الفصل ||21
نُور الصّبح البهيج ينَادِي إلى إبتدَاء يوم جديد ، أزحت الملاءة البيضاء من على وجهِي و تَأمَّلت وجه جونغكوك و قد إنتَشرت به ألغَام الفتنَة ففتَكت بقلبِي و هتَكت بوعيي رفعت يدي لتتنَقّل بين خَمائل شعره الحالكَة تالية وحي عشق الجنون و لمَّا وصلت سبابتي عندَ شتيه إستقرت قرب حلق فضِيّ ثقبه حديثًا عندَ وصولنا ، إبتسمتُ بخفّة أراقبُ وسامته و هدوء ملامحه ثم طبعتُ قبلة نقية على شفته السّفلى تماما حيث يعانقها الحلقُ ثمَّ إنسحبتُ من السرير ببطء خشية مقاطعة نومه العميق...
يبدو لطيفًا جدًّا أثناء النّوم لو ما كان زوجي لظننت أنه رضيع صغير . هو لا يدخر جهدا كي يوقعني في حبه.
حتى دون أن يبذل أي جهد فهو مثالي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
نَسَائم باردة تخطّت الستَّائر التّي تحجبُ عنَّا النّور المتسلل عبر الشرفَة و غَازلتنا فَغِرتُ على حبيبي منها و دَثّرته ثمَّ بَرحت مطرحِي و وضعت ردَاء منَامتِي الزَّهريّة على كتِفيّ ، سرتُ بخُطواتٍ متثَاقلة إلى الخَارج و رَاقبتُ المنظر البديع الذي تُطلُ عليه الشرفة.
هذا البرج الشَّاهق ظَلّ شامخا ، صامدًا على مدى قرون يتوسّط العاصمة و يشهدُ على انتصارات عظيمة و أحداث مهمة في تاريخ واحدة من أشهر البلدان في العالم. لم أتخيل يوما أنّي سأقف على بعد عدّة أمتار من برج إيفيل في شقة فاخرة في قلب باريس عاصمة الرومانسية و الأحلام.
حَياتي منذ تزوجت جونغكوك أصبحت ذات معنى خاص ، كلّ شيء تَغيّر لقد أصبحت السيدة جيون زوجة واحد من أكبر رجال الأعمال و ذي نفوذ و سيطرة كبيرين بعد أن كنت الفتاة اليتيمة تشوي آرين ، أصبحت أرى العالم من زاوية أخرى بعد أن كانت حياتي تقتصر على دائرة صغيرة أفرادها محدودون.
لقد غَيّر حياتي تمَاما كما وعدني ليلة زفافنَا و لا يزال في طور تغييرها...
إبتسمتُ أراجع شريط الأحداث الأخيرة في حياتي و حين بعثرت النسائم خصلات شعري في مداعبة لطيفة أزحتها عن وجهي برفق و رصفتها خلف أذني و أنا أراقب الأفق في شرود.
كنت غارقة وسط دوَّامة من الأفكار حين إنساب صوت جونغكوك رحيقا عذبا في أذني عقَّم مسامعي ، لا يزال مُخدّرا بالنوم فقد غلبَ النعاس على صوته فزاده خشونة و جمالا
" نيني... أين أنتِ ؟ "
سارعتُ بالدُّخول و إرتميتُ إلى جانبه في الفراشِ ، فرك عينيه بتخَاذل ثم طالع صفحات وجهي بلهفة و شغف كأنّي أحدثُ ما كتبَ في الشعر و أسمَى ما نقلَ في الكتبِ. نقرت أنفه بسبابتي و همستُ
" صباحُ الخير كوكِي"
إبتَسمَ متمططًا في الفراش وما لبثَ أن باغتنِي بهجومٍ لم أتَحَسّب له و طَرحنِي مكانه بحيث إعتَلانِي و كان هو أعلى نقطَة يدركهَا بصري.
تَصادمت أمواج المشاعر التي إجتاحتني و أحدثت فوض عارمة بداخلي و لكنّها كلمَا أوشكت على الإنعتاق من جوفي إن**رت على شواطئ فاهي في أنفاس متقطعَة .
" ألم أحذّرك من مُناداتي بهذا الإسم ؟ لستُ طفلكِ"
بَقي ينَاظرني من خلال خصلاته المبعثرة على جبينه فرفعتُ يدَيّ ناحِية خَدَّيه و جَذبتهمَا بلُطفٍ
" مَا كنتَ لتَقول هذا لو أنّك ألقيتَ نظرة على وجهكَ حين كنت نائمًا إلهي مَا أظرفك... منعتُ نفسي من إحضار الحليب و إرضاعك بصعوبة "
أنهَيتُ كلامِي و قد إحتضنت يداي وجهه فشفَيتُ حَاجتِي الملحَّة إلى تقبيلِ وجنتيه الطريتينِ
"ليتك فعلتِ "
إبتَسمَ بجانبية و قد لمَحتُ بريقَ الخُبث يلمَع في عينيه و سرعان ما أدركت ما يدور برأسه لذلكَ فقد غادرتُ حدَّ ذراعاه و قلتُ ماحية الإبتسامة الني كانت على وجهي
"أوه ، نسيتُ أنك منحرف و لا يجدر بي المزاح معك لأن كل كلمة تحمل معنى مزدوجا في عقلك"
رمَقته بنَظرات لومٍ ثمَّ توجَّهتُ نحو المَطبخ و لمَّا ولجته سمعتُ صوته يناديني
" يا... آريني ، هل إنزعجت حقا ؟ "
رفعتُ شعري الطَّويل كي لا يعِيقني و أجبت بينَما أخرج البيض من الثلاجة
" كلَّا سأجهز لكلينا الإفطار "
سمعتُ خُطواته تقتربُ من المطبخ حينَ هتَف مزيحا عنه الغطاء
" سآتي للمساعدة إذن "
بضعُ ثواني حتَّى لحِق بي فنظرتُ إلى بنيته الضَّخمَة تسُدُّ المدخل و إلى جميع تفاصيله التِّي تروقني.
لو أوتيت جميع الصحف و جوامع الكلم و بحرا من الحبر ما إستطعت إيفاءه حقَّ حسنه و كَماله.
تفطنت لنفسي أغرق في دواميس عينيه الدعجاوين دون أن أدرك القاع فقلت في سهو
" تقصد للمقاطعة صحيح ؟ "
رأيته يف*ج عن صف من اللؤلؤ المكنون و يسَارعُ نَاحيتِي ، حمَلني بينَ ذراعيه فدَبّت رائحة عطره الذكية في نفسي تذكي فيَّ نيران الرغبة و تتلاعب بأشرعة الوعي التي جرفتنِي نحو بحر من المشاعر لا يسلم من وطأه.
أرساني على الطَّاولة و دَاهمَ جوفِي بقبلات محمَّلة بسيل من الحبّ لا ينضَبُ و عَسل حلو من شفته يجري على شفتي يتعمّقُ فيَّ إلى أن يتوحّدَ مع نبض الشريان فيتَخَضّب بدَقّات إيمان.
إني ناقوس كنيسَة هو قِدِّيسها و كلّ ما يفعلها فيها مُحلل ، إنّه وصيّ الرّب لي ليحميني و يحفظني و كلمّا دقّ قلبي مرّة إعتكفت في محرابه ألف مرّة
سَوّلت له نفسه أن تمتهنَ يداه فيّ البغيَ فإنسابت عذبة من على ظهرِي إلى حدود مروجٍ غَضّة إمتلأت فاكهة يصعب قطفهَا و لكنَّه جبَّار لا يعرفُ للهزيمَة معنى فقد هتكَ بالحواجز التّي تَحول دون مُراده رغم
أنها واهنة لا تصمد ضدَّ جنود يديه المتمرّسة في السّطو على أراضيَّ دون رحمَة.
لم يبقى أمامه بعد أن أزاح منامتي الحريرية عنّي سوى أن يعيثَ فسادًا في ما يكتنزه جوفي.
لم يكتفي بإيلاج إصبع واحد إنَّما أرسلَ جنوده مثنى وثلاث و رباع تنهَش منّي ما يطِيبُ له و يُلبّي حاجته و لم يكُن يحِقّ لي الإفراج عن ما في داخلي من ثورة جامحة فقد رشاني بقبلات لا تُقدّر بثمن.
إبتَعدَ عنّي قليلا سامحا للهواء بالمرور عبر الثغرات التّي كان يَسُدّها و لما إستجمعت شيئا من ثباتي قلت
" لو إستمرينَا على هذه الحال فلن يجهز الإفطار قبل منتصف الليل لا محالة. "
إبتسمَ بخفَّة و إقترب مُلصقًا جبينه بخَاصتي
" ما العمل و كلّ إنش منك يصرخ فتنة ، إني ما عدت قادرا على مقاومتك "
تَوَسَّلت عَيناه مرفوقة بكلمَاته الشَّاعرية و يداه داعبت خصلات شعري و بين قربه من شفاهي تمتم
" أتعلمين ما أكثر شيء يجذبني لك ؟ شعرك الطَّويل، يبدو كَهِبة من الليل "
إرتسمَ على مبسمي هلالٌ أنارته نجوم لامعة و إمتنعت عن الإجابة ثمّ انسللت من قبضته و رحتُ أعدّ الإفطار كما كنت أنوي أن أفعل قبل أن يقاطعني بمشاغبته في حينِ حمَل هو الأطباق و الملاعق إلى الخارج فقد إعتدنا تناول فطور الصباح في الشرفة.
النسائم هنا منعشة و تمنح احساسا بالراحة ممّا يقوي الشهية.
لم أتأخَّر في تَجهِيز الفَطائر و ترصيف الغلال و إعداد أكواب القهوة كما يُحبّها جونغكوك و سارعتُ في حَملها جميعا إلى الخارجِ حيثُ كانَ جَالسا على كرسيه بلا قَميصٍ يُراقبُ الحركة تَدب في شوارع العاصمَة
شَرعنَا في الأكل بصمتٍ إلى أن بادرتُ بالحديثِ و الحَمَاس يتدفق موجات صاخبة من حلقي لم أكن أعلمُ أنّني أحدثت جَلبَة بينمَا أحاول التعبير عمّا يجُول بخاطري
" باريس رائعَة ، ليتنَا نستطٍيع الإنتقَال هنَا"
إبتسَم في بَادئ الأمر و رَاقبَ جميع حرَكاتِ يدِي في وصفِ مَشاعري ثمَّ عقد حَاجبيه محاولا إسترجاع الجِدّية في ملامح وجهه
" بالمنَاسبَة جَهّزي أمتعتنَا سنُغادِر "
أبديتُ إنزعاجي حين خبطتُ الطاولة و إسترسل لساني في سرد عبارات التذمر و الشكوى
"أتمَازحُني ؟ أخبرتُك للتّو أنِّي أحبّ المكَان "
إرتشفَ بعضًا من قهوته ثمَّ إستدَار يجول بنظَره في الأرجاء
"باريس ليست بتلك الروعة لا يزال هناك عديد البلدان التي أريد منك زيارتها ، بعد يومين سنسافر إلى إيطاليا ثم إسبانيا و ألمانيا و المملكة المتحدة... أمامنا أسبوع للقيام بجولة في أوروبا و بحلول الأسبوع القادم يجب أن نصل إلى نيويورك لي صديق سيفتتح نزله و دعاني لحضور حفل الإفتتاح "
حَالمَا سمعتُ كلمَاته ، الشّخص الوحيد الذي تبَادر إلى ذهني هو كيم تايهيونغ. خالجتنِي مشاعر غريبة في أغلبها سقيمَة نفخت في مزامير الأسى سمفونية الوداع الأخير حين وقّعت عقد قراني مع جونغكوك حكمت على قصتنا قصيرة المَدى بالذبُول و الفَنَاء.
لقد كان ذلك الخيار الأنسبَ لا تزال الندُوب التّي حفرها في قلبي بأظافر الخيانة حَديثة العهدِ لا تُلتَئم و لا تزَال دموعي راسخَة على وجهي كنَحت عريق بأثر لا يُمحى لقد قَضَى على كلّ رابطٍ يجمَعنَا
" أهو تايهيونغ ؟ "
وَضَع مِلعَقته جانبا حالمَا ذكرت إسمه و قد إكفهرّ وجهه بدى غير مُستعدّ لذلك و بصوت خافت أجاب
"كلَّا يدعى بارك جيمين "
تجَمّد الدم في عروقي و نوعا ما شعرت بالنَّدم لذكري سيرته فقد تغيَّرت مَلامحه و أصبحَ الجَوّ من حولنَا جَافًّا. حَتّى إجابته كانت مقتضَبة و بشكل من الأشكال فقد أصبحت جلسَتنَا عقِيمَة لا تُنجِبُ حرفًا يتيمًا .
دَوّرت عينيّ في محجرَيهمَا دون التفوه بحرف و لمّا لاحَظ إرتباكي و رغبَتي في مفاتَحته بالحَديث عاد إلى تقطيع الفطيرة و أكلهَا و بلطف سأل
" هل سمِعتِ يومًا ب disney land paris "
كنتُ لا أزال ألتزم بالصَّمت خَوفًا من إفساد الموقف أكثر ، إكتَفيت بحركة من رأسي تفيدُ النفي إجابة منّي على سؤاله و هو بدوره قال
" إنَّه عَالمٌ خَاصّ بالأميرات الصغيرات أمثالك ، لنُمضي اليوم في التّسكع كآخر جولة لنَا هنا ثمَّ سنذهبُ إليه مَساءً "
أومأتُ له بإبتسامَة فاترة ثمَّ غَادرتُ بغرضِ إرتداء ملابسي ، ولجتُ غرفتنا و إستندتُ إلى البابِ بعد أن أوصدته.
أنفاسي تتسَارعُ في سبَاق مصيريّ و إهتزازات ص*ري كشفت لي إلى أي مدى عَبث ذكره بكياني ، أخشى أن يَشكّ جونغكوك في شيء ما إنها نهايتي بالتأكيد.
بخُطُوات مُتَعثّرة سرت نَحو الكُرسيّ قبالة طاولة الزِّينة و تَهالكتُ عليه بصعوبَة. تفرَّست إنعكاسي في المرآة في شيء من الهَلع يبدو على وجهي الشُّحوب كأنَّ الحَياة غادرته ، دَلّكتُ وجنتيّ و صدغي مخففة من توترِي الذي تسبب في إرهاق بشرتي و إستنشقت قدرا كافيا من الهواء كي يقتل الغصَّة في ص*ري حينهَا شرعت في الإستعداد مُحاولة تجاهل ما حَدث منذ قليل
حَطّت عَينَاي في الخزانَة على سروال جينز واسعَ المَقاسِ و أرفقته بقَميصٍ أبيض قصيرٍ تُعانقُ حَافَّته خصري و حذاء ريَاضيّ بنَفس اللَّون ، كنتُ سأكتفي بهذا بالنسبة لإطلالة اليومِ و لكن جونغكوك ما كان سيَسمَح لي بالخُروج بص*رٍ و بَطنٍ مكشوفين لذلك فقد أضفتُ جاكيت رَمَادية .
شَرعتُ في خَلع منَامتِي الحريريّة تَزَامُنا مع دخول جونغكوك الغُرفة دون إستئذان ممَّا جَعلني أصرُخ من هَول الصّدمة
" ا****ة!"
تَوجَّه ناحية خزانة ملابسه بحثًا عن ما سيرتديه دون أن يبِالي بي و لمَّا أخَذَ مبتَغَاه إستَدَار لي و قال بنبرة لعوبة بينما ينهَش جسدِي بنظرات حادّة
" لا تفزعي عزِيزتي، إنّي أحفظ تضاريس جسدك لدرجة أنّي أتوغل فيهَا دون خَريطَة "
كَوّرت شفَتيَّ بعبوسٍ طفيف أراقِبه يخلع سرواله الرياضي و يغيِّره إلى آخر فضفاض و أ**د اللون ، ياله من منحطّ!
واصلتُ إرتداء ملابسي ثمَّ سارعتُ لوضع مساحيق التَّجميل ، حمرة الشفاه و ماسكرا خفيفة
حلَلت عقدة شعرِي فإنساب على كتِفيَّ حينَها شعرتُ بأيدي جونغكوك تُصففه من أجلي
"سينَاسبكِ لو سَرَّحته كَضَفيرة "
تَخللت أنَامله بين ليالي الألفة في شعري ففرّقتها على حِدَى و جعلت تنسج بينها سنَوات المحبَّة و سهرات العشق و بين كلّ عقدة و أخرى طبَع قبلة كَشاهد على الهيَام.
إنتهَى من عمله الذّي أنفق عليه كمًّا هائلًا من الإهتمام و التركيز فطرحه إلى مثواه الأخير على كتفِي ليتدَلَّى وصولا إلى صَدري ، إنحنى و بِصوت خَشن هَمس عند أذني
" أنتِ أجمَل فتاة رأيتها في حياتي"
تَشَبَّثت بيده المتموضعة على كتفي و أطلقت شفاهي على كَفّه قبلة حبّ و إمتنان ثمَّ رافقته إلى الخَارج ، ملابسه توحي بموعد ممتع و مريح خاصّة مع شعره الممَوَّج و قميصه الذي تركَ أزراره العلويّة مفتوحة تَكشفُ جُزءا مُقدَّسا من فتنته
شابكتُ يدي بخَاصّته و غادرنا الشقّة ، رغم أنَّنا نمكثُ هنا منذ يومين إلا أنَّني لم أُشبع عينيَّ من مشاهدة المَباني العريقة التي تحكي تاريخًا مليئا بالأصالة و الفنّ و الجمَال. كلّ شيء يبدو متقنا و بتفاصيل جذَّابة كأنه عمَل ساحرٍ عبقَري دَفن في الجدران قِصَصا لا تُمحى و في الصور سُطورا لا تُنسى.
سرتُ مَشدودة إلى البنايات التراثية و التفاصيل الكلاسيكية يبدو و كأنني زرت للتو فلمًا تاريخيا ، شدِّ جونغكوك إنتباهي من جديد حين أشار إلى محلّ يبيع دراجات هوائية
" ما رأيكِ في سباق درَّاجات "
إبتسمتُ تلقائيا بينما تمركزت نظراتي حول دراجة وردية ذات أشرطة جميلة
" سيكون ذلك منعشًا ، أنا موافقة "
قام بإستئجار دَراجتين واحدة له و الأخرى لي و قد كانت الدراجة الوردية من نصيبي واضح أنه لاحظ رغبتي بها، إمتطينَاهما و قبل الإنطلاق هتف جونغكوك
" إلى المنتزه أمام برج إيفيل"
سارعنَا في القيادة طورا أهزمه في السباق و طورا يتغلَّب عليَّ فيخَلفني خَلفه إلى أن وصلنا إلى وجهتنا منهكين فإستلقينا على العشب اليانع مقابلا للمسابح التّي تقدّم عروضا مائية على أنغام موسيقى رومانسية، دقَّات قلبي تتسارع و بالكاد أستطيع إسترجاع أنفَاسي الضائعة نظرت إلى جونغكوك مقابلا لي و تململتُ في مَكاني بغية الإقتراب منه ، جلتُ بلمَساتي عَلى وجهه و فجّرت قبلة شغُوفَة على فاه ثمّ رفعت بَصَري أرَاقبُ السَّماء الصَّافية
" لنَحضى بقسطٍ من الرَّاحة و من ثمَّ نُغادر أميرتي "
إكتفيتُ بزرع بسمة لطيفة على ثغري ثمَّ أغمضتُ عينيَّ أستمتعُ بأفضل لحَظات حياتي.
إنقضت السويعَات سريعًا بينَ إستجمام و تَسكّع و إكتشاف لأطعمة جديدة و مع حُلول الخَامسة مَساء إقترح جونغكوك المغادرة فقد رأى أنه الوقت المناسب للإستمتاع.
قاد الطَّريق نحو مكان أجهله لقد كنت فقط أتبعه على دراجتي مجارية نسق سرعته ،وصلنا أخيرا إلى مدينة أل**ب ضخمة تعجّ بالسياح و الأطفال و الكبار ، الإحتفالات تجري على قدم وساق و الناس يرتدون أزياء مزركشة ، الفتيات يتزين بأثواب و حلية كما لو أنهم قادمون من أفلام ديزني. كلّ شيء يبدو رائعا و كأني للتو دخلت بوابة سحرية حمَلتني إلى أرض الأحلام
" لا أصدِّق ! "
فُغر فاهي و في غياهب غفلتي تمتمتُ ، لم أستفق إلَّا حينَ إسترعى جونغكوك إنتبَاهي بالحَديثِ
" لا يَزال هنَاك الكثيرُ لتريه نيني "
رَكنَّا الدراجتين في مكان خاص لهمَا و وَلجنَا المكان ، أكثر ما شدَّني هو القَصر الضخم الذي يتوسط بقية الأل**ب ، لقد سبق و رأيته في أفلام ديزني و أرغبُ بالعيش به لكني أخشى سخرية جونغكوك لو أفصحت له عمّا يجول بذهني.
كنَّا نسير مشابكي أيدينَا كحبل مودّة يجمعنا و لم أكفّ طوال المسير عن مراقبة الأل**ب من حولي لا أدري أيّها سأجرّب أوّلا و في خضمّ كل هذا تعالت أصوات الأطفال و ضحكات العشَّاق فأضفت على المكان رونَقًا خاصًّا .
وجدت نفسي أقف أمام قطار مَلاهي ضخم و قد إشترى جونغكوك تذكرتين من أجلنَا ، وقفنا في الطابور إلى أن بدأ الناس بالوفود إلى الدّاخل و بالنَّظر إلى علو هذه اللعبة و إرتفاع آخر نقطة سنصل إليها شعرت بقلبي يخفق ، ألقيت نظرة على تعليمات السَّلامة فوجدت اللعبة محظورة على كبار السن و الأطفال و الحوامل و من يعانون مشاكل صحيّة ليتني وجدت فيها سببا يمنعني من عَدم الصعود و يعفيني من هذه الرّحلة الخطرة .
أخذت مكاني بجانب جونغكوك و تمسَّكت بيده منتظرين بدء اللعبة ، بدأ القطار بالسير على السكة رويدا رويدا و لا أنكر أنَّ ذلك كان ممتعًا حيث تَمكنت من رؤية برج إيفيل من أعلى نقطة وصلنا إليها ، لقد بدى كنَار على عَلم بأضوائه الفاتنة أو ربَّما ألماسة نَفيسة محفوظة في قلب مدينة عريقة. كنت أتأملُ المنظر السَّاحر بشغف إلى أن باغتني القطار بنزول مفاجئ و سريع خَبطَ قلبي بقوة حتّى خلتُ أنه أفقَده نَبضه ، صرختُ تعبيرا عن خوفي و بسَطت يدي على ص*ري أخفف عن نفسي.
تواصلت الجولة لخمس دقائق تقريبا و لمَّا إنتهت إنتهيت معها ، نزلنا من على القطار و قد كنت متشبثة بقميص جونغكوك فقد شعرت بدوار مميتٍ كأنّي سقيت من الخمر أطنَانا و أحسست بألم شديد في معدتي ، لوهلة خلتُ أني قد ألفظ كلَّ ما في جوفي.
تَوقّف جونغكوك و إستدار ناحيتي يتقصّى أمري و قد رفَع بيده الجزء العلوي من جسدي الذي عجزت عن حَمله
" ماذا بك ، إنه ألمٌ خفيف بسبب سرعة القطار لا تقلقي سيَنقضِي..."
أومأت له كي لا ينشَغل باله بسببي ، لم أشأ أن أفسد المتعة ففرصَة كهذه لا تتَاحُ لنَا دائما و حاولت جاهدة التّصرف على طَبيعَتي.
" لنَذهب إلى منزل الرّعب "
هتَف بعد أن جال ببصره في الأرجاء ، ذهلتُ إذ أنّه على تعدد الأل**ب و كثرتها لم يجد مكانا آخر ليأخذنا إليه. لوحت بيدي في الهواء معربة عن رفضي لفكرته
" لا أظنُّهَا فكرة جَيدة ، دعنَا نَجدُ لعبة لا تسببُ في نوبَات قلبيّة "
إنكمَشت ملامح وجهه مبدية إنزعاجًا طفيفا و بتذمّر أشار إلى الحشود الغفيرة التي تقف أمام المدخل
"كفاك آرين ، أنظري إلى المراهقين يتوافدُون عليه لن يكون مُخيفًا إلى تلك الدرجة"
كنتُ مجبرَة على مُرافقَته رغمَ أنِّي لم أكن مقتنعَة بذلك و لكن ما باليَد حيلة ، ما إن تخَطيتُ عتبَة المنزل الذي تحفّه أشجار شائكة و سياج حديديٌّ ضخمٌ حتى بدأتُ بالبحثِ يمينًا و شمَالا عن آفة يمكن أن تهاجمني في أيّ وقت أو تظهر أمامي فجأة فتسبب لي الهَلعَ. كلّمًا خَطونَا إلى الأمَام زادَ تَمسُّكي بجونغكوك و إرتباكي بسبب أصوات الطنين المرعبة في الأرجاء.
" جونغكوك ذلكَ الشيء في الصورة ينَاظرني "
هَمستُ و في صوتي ذبذبات هزّت كلّ كلمة تخرج من فَمي بعد أن لاحظت عيونًا تلاحقنِي. إكتفَى بالتربيت على يدي برفقٍ و قال مبَسّطًا الأمور
" إنَّها مؤثرات بَصريَّة لا أكثَر، فعلًا لا أرى شيئا مخيفا هنا"
كنتُ سأخبره أن ذلك مؤكّد لأنَّ مشاعره ميتَة و لكنِّي خَشيتُ أن يتركَني هُنا و يرحَل. رَفعتُ رأسي بتردد حينَ سمعتُ صفيرا حادًّا عند أذني و أول ما حَطت عليه عينَاي كان هَيكَلا عظميًّا يسير في الأرجاء إرتعدت أوصالي و شعرت أني سأفقد وعيي حينهَا فإستنجدت بجونغكوك و تَشبثت بعنقه كأنّه طوق نَجاتي.
تَحَوّل خوفي الذي عرقلَ كلًّا من مسيري و حركَتي إلى طوفان من الدموع التي جَرفَت صوتي فمَا إستطعت الكلام حتَّى
" إنّه غير حقيقيّ! لا داعي للخوف"
حاول جونغكوك تهدئتِي ماسحًا على ظهري بخفّة لكنني أبيتُ أن أصغي له و إنت**تُ رافضة الحراك
" جونغكوك أخرجني من هنَا "
صرختُ وسط إنتحابي و أبيتُ فتحَ عينيَّ و الخوف ينهَش قلبي فدمَت أعينِي بدلا منه. تمَسَّكت بساعديه المتينينِ حينَ حَملنِي خارجًا و بعد دقائق من المشي أجلَسني على مقعد رخاميّ
"إفتحِي عينيكِ لا شيء يدعُو للخَوف ، أنَا بجانبك. "
إحتَضنتُ يده و تشبَّثت أنَاملي بكَفِّه ، رَفعتُ جفوني ببطءٍ و الرؤية ضبابية و قد تكدَّست الدموع عند بلورتيَّ و لمَّا تأكَّدت أنّ المكان آمن إرتميتُ في حضنه متشبثة بياقة قميصِه
" أنتِ إمرأة بعقل طفلة لا أصَدّق أنّ ذلك أخافك حَقًّا ! "
هُو لا يُجيد المواساة أو التَّخفيف عن الآخرين فلسانه شائكٌ يؤذي كلَّ من إلتمَس منه زهور الأمل و يغرِس فيهم اليأس فتنزفُ حُزنًا ، زَادت كلمَاته من شهقاتي فدفنها في ص*ره حتى أخرسَها و لم يعد يسمَع لبكائي صدى أو صوتٌ
" حَسنًا توقفي عن البكاء سنَجد لعبة أخرى تناسبك "
إمتنعتُ عن الكلامِ و جعلتُ أمسحُ دموعي في هدُوء حينَ أشارَ إلى مَحل مثلجات منتصِب قبالتَنَا
"سأحضر لصغيرتي المثلجَات ، إنتظريني هنَا "
أومأتُ و قد غادرت فاهي تنهيدَة خلتها دفينة في ص*ري فربّت على فروة رأسي بحُنوّ و إتَّجه إلى المتجر الذي يبعد عنا بضعة امتار و يتوسط ساحة فسيحة اكتظّت بالزّوار .
ظللت جالسة في مكاني أراقب المَارَّة و ساقايَ تتدَليان من المَقعد جيئة و ذهابا علِّي أتخلص من التوتر و الملل ، طَال إنتظاري لجونغكوك و الواضح أنَّه سيتأخرُ لأنّ الطابور طويلٌ لذا فقد تأفأفتُ بإنزعاج و جلستُ أعدّ الدقائق بينَما أتجوّل ببصري ذات اليمين و ذات الشمالِ إلى أن شعرتُ بشيء ينقر يدي المستندة إلى رخام المقعد و صوتٍ لطيف ينادي
" مَامِي! "
إستدرتُ مستفهمَة عن مص*ر الصوت فلمحتُ طفلا صغيرا قصيرَ القامَة وجنتاه حدائق لشقائق النعمان و شعره أشقر يلمعُ على الأضواء التي تنِير مدينة الأل**ب كالتبر ، لم يكن لون عينيه واضحًا بسبب الظلمة و لكنهما كانتا صافيتين كليال صيفية ، إهتز قلبي لكلمَته الرقيقة كأنَّما روَاه حُبًّا بحتًا و لكنّه سرعان ما تراجعَ خطوة إلى الوراء حينَ رآني و أبدى إستنكارا. واضحٌ أنه كان يبحثُ عن والدته و أخطأ بي لمَّا أدركَ أني لست ضالته لمعت عينَاه و تزاحمت العبرات في حلقه ثم نطق ببضع كلمَات لم أفقه منها شيئا الواضح أنه إنجليزي فهذا ما إستطعت تمييزه إستنادا إلى معرفتي الضئيلة باللغة
" أنظروا إلى هذا الصغير كيف يتحَدّث الإنجليزية بطلاقة و أنا لا أجيدها ، هل تبحث عن أمّك ؟ "
إحتضنتُ ذقني بيدي أُفكّر في طريقة للتواصل مع هذا الصغير و لم يكن هناك سبيل آخر سوى الإستعانة برصيدي اللغوي الضعيف علَّه يفهم مقصدي . وجَب علي كذلك الإستعانَة بيدي للإشارة ، جذبتني عيناه الواسعتان ووجنتاه الممتلئتان لذا حملته و وضعته على حجري مشيرة إلى محل المثلجات
" دادي ذهب ليحضر الآيسكريم"
النتيجَة كانت خلطة بين اللغتين و أشكُّ أنه إستوعبَ مقصدي لكنَّه و لحسن حَظّي لم يبدأ بالبكَاء بل بقي جالسا في حضني و رفع رأسه ناحيتي و قد علت ثغره إبتسامة لطيفة ، و رغم أننا نجهل اللغة إلا أننا تخطينا حواجزها و أصبحنا صديقين بسرعة و إستمتعنا باللعب معا
بعد زمَن وجيزّ لمحتُ جونغكوك يتقدّم ناحيتنا حاملاً اثنين من المثلجات واحدة بنكهة الفراولة و الأخرى بنكهة الليمون و حالمَا مَثل أمامنا أشار إلى الولد بين ذراعيّ و في هدوء مخيف تمتم بينَما يرمقني بطرفه بحدّة
" من أين أحضرتي هذا ؟"
شعرتُ بإنزعاجه من خلال نظراته الفتاكة خاصة و قد إختفى بريق جوهرتيه فسَارعتُ بالحديث مُحاولة التخفيف من حدة الوضع و شددت الوثاق حول الصبيّ
" لقد كان يَظنُّ أنّي أمه ، على الأغلب فهو تائه "
راقبه طويلا و قد خشيتُ عليه نظراته السَّامة فهي تضاهي نبالا تصوّب بمهارة في مرمى الفتى الصغير ، مَدَّ ناحيني حصتِي من المثلَّجات فرأيتُ عيونَ الفتَى تتوسّع و هو يراقبهَا بيدي ، ما من أحد يستطيعُ مقاومة كتلة اللطافة هذه
" إن أعطيته المثلجات الخاصة بك فلن أقف في ذلك الصف الطويل مجددا كي أبتاع لك غيرها "
نَبسَ جونغكوك ببرود بينمَا يراقب عينيّ و قد لانتَا إعجَابا و عطفًا. دون تَفكيرٍ قدَّمت مخروط المثلَّجات للصغير و قد إبتسمت عيناي من شدّة الفرح قبل أن أفعَل حتّى بِتّ أبصره بصُعوبَة. شعرت بموجات الحنان تغرقني حين طبع قبلة خفيفة على وجنتي تعبيرا منه عن شكره.
" thank you "
نظر إليَّ جونغكوك بجانبِيَّة قبل أن يجلس إلى جانبي و يتوجه للفتى بالحديث ، تبادلا الكلام لدقيقة تقريبا و قد شردت في تفاصيل جونغكوك و هو يحاول جاهدا مسايرة الطفل و مجاراته في الحديث لقد كان ذلك منعشًا
" لنأخذه إلى مركز الإدارة ، لا بدَّ أن والديه يبحثان عنه"
قاطعَ جونغكوك تأملاتي و خلوتي بقدسيَّة ملامحه الطاهرة في أبهى موسم لها حين إستقام و حمل الطفل بين ذراعيه بعدَ أن منحَني المثلّجات الخَاصّة به ، يبدو أنه إستطاع أن يفهم السبب وراء تجول الطفل وحيدا.
سرتُ خلفَهمَا ألاعبُ الطّفل و أقوم بحركات مضحكَة و كلًّما إرتفع صوته بقهقهات نقية أشعر أنّي **بتُ الدنيا بأسرها ، إستمرت مشاغبتي معه إلى أن وصلنَا إلى مقر الإدارة حيثُ قفز الطّفل و ركض نحو والدته التي كانت مذعورة تنتظر خبرا عنه. كان ذلك أفضل مشهد رأيته في هذا اليوم جعل قلبي يقفز بين أضلعي فرحا و لكم وددت لو أجرب شعور الأمومة فقد عشت محرومة فلا أحسست بحنان الأم و لا أظن أني سأمنحه. إستدار الفتى الصغير و لوَّح لي بسعادة غامرة و فمه لا يزال ملطخًا بالفراولة فإبتسمتُ بعفويّة و بادلته. ظلّت والدته تسرد عبارات الشكر و التقدير لجونغكوك و حين إطمئن بالي و أدركت أنّ الصبي عاد إلى حضن أمّه عقدت ذراعي بذراع جونغكوك و غادرت في صمت ، لم يبادر هو الآخر بالحديث فشعرتُ أنّي أسيرُ بين على حافة الهاوية و أي كلمَة خاطئة أقولها قد تسقطني في جُبّ غضبه ، إستجمعت فتات الشجاعة المتبقي لي و ألقيت بأول كلمات خطرت ببالي
" جونغكوك ما رأيك لو ... "
لم تكلل شجاعتي المزعومة بالنصر فقد إقتطع من جملتي أكثر من نصفها فباتت بلا معنى و بكلمة واحدة أخرسني و دمَّر كلّ ما كنت أخطط لأجله
" لا... "
توسَّعت عينَاي لوهلة ثمّ واصلت مصممة على إيصال مبتَغاي
" لكنِّي لم أكمل كلامي بعد "
كانت عيناه مثبتتين في الأفق لا تتزحزحان عنه و بصوت خشنٍ أجَاب
" و لأني أعرف ما ستقُولين أَجبتُ بِلاَ . ستستمرين بالهذيان بهذا الطفل و قد أخبرتك سابقا لا أريد مفتعل مَشاكل بيننا "
إشتَدّ الصراع بين حَاجبَيَّ للظّفر بالمسَاحة بينهما و تزاحمَ الكَلم في حنجرني فبَان الحماس في نبرة صوتي
" جونغكوك أنت حقا لا تعرف كم هو رائع أن نمتلك صغيرا ، أنت تقول هذا لأنه لم يناد*ك مامي "
منعَ نفسه من الإبتسام بصُعوبة ، أعلم أنّي أبدو مضحكة خصوصا و هذه الحجج الواهية التي أتَسلّح بها في معركة ضارية ضدّه و أنا لست ندًّا له. إستدار ناحيتي و أجاب محاولا إستفزازي و قد نجحَ في ذلك
" أولا أنا دادي و لستُ مامي ، ثَانيًا أفضل سمَاعها بنغمة صوتك فقَط "
شحذته بنظرات حادة آملة أن تحمل له مقدار الإنزعاج بداخلي لكن لا أظن أنه سيأخذ ذلك على محمل الجدّ فمن عادته رفع ضغطي بتصرفاته
" لا أعلم كم مرة قلتها لكنّي أريدك إضافة هذه إلى المجموع ، أنت منحرف، مزعج و لا فائدة ترجَى منك "
رَفع أحدَ حاجبيه بإستهزاء و قالَ بينمَا يضع يده على معدَتي ممَّا جعلني أشعرُ أنه ساهم في إزدهار فصيلة من الفراشات بها
" حقًّا ؟ أعيدي إليّ مثلجاتي إذن "
تظاهرتُ أنِّي لم أسمعه فمن ناحية كنتُ قد إلتهمتُ مثلّجاته بعد أن فرطت في خاصتي إلى الولد الصغير و من ناحية أخرى لم أرغب في الكشف عن الفوضى التي تسبب بها في داخلي بلمسَة واحدة.
" أوه المِهَار الدّوارة أخيرا وجدت لعبة تناسبني ، هل تريد أن تجربها معي ؟"
ركضتُ مبتعدة عنه و مخفية توتري فلحق بي بخطى متثاقلة بينما يحشر كلتا يديه في جيوب سرواله الفضفاض و في سخرية نطق
" لا شكرًا لقد كبرت على هذه اللعبة ، سأكتفي بإلتقاط الصور لكِ صغيرتِي "
صعدتُ على متن مهرٍ ورديّ و بعد لحظَات بدأت اللعبة في الدوران بنسقٍ بطيء سمَح لجونغكوك بأخذ العديد من الصور لي ، لم أتوانى في التعبير عن مدى سعادتي و أنا أمتطي هذه اللعبة فقد إستمريت في التلويح له و الصراخ بإسمه طوال الوقت... هذه اللعبة كانت و لا تزال المفضلة لديّ منذ طفولتي، سنحت لي الفرصة بتجربتها مرتين فقط فالزيارات التي ينظمها لنا الميتم معدودة تكاد تكون معدومة و قد كنَّا نُقَسّم على فرق مكونة من أعداد قليلة لذا فالمتعة كانت مجرّد وهمٍ بالنسبَة لنا و لكن بالرغم من ذلك فذكريات هذه اللعبة لا تزال راسخة بعقلي و ضحكات ليسا عالقة في أذني ، لن تمحى مهما طال الزمن
لقد كان يراقبهَا متيمًا ، أحَبَّها مكرهًا و في حبها ما من يُسر بعد العُسر فعاش أبد الدهر يكتوي بنار عشقها كمن سكَن في سَقر ، نزلَ بهَا ليلَة بالسّحر فبَاتت موطنًا و عجَز بعدها عن السَّفَر. يلوذُ بهَا و هو نقيضهَا كالمرّ و السكّر و يحنّ لها كالطير حين يهاجر الوكر و يهتز لها كالأرض حين تعانق المطر و يتوق إليها كآخر سطرٍ.
هي قرينه الذي تجسد في جسد حواء لا تشبه أيًّا من البشر
لو أنَّها عَاشت معه في نفس القصر و ترعرعت في بيئته بين المَلذّات و السمر، لو أنها ولدت منذ البداية كفردٍ من العائلة أتراه كان سيحبّها بهذا القدر ، أكان المال سيفسدُ طبعَها كما بالمثل معه فعَل... و هل يقدر على إخبارها بواقع الأمر أم وجب عليه أن ينتظر