-86-
المقر السري لجمعية السلام والمحبة
وقف أعضاء جمعية السلام والمحبة في خشوع أمام تمثال الجد سعاد التي توفيت منذ أشهر قليلة إثر أزمة قلبية ،حيث لم يتحمل قلبها تأثير انتقالها من عالم لآخر .
مد طارق يده ليلمس وجه تمثال جدته وقد استرجع جميع ذكرياته معها منذ كان صغيرا وحتى قبيل وفاتها.
كانت حنونة على ع** والده،كيف لأم حنونة مثلها أن تنجب مثل أبيه بكل قسوته وفظاظته؟ تعلم منها الكثير من خلال ما قصته له ولأخته سمر في طفولتهما.لازال صدى صوتها يعصف بنفسه الآن.
تن*د تنهيدة حارة ثم غمغم قائلا:أفتقدك كثيرا يا جدتي، ليتك عشت طويلا، لأستمد منك الحكمة التي أحتاجها الآن من أجل الفوز بمعركتي.
ربتت سمر على كتفه محاولة بذلك التخفيف عنه ولإشعاره بأنها تسانده وتقدم له كل الدعم،التف لها فاحتضنها بقوة وانهمك في بكاء كطفل صغير تاه من أنه لتوه.
"تماسك يا أخى،أمامنا طريق شاق من أجل تحقيق العدالة، تماسك من أجل عالمنا، من أجل جدتنا حتى لا يضيع مجهودها هباءً،لقد عانت الكثير من أجل إعطاء فرصة لعالمنا، لعيش حياة أفضل بعيدا عن القسوة والوحشية، أرادت أن تمنح لضعفاء هذا العالم فرصة للبقاء من أجل الأصلح وليس الأقوى.
كانت تلك مواستها لأخيها حتى تحرره من حالة الضعف التي سيطرت عليه بعد وفاة جدتهما.رفع طارق رأسه المن**ة على ص*ر تمثال جدته ببطء ثم مسح دموع حارة أبت أن تسكن عينيه،تنحنح صوت غليظ ليستأذن بالدخول ثم قال: معذرة لقد اجتمع الجميع في قاة الاجتماعات سنبدأ الآن.
ردت سمر : حسنا سنرافقك الآن ثم مسكت يد أخيها لتحثه على الذهاب إلى القاعة. سبقهم الرجل صاحب الصوت الغليظ الذي كان مرافقا لجدتهما ومساعدها الى القاعة ثم جلس.دخلت سمر تتأبط ذراع أخيها،فجلست على الكرسي المقابل ليمينها ليجلس أخوها على يسراها ويترأس الطاولة.
ارتشف طارق رشفة من كوب الماء الذي أمامه ثم أخذ نفسا عميقا فزفره بسرعة ثم قال: لقد اجتمعت بكم من أجل مناقشة أمنية جدتي التي طالما حلمت بتغيير هذا العالم القاسي الى عالم يملؤه المحبة والمساواة والعدل.
نهض مساعد الجدة صائحا: لقد كانت تتمنى الحياة للجميع،كان قلبها يدمى على كل روح تموت بسبب ضعفها.
نهض آخر صائحا: فلتحيا الجدة سعاد ليردد الجميع فلتحيا الجدة سعاد.أشارت لهم سمر بقبضتها قائلة :كفى هتافا أمنية الجدة تحتاج الكثير من الجهد والتعب ثم **تت هنيهة فأردفت بنبرة ملئية بالت**يم :والتضحية.
ض*ب طارق الطاولة بقبضته صائحا: مهما كلفنا الأمر،لن نتخلى عن قضية عالمنا.
مهما كلفنا الأمر يبدو أن سكان هذا العالم سيبدأ مجتمعهم بالتغير بدأت فكرة مهما كلفنا الأمر تتسرب إلى نفوسهم ،يبدو أن الحرب قادمة لا محالة.
***
-87-
في الفضاء البعيد
كانت الكبسولات التي تحمل بنات ملكة الجن تهيم في الفضاء البعيد، كل كبسولة تحتضن بداخلها أميرة كانت سببا في عنصرية عالم ما بشكل أو بآخر.قامت الملكة الأم بوضع بناتها في سبات عميق وأدخلتهن كبسولات تساعدهم على الحياة.
فعلت الملكة ذلك منذ زمن بعيد جدا؛حتى تتيح لشعوب تلك العوالم، التي حكمتها كل بنت على حدة، فرصة لتتعافى من الآثار السلبية التي نجمت عن الأفكار العنصرية التي تبنتها كل بنت منهن،وفرضتها على سكان تلك العوالم المتوازية.
ولكن كان للقدر رأى آخر، فحدث أن قوة ما قد دفعت كل كبسولة الى عالم بشري مخالف لعالمها الذي حكمته منذ زمن بعيد؛ لتبدأ مرحلة جديدة في حياة كل أميرة،كان القدر يرسم اختبارا لكل منهن، بأن يضع كل أميرة في ظروف تناقض تماما ما تبنته قبل دخولها السبات العميق.
وعندما دخلت الكبسولات الغلاف الجوي لكواكب العوالم المتوازية الأربع،فقدت كل أميرة ذاكرتها، ليلد لها صفحات بيضاء ستخطها فيما بعد أحداث جديدة،وذلك عندما تعيش في عالم مواز، يختلف تماما عن العالم الذي صاغت قواعده بأفكارها منذ زمن بعيد.
كانت الأم الملكة قد صنعت خدعة قبل أن تضعهن في سباتهن العميق،وهى أن تحقن بناتها بمادة معينة تجعلهن يبدون كهيئة نساء البشر.
كانت الكبسولة التي تحمل الأميرة سابين التي كانت تعشق الجمال وتنفر من القبح قد هبطت في عالم ضارين ذلك العالم المواز لعالمها لكن بانعكاس وحشي ق**ح مقزز على حد ظنها، ولكن..
ماذا لو عاشت في عالم لا يسوده سوى القبح؟ ماذا لو قا**ها مصطفى كاهن المعبد الذي كان تُعبد فيه الأميرة ضارين؟
هل يمكن أن تجدل خيوطا حريرية مع خيوط من صوف؟ ماذا سيكون شكل الناتج النهائي؟ ما مواصفاته ؟ هل سيصبح مسخا بين القبح والجمال،بين الرقة والغلظة؟ أم....؟
***
في ليلة ظلماء كانت تبدو كئيبة للكاهن مصطفى الذي وجد نفسه بين ليلة وضحاها سجينا في قبضة جمعية سرية في عالمه،تريد أن تغير الكثير من معالم عالمه التي طالما تعودها منذ أن لفظه رحم أمه بقسوة.
كان قوى البنيان لديه وجه احترق نصفه نتيجة حريق شب به حيث كان يلهو بالنار لما كان صغيرا،ترك الحريق علامة على وجهه على هيئة تنين مجنح ينفث نارا،اعتبرت والدته أنها علامة من السماء أن تهبه لمعبد ضارين.
كان مصطفى يهوى قتال الوحوش واصطيادها بل وترويضها أيضا،وهذا ما جعله ينجح في جميع الاختبارات التي وضعتها ضارين منذ عهد بعيد،حتى يكون مؤهلا لأن يكون كاهنها.
لم تعد ضارين موجودة منذ عصور ولكن ما تركته كان مؤثرا ومتوارثا لأجيال عديدة،أثَّرت فكرة البقاء للأقوى إلى اندثار الكثير من المخلوقات الجميلة الرقيقة، والتي لم يمكنها النجاة من الظروف البيئية القاسية التي تعمدت ضارين فرضها على كل كائنات عالمها التي حكمته لعهود طويلة.
كان هذا إرثها لأختها سابين التي كانت على النقيض تماما منها،كانت فاتنة تنعم بعذوبة الروح وحلاوة ا****ن وف*نة الهيئة،انحازت لكل كائن جميل فحسب،أما غير ذلك فكان يُنفى لمكان بعيد جدا؛لكى لايؤذي كل جميل بقبحه،كان المنفى في صحراء ق**حة مهجورة منذ زمن بعيد،فلا ماء ولا زرع وهما ترياق الحياة لأى مكان.
كانت تلك الصحراء خاوية على عروشها ،مجرد رمال خشنة لا تثير البهجة لمن يراها،لذا فكانت أقبح بقعة في عالم سابين،فصارت المنفى الوحيد لكل ق**ح خشن يبعث الاكتئاب والرعب كلما رأيته.
لكن ذلك المنفى في عالم سابين كان ذو شأن آخر في عالم ضارين،فكانت قوة الكائنات تُمْتحن فيه،كانت الصحراء هى النَّعيم لكثير من أقوياء عالم ضارين.
-88-
الصحراء
انتبهت حواس الكاهن مصطفى للسماء حيث دوى صوت قوى غليظ بعيد،بدأ الصوت يقترب ويتضح أكثر،ض*بات قلبه تتسارع،انتفخت أوردة رقبته من الإثارة،كان المشهد مهيبا، السماء حالكة السوداء وفجأة ..تشتعل بعمود من نار ،يخترق الظلام كأنه يتحداه بأن الفوز له.
ومات ظلام السماء عند اشتعالها بذلك العمود المحترق، والذي ظل يقترب بسرعة حتى اصطدم بحافة جبل يبعد عن مصطفى بمائة متر.
استغرق عقل مصطفى بضعة دقائق لكى يدرك ما حدث لتوه، فأسرع إلى حيث هبط عمود النار ليرى ما ذلك الشىء الذي قتل ظلام السماء منذ قليل.
كان عمود النار كبسول الأميرة سابين ،فُتحت الكبسولة تلقائيا،كان الاصطدام عنيفا مما أدى لانبعاج بعض الأجزاء منها،كانت ترقد الأمير سابين في سكون تام، خط من الدماء الساخنة يسيل من جبهتها البيضاء العاجية لطخ خدها الأيمن.
كانت فاقدة الوعى تماما؛فلم تشعر بتلك اليد القوي التي انتشلتها لتنقذها من حريق قد شب في الكبسولة فور وصول مصطفى.
حملها ثم جرى مسرعا مبتعدا عن مكان الحريق الذي تسبب في انفجار الكبسولة واشتعالها في الحال.
تسارعت أنفاسه ولهث كثيرا بعد أن وضع الجمال النائم على رمال الصحراء ،جمال لم يعهده سكان هذا العالم، عالم تعود على القبح والقسوة،عالم آمن أن التش*ه الجسدي علامة لرضا ضارين عليهم.
بل إن السكان في هذا العالم يسعون الى تشويه أجسادهم بالكثير من الوشوم لكائنات ق**حة شرسة كالتنانين والثعابين والتماسيح.
حمل مصطفى الأميرة سابين بذراعيه القويتين وسار بها حتى وصل مسكنه الذي هو عبارة عن كهف اختبأ فيه بعد أن استطاع الهرب من سجن الجمعية السرية فصار مُطَارَدا من طارق عز زعيم ع***ة ال*قرب الأزرق،فصار عدوين رغم أنهما صديقين مقربين في عالم مواز آخر.