my colonel || زهرة الإثم

my colonel || زهرة الإثم

book_age18+
14
FOLLOW
1K
READ
forbidden
sex
age gap
dominant
goodgirl
drama
bxg
soldier
first love
like
intro-logo
Blurb

حينَ فقدتُ آخر بتلات الصبر في مُهجتي كما فقدت مفتاح عذريتك في حضرتي

أيا غجريتي خلخَالكِ قيثَارة نَقشت على قلبِي نُدوبًا لا تلتئمُ

فاتننتِي فَوقَ جرحِي تتَمَايلُ بخُطَى لا تُجبَر

أنَاملِي تنتفِضُ شوقًا للمسَة ساهية ،

و روحِي تتَخَبَّط أمَلا في قُربِ لاهِية

جيون كارلوس | الكولونيل

كارمن كارلوس | الغجرية

chap-preview
Free preview
قطرة البداية |٠١
اطَّلعتُ على الحَـياة من نَوافِذَ مُضيَّقة حيثُ رَنَّت في أذُنِي تَرنيمَة أمِّي قبلَ أن أعِي وحِينَ وَعيتُ تَلاشَى صوتُهَا فاحتَواني والدي بجَناح العاطِفَة وصَاغ على وَرَق حيَاتِي سَرَاديبَ المَحبَّة نَثرًا لا شعرًا فقد عَهدته لا يفقه من لغَة الإفصَاح حرفًا لكنَّ مُبَادراته الخفيفة تجَاهي كانت تُخَلِّفُ فيَّ ما يُخَلّفه سريان النَّار في الهشيم فلَمسَة منه على أديمي أحَبَّ إليَّ من ألف كَلمَة تُلقَى على هامش السيرة وتغدُو هَبَاء منثُورًا. فَقدت والدَتِي حين حلَّ في حيَاتي الرَّبيع الرَّابع رغمَ أنَّنِي مَا عهدته رَبيعًا و مَا أدركتُ قَطُّ سَببَ وَفاتِهَـا ، بعد مُغَادرتها حَياتي جَافتنِي ألسنَة الحُـبّ و سَالت آخر قطرَات الحَنَان المفرط على سمَاء طفولَتِي البَاهتَة حيثُ أظلمت دونَ أن يحِلَّ عليهَا فجر يوم جَديد و لكن رَغم النَّقص الذي ينخَر عظامي و الظلام الذي يحُفُّ أيَّامي المُجَرَّدة كان هُنَاك بدرٌ منيرٌ يَسطَع في أشَدّ لياليّ عتمَة و يُزيحُ عن جَفني دموعَ الحِرمَان التي تترقرقُ دونَ رَادع فكنتُ أتوقُ لتأمُّله و أرصُد ليَالي بزوغه على أحَرِّ من الجَمرِ حَتَّى أملأ جُيوبِي الصَّغيرَة بجمَال طَلَّته و أواجه بها أيامَ الفُرقَة التِّي ستُواجهنِي بعد هذا اللقَاء القَصير. كانَ وَالدي ذَاك البَدر الذِّي إذَا ظَهَر ما نمتُ خشيَة أن أخسَر بهاءه فشَربتُ اللَّيلُ ضدَّ نُعَاسي وبتُّ قَريرَة العَينِ أحَاوره بلا حِوَار ويُجيبنِي بذَات طَريقَة الاتّصَال فأحيَانًا أدركُ أيّ السُّبل انتهَجَهَـا وأخرَى أقفُ عندَ مغارتيه أتساءل أيّ الكنوز يبتلعها عمقهما الجارف. قد يعود الغموض في شخصيّته وغيابه المجحف عنّي إلى طبيعة عمله فهو يشغل منصب الكولونيل وقائد الجيش المَلكيّ الإسبَاني وبالكَاد يجِدُ الوَقت لوَحِيدَته وكم كَان يوجِعنِي غِيَابه في أهَمِّ اللَّحَظات فلا شَهِدَنِي أكبُرُ ولا شَهدَنِي أخطُو... رَبَّانِي اليُتمُ وهدهدَتنِي الوحدَة. كَانت لِقَاءاتنَا قَليلَة شبهَ مَعدومَة إمَّا على طَاولَة العشَاء وهو مَوعدٌ مُقَدَّسٌ لم يُخلفه قطُّ أو أيَّام الأحَد إن لم يَقتَصَّه منه العَمَل فيصحَبني إلى الكنيسَة للتَّعبد وقد كانَ رجُلا وَرعًا تنَافَس الإيمَان بالجَمال والكُفر بمُنَافس له فيه عَلى مَعالم وجهه فشَيّدَا تُرَاث الأديَان في سحرِ ملامِحه، وفي بعضِ الأحيَان حينَ نختَلف عن الكَنيسَة كَان إمَّا يُرَافقنِي لرؤيَة أدَائي في رَقص الفلامينكو أو أرَافقه لرؤيَته يُصارِع الثِّيرَان وهي الهِوَايات التِّي كُنَّا نُمَارسُهَـا... هكَذَا أمضيتُ سبعَة عَشَرَ سنَة من حَيَاتِي في ظِلِّ وَالدِي الذِّي أحبُّه حُبًّا جَمًّا أعيشُ في مدينَة " سيفيل " ، (إشبيلية) ، جنوب إسبَانيا وهي أشبَه أن تكون رَوضَة من ريَاض الجَنَّة الجَميع يعيشُ في تَحَابِّ ووئام والنَّشَاط يملأ قلوبَ الشَّعبِّ. رغمَ أنَّي لم أكن أغادر منزِلنَـا إلَّا نادِرًا، ولكنَّ أصواتَ الحَرَكة خَارجًا تَصلنِي وكَثيرًا مَا كنتُ أرَاقبُ شوارع المَدينَة من شُرفَة غُرفتِي تنبِضُ بالحَيَاة. أبِي لم يَكُن يُوَافق عَلَى مُغَادرتي للمنزل ودَائمًا ما يُرددُ على مَسَامعي أنَّ البَشَر ذئابٌ مُفترسَة وأنَّ الوَاقعَ لا يُشبه أبدًا ما أراهُ أنا من زَاويَة غُرفتِي. ربَّمَـا هذا هو السبب الذِّي يجعَله يحمينِي ويسكننِي وسَطَ حِصن منيعٍ لا تَطَالنِي فيه أيَادِي البَشَر ويُشَدِّدُ عَليَّ الحِمَاية فحَتَّى الزِّيارات التِّي أتلقَّـاها معدودَة من صَدِيقَتينِ "هيلينَا" و" كَاثرين" وذَلك راجع لمَعرفته بوَالديهمَا. اليَومَ لا أتَلَقَّى دُروسًا في الرَّقصِ لذَلكَ ف"مارتين" جَلِيستِي ومُؤنِسَتِي في هذا القَصر الموحِش تأخُذُ استِرَاحَة في الحَديقَة فقد تَعَوَّدت على مُرافقتِي حينَ يَكونُ وَالدِي منشَغِلًا في العَمَلِ. جَلَستُ عَلى كرسيٍّ هَزَّاز قربَ الشُّرفَة تُدَاعبني خَصَلات الشَّمسِ الذَّهبية وقد أسدَلتهَـا عَلى الكونِ في حَيَاء فغَمَرتنا بالدفء و الجَمال و تَحَلَّقت حَولي كلٌّ من هيلينَا و كاثرين اللَّتَان قَدِمَتَا لإمضَاء اليومِ عندِي، منذُ وصَلتَا و هُمَا تتَحَدَّثان و لم تَكُفَّـا عن الثرثرة و لكنِّي أشعُر أنِّي غَريبَة وسَط هذه المُحَادثَة التِّي أجهَل شِعَـابهَا و لا أملكُ أدنَى فكرة عنهَـا "قَضيتُ أمسيَة الخَميسَ مع فريديريك واستَمتعنَا بمُشاهدة الفيلم الذِّي عُرض في السنيما، تَعلمَـان في البدَاية كنتُ أشعرُ بالخَجَل من أبسط ملامسَات بيننَا ولكنَّه سَعَى إلى تَفنيد مَخاوفِي. إنَّه رَائع " هَكَذَا بدَأت هيلينَـا تَسردُ لنَا لقاءاتها الحميميَّة و مسحَة من الحياء تُلوّن وجهها حين مَرَّت بها ذكريات الوِصالِ ، ابتسمت بخفَّة ثمَّ تَوَقَّفت عن الحديث سامِحَة لكاثرين بنيابتهَا "حَبيبي كمَا تعلمَان ضَابط في الجَيش لذا فهو يُخَصصُ لي نِهَـاية الأسبوع فقط ورغم أنَّي أشتَـاق إليه كَثيرًا إلَّا أنّي أنسى كل مَا عانيته طِوال الأسبوع بمُجَرَّد رؤيته. والدانَا يُخَططان لإقَامَة حفل خُطوبتنَا الشهر القادم " كاثرين من النَّوع الجَريء والمُتَباهي دَائمًا ما تُحَـاول إبرازَ شخصيتها بيننا، هي عَ**ي تَمَامًا فلم يسبق وأن أبديتُ التَّكبر رغم أنَّ والدي أسمَى مرتبة من والدها. حَـالمَا أنهت كلامَها قَفَزت الحُروف من ثغري بغتة "مَهلا، وَالدك يعلمُ أنَّك تمتَلكين حبيبًا؟ " أومَأت بإبتِسَامَة ثقَة ثمَّ إستَقامت ودَاهمت مجلسي بخطوات مدمدمة زعزعت ثباتي وبصوت جهوريٍّ أفادت "مؤكَّد، عزيزتي كارمن يجب عليك خَوض التَّجربة " كلمَـاتها بَثَّت الرُّعب في أوصالي، يَستَحبل أن أقدمَ على فعلٍ شنيع كَهذا، كلامُ كَاثرين كان بمَثابة الذَّخيرة التِّي جَعلت من هيلينا تُهَاجمني هي الأخرى "هي حَتَّى لا تُغَـادر غرفَتَها كيفَ تُريدينَ منهَا أن تُكَوّن علاقَة عَاطفية " ما يقلنه به جانب كبير من الصّحة، صحيح أنّنِي ناَدرًا ما أبصرُ الحَيَاة خلف جدران غرفتِي لكنِّي متأكدة أنّ أبي يفعل ذلك لمصلحتي. "أنت تبَالغين، كُلَّمَـا شَعرت بالملل طلبتُ من وَالدِي أخذِي في نزهَة “ كان ذلك الرَّد الهزيل الذي ألقيته حينَ اشتَدَّ عليَّ الحصار ونخرتني أسئلتهما، لكنَّه كان أضعف من أن يُسكتهمَا على الأرجح فقد دَفَعهمَا ذلك إلى مَزيد إلقَاء اللّوم عَليّ "مع وَالدك، هذه هي مُشكلتك لا تَزالينَ مُتَمَسِّكَة به ألا تَظنِّين أنَّ الوقتَ قد حَان لتُفَارقيه وتدخُلي في معترك الحياة “ كَلِمـاتهَا تغلغلت في دَاخِلي وضيَّقت حبلا من العَبَرات حَول عُنُقي فَمَررت يدي عليه برفق واستَجمعت أنفَـاسي المُبَعثرة في شَهيق عَميق "أفَـارقه؟ كيفَ لي أن أتركَه؟ أنَا أحبُّه كَثيرًا ولا أستَطيع تَخَيُّل حَياتِي من دونَه " نَظَرت لي هيلينَـا مُطَوَّلا ثمَّ سألت عاقدة حاجبيهَـا "إذن كيف ستَجِدينَ الشَّخص المنَاسب لك إذَا ظللت دَائمًا مقَيِّدَة " شَعَرتُ بالانزعاج من أسئلتهمَا المُتواصلة ومن عجزي علَى كوني شبيهَة بمن هنَّ بعمري لذَلك فقد انغلقت على نفسي وقيَّدتُ ساعديَّ حولَ صَدرِي و حَسَمتُ الأمر من منظُوري "من قَال أنِّي أرغبُ في علاقَة عاطفيَّة، الأمر غَريب ومُخيف... ثمَّ أتعلَمَان كلُّ الأوصَاف التِّي ذ***رتُنَّهَا هي من خصال والدي. لا أعتَقد أنِّي أحتَاجُ حُضنًا آخر في حَياتي " "أليست غ*يَّة؟ " هَـتَفت كَاثرين مُشيرَة إلَى هيلينَـا وقد إحتَلَّت كلتاهمَـا الجَـانبين الأيسر والأيمن ممَّا جَعَـلني مُحَـاصرة بينهمَـا "أنتِ وصمة عار على الغجَر، لا أعلمُ لمَـا لا تُشبهين والدتك... لطَالمَا كانت جامحة مقدامة، الحُريّة أساس حياتها هكذا كانت أمّي تحدِّثني عنها. والدتك ثارت على أعراف قبيلتهَا كي تتَزوّج والدك " أضَافت كَاثرين مُتَبنِّية لهجَة حَادَّة في خِطَـابي لكنَّـهَـا استَرعَت انتبَاهي حين ذ***رت والدتي في حَديثهَـا، أمِّي هي النُّقطَة المُـبهَمة في حيَـاتي والتِّي لا أفـقه عنهَـا شيئا. لمَّـا أنهت كلامَها اضطررت لإجَـابتها رَغمَ أنَّـه لم يَعد بحَوزَتي الكَثير من الأعذَار كي أنفقَـهَا "كيف تُريدين منِّي أن أشبِهَها وأنا لم أعَاصرهَا، هكَذَا رَبَّاني والدي وهكَذَا وَجَب عَليَّ أن أكُون" هَرَبت من مُشَـاحَنة بَصريَّة مَـعَها فقد كنتُ مُرتَبكَة وقد أخسَر النِّزَاع لا مَحالة لكنَّ هيلينَـا تَدَخَّلت لتَلطيف الجَوّ، رغمَ أنَّ كَلامَها يَحمِـل مَعاني سَامَّة. على عَ** كَاثرين فقد اختارت أن تلدَغني مُتَخفيَّة خلف قنَاع البَشَـاشة "لقد ربَّـاها الكولونيل على قواعد صارمة لا تُخالف لذا فهي لم تأخُذ من والدتها سوَى المَلامح السَّاحرة " أرفقت قولَـهَا بمَسحَة خفيفة على وَجهي ثمَّ تَقَدَّمـت كَاثرين نَـاحيتي وفي عينيهَـا بريقٌ استَهدَف مُقلتَـيَّ "مَعَ ذَلكَ فبهَذَا الجَمَال الأخَّاذ وهذه العُيون الزمرّدية فهي قادرة على جعل أيّ رجُل يُحَارب العالمَ بأسره كي يَظفَرَ بهَا " شَعرتُ بالإرتبَاك من كلامهَـا وفجأة سَطَع بذهني شيءٌ هَـامٌّ كنت غَافلة عنه "مَهلا لقد تَذَكَّرت اليوم يوافق ذكرَى زواج والداي ... " قفَزَت هيلينَـا عندي و بوسوسات مغرية عند أذني بادرت بتسلل أفكار جهنَّمية إلى رأسي لن يردَعني أحد عن تنفِيذهَـا "لمَ لا تَستَغِلِّيـن هذه المُنَـاسبَة وتنبِشي المَـاضي مَع والدك عَلَّه يُخبرك بالمَزيد عن والدتِك " تَسَلَّقت سبَّابتي حَافَّة فاهي و بحيرة أردفت و قد نَهشت الفكرة عقلي "وَالدِي كَتوم خَاصَّة حينَمَـا يتَعَلَّق الأمرُ بمَاضيه وأمِّي، لا أعتَقدُ أنَّه سيمنحُنِي مَـا أبتَغِـي لكن بمَـا أنَّكمَا لَفتُّمَا انتباهي فلا ضير في المحَاولة " بَعدَ لحَظَات من التَّفكير المتواصل لمحتُ كَاثرين تحمِلُ حَقيبتَها مُستعدَّة للمُغادرة تليهَا هيلينا و قد أعلنَتَا نهاية اللقاء "أعتَقدُ أنَّ علينَـا الرَّحيل الآن أطلعينَا عمَّا حَدَث مَعك غَدًا... " قَالت كَاثرين باسمَة بينَما تُعَدّل هندَامها ثمَّ غادرت و تبعتها هيلينَا ملَوّحة لي بيدهَا "نراك غدا كارمن..." لم أدَّخر وقتا بعد ذهابهمَا وسَارعتُ بمُدَاهَمة لحَظَـات السَّلام التِّي كانت تحظى بها جَليستي ، ألفيتُهَـا جَـالسَة في الحَديقَة بينَمَـا تحتسي فنجانا من القَهوة... أخشَى ألًّا أفسدَ مُتعتها لكن أيًّا كان،الأمر ضروري "مَارتين أليس علينا تجهيز العشاء كي نحتفل بذكرى زواج والديّ؟" أطلقتُ الكَلمَـات دُفعة واحدَة بينَمَا أقفُ مُحاذية لها و يدَاي خلف ظَهري ، نَاظرتني طويلا قبل أن تُجيب في نبرة خاملة "عزيزتي كارمن أنا آسفة لكن الكولونيل أمَرني بألَّا أذَكِّره في هذا التَّاريخ ثانية، السَّنَـة المَـاضية مَرَّ بضغوطات كثيرة في مثل هذا اليوم وطلب منّي أن ألغي الاحتِفال بهذه المناسبة نهائيا “ "ضغوطَات؟ ولمَـاذا أنا آخر من يعلمُ بالموضوع؟ ثمَّ كيفَ له أن يلغي إحياء ذكرى والدَتي؟ ألا يكفي أنَّه يحتكِر ذكرياتها ولا يجُود عليّ بأيّ شيء يَخُصُّهَا " "لم أستَطع إخبَـارك لأنَّها كانت أوامره، أرجوك كوني فتاة جيدة ولا تعكري مزاج والدك " "مارتين من حقِّي معرفة كل مَـا يتَعَلَّـق بأمِّي، أنَـا لا أطلبُ الكَثير" "آنسة كَارمن، أنا آسفة، ولكن لا يمكنني مخالفة الأوامر" "إذَا كُنت تخشَينه إلى هذَا الحَدّ فلا بأس ساعديني في تجهيز العَشَاء ثمَّ غادري... سأخبره أنَّني خطّطت لكُلّ هذا بنفسي " كَفَّت عن الكلام واكتفت بتأمُّل المُروج في عينيَّ وقد ازدانت بثقة لم أعهَد لهَا مثيلا وسُرعان مَا رَضخَت لرغبتي بعد أن تيقَّنت أنِّي لن أعدل عن قَراري. انتَهينَا من تَحضير العَشَاء مع غُروبِ الشَّمس وحَرِصتُ على مُغادرتها القَصر قبل عودَة أبي، حَتَّى ولو وافقت على طَلبِي منذ البدَاية فقد كنتُ سأطلبُ منهَا المغادرة... أرغب بالبَقاء لوَحدي مَع والدي رافقتُهَـا إلى بوابة الحديقة الخَـارجيَّة ولم تَكُفَّ طوال المَسير عن إلقَاء نَصائحهَـا وكأنَّني مُقبلة على خَطرٍ مُحدق، كُلُّ ما في الأمر أنِّي سأحظى بعشاء عائليِّ رفقة أبي وطيف أمِّي الذي ما يَزالُ يلازمنِي... قبلَ أن تغادر استدارت وشَدَّت علَى يَدِي بِلُطفٍ وقالت "كَارمن، كونِي حَذرة وتحلي بالرَّصانة. قد يَكون والدك متعبًا بسبب العَمل لذا لو لاحظت انزعاجه من أسئلتك فالأفضل أن تتراجعي " ألقَيتُ نَظرَة على تَشابُك أيدينَـا وبابتسَـامة فاترة أجبت "والدِي يُحِبُّـنِي كَثيرا أنَا واثقة أنَّه سيُطلعنِي عمَّا أريد برحابة ص*رٍ" أومَأت ثمَّ أخَذَت تَسيرُ بِخُطَى مُتَسَارعة في الطَّريق التُّرابية خشية أن يُدركَـها الظَّلام قبل أن تصِل إلى المَدينة في حينِ ظَللتُ أراقبهَـا إلى أن غابت عن ناظريَّ. عُدتُ إلى الدَّاخل وظللتُ أضعُ لمَساتي الأخيرَة على طَـاولة العشَـاء. بعضُ الورود النَّضرة، شمُوعٌ فوَّاحة وإنَـارة خافتة تمنحُ الرَّاحة وصَفَاء الذِّهن، خلالَ وَقت انتظار أبِي كنتُ أذرع المَكان جيئة و ذَهابا علِّي أجدُ شيئًا يشُوبُ جمَـال الوَليمَة التِّي أعددتهَـا و من حينٍ لآخر أراقبُ عَقَارب السَّاعة تزحَف في المَدَار ببطء. لمَّـا دَقَّت السَّاعة السَّابعة مَسَاء تنَـاهت إلى مَسَامعي خُطُواته الثَّابتة تقرع مرمر الأرضيَّة مُـعلنَة عن قُدُومه ومُحَرّكَـة كِيَـاني، بَرَحتُ مَكَـاني ورَاقبتُ مَظهَري في المرآة التي تتَرأس المدفَأة... أسدَلتُ سَبَائكي الذَّهبية لتُعانقُ نُعومَة جيدي وتَستَقرَّ عَلَى أديمِ ص*ري ثمَّ سارعتُ لمُقَـابلته، لَمَّا بلغتُ البَهوَ حاولتُ جَـعل خطواتي بَطيئَة فلطَـالمَا نَهاني عن التَّصرفات الصِّبيانية. هو رجُلٌ يُقَـدِّس النِّظـام ويَعشَق الهُدوء.. "أهلا بعَودتك أبي " رَحَّبتُ به في صوتٍ حَـنون مُشتَـاق وقابلَنِي بعُيونٍ دَافئَة انسَـابت فيهما زرقة المُحيطِ، حَدَّاهمَا رقراقٌ صافٍ وعُمقهمَـا داكنٌ غامِض، أخَذتُ عنه سترَتَه التِّي رُصِّعت بنُجومٍ عديدة أفنى والدي سَنوات من عمره ليَحملَهَا ثمَّ بادرتُ بالكَـلام مادام قد انحَـاز للصَّمت كعادته "سأحمِلهَـا إلى غرفتك، انتظرني..." لم يستغرق ذلك منّي سِوى دقيقة حيث عدتُ على جنَاح السُّرعة لأجده جَالسا على إحدَى الأرائك في غرفة الإستقبال ، لمّا أبصر عودتي ظَلَّ يراقبني بعيون صامتة مُجرّدة من المَعاني. طَال به الوقت على تلكَ الحَالِ فهجرتني مُقلتَاه بغتة و إحتفت بي ريَاح الإهمَال فأسقَمت بَسمتِي و أذبَلتهَا "أينَ مارتين؟" إخترقَ صوته الرَّخيم شرودِي و ترقرق أنغَامًا عذبَة في أذني ، إسترجعت شيئا من ثباتي و أجبتُ . "غَدًا عُطلتُهَـا الأسبوعيَّة لذَا قررت إرسالَهَا مُبَكِّرا، العَشَـاء جَاهزٌ هَيَّا بنَـا" دَعوته إلى طاولة العَشَاء و في ترنيمَة صوتي دفءٌ غَمَرَه فبَرحَ مجلسَه و سَار بخُطَى موزونَة نَحو قاعة الإفطَار و بهَمس حَاد أسرَّ عَلى مَقربة منِّي "إذَن فَنحنُ وحدَنَـا الليلة " سَبقته ببضع خُطوات و أجبتُ مشيرَة إلى إطار ذهبيٍّ عانقَ صورة أمّي ، كنت أحتفظ به في غرفتي لكنَّنِي فكَّرتُ أنَّه سيَكون من اللّطيف لو إحتَل مكَانا على طَاولتنا "لَيسَ تَمَـامًا مَعنَا أمِّي، أردتُ أن أجَهِّز عَشَاءً عائليِّا" تَسَمَّر في مكَانه و كأنه فقد القُدرة عَلى الحَراك لوهلَة ثمّ تَقدّم بِخطواتٍ مُتَثاقِلَة نَحو الطَّاولة و قبل أن يَمُرّ لأخذِ مَقعَده قَلبَ الإطار مُخفيًا واجهة الصورة. تَقوس حاجباي كذلك الحال مع إبتسامتي ، دَقّ قلبي طبول الحزن و قبل أن يتَفشى فيَّ الأسى سألت في إرتجاف "لمَـاذا أخفيتَ الصُّورة" لم يُجبني إنَّمَا شرَع في تنَاول العَشاء في هدوء و كأنه لم يَبُثَّ في عروقي لهيبَ الحَسرة للتّو ، دون أن يتفوّه بحَرفٍ أشارَ لي بالجُلوس و كذلكَ فَعلتُ بينَمَا أتغاضى عن الألم الذِّي سَرى في دِمَائي... إعتدت دائمًا على الإنصياع و تنفيذ أوامره بحذافيرها "لا دَاعي كي تَجعلي المَـاضي يَطفو عَلى السَّطح مُجَدَّدًا " هذا ما بَدر منه حينَ أبصرَ جَوهرتيَّ تائهتين في بَحر من الدُّموع التّي أبت أن تنزِل عن جَفنيّ إنّما ظَلّت تحجبُ عنّي الرؤية "أنتَ دَائمًا تَفعلُ هذَا، كلَّـما ذَكرنَـا سيرَة أمِّي" قُلتُ بخُفوت أمنع عَبراتي من فَضحِ الدَّمار الذي حَلّ بكيَاني و لكنّه لم يبدي إهتمَاما بالموضوع بل حَاول تَجاوزه ثانية و خَاطبني بكلّ برود أعصاب "كَارمن تَعلمِين أنِّي لا أحَبِّذ الحَديثَ على الطَّاولة، احتَرمي آداب المَائدة" سالت دموعي حينَ طَعنتها اجفاني في غفلة و رَثت قلبي المُحَطّم و بصوت تخللته شهقات مكبوتة توسَّلت "أبِي أنتَ دَائمًا مَا تتَجَـاهل أسئلَتِي، أرجُوك إشفي غليلي مَرَّة “ وَضعَ ملعَقته جانبا بعد أن عدل عن الإغتراف من الحساء شيئا يسد رمق جوعه ثمّ شابك أصابعه عند ذقنه و تساءل و على وجهه شيّدت الجديّة معالمها "ما الذي تُريدين مَعرفَته؟ ما الإضافة التِّي ستَحصلين عليهَـا لو أنِّي حَدَّثتك عنهَـا " غادرت مقعدي و إقتربتُ منه بيد مرتجفة وضعت يدي على ساعده المشدود و حاولت إستمالته رغم أن لساني خانني في الحفاظ على نبرة متوازنة "وما الذِّي يمنَعـك من إخباري، لا تَقسو عليَّ أبي أنت تعلم أنِّي عانيتُ ويلات اليُتمِ" أراح يديه على الطاولة و زَفر الهَواء بغلظَة "يَكفِي أن تُدركي أنِّي أحببتُ أمَّك أكثر ممَّـا فَعلَت، ربَّمَـا كَـان هذا الخَطَأ الذِّي ارتكبته" لم يكن ردّه ذا نفع بالنسبة لي و رغبت في معرفة المزيد "حَدِّثنِي عن تَفاصيل حيَاتها، عَمَّـا كانت تفعله... لا أملكُ أدنَى فكرة عنها " نَظر لي في غير إهتمام و كأن ما قلته لا يمت له بصلة ثم عاود حمل ملعقته و واصل الأكل في هدوء "مَحوتُ كلَّ ذكريات والدتك لأسباب خَاصَّة، لم يتَبَقَّى لي سواك..." كَسر صمته بعد برهة من الزمن و ألقى إلي بفتات لا يسمن ولا يغني من جوع ، لم أتمالك أعصابي أكثر و شعرت أنّ كلماته تلك كانت القطرة التي أفاضت الكأس. ضربت الطاولة و إستقمت من مكاني و في حسرة صرخت "إذَن لمَا لا تَمحوني أيضًا وتُخَلِّصني من الجَحيم؟ " حمل المنديل الذي كان محاذيا لكأس النبيذ الكريستالية على يمينه ثمّ مسحَ فاه برقيّ "اجلسي مَكَـانك، لم تُنهي وَجبتك بعد" كم بدى غير مبالي لما أعانيه من صراع داخليّ و في معمعة أفكاري السوداوية و ثورتي الجامحة غادرت القاعة بعد أن هتفت بكلمات أدرك أنّي سأندم عليها "آسِفة أيُّهَـا الكولونيل، لكن هلَّا تَوَقَّفت عن مُعاملتي كأنِّي أحد جنودك... لقد سَئمتُ الحَيَـاة المُقَيَّدَة بالقَوانين"

editor-pick
Dreame-Editor's pick

bc

سبَارتينا ~ h.s

read
2.5K
bc

روح الزين الجزء الثاني بقلم منارجمال"شجن"

read
1K
bc

عشق من أول نظرة

read
1.1K
bc

cristal ball . tk

read
1K
bc

"السكة شمال" بقلم /لولو_محمد

read
1K
bc

احببتها فى قضيتى ❤️ بقلم لوكى مصطفى

read
2.2K
bc

قاسي بالإكراه

read
1K

Scan code to download app

download_iosApp Store
google icon
Google Play
Facebook