4

1421 Words
أشياء ثلاثة تشغل تفكيري و تقلقني كثيرا في الوقت الراهن دراستي و امتحاناتي ، بريتا الصغيرة ، و الأوضاع السياسية المتدهورة في بلدتنا و التي تنذر بحرب موشكة ! إنه يوم الأربعاء ، لم أذهب للمدرسة لأن والدتي كانت متوعكة قليلا في الصباح و آثرت البقاء إلى جانبها . إنها بحالة جيدة الآن فلا تقلقوا كنت أجلس على الكرسي الخشبي خلف مكتبي الصغير ، و مجموعة من كتبي و دفاتري مفتوحة و مبعثرة فوق المكتب . لقد قضيت ساعات طويلة و أنا أدرس هذا اليوم ، إلا أن الأمور الثلاثة لم تبرح رأسي الدراسة ، أمر بيدي و أستطيع السيطرة عليه ، فها أنا أدرس بجد أوضاع البلد السياسية هي أمر ليس بيدي و لا يمكنني أنا فعل أي شيء حياله ! أما بريتا الصغيرة ... فهي بين يدي ... و لا أملك السيطرة على أموري معها ! و آه من بريتا ! يبدو أن التفكير العميق في ( بعض الأشياء ) يجعلها تقفز من رأسك و تظهر أمام عينيك ! هذا ما حصل عندما طرق الباب ثم فتح بسرعة قبل أن أعطى الفرصة المفروضة للرد على الطارق و السماح له بالدخول من عدمه ! " كاران كاراااااااااااان و كاراااااااااااااااان ! " قفزت بريتا فجأة كالطائر من مدخل الغرفة إلى أمام مكتبي مباشرة و هي تناديني و تتحدث بسرعة فيما تمد بيدها التي تحمل أحد كتبها الدراسية نحوي ! " كاران علّمتنا المعلمة كيف نصنع صندوق الأماني هيا ساعدني لأصنع واحدا كبيرا يكفي لكل أمنياتي بسرعة ! " إنني لم أستوعب شيئا فقد كانت هذه الفتاة في رأسي قبل ثوان و كانت تلعب مع سمير على ما أذكر ! نظرت إليها و ابتسمت و أنا في عجب من أمرها ! " رويدك صغيرتي ! مهلا مهلا ! متى عدت ِ من المدرسة ؟ " أجابتني على عجل و هي تمد يدها و تمسك بيدي تريد مني النهوض : " عدت الآن ، أنظر كاران الطريقة في هذه الصفحة هيا اصنع لي صندوقا كبيرا ! " تناولت الكتاب من يدها و ألقيت نظرة ! إنه درس يعلم الأطفال كيفية صنع مجسم أسطواني الشكل من الورق ! و صغيرتي هذه جاءتني مندفعة كالصاروخ تريد مني صنع واحد ! تأملتها و ابتسمت ! و بما إنني أعرفها جيدا فأنا متأكد من أنها سوف لن تهدأ حتى أنفذ أوامرها ! قلت : " حسنا سيدتي الصغيرة ! سأبحث بين أشيائي عن ورق قوي يصلح لهذا ! " بعد نصف ساعة ، كان أمامنا أسطوانة جميلة مزينة بالطوابع الملصقة ، ذات فتحة علوية تسمح للنقود المعدنية ، و النقود الورقية ، و الأماني الورقية كذلك بالدخول ! بريتا طارت فرحا بهذا الإنجاز العظيم ! و أخذت العلبة الأسطوانية و جرت مسرعة نحو الباب ! " إلى أين ؟؟ " سألتها ، فأجابتني دون أن تتوقف أو تلتفت إلي : " سأريها سمير ! " و انصرفت ... اللحظات السعيدة التي قضيتها قبل قليل مع الطفلة و نحن نصنع العلبة ، و نلصق الطوابع ، و نضحك بمرح قد انتهت ... أي نوع من الجنون هذا الذي يجعلني أعتقد و أتصرف على أساس أن هذه الطفلة هي شيء يخصني ؟؟ كم أنا سخيف ! انتظرت عودتها ، لكنها لم تعد ... لابد أنها لهت مع سمير و نسيتني ! نسيت حتى أن تقول لي ( شكرا ) ! أو أن تغلق الباب ! غير مهم ! سأطرد هذا التفكير المزعج عن مخيلتي و أتفرغ لكتبي ... أو حتى ... لقضايا البلد السياسة فهذا أكثر جدوى ! بعد ساعة ، عادت بريتا ... كان الصندوق لا يزال في يدها ، و في يدها الأخرى قلما . اقتربت مني و قالت : " كاران ... أكتب كلمة ( صندوق الأماني ) على الصندوق ! " تناولت الصندوق و القلم و كتبت الكلمة ، و أعدتهما إليها دون أي تعليق أو حتى ابتسامة هل انتهينا ؟ صرفت ُ نظري عنها إلى الكتاب الماثل أمامي فوق المكتب ، منتظرا أن تنصرف يجب أن تنتبه إلى أنها لم تشكرني ! " كاران ... " رفعت ُ بصري إليها ببطء ، كانت تبتسم ، و قد تورّد خداها قليلا ! لابد أنها أدركت أنها لم تشكرني ! قلت ُ بنبرة جافة إلى حد ما : " ماذا الآن ؟ " " هل لا أعطيتني ورقة صغيرة ؟ " يبدو أن فكرة شكري لا تخطر ببالها أصلا ! تناولت مفكرتي الصغيرة الموضوعة على المكتب ، و انتزعت منها ورقة بيضاء ، و سلمتها إلى بريتا أخذتها الصغيرة و قالت بسرعة : " شكرا ! " ثم ابتعدت ... ظننتها ستخرج إلا أنها توجهت نحو سريري ، جلست فوقه ، و على المنضدة المجاورة و ضعت ( الصندوق ) و الورقة ... و همّت بالكتابة ! أجبرت عيني ّ على العودة إلى الكتاب المهجور ... لكن تفكيري ظل مربوطا عند تلك المنضدة ! " كاران ... " مرة أخرى نادتني فأطلقت سراح نظري إليها ... " نعم ؟" سألتني : " كيف أكتب كلمة ( عندما ) " ؟ نظرت ُ من حولي باحثا عن ( اللوح ) الصغير الذي أعلم بريتا كيفية كتابة الكلمات عليه ، فوجدته موضوعا على أحد أرفف المكتبة ، فهممت بالنهوض لإحضاره ألا أن بريتا قفزت بسرعة و أحضرته إلي قبل أن أتحرك ! أخذته منها ، و كتبت بالقلم الخاص باللوح كلمة ( عندما ) . تأملتها بريتا ثم عادت إلى المنضدة ... بعد ثوان ، رفعت رأسها إلي ... " كاران ! " " نعم صغيرتي ؟ " " كيف أكتب كلمة ( أكبُر ) ؟ " كتبت الكلمة بخط كبير على اللوح ، و رفعته لتنظر إليه . ثوان أخرى ثم عادت تسألني : " كاران ! " ابتسمت ! فطريقتها في نطق اسمي و مناداتي بين لحظة و أخرى تدفع إي كان للابتسام ! " ماذا أميرتي ؟ " " كيف أكتب كلمة ( سوف ) " ؟؟ كتبت الكلمة و أريتها إياها ، صغيرتي كانت مؤخرا فقط قد بدأت بتعلم كتابة الكلمات بحروف متشابكة ، و لا تعرف منها إلا القليل ... بقيت أراقبها و أتأملها بسرور و عطف ! كم هي بريئة و بسيطة و عفوية ! يا لها من طفلة ! رفعت رأسها فوجدتني أنظر إليها فسألت مباشرة : " كيف أكتب كلمة ( أتزوج ) ؟ " فجأة ، أفقت من ***ة التأمل البريء ... هناك كلمة غريبة دخيلة وصلت إلى أذني ّ في غير مكانها ! حدقت في بريتا باهتمام ، و اندهاش ... هل قالت ( أتزوج ) ؟؟ أتزوج ! ألا تلاحظون أنها كلمة ( كبيرة ) بعض الشيء ! بل كبيرة جدا ! سألتها لأتأكد : " ماذا بريتا ؟؟ " قالت و بمنتهى البساطة : " أتزوج ! كيف أكتبها ؟؟ " أنا مندهش و متفاجيء ... و هي تنظر إلي منتظرة أن أكتب الكلمة على لوحها الصغير ... أمسكت بالقلم بتردد و شرود ... و كتبت الكلمة ( الكبيرة ) ببطء ، ثم عرضتها عليها فأخذت تكتبها حرفا حرفا ... انتهت من الكتابة ، فوضعت اللوح على مكتبي ، في انتظار الكلمة التالية ... انتظرت ... و أنتظرت ... لكنها لم تتكلم لم تسألني عن أي شيء رأيتها تطوي الورقة الصغيرة ، ثم تدخلها عبر الفتحة داخل صندوق الأماني ! ( عندما أكبر سوف أتزوج ((.... )) ؟؟؟ ) الاسم الذي تلا كلمة أتزوج هو اسم تعرف بريتا كيف تكتبه ! كأي اسم من أسماء أفراد عائلتنا أو صديقاتها ... كـ كاران ، أو سمير ، أو أي رجل ! بريتا الصغيرة ! ما الذي تفعلينه !؟؟ الآن ، هي قادمة نحوي ... و الصندوق في يدها ... " كاران اكتب أمنيتك ! " " ماذا صغيرتي ؟؟ " " أكتب أمنيتك و ضعها بالداخل ، و حينما نكبر نفتح الصندوق و نقرأ أمنياتنا و نرى ما تحقق منها ! هكذا هي اللعبة ! " إنني قد افعل أشياء كثيرة قد تبدو سخيفة ، أما عن وضعي لأمنيتي في صندوق ورقي خاص بطفلتي هذه ، فهو أمر سأترك لكم أنتم الحكم عليه ! نزعت ورقة من مفكرتي ، و كتبت إحدى أمنياتي ! فيما أنا اكتب ، كانت بريتا تغمض عينيها لتؤكد لي أنها لا ترى أمنيتي ! أي أمنية تتوقعون أنني أدخلتها في صندوق الأماني الخاص بصغيرتي العزيزة ...؟؟ لن أخبركم ! بعد فراغي من الأمر ، طلبت مني بريتا أن أحفظ الصندوق في أحد أرفف مكتبتي ، لأنها تخشى أن تضيعه أو تكتشف شريستي وجوده فيما لو ضل في غرفتها ! " كاران لا تفتح الصندوق أبدا ! " " أعدك بذلك ! " ابتسمت بريتا ، ثم انطلقت نحو الباب مغادرة الغرفة و هي تقول : " سأخبر سمير بأنني انتهيت ! " بعد مغادرتها ، تملكتني رغبة شديدة في معرفة ما الذي كتبته في ورقتها كدت انقض وعدي و أفتح الصندوق من شدة الفضول ... لكني نهرت نفسي بعنف ... لن أخيب ثقة الصغيرة بي أبدا ( عندما أكبر سوف أتزوج .......... ؟؟؟ ) من يا بريتا ؟؟ من ؟ من ؟؟ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD