أن يبقى معها!
بعد ذهابهم أسرعت منى الخطوات ثم دخلت إلى الفيلا الملحقة بقصرهم حيث صغيرتها نيرة.. تلك الفتاة التي لا تتغير .. !! ولا تتعلم., تلك الفتاة ما يهمها هو نفسها هي فقط.. فقط!!
هزت رأسها يأسا تفكر كيف تترك زوجها ولا تهتم بما يحدث معه.. ولو كان زواج صورياً, إلا أنها يجب أن تنضج وتقم بواجباتها...!!
أما نيرة فكانت تجلس بغرفتها لامبالية لشيء.. حالة من البرود تلبسها وتهيم بها وفيها..!!
ولكن فجأة اطلقت عدت ضحكات تلتها نوبة بكاء حارقة.. لما تعانيه..!! وما تعانيه كان من صنع يدها هي فقط بينما ملامحها الحزينة الجامدة تشحب دون أن تدري!!
دخلت والدتها في ذلك الوقت لتجدها على هذا الحال , بملامح شاحبة وأعين منتفخة من كثرة البكاء..! هل تنكر أنها لا تتألم لأجلها؟!
لا هي لا تنكر فقلبها موجوع .. يتمزق لأجلها , فهي أم بالنهاية, شعرت حينها أنها تنهار وتحترق من داخلها وهي ترى وردتها بهذا المظهر..!
دموع جاهدت أن تمنعها.. فترتدي رداء القسوة وتُلبِس ملامحها قناع الجمود هادرة بها بلامبالاة غير صادقة بالمرة بل موجعة لها:
-انت يابنت.. بتعملي ايه عندك مروحتيش مع جوزك ليه ..
لم تنظر لها نيرة ولكنها بقيت على حالتها تلك ثم همست بشرود وصوتها يصل لها وكأنه بعيداً:
-اروح معاه فين؟!
استنكرت منها لا مبالاتها فاقتربت منها تمسكها من كتفها تهزها بقسوة هادرة بغضب:
-انت ايه مفيش فايدة مش ناوية تعقلي.. يارتني ماخلفتك..
وكم كانت تلك الكلمات الأخيرة موجعة.. ناحرة.. قاتلة لقلب ام.. وابنة..! على حد سواء.
وعندها لم تتمالك نيرة نفسها إلا وهي ترتمي بأحضان والدتها تبكي ..
تنهار..!!
تنشد أمانا تفتقده رغم وجود الجميع...!!
ورغم كل شيء ما كان من منى إلا أن ربتت علي ظهرها بحنان.. مخلوط ببعض التردد!!
ولكنها كانت تحاول أن تستوعبها ..تحتويها..
تشد من أزرها.. هامسة بهدوء وتعقل وملامحها منف*جة بابتسامة تطمئنها:
-يلا يانيرة البسي عشان والد جوزك في المستشفي..عيب كده
ازدادت وتيرة بكاء نيرة واهتز جسدها من شدة الإنفعال فهتفت بنبرة متقطعة:
-صدقيني ده بينتقم ..مني ياماما.. قالي انبارح هتبقي خدامة..
تتألم الأم ولكنها تكتم الألم حتي يضفي الحرج ,وبلهجة حازمة أردفت لها قبل أن تخونها تلك الرغبة الملحة أن تمنع عنها كل أذى فهدرت وهي تبعدها عن أحضانها تجابهها بنظرات عميقة وملامح جادة ثابته:
-وماله لما تخدمي جوزك..!!
هزت نيرة رأسها ثم وضعت يدها أعلى فمها تكتم ذهولها تفكر بداخلها أنها كانت بالأمس البعيد كانت مدللة الجميع , أما الآن هي لا تقوى على شيء فاتسعت عينيها وهي تهمس بذهول وصدمة:
-انت بتقول ايه يامامي
هزت منى رأسها قائلة وهي تبتعد عنها بخطوات هادئة مشيرة بيدها إلى غرفة الملابس تنهي النقاش تماماً:
-عموما ده مش موضوعنا يلا البسي..
وبتذمر طفولي سخيف , لايليق إطلاقا بالمشهد هدرت نيرة ودموعها مازالت عالقة بعينيها وأثار الكحل تزين وجهها :
-ماما فرحي كان انبارح عادي لما ماروحش..
والاجابة كانت نظرة زاجرة.. باترة لأي حديث آخر قد يقال , لتنصاع لها ابنتها في النهاية...!!
فترتدي ملابسها لتذهب بعدها فتتعلم أول درس بأن تكون زوجة!!