6

1386 Words
في وقت العشاء ، كنت أول الجالسين حول المائدة فقد كنت جائعا ، و لم أكن قد تناولت أي وجبة رئيسية لهذا اليوم . الكرسي المجاور لي هو الكرسي الذي تجلس عليه صغيرتي بريتا عادة و كنت أساعدها في تناول الطعام دائما اجتمع أفراد أسرتي حول المائدة ، إلا أن الكرسي المجاور ظل شاغرا ! " أين بريتا ؟؟ " وجهت سؤالي إلى والدتي ، فأجابت : " أصرت على الذهاب مع خالتها و بما أن الغد هو يوم جمعة تركتها تذهب لتبات عندهم ! " اندهشت ، فهي المرة الأولى التي يحدث فيها شيء كهذا ... لطالما كانت الخالة تزورنا فلماذا تصر على الذهاب معها اليوم و اليوم فقط ؟؟ لقد فقدت شهيتي للطعام ، و لم أتناول منه إلا اليسير ... مساء الجمعة ذهبت مع أبي لإحضار بريتا من بيت خالتها دخلت أنا للمنزل فيما ظل والدي ينتظر في السيارة لقد كان الأطفال ، بريتا و روشني و أمان ، يلعبون ببعض الأل**ب في إحدى الغرف عندما رأوني توقفوا عن اللعب ، و اخذوا يحدقون بي ! هل أبدو مرعبا ؟؟ ربما لأنني طويل و ضخم البنية نوعا ما ! ابتسمت لهذه المخلوقات الصغيرة ثم قلت : " مرحبا أعزائي ! ألم تكتفوا من اللعب ! " لم يبتسم أي منهم أو يحرك ساكنا ! وجهت نظري إلى صغيرتي بريتا ، و قلت أخاطبها : " صغيرتي الحلوة ! حان وقت العودة إلى البيت " " لا أريد " كانت أول جملة تنطق بها بريتا ! إنها لا تريد العودة للبيت ! " ماذا بريتا ؟ يجب أن نعود الآن فغدا ستذهبين إلى المدرسة ! " " سأبقى هنا " " بريتا ! سوف نأتي بك إلى هنا لتلعبي كل يوم إن أردت ! هيا فوالدنا ينتظر في السيارة " لم يبد ُ أنها عازمة على النهوض . و الآن ؟؟ ماذا أفعل مع هذه الصغيرة ؟؟ كيف يجب أن يكون التصرف السليم ؟؟ تدخلت أم أمان قائلة : " بنيتي بريتا ، غدا سيحضرك كاران إلى هنا من جديد . و كل يوم إذا أردت اللعب مع روشني فتعالي و أحضري أل**بك أيضا " " لا أريد " ثم بدأت بالبكاء ... ربما تظن خالتها أننا نسيء إليها بشكل ما ! ماذا جرى لهذه الصغيرة ؟ لماذا أصبحت لا تريد الاقتراب مني ؟ أكل هذا لأنني أخرجتها من غرفتي بقسوة تلك الليلة ؟ أم أمان أخذت تمسح على رأس الصغيرة و تهدئها و تكرر " غدا سيحضرك كاران إلى هنا عزيزتي " قلت ، محاولا إغراءها بالحضور بأي طريقة : " سنمر بمحل البوضا و نشتري لك النوع الذي تحبين ! " يبدو أن الفكرة أعجبتها ، فتوقفت عن البكاء و آخذت تنظر إلي ... قالت خالتها مشجعة : " هيا بنيتي ، و عندما تأتين غدا سنشتري لك و لروشني و أمان المزيد من البوضا و الأل**ب " و أخذت تقربها نحوي حتى صارت أمامي مباشرة رفعت بريتا رأسها الصغير و نظرت إلي إنها نظرة لا أستطيع نسيانها ما حييت ... كأنها تعاتبني على قسوتي معها ... و تقول ... خذلتني ! مددت يدي و رفعت الصغيرة عن الأرض و ضممتها إلى ص*ري و قبلت جبينها كيف لي أن أعتذر ؟ إنها اليتيمة التي و لو بذلت الدنيا كلها لأجلها ، ما عوضتها عن لحظة واحدة تقضيها في حضن أمها أو أبيها ... قلت : " ماذا تودين بعد ؟ لعبة جديدة أم دفتر تلوين جديد ؟ " قالت : " أريد لعبة و أريد دفترا " قلت : " يا لك من سيدة طماعة ! حاضر ! كما تأمرين سيدتي ! " فابتسمت لي أخيرا ... شعرت بشيء ما يحرك بنطالي ... نظرت إلى الأسفل فإذا بها روشني تمسك ببنطالي و تهزه ، ثم تقول : " احملني ! " نظرت إليها بدهشة و استغراب ! " بريتا تقول أنك قوي جدا و كنت تحملها مع شريستي سوية " ربّاه !! ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ في تلك الليلة ، جعلت بريتا تنام على سريري للمرة الأخيرة ... و لونت معها كثيرا و قرأت لها أكثر من قصة ، و طبعا اشتريت لها أكثر من لعبة و أكثر من دفتر تلوين إضافة إلى البوضا ! ربما كانت هذه طريقتي في الاعتذار ! إن كنت أدلل صغيرتي كثيرا فهذا لأنني أحبها كثيرا ... و هي نائمة على سريري بسلام ، أخذت أتأملها بعطف و محبة ... كم هي رائعة ! و كم أنا متعلق بها ! كم يبدو هذا جنونا ! ذهبت إلى حيث وضعت صندوق الأماني ، فأخذته و جعلت أنظر إليه بحدة كم تمنيت لو أن بصري يخترق الصندوق إلى ما بداخله ! ليتني أعرف ... الاسم الذي تلا هذه الجملة ( عندما أكبر سوف أتزوج .... ؟ ) عندما تكبرين يا بريتا ... فقط عندما تكبرين .... فإنني ... ~ ~ ~ ~ ~ ~ في أحد الأيام ، قررنا تناول بعض المشويات في المنزل في حديقة المنزل أعد والدي ما يلزم و أشعل الفحم كان يوما جميلا ، و كنا مسرورين لهذه ( النزهة المنزلية ) التي قلما تحدث الأطفال ، سميرـ إن كنت أعتبره طفلا ـ و شريستي و بريتا كانوا يتجولون هنا و هناك سمير مهووس بدراجته الهوائية و التي لا يتوقف عن قيادتها و العناية بها في جميع أوقات فراغه ، و بريتا تهوى كثيرا الركوب معه ، و قد تعلمت كيف تقودها بنفسها كانت تقود الدراجة فيما يجلس سمير على المقعد الحفي ، و كانت تترنح ذات اليمين و ذات الشمال و تسقط بالدراجة من حين لآخر ألا أنها كانت سقطات خفيفة غير مؤذية ، يستمتعان بها و يضحكان مرحين ! شريستي كانت تساعد أمي في إعداد اللحم ، فيما والدي يهف الجمر فيزيده اشتعالا كنت أنا أراقب الجميع في صمت و برود ظاهري ، بينما أشعر بشيء يتحرك و يشتعل في ص*ري مثل ذلك الجمر ... لا أعرف ما يكون ...؟؟ ذهب والدي لإحضار شيء ما ... و ابتعاده عن الجمر أعطاني مجالا أوسع لأراقب اشتعاله و تأججه ... و جحيمه ! إن عيني ّ كانتا تتنقلان بين بريتا و سمير على الدراجة ، و بين الجمر المتقد ... ثم شردت ... فجأة ... ترنحت الدراجة و هي تسير بسرعة ، تقودها بريتا الصغيرة ، و قبل أن يتمكن سمير من إيقافها ارتطمت بشيء فسقطت ... كان يمكن لهذه السقطة أن تكون عادية **ابقاتها لو أن الشيء الذي ارتطمت الدراجة به لم يكن صينية الجمر المتقد .... تعالت الأصوات و انطلق الصراخ القوي يزلزل الأجواء ... ركضنا جميعا نحو الاثنين بفزع ... والدتي تولول ، و شريستي تصرخ ... و بريتا تصرخ ... و سمير يتخبط مستنجدا ... صارخا ... من فرط الألم ... جمرة واحدة أصابت بريتا بحرق في ذراعها الأيسر ... أما سمير ... فقد انتهى بوجه مشوه مخيف ، و جفن منكمش يجعل العين اليمنى نصف مغلقة ... مدى الحياة ... لقد كان حادثا سيئا جدا ... و انتهى يومنا الجميل بندبة لا تمحى ... و رغم العمليات التي خضع لها ، ألا أن وجه سمير ظل يحمل أثر الحادثة المشؤومة إلى الأبد بريتا و التي خرجت من الحادث بأثر حرق واحد في الذراع ، خرجت منه بآثار عميقة لا تمحى في الذاكرة و القلب أما شريستي ، فقد غرست في نفس بريتا الاعتقاد الأكيد بأنها السبب فيما حدث لسمير لأنها من كان يقود الدراجة وقتها بريتا أصبحت مرعوبة فزعة متوترة معظم الأوقات ... و أصبحت تخشى النوم بمفردها و تصر على أن أبقى إلى جانبها حتى تدخل عالم النوم ، و كثيرا ما كانت تستيقظ فزعة من النوم في أوائل الأيام ... و تركض إلي ... و المرة التي كنت أعتقد أنها الأخيرة ، تلتها مرات أخرى ، نامت فيها الصغيرة في غرفتي ... طالبة الأمان و الطمأنينة ... " كاران أنا خائفة ... النار مؤلمة ... " " كاران لن أركب الدراجة ثانية ً ... " " كاران لا أريد أن أبقى وحدي ... الجمر يلاحقني ... " " كاران ... عندما أكبر سأصبح طبيبة و أعالج سمير " ! و في إحدى تلك المرات ، كتبت إحدى أمانيها و أدخلتها في ذلك الصندوق ! و هذه المرة لم تسألني عن أية كلمة ... لكنني أكاد أجزم بأنها كتبت : ( يا رب اشف سمير ) ! توالت الأيام و الشهور ... و تأقلم الجميع مع ما حدث ، و سمير اعتاد رؤية وجهه المشوه في المرآة و تقبله ، و استسلم الجميع إلى أنها حادثة قضاء و قدر ... أما أنا ... فأشك في أن شيطانا قد خرج من ص*ري و قاد الدراجة نحو الجمر المتقد ... و احرق سمير و بريتا بنار كانت في ص*ري ... و لم تزد النار ص*ري إلا اشتعالا و لم تزد الحادثة الاثنين إلا اقترابا ... و لم تزدني الأيام إلا تعلقا و تشبثا و جنونا ببريتا ....
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD