3

1359 Words
كانت بريتا ! نهضت ، و أنرت ُ المصباح المجاور ، و من خلال إنارته الخفيفة لمحت ُ ومض دموع تسيل على خد الصغيرة ... مددت ُ يدي و تحسست وجهها الصغير فبللتني الدموع ... " بريتا ! ما بك عزيزتي ؟ " قفزت بريتا إلى حضني و أطلقت صرخات بكاء قوية و حزينة ... إنني لم أر َ دموع غاليتي هذه منذ أمد بعيد ... فكيف لي برؤيتها بهذه الحال ؟؟ " بريتا ... أخبريني ماذا حدث ؟ هل رأيت حلما مزعجا ؟؟ " اندفعت و هي تقول كلماتها هذه بشكل مبعثر و مضطرب ... و بمرارة و حزن عميقين : " لماذا ليس لدي أم ؟ لماذا مات أبي ؟ هل الله لا يحبني لذلك لم يعطني أما و لا أبا ؟ هل صحيح أن هذا ليس بيتي ؟ أين بيتي إذن فأنا أريد أن يصبح لدي غرفة كبيرة و جميلة مثل غرفة شريستي " طوقت الصغيرة بذراعي و جعلت أمسح رأسها و دموعها و أهدئ من حالتها لم أكن أتخيل أن مثل هذه التساؤلات تدور في رأس طفلة صغيرة في السادسة من العمر ... بل إنها لم تذكر لي شيئا كهذا من قبل رغم ثرثرتها التي لا تكاد تنتهي حين تبدأ ... " صغيرتي بريتا ! ما هذا الكلام ! من قال لك ذلك ؟ " " شريستي دائما تقول هذا ... هي لا تحبني ... لا أحد يحبني " شعرت بالغيظ من أختي الشقية ، في الغد سوف أوبخها بعنف . قلت محاولا تهدئة الصغيرة المهمومة : " بريتا يا حلوتي ... دعك ِ من شريستي فهي لا تعرف ما تقول ، سوف أوقفها عند حدها . أبي و أمي هما أبوك و أمك " قاطعتني : " غير صحيح ! لا أم و لا أب لدي و لا أحد يحبني " " ماذا عني أنا كاران ألا أحبك ؟ اعتبريني أمك و أباك و كل شيء " توقفت بريتا عن البكاء و نظرت إلي قليلا ثم قالت : " و لكن ليس لد*ك شارب ! " ضحكت ! فأفكار هذه الصغيرة غاية في البساطة و العفوية ! أما هي فقد ابتسمت و مسحت دموعها ... قلت : " حين أكبر قليلا بعد فسيصبح لدي شاربان طويلان كما رسمت ِ ! أ نسيت !؟ " ابتسمت أكثر و قالت : " و هل ستشتري لي بيتا كبيرا فيه غرفة كبيرة و جميلة تخصني ؟ " ضحكت مجددا ... و قلت : " نعم بالتأكيد ! و تصبحين أنت سيدة المنزل ! " الصغيرة ابتسمت برضا و عانقتني بسرور : " أنا أحبك كثيرا يا كاران ! و حين أكبر سآخذك معي إلى بيتي الجديد ! " ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ اللعب هو هواية الأطفال المفضلة على الإطلاق ، و لأنني ( كاران الكبير ) و لأن شريستي هي ( الطرف المعادي ) فإن بريتا لم تجد من تلعب معه في بيتنا هذا غير سمير ! كثيرا ما كانا يقضيان الساعات الطوال باللهو معا ، ربما كان هذا متنفسا جيدا للصغيرة . عندما كانت بريتا تسكن غرفتي ، كانت كلما بقيت ُ في الغرفة لسبب أو لآخر،أتت هي الأخرى و عكفت على دفتر تلوينها بسكون ... كنت ُ أستذكر دروسي و ألقي عليها نظرة من حين لآخر ... و كان ذلك يسعدني ... بعد أن استقلت في غرفتها ، لم أعد أراها معي ... كانت كثيرا ما تقضي الوقت الآن مع سمير في اللعب ! في أحد الأيام ، عدت ُ من المدرسة ، و حين دخلت ُ البيت وجدت ُ الصغيرة تشاهد التلفاز ... " بريتا ! لقد عدت ! " و فتحت ذراعي ، فهي معتادة أن تأتي لحضني كلما عدت من المدرسة ، كأنها تعبر عن شوقها و افتقادها لي ... ابتسمت الصغيرة ثم قفزت قاصدة الحضور إلي ، و في نفس اللحظة دخل شقيقي سمير إلى نفس الغرفة و هو يقول : " أصلحته يا بريتا ! هيا بنا " و بشكل فاجأني و لم أتوقعه ، استدارت ْ إلى سمير و ركضت نحوه ، و غادرا الغرفة سويا ... ذراعاي كانتا لا تزالان معلقتين في الهواء ... بانتظار الصغيرة ... نظرت من حولي أتأكد من أن أحدا لم ير َ هذا ... قد يكون موقفا عاديا لكنني شعرت ُ بغيط و خيبة لحظتها ... ما الذي يشغل بريتا عني ؟؟ لحقت بالاثنين ، فرأيتهما يركبان دراجة سمير التي يبدو أن خللا كان قد أصابها مؤخرا و أصلحه سمير قبل قليل ... كانت بريتا في غاية السرور و هي تجلس على مقعد خلفي ، و سمير ينطلق بدراجته الهوائية مسرعا ... ذهبت إلى غرفتي و استلقيت على سريري و أخذت أفكر ... مؤخرا ، ظهرت أمور ٌ عدة تشغل الصغيرة ... كالمدرسة و الواجبات المدرسية و صديقاتها الجدد ... و دفاتر تلوينها الكثيرة ... و اللعب مع سمير ! طردت الأفكار التي استتفهتها فورا من رأسي و انصرفت إلى أمور أخرى ... إنها السنة الأخيرة لي في المدرسة الإعدادية و والدتي تعمدت إبعاد بريتا عني قدر الإمكان لأتفرغ لدراستي . بريتا ... بريتا ... بريتا ! لماذا لا أستطيع طردها الآن من رأسي ؟؟ إنها طفلة مزعجة لا تحب غير اللعب و العناية بها كانت مسؤولة كبيرة و مضجرة ألقيت على عاتقي و ها أنا حر أخيرا ! في الواقع ، ظل التفكير بهذه الصغيرة يشغلني طوال ذلك اليوم ... لم أستطع التركيز في الدراسة ، و قبيل غروب الشمس قررت القيام بجولة في الشارع على الأقدام ، علني أطرد بريتا من دماغي ... الجو كان لطيفا و نسماته عليلة و قد استمتعت بنزهتي الصغيرة ... التقيت في طريقي بشخص أبغضه كثيرا ! إنه بريتفي ... بريتفي هذا هو الابن الوحيد لأحد الأثرياء ، و هو زميلي في المدرسة ، ولد بغيض مستهتر سيئ الخلق ، معروف و مشهور بين الجميع بانحرافه و فساده ... و كان آخر شيء أتمنى أن ألتقي به و أنا في مزاجي العكر هذا اليوم ! " كاران ؟ تتسكع في الشوارع عوضا عن الدراسة !؟ لسوف أفضحك غدا في المدرسة " قال لي هذا و أطلق ضحكة قوية و بغيضة ، أوليته ظهري و ابتعدت متجاهلا إياه قال : " انتظر ! لم لا تأت ِ معي نلهو قليلا ؟ و أعدك بأن تنجح رغم أنف الجميع ! مثلي " استدرت إلى بريتفي و قلت بغضب : " حلّ عني أيها البغيض ! لا يشرفني التحدث إلى شخص مثلك ! أيها المنحرف الفاسد " لا أدري ما الذي دفعني لقول ذلك ، فأنا لم أعتد توجيه مثل هذا الكلام لأي كان ... و لكني كنت مستاءا ... بريتفي شعر بغيظ ، و سدد نحوي لكمة قوية موجعة و تعاركنا ! منذ ذلك اليوم ، و أنا و هو في خصام مستمر ، هو لا يفتأ يستفزني كلما وجد الفرصة السانحة لذلك ، و أنا أتجاهله حينا و أتعارك معه حينا آخر ... و الأمر بيننا انتهى أسوا نهاية ... كما سترون ... في طريق عودتي للبيت ، مررت بإحدى المكتبات ، و وجدت نفسي أدخلها و أفتش بين دفاتر تلوين الأطفال ، و أشتري مجموعة جديدة ... من أجل بريتا إنني سأعترف ، بأنني فشلت في إزاحتها بعيدا عن تفكيري ذلك اليوم ... لقد كانت المرة الأولى التي تترك فيها ذراعي ّ معلقين في الهواء ... و تذهب بعيدا حين وصلت إلى البيت ، كانت بريتا في حديقة المنزل ، مع سمير و شريستي ، كانوا يراقبون العصفورين الحبيسين في القفص ، و اللذين أحضرهما والدي قبل أيام ... كانت ضحكاتها تملأ الأجواء ... كم هي رائعة هذه الطفلة حين تضحك ! و كم هي مزعجة حين تبكي ! اعتقدت أنني لن أثير انتباهها فيما هي سعيدة مع شقيقي ّ و العصفورين ... هممت بالدخول إلى داخل المنزل و سرت نحو الباب ... و أنا ممسك بالكيس الصغير الذي يحوي دفاتر التلوين ... " كاران" ! وصلني صوتها الحاد فاستدرت للخلف ، فإذا بها قادمة تركض نحوي فاتحة ذراعيها و مطلقة ضحكة كبيرة ... فتحت ذراعي و استقبلتها في حضني و حملتها بفرح و درت بها حول نفسي بضع دورات ... " صغيرتي ... جلبت ُ لك ِ شيئا تحبينه ! " نظرت إلى الكيس ثم انتزعته من يدي ، و تفقدت ما بداخله أطلقت هتاف الفرح و طوّقت عنقي بقوة كادت تخنقني ! بعدها قالت : " لوّن معي ! " ابتسمت ُ برضا بل بسعادة و قلت : " أمرك سيدتي ! " اعتقد ... بل أنا موقن جدا ... بأنني أصبحت مهووسا بهذه الطفلة بشكل لم أكن لأتصوره أو أعمل له حسابا ... و سأجن ... بالتأكيد ... فيما لو حدث لها مكروه ٌ ... لا قدّر الله ....
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD