الفصل الثاني

2306 Words
مرر شهران على وجودي هنا و على استلامي عملي و قد حصلت على ذخيرة جيدة من الأصدقاء و الزملاء اللطيفون ، والذين لم أجد صعوبة في الاندماج معهم ، فقد إحتوني بكل حب و إحترام كبير ، و انا شاكرة لهم و قد استطعت التأقلم بسرعة ، فالمدينة جميلة و مزدهرة و أجمل ما فيها هو حدائق الأزهار المنتشرة في كل مكان .. ، أخذت جوادي من الحضانة و كالعادة ذهبنا للعب فهذا أكثر شئ مفضل له ، اللعب و المثلجات ، كنت أركض ببطئ ، اطارد صغيري الذي بدوره يهرب مني حتى لا امسكه ، و هو يقهق ب لطافة مفرطة كادت أن تذهب عقلي من فرطتها .. ، تارة يهرب مني و أخرى يركض خلفي و هو يشعر بسعادة كبيرة و انا لا يغمرني بالحياة إلا رؤية إبني سعيدة من دون أي عثرات ...... ، أخذته بين ذراعي و ذهبنا نحو السيارة فقد قررنا أن ناكل خارج المنزل اليوم ، دخلنا المطعم و طلبت البيتزا ، كان جواد يأكل بسرعة و انا اضحك عليه و هو يردد ببراءة ماما لذيذة ، و عندما حان وقت الكب كيك ، كان متلهفا جدا ، وانا كنت اضحك بشدة عليه ، امتلئت ملابسي بالطعام بسبب صغيري ولكن هذا لا يهم كل شئ يهون في سبيل راحته و انا لم أكن انزعج من هذا ، أحب أن يترك الطفل يأكل براحته حتي يتعلم كيفية إطعام نفسه ، خرجت وانا اضحك مع إبني و عند خروجنا صدمنا بفتاة تمسك بيدها طفل و تجره بسرعة ، فإعتذرت وكانت مسرعة لذا اوقفتها فقد لاحظت أن الطفل لا يجاري خطواتها و هو منزعج جدا من هذا ، لذا تحدثت معها و كانت في قمة الامتنان لذا حملته و إعتذرت مرة أخرى راكضة على عجلة من أمرها .. احترت منها و واصلت طريقي إلى سيارتي.. . . . . . . . . . مر يوم و بعده عدت ايام و أسابيع و انا استمتع بصحبة صغيري و عملي الذي بات شريانً ينبض داخلي ، أصبحت امي تهاتفني منذ فترة قصيرة ، علمت أنها لن تنقطع فهي بالرغم من كل شئ امي و تحبني و تحب جواد أكثر لذا كانت تفرط في تحكماتها و حمايتها له حتى أكثر مما كانت تفعل بنا .. ، و لكن كانت دائمة الشكوى من حال ساجد و بهتانه الذي بهت لي أوصال قلبي فأنا و ساجد لا يمكن لنا إلا أن ننتمي لبعضنا حتى في الإحساس .... كنت دائمة الانشغال و التفكير به و حتى بت أشعر بصداع يتراوح لفترات من كثرة التفكير و خطرت على بالي أشياء كثيرة فأنا لا أتحمل رؤية روحي تتمزق هكذا بين ضلوعها ... . . . . . بالصدفة في ذلك اليوم وجدت إعلان لمنحة ماجستير لمدة عامين و نصف فلم أُصدق جمال هذا فقررت أن احزم امري و أُقدم على تلك الخطوة التي قد تكون طوق نجاة و إن كان مؤقت .... كنت متأكدة أن طلبي سيقبل لأن المعدلات الجامعية عالية و بدرجة الشرف لذا بكل ثقة قدمت و من دون تردد ، لننتظر أسبوع و سنرى ما قد يحدث حينها ..!! . . . اما ساجد كان يجلس في تعاسة و قلة حيلة فمنذ ثلاثة أعوام و هو يعاني و لازال يقاوم هذه المرأة الغ*ية ، ماذا تظن نفسها فاعلة ، فبعد كل شئ هي لا تتمتع بذرة أخلاق و كرامة و المصيبة أن والدته مخدوعة فيها و تلقي عليه حمل كل ما يحدث و هي لم تصدق هذا فباتت تتلاعب بأمه أكثر ، ماذا كان سيحدث لسجوده لو تزوجت من اللعين أخيها ، لطف الله و قدر ، فهو لم يندم أبدا لأنه إستطاع إنقاذ تؤامه من سذاجة امه و مخالب الشمطاء صديقتها و إن كان هذا على حساب سعادته ، فرؤية أخته بخير هذا وحده يريحه ، بالرغم من سوء التحربة التي مرت بها مع ثائر الذي صار يبغضه جدا ، إلا أنه مرتاح فثائر بالرغم من كل شئ ليس بسوء أخ زوجته الحرباء ، كان يفتقد وجود سجود فهي ليست تؤامه فقط بل الهواء الذي يتنفسه ، و الوتين الذي ينبض داخله ، فمنذ عدة أشهر لم يراها ولكنه كان يتحدث معها في كل دقيقة كأنه معها واه كم أشتاق لذاك الجواد الصغير ، فهو اغلى من سجود حتى ، قطعة من قلبه .. . . . وفي زاوية ما كانت هناك تلك الأعين التى تنظر بحنان و شفقة على حال ابنها ، كان هناك صوت في داخلها يردد أنتي السبب و آخر ينادي فعلتي هذا لمصلحته و تخبطات كثيرة ، تشعر أنها قد قست عليه كثيرا بعد ذاك الحكم ، فهو منذ ذاك الوقت لم يعد نفسه ابنها ولم يعد نفسه خفيف الظل و المشا** ، لم يعد ينام في حضنها كما كان يفعل ولم يعد يجد الراحة بين يديها ، ربما أصبح ينفر من وجودها فهو يتحاشى حتى إطالة الحديث معها ، شعرت بقصة في حلقها و نزلت دمعة حارة من مقلتيها و ذهبت للداخل تنشد الخصوصية في النواح ....... . . . . . . .وجدت سجود راحتها في دروس اليوغا و بعد أن خرجت من الصالة رن هاتفها بصوت يكاد يشق طبلة اذنها : سوجي أيتها الغ*ية عديمة الإحساس كيف لا تهاتفيني منذ أسبوع سجود : على رسلك سوف تنفجر طبلة أذني لمى : أيضا و**ة و عديمة الحياة سجود : كيف تملكين صوتا كهذا ، العزاء على خالتي سوسن فهي تعاني جدا لمى : العزاء لي انا فيكما وليكن الله في عوني .. سجود : كيف حالك يا صفارة الإنذار لمى : بخير أيتها الثلاجة الباردة ، وعلى فكرة اتصلت لاطمئن على حبيب قلبي جواد وليس عليكي يا كرة الثلج سجود : هاهاها اضحكتني من كان يؤذن قبل قليل هاااا لمى : حمقاء ، غ*ية سجود : تتحدثين عن نفسك يا سلحفاة لمى : و**ة و أغلقت الخط و انفجرت سجود ضاحكة غير مبالية بنظرات الآخرين لها ، فهي تعتبر لمى مثل أختها و أكثر ، بالرغم من أنها اخت ثائر الصغرى إلا أنها أعز صديقة لها و أقرب شخص لها بعد أختها بل ربما أكثر ، وقد كانت الداعم الأول لسجود في كل قراراتها حتى الطائشة منها ، فهي مثال للصديقة الوفية و الحنونة التي تجد يدها تنتشلك من كل قاع تسقط فيه ، كانتا صديقتين منذ الثانوية و من بعدها لم تتفارقا أبدا ، حتى في عرس سجود و ثائر كانت من اهل العروس بالرغم من أن أخيها هو العريس ، كانت البلسم الذي يداوي كل جراح صديقتها حتى في محنتها مع أخيها وقفت ضد عائلتها فهي إن كانت حبيبة قلب سجود ، لأنها صادقة و قوية الشخصية فسجود تكره الفتيات الضعيفات و البكائات .... . . . . لمى ياسر تلك الفتاة الجريئة و ذات الصوت المرتفع ، صاحبة ا****ن الحاد و الطبع المشتعل ، لم تكن تثق بأي أحد سوى رفيقة دربها سجود ، كانت تتمنى لو أن الأمور لم تصل بينها وبين أخيها إلى هذا الحد ، لكنها كانت تلوم أخيها لانه ضعيف الشخصية أمام والدتهم ، كان عليه إنصاف زوجته فهي ليست قطعة أثاث للمنزل و إنما هي كيان و شخص له مشاعر ، ليس لأنها صديقتها اللدودة كما تنعتها ولكن لأنها تؤمن أن لكل شخص حقوقه مهما كان ضعيف و صغير لذا امتهنت المحاماة و صارت محامية بارعة وما ساعدها أكثر سلاطة ل**نها التي ليس لها حد ... . . . . . . بعد اسبوع شاق و ملئ بالإنتظار استلمت سجود الرد على طلبها وكان كما توقعت ان تم قبول الطلب ، ابتسمت براحة و أمسكت هاتفها لتتحدث مع ساجد و لمى في محادثة جماعية و معهم محمد و أختها لتخبرهم بما فعلت و ما ستفعل و ما يجب عليهم فعله في هذه الحالة ... . . . . أخبرتهم أنها تقدمت بطلب منحة ماجستير لساجد و عليهم جميعا ان يقنعوا والدتهم أنه في مدينة أخرى و يمثلوا أمامها هي وتلك الحرباء زوجة ساجد حتى لا يكتشفوا أمرهم و على لمى أن تقول أن هذه المنحة مقدمة من طرف بعثة لأحد الشركات التي تعمل بها كمديرة للشؤن القانونية حتى تقنع البقية بهذه التمثيلية و يسافر ساجد بأمان و يستطيع على الأقل أن يريح عقله لمدة من الزمن و يرى و يناقش مع نفسه ما سيفعله فلا يمكن له أن يترك حياته تتدخرج إلى الهاوية هكذا من دون أن يفعل شئ و كان هذا رأى الجميع و اتفقوا على هذا ثم وزعوا الأدوار بينهم و هكذا ستجد سجود سند لها في هذه المدينة و شخص يشعرها بالإطمئنان و ستزول مشاعر الخوف على تؤامها و تشعر بقليل من الراحة عند رؤيته يجدد حياته مرة أخرى و يعيد حساباته التي توقف عن تعدادها منذ وقت طال ، كأن يقف في نفس النقطة و لم يتحرك منها لأنها لازال متجمد من الصدمة و يعاني آثارها و آثار قرارات والدتهم التي لم تقصد بها إيذاء فلذة اكبادها ولكن هم يعذرونها فهي أم و الأم جنة و أمان و هي أشد الناس خوفا على أبنائها ، أحيانا تضرهم من دون أن تقصد بذلك ايذائهم أو جرحهم ... . . . . . . .ثائر كان يفكر بقلة حيلة و أمر ، إشتاق لإبنه و زوجته خصوصا عندما يسمعها تتحدث مع أخته ، تأكله نيران الشوق و الندم ، كانت سجود حلم حياته الذي أضاعه بنفسه ، يعلم جيدا في داخله أنها باتت محرمة عليه وحتى لو حللتها له كل الأديان ، هي حرمت نفسها عليه لأنها جرحها في كبريائها ، خذلها و رمى كرامتها بحائط من الفولاذ الصلب ، لم يستمع لصوتها عندما كانت تطلب النجاة ، بل كان اول من رماها للغرق و أدار ظهره لها ، نظرت له لمى بسخط و قالت : أعلم بما تفكر و أنت تستحق هذا و انا لن اشفي لك غليلك و إن كان هناك حجة لتعود لها سأزيلها لانك لا تستحق ، فالرجل الذي لا يسمع أنين انثاه هو لا يستحقها ... و ذهبت و هو ينظر لها مع إبتسامة حزينة ، المحامية سليطة ا****ن و التي تدافع عن حقوق الجميع هي من تتحدث و ليست أخته ، و حتى لو تحدثت كأخت هي تحب سجود كثيرا و ستدافع عنها ، ومن لا يحب سجود و رقتها و قوة شخصيتها ، سرح بالأيام الخوالي حينما كان يزور محمد فقط لرؤيتها ، و عندما جائت سيرة محمد خفق قلبه بشدة ، فهو يفهم إحساس لمى لأن الصديق كنز لا يفنى ، خسر قوة علاقته بمحمد منذ فعلته مع سجود ، يفتقد حديثهم ، يفتقد لعبهم الكورة معا ، طفوليتهم معا ، خطواتهم التي بات أثرها خافت بعيد لا يظهر منه شيء .... . . . . . . . . . . اما لمى بعد حديثها مع أخيها دخلت في غرفتها تسأل الله ان يرأف بقلبين ظلمتهما الظروف و شتت وصالهم الأيام ... شعرت بالضيق لأن اخيها يعاني و لكن شعرت بضيق أكثر لأن صديقتها تعاني و بسبب أخيها ، دعت الله أن يشفي الجراح و تعود المياه نقية حتى لو جرت في وديان أخرى ، كلما تطلبه هو السلام للجميع فقط .. . . . . . . . . كان جواد يبكى كثيرا لأنه وقع من الطاولة و كانت سجود تهدئ فيه و تقبل مكان الجرح حتى يهدأ قليلا و حملته تهدهد فيه حتى غفى بين يديها ... ، ثم خرجت قليلا في حديقة المنزل و معها دفتر الرسم و انغمست في دوامة من الخربشات التي سرعان ما أصبحت لوحة مذهلة ، كانت ملطخة بالألوان و تبدو كطفلة صغيرة في العاشرة من عمرها ، حتى رأت تلك الفتاة التي اصطدمت بها في المطعم فإبتسمت لها من بعيد تحييها ، و اقتربت الفتاة رويدا رويدا حتى صارت داخل سور الحديقة و ألقت التحية على سجود و تحدثت معها ، إكتشفت سجود أنهم جيران و أن الفتاة طالبة جامعية كانت في ذلك اليوم مستعجلة لأمر طارئ وأن الطفل ابن أختها و هو تقريبا في نفس عمر جواد ، ثم أتى جواد ناعس العينين يبحث عن ملجأه ، حتى رأى تلك العينين التي تنظر له فضحك و ذهب نحوها وهي لم تتردد و حملته بإبتسامة جميلة تداعبه و تلاعبه ، استغربت سجود لأن طفلها لا يذهب للغرباء ولا ينظر حتى لهم ولكن أحب الفتاة التي إسمها سلمى ، فضحكت و حكت لها عن ابنها و ارتاحت أن طفلها بدأ بالتاقلم ، أخبرتها سلمى أن عندها أبناء أختها تؤام فتاة و فتى رائف و رزان و أن الفتى الذي كان معها هو رائف و هما بنفس عمر جواد ، و ستحضرهم يوما ليلعب معهم ، ودعتها و اتفقتا على لقاء قريب يجمعون به الأطفال و يتعرفان له على بعض أكثر.... . . . . ..... توالت الايام وراء بعضها و مضى شهران و توتضت علاقة سجود و سلمى و أصبحتا مقربتين و أصبحت سجود تجد أنيس لها حتى يأتي أخيها ، كانت ترى في سلمى اختها الصغرى التي اشتاقت لها كثيرا ، فكانت خير ناصح لها ، احبتها بسرعة لتلقائية سلمى و حسن معشرها ، إكتشفت لاحقا أن سلمى فتاة مشاغبة جدا و سليطة مثل لمى و تعلم أنهما ستتفقان معا جدا ، فإبتسمت لذاك الخيال ، صار جواد شقي جدا و يصبح أشقى عندما يلتقي التؤام رائف و رزان ، لكنهما لطيفان محبوبان جدا ، يعاندا سلمى لأنها طفلة مثلهم ولكن يحبان سجود و يستمعا لكلامها ، كانت والدتهم مشغولة و بعيدة عنهم بسبب العمل لأنها مطلقة و تعمل بجهد كبير لتعيل أولادها فهي سيدة أعمال ناجحة ، لكنها لطيفة و محبوبة فقد التقتها سجود مرة ، لذا كان الاطفال معظم الوقت مع سلمى التي مشاعر الحب تفيض بعينيها لأبناء أختها .... . . . . . . كان ساجد و لمى يشعران بإنزعاج شديد من سجود لأنها لا تنفك تتحدث عن تلك الفتاة التي تدعى سلمى ، اي كلمة تدخل فيها سلمى ، كانت مشاعر الغيرة واضحة على الإثنين ، لذا كانا يثرثران بشأنها من دون حياء في تلك الزاوية في ذاك المطعم ، الذي اعتادوا على ارتياده مع سجود دائما .... ، بعد قليل لاحظا لحدة حديثهما عن سلمى فإنفجرا في وابل من الضحك الطفولي ، .... اعتادت لمى منذ البداية على صداقة ساجد فهو و سجود يمثلان جزء كبير في قلبها و تشعر أنهما ليسا فقط صديقيها بل اخويها اللذان لم تنجبهما بطن امها ، لذا كانت تلقائية في حديثها معه و بأريحية تامة تخاطبه من دون خوف و حياء و توتر ، تجد فيه ضالتها عند غياب سجود عنها ، و هو كذلك ، تحدثا لوقت طويل ثم ذهب كل في سبيله .. راجين من الله أن يصلح الأمور ، لكن كانت لمى قلقة و خائفة بعد ذهاب ساجد من سيبقى لها ؟ نزلت دمعة من عينها رثاء على نفسها وعلى صديقيها اللذان بعدتهما المسافات و الظروف عنها ...
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD