ركضت إيفا بأقصى سرعتها وسط الزحام، تتجاوز الناس بصعوبة، تدفعهم أحيانًا أو تنحني لتتفادى الاصطدام. كانت أنفاسها تتسارع، وعرقها يتصبب، لكنها لم تتوقف.
من الجهة الأخرى، كان إيريك وويليام يشقان طريقهما بين الحشود، يتفاديان المارة دون أن يبطئوا من سرعتهم. إيريك، بخفته وسرعته، كان الأقرب للوصول إليها، بينما كان ويليام أكثر تركيزًا على رصد تحركاتها لمنعها من الاختفاء في أي زقاق آخر.
استدارت إيفا فجأة إلى شارع جانبي، غير مدركة أنها تدخل في طريق ضيق ومحاصر بالمباني العالية. أدركت متأخرة أنها قد علقت في فخ. توقفت لوهلة وهي تحاول استجماع أنفاسها، ثم استدارت بسرعة لتجد إيريك قد دخل خلفها، وعيناه تلمعان بإصرار.
"انتهى الأمر، إيفا. لا تحاولي المقاومة." قال بصوت حازم، لكنه لم يكن يحمل نبرة تهديد.
وقبل أن تتمكن من التفكير في أي خطوة أخرى، ظهر ويليام عند المدخل الآخر للزقاق، قاطعًا عليها أي فرصة للهرب. حوصرت تمامًا، ولم يكن أمامها سوى المواجهة.
أمسك إيريك ذراع إيفا بإحكام، لكنه حرص على ألا يضغط كثيرًا بسبب جروحها السابقة. كانت تقاوم بكل ما أوتيت من قوة، تض*به بيديها وتصرخ محاولة الإفلات، لكن دون جدوى.
"إيفا، توقفي عن المقاومة! لا نريد أن نؤذيك!" قال بصوت منخفض، لكن نظراته الجادة لم تتغير.
كانت إيفا تبكي، جسدها مرهق من الجروح والهرب والخوف، لكنها لم تستسلم بسهولة. حاولت التملص مجددًا، لكن ويليام تقدم وساعد إيريك في تثبيتها بلطف.
"اهدئي، إيفا، أنتِ لستِ في خطر." قال ويليام بنبرة هادئة، لكنه كان يعلم أنها لن تصدقهم بسهولة.
إيفا، التي كانت ترتجف من الغضب والخوف، صرخت: "اتركوني! لا أريد العودة! أنتم تكذبون عليّ!"
شعر إيريك أن الأمر لن ينجح بهذه الطريقة. نظر إلى ويليام بإشارة صامتة، ثم قال بهدوء: "نحن لا نعيدك كرهًا، لكنكِ بخطر حقيقي، وليس لدينا وقت لنشرح الآن. ثقي بي لمرة واحدة فقط."
لكن إيفا لم تستطع الثقة بهم بعد كل ما حدث. حاولت المقاومة مرة أخرى، لكن جسدها كان ضعيفًا. لم تستطع الوقوف بثبات، وبدأت تشعر بالدوار من شدة التعب والإرهاق.
شعر إيريك أن لا خيار أمامه. نظر إلى ويليام وقال بحزم: "لن نستطيع إقناعها الآن. لنأخذها بسرعة قبل أن تنهار حالتها أكثر."
ثم رفعها إيريك عن الأرض، رغم مقاومتها الضعيفة، واتجه بها نحو السيارة التي كانت تنتظر في نهاية الشارع، بينما كانت دموع إيفا لا تزال تسيل ب**ت.
إيفا كانت تقاوم بكل ما تبقى لديها من قوة، لكن الإرهاق والصدمة كانا أكبر منها. شعرت بحبال قوية تربط مع**يها خلف ظهرها وكاحليها معًا، مما جعل أي حركة مستحيلة. حاولت الصراخ، لكن إيريك وضع يده على فمها لتهدئتها.
"اهدئي، لا نريد إيذاءك، لكنكِ لم تتركي لنا خيارًا." قال بنبرة صارمة، بينما كان ويليام يرفعها بسهولة على كتفه، وكأنها لا تزن شيئًا.
لفّها بمعطفه العريض ليخفيها عن الأنظار بينما تحرك نحو السيارة المتوقفة في زقاق مظلم. حاولت إيفا أن تتملص، لكن جسدها المتعب لم يكن بقوة جسديهما المدربين. كانت تشعر بالإهانة، بالغضب، بالخوف… لكنها لم تستطع فعل شيء سوى مقاومة لا جدوى منها.
حين وصلا إلى السيارة، فتح إيريك الباب الخلفي، ودفع ويليام إيفا للداخل بلطف، ثم جلس بجانبها ليضمن أنها لن تحاول القفز. استدار ويليام ليقود السيارة، بينما كان إيريك يراقبها بنظرات حذرة.
"أنا آسف، إيفا، لكن هذه هي الطريقة الوحيدة لحمايتك." قال بصوت منخفض، بينما كانت إيفا تحاول استجماع أنفاسها، ودموعها الساخنة تنساب على وجهها ب**ت.
أخرج إيريك جهاز الاتصال اللاسلكي من جيبه وضغط على الزر، قائلاً بصوت ثابت:
"هنا إيريك، وجدنا الهدف. نحن في طريقنا إلى المقر."
وصل الرد بسرعة من هنري، الذي بدا صوته جادًا: "تأكدوا من أنها بخير، ولا تدعوا أي شخص يلاحظكم. سنجهز المكان لوصولكم."
جاك، الذي كان لا يزال يبحث فوق أسطح المباني، توقف للحظة قبل أن يعلق بنبرة ساخرة: "توقعت أن تهرب، لكن ليس بهذه السرعة. جيد أنكم أمسكتم بها قبل أن تسبب فوضى أكبر."
فريدريك رد بجدية: "سأعود للمقر لتحضير كل شيء."
أغلق إيريك الاتصال ونظر إلى إيفا، التي كانت لا تزال مقيدة وتنظر إلى النافذة ب**ت، وملامحها ممتزجة بالغضب والخوف. لم تحاول التحدث، فقط كانت تحدق في الأضواء التي تمر سريعًا مع حركة السيارة، وكأنها تحاول إيجاد مخرج من هذا الكابوس.
كان ويليام يقود بسرعة، متجنبًا الشوارع المزدحمة، متجهًا مباشرة إلى المقر. الجو في السيارة كان متوتراً، ولم ينطق أحد بكلمة طوال الطريق
في المقر، وقف هنري في منتصف الغرفة، ذراعيه متشابكتان، وعيناه تضيقان بغضب بينما ويليام ألقى بـ إيفا على الكرسي بقوة، مما جعلها تتأوه بخفوت. كانت لا تزال مقيدة، أنفاسها متسارعة، لكنها نظرت إليه بتحدٍّ صامت.
ض*ب القائد هنري الطاولة بقبضته فجأة، مما جعل الجميع يتوترون، ثم قال بصوت منخفض لكنه مليء بالغضب:
"أهذا هو شكركِ لإنقاذ حياتك؟ هل تظنين أننا نمزح هنا؟! هل لد*كِ فكرة عما كان يمكن أن يحدث لو أمسك بكِ أحدهم قبلنا؟!"
**تت إيفا، لكنها لم تبتعد بنظرها، وكأنها تحاول ألا تُظهر ضعفها.
"هربتِ وكدتِ تكشفين موقعنا، كل هذا لأنكِ ترفضين مواجهة الحقيقة؟" تابع هنري بصوت أكثر حدة.
تقدّم جون لي خطوة، محاولًا التحدث، لكن هنري رفع يده ليوقفه قبل أن يقول: "يكفي. لقد تحملنا عنادها كثيرًا." ثم نظر إلى إيفا مباشرة، وعيناه تلمعان بتهديد: "لن تهربي مجددًا، ولن نعامل هذا الوضع على أنه لعبة بعد الآن."
كان الجميع صامتين، حتى إيريك، الذي عادة ما يُلقي تعليقًا ساخرًا في مثل هذه المواقف، ظل يراقب المشهد دون أن يتحدث. الجو كان ثقيلًا، وكأنهم جميعًا ينتظرون ردّ إيفا.
أُعيدت إيفا إلى غرفتها وسط حراسة مشددة. كان ويليام يسير خلفها مباشرة، بينما إيريك كان يمشي بجانبها، يراقب أي حركة قد تقوم بها. لم يكن لديها فرصة للهروب هذه المرة.
عند وصولهم، فُتح الباب، ودُفعت إيفا برفق لكن بحزم إلى الداخل. نظرت حولها، نفس الغرفة، نفس الجدران التي شعرت أنها تسجنها أكثر من أي شيء آخر.
وقف عند الباب جاك وهاني، مسلحين بأسلحتهم، وأمر ويليام بصوت صارم: "لن تخرج من هنا بدون إذن، وأي محاولة أخرى للهرب لن تمر بسلام."
لم ترد إيفا، فقط جلست على السرير، التفتت إلى النافذة، لكنها لم تكن تتوقع أن تجدها مغلقة بإحكام هذه المرة. شعرت أن كل الطرق مسدودة.
وقف إيريك عند الباب، متكئًا عليه بذراعيه المتشابكتين، قبل أن يقول بنبرة ساخرة: "حسنًا، على الأقل لم نضطر إلى مطاردتكِ في المدينة مجددًا."
نظر إليه ويليام بتحذير، ثم أغلق الباب، تاركين إيفا وحدها مع أفكارها، والضغط المتزايد في ص*رها، وكأن هذا المكان أصبح قفصًا لا مهرب منه.
جلس هنري خلف مكتبه، ينظر بجدية إلى ويليام وإيريك اللذين وقفا أمامه، منتظرين استجوابه.
هنري: "هل لاحظتما أي شيء غير عادي أثناء الإمساك بها؟ أي علامة على أنها تمتلك قدرة ما؟"
تبادل ويليام وإيريك النظرات قبل أن يجيب ويليام بصوت هادئ: "بصراحة، لم نرَ شيئًا يدل على أنها قوية. كانت ضعيفة جدًا، بالكاد قاومتني عندما حملتها."
إيريك أضاف وهو يتذكر محاولتها للهرب: "نعم، كانت تبكي وتقاوم لكنها لم تظهر أي طاقة أو مهارة خاصة. حتى عندما حاولت الإفلات، لم يكن لديها أي سرعة أو قوة غير طبيعية."
ارتفع حاجب هنري، ثم نظر إلى الملفات أمامه، وكأن شيئًا لا يزال يثير شكوكه: "غريب... إذا كانت واحدة منا، فلا بد أن قدراتها بدأت بالظهور ولو بشكل ضعيف."
ض*ب هنري سطح المكتب بإصبعه وهو يفكر، ثم قال بجدية: "راقبوها جيدًا. ربما لم تدرك قدراتها بعد، أو أنها مقيدة بطريقة ما."
أومأ ويليام وإيريك بالموافقة، ثم استدارا للخروج، بينما ظل هنري غارقًا في أفكاره. كان هناك شيء لا يزال ناقصًا في هذه المعادلة...
في الاثناء كانت آنا تقف على جانب الطريق مع الشرطة في أطراف المدينة، عينيها تتنقلان بين الزحام والطرقات الضيقة، قلبها ينبض بسرعة. كانت تشعر بالقلق الشديد، وخاصة بعدما أخبرتها إيفا عن كل ما حدث. لم تستطع التخلص من شعورها بأنها لا تستطيع مساعدتها بما فيه الكفاية.
ضابط الشرطة الذي كان معها قال: "المكان الذي اتصلت منه كان هنا، لكن لا يوجد أي أثر لها. من المحتمل أنها تحركت بسرعة."
تن*دت آنا، ثم أضافت بتوتر: "لا يمكن أن تكون قد اختفت تمامًا. يجب أن نبحث في الأماكن القريبة. يجب أن أكون هناك من أجلها."
لكن الضابط بقي هادئًا، قائلاً: "كل شيء تحت السيطرة. نحن نتأكد من كل زاوية، لكننا بحاجة لتعاون أكبر من أجل إيجادها."
آنا كانت تشعر أنها تراقب الوقت يمر وأن إيفا قد تكون في خطر. كان هناك شيء في قلبها، شعور لا يمكن أن تفسره سوى أنها بحاجة لمساعدة إيفا، وهي وحدها من يمكن أن تقدمها الآن.
لكنها يأست من العثور عليها رغم قلقها الشديد.