الفصل الثالث :

1972 Words
ارجو المعذرة .. " شقت طريقها بعيدا نحو الحمامات .. ثم وقفت تشتم وسام بلا توقف .. دخلت وغسلت يديها تمرر المياه فوق خديها محاولة تمالك ذلك الجنون الذي يدفعها للخروج والصراخ لمرات ومرات .. اخذت انفاس عميقة ثم أمرت نفسها " لا تجعليه ينتصر .. عودي .. تصرفي بلا مبالاة .. لا تتصرفي بود كبير مع عقربته تلك .. اه .. اريد الرحيل " وتأوهت بضعف كبير ومالت تقبض على المغسلة بعنف .. انه يقتلها .. يقتلها دون رحمة .. تنفست لمرات ثم رفعت جسدها ونظرت للمرأة .. لو انها شمس التي كانت في الماضي لغرزت اظافرها في وجهه .. لكن ما عايشته لاشهر اضعف داخلها .. هي اصبحت شخص مختلف جدا عن تلك الفتاة التي تشتعل كأسمها .. " عدتي .. جيد .. لم اعرف ماذا اطلب لك .. لكن امير اخبر النادل بانك تفضلين قهوتك مع الحليب " التمعت عيناها وقالت ببرود لتجعل شيء من النار داخلها تصيبه فتغيرت ملامحه .. انه يستحق فقد اجبرها على تشارك هذا مع امير " اننا متلازمان منذ سنوات وسام .. الا**ق يعلم اني اشربها مع حليب .. " وجلست تدفع خصل شعرها بعيدا عن عيناها المتحجرتان بقسوة كحجر ذهبي غير مسقول .. صوت انثوي بجانبها سأل " اتعرفان امير منذ مدة طويلة ؟! " " ثلاث سنوات تقريبا .. اليس كذلك شمس ؟! " نظرت نحو امير الذي كان يدقق بها وجسده مسترخي فوق كرسيه بشكل مغيظ " لا اذكر " توسعت ابتسامته ثم اقترب ليعطيها علبة السكر وهو يتحداها بنظراته وكلماته " الا زالت اربعة ؟! .. " سحبت العلبة واخذت تفرغ ظروف السكر واحد تلو الاخر حتى انهت الخامس ثم اخذت تحرك السائل باستفزاز كبير .. " رباه .. كيف تشربينها هكذا ؟! " صوت الفتاة بجانبها جعل وسام يضحك ثم غمز لشمس التي قالت بصوت لاسع " انه يفيد بشرتي " هذه المرة ضحكة وسام كانت عالية وجذبت الانظار نحوهم .. فرفعت الشراب ترشفه وتبتلع بصعوبة .. الصبر يا ربي .. " هل عدت نهائيا امير ؟! " رشف من قهوته السوداء المرة كما يفضلها .. ولم تفارق نظراته مكانها " للوقت الحالي .. نعم .. لا اعلم مستقبلا " " لماذا حرمت لندن من وجودك الرائع ؟! " خرجت كلماتها بتشدد فاتوسعت ابتسامته ثم مال وقال بصوت منخفض وكأنه يقول سرا " الشمس هنا اكثر حرارة .. وانا احب الاحتراق " " انت محق حبيبي .. لندن باردة معظم السنة .. لولا دراستي لما خطيت هناك ؟! " هذه المرة عاد وسام ليضحك على جهل الفتاة بجانبها وعادت هي لترفع فنجانها وترشفه دون ان توقف حرب النظرات مع غريمها الوحيد .. " هل ستعود للعمل مع عائلتك ؟! " تبا لغباء هذا الرجل .. تبادل احاديث اجتماعية .. هذا ما ينقصها حقا .. وعضت باطن خدها حتى لا تتفوه بأي تعليق ا**ق " يريد ابي هذا طبعا .. لكنك تعلم اني كنت اخطط سابقا لفتح متجر خاص بي .. فعلت هذا بلندن والان سيكون فرعه الاخر هنا .. هذا ما اطمح له الان " شعرت بالسلسلة المعلقة في رقبتها تحرق بشرتها تلدغها كأفعى سامة .. فحركت يدها تفرك عنقها محاولة ابعاد المعدن عن بشرتها .. وسمعت صوته وهو يضيف " شيء خاص .. حميمي .. قطع بيد محترفة ... انت تعلم هذا شعار العائلة " " جميل جدا امير .. خط خاص بك سينافس عائلتك .. هل ستتخذ الاسم نفسه ؟! " تن*دت ثم ابعدت عيناها تتأمل ما حولها .. انها لا تريد المشاركة باي شيء يخصه .. وتجمدت يدها وديمة تقول " انه رائع .. لقد اهداني قرطين .. كانا فعلا شيء حميمي وخاص .. لا اعرف كيف امكنه معرفة ما بداخلي ؟! " اخترق قلبها الم حقيقي .. وقبضت يدها لم تعد تتحمل .. اذا غادرت ايعد هذا جبن ؟! .. هروب ربما ؟! .. واختنق ص*رها " صنعته بنفسك ؟! " يديها احاطتا بالكوب .. ارجوك لا تجب .. وصرخ قلبها بعذاب كبير .. كيف ستحتمل هذا ؟! .. ثم التقت نظراتهما مجددا واجاب بصوت جامد " لم اعد افعل هذا منذ زمن وسام .. لدي حرفين مبدعين جدا .. انا اعطي رأيي فقط بما يصنعون " اسدلت نظرها ورفعت الكوب ليلامس شفتيها .. خيال اوقف ما تفعله فاعادت الكوب لمكانه ويديها ترتجف " ارجو المعذرة .. انسة شمس الصافي صحيح ؟! " اعادت جسدها للخلف ونظرت نحو الرجل بالباسه الرسمي وهزت رأسها توافقه فانحنى يمسك يدها بكلتا يديه وهو يقول " كم هو جميل رؤيتك .. سررنا بوجودك في مطعمنا انستي الشابة .. كما ترين لدينا الحنين هنا " ابتسمت بود وصدق لاول مرة منذ اجتمعت مع امير وشعرت ببعض الحرج والخجل من الرجل الذي استمر بمبالغة كبيرة " يدك هذه .. انها الهام .. ابداع .. سحر .. هل سنرى معرض جديد لك قريبا ؟! " ضحكة خافتة ص*رت عن وسام فض*بت رجله بقدمها لي**ت .. ثم حاولت سحب يدها من الرجل بخفة لكنه منعها .. " نعم .. بالتأكيد .. " " اترك يدها " كان صوته عميقا وحاد النبرة .. فارتجف داخلها ثم تحررت يدها بعدها وامير يكمل " اظن ان الانسة مسرورة لرأيك .. لكن ارجو ان تتركنا نكمل قهوتنا " تنحنح الرجل ثم بدى الارتباك عليه فودعها بسرعة وانصرف بينما وسام يعترض " امير .. الازلت على حالك ؟! .. الرجل معجب باعمالها " نظرت نحوه فمه كان متشدد بشكل كبير وعيناه تلمعان بغضب مكبوت .. ان يغار هذا الرجل .. معناه ان الانثى بجانبها ليست غريمتها .. صحيح ؟! .. وامالت رأسها تنظر نحو ديمة محاولة استشفاف اي شيء منها .. لكن لا فائدة ترجى .. فهي ضائعة منذ احتلاله لذلك الكرسي مقابل لها .. " انا لا افهم شيء " ثلاث ازواج من العيون نظرت للشابة المسكينة فاخفضت بصرها برعب .. مما جلب ابتسامة ساخرة الى وجه شمس .. وتوسعت بعدها لتضحك بمرح جارها بعدها وسام .. بينما بقي هو بملامح جامدة لا تقرأ " شمس نحاتة عزيزتي .. وتلك .. انها الحنين .. احد اعمال المعرض الثاني في السنة الماضية .. الرجل احب الحنين وصاحبته على ما يبدو " " اظن اننا انتهينا من شرب القهوة ... ديمة لنغادر لطاولتنا .. سررت برؤيتكما مجددا .. وسام .. شمس " وعلقت الكلمة فوق شفتيه وهما ينظران لبعضهما .. سحب بعدها كرسيه للخلف وصافح وسام الذي وقف بدوره .. وحدها هي بقية جالسة تنظر نحوه .. جسده متشدد .. قبضته متكورة .. وهتف داخلها .. الرجل مازال يغار عليك .. خرجت من الحمام بعد انتهاء العشاء وابعدت خصل شعرها تحاول جمعه مجددا بعيدا عن وجهها بدبوس الشعر ثم توقفت يديها وهي تجده يستند للحائط ويده تعبث بهاتفه الاسود كلون بذلته .. حاولت تجاوزه لكن يده اوقفتها وقرب فمه من اذنها ليقول بصوت حاد " اجعلي رجل اخر يلمسك .. وساقتله " حاولت التحرر منه دون جدوى .. كانت كلماته عنيفة مصرة وكانه فعلا سيفعل هذا .. والتوت امعائها خوفا وشوقا .. ثم ادارت رأسها لتنظر الى الليل داخل عينيه " لما ؟! .. انا اصبحت حرة .. فلم يعد لدي رجل الان " تنفسه خرج سريعا ولفح بشرة وجهها فارتجف جسدها وقبضت يدها تحاول تمالك نفسها وعدم ابعاد عيناها " حرة ممن حبيبتي ؟! .. مني انا ؟! .. لا تجعليني اضحك .. قلبك كان ومازال لرجل واحد .. هو انا " ابعد بعدها يده يحررها وهو يبتسم بسخرية وغرور .. شفتيه تعلوان بجهة واحدة جعلته يبدو غير ملموس .. لا يمكن الوصول اليه ابدا .. ثم لامس خدها بظاهر يده " ليلة سعيدة طفلتي " " وقلبك ؟! " رفعت يدها ووضعتها فوق ص*ره فلانت ملامحه ووصلها نبضه يخز راحتها برتابته.. فكررت مجددا بصوت حزين " وقلبك امير ؟! " اهتزت لجوابه وهو يقترب جدا منها لدرجة ارجفت رموشها ثم غادر بعدها يتركها تعاني من الضياع وكلماته تطن داخل اذنها مؤذية سمعها " انا لم اعد املك واحد ايتها الصغيرة " ********** كانت تجلس في بهو المشفى مقابل الاستعلامات .. تتامل الحركة والتدافع المستمر .. صوت سيارات الاسعاف وضجة الاطباء والممرضين .. " ارجوكم ادخلوه .. انه يموت .. اتوسل اليكم " امرأة اربعينية محجبة اخذت تتوسل وترجو موظفي الاستقبال لادخال زوجها .. لكن كالعادة .. المال اولا .. دون تأمين .. انت لا تساوي شيء ولن تساوي .. وابعدت وجهها تضع رأسها بين كفيها .. هذا ما يحصل عندما يرتبط الطب بالمال .. عندها تتراجع الانسانية للخلف خطوات وخطوات .. " ماذا يجري هنا ؟! " ظهر صوته فنظرت نحوه تتأمل شعره البني المبعثر ورداء العمليات الازرق بينما يتكلم مع المرأة بود وهي ترجوه .. صوته الصارخ جعل الكل ي**ت ثم دقيقتان وادخل الرجل على حمالة مغمور بدمائه بينما اخذت زوجته تشكر عمرو دون توقف وتدعو له .. بطلها .. الم يحصل الامر نفسه معها ؟! .. يال هذه الحياة .. هاهي ترى نفسها في تلك المرأة ؟! .. والانسان الاغلى على قلبها والدتها ينتظر رحمة البشر .. " شمس .. انت بخير ؟! .. اخبروني للتو انك بانتظاري " " هل لد*ك بعض الوقت ؟! " نظر لساعته الرقميه التي اخرجها من جيبه للتو ثم قال " ربع ساعة فقط " وقفت وقالت بارتجاف تتمنى الابتعاد عن هذا الزحام .. " ايمكن ان نشرب شيء بارد هناك ؟! " واشارت للمقهى المقابل فهز رأسه اجابا ثم امسك يدها يسحبها خلفه .. وقف بجانب المكتب يخبر الفتاة خلفه بصوت عميق آمر " انا داخل مقهى المشفى هناك .. اي طارئ استدعوني .. وجهزوا مريض عملية ال**امات خلال غيابي " " حسنا دكتور " توجها ليجلسا في المقهى المزدحم فاقتربت تضع يديها فوق الطاولة وتقبضهما معا .. عيناها تلاقتا مع عيناه البنيتان وسمعت يسألها " اذا .. لما انت في المشفى هنا ؟! .. لقد زرت والدتك صباحا " " ارسل عمي النقود " زفر براحة واسترخى للخلف .. بينما عضت هي شفتها وارتجف جسدها .. " ايمكننا الان اجراء العملية ؟! " هز رأسه ثم استدعى النادل ليطلب العصير لهما معا .. بعدها اقترب يحتضن يديها بيديه والامل يرسم ملامحه .. بينما شفتها السفلى ترتجف واصابعها متجمدة " بالتاكيد شمس .. اياك والبكاء .. هذا خبر سعيد " " كن معي اثناء العملية .. ارجوك .. اعرف انه ليس اختصاصك .. وان لديها طبيبها الخاص .. لكن انا اريد طبيبي ايضا معي .. ارجوك " ابتسم لها بمودة وشدد من يديه حول كفيها " لن افارقك .. لا تخافي " تنفست براحة واجلت حنجرتها تحاول تمالك نفسها وعدم البكاء .. الانتظار لشهرين هو الجحيم .. لقد كانت تظن ان الامل الاخير انتهى .. لكن الا يقولون ان الله دائما معنا .. وشكرت ربها لمرات " سافرغ يومي كاملا واكون معك .. او يمكن ان نتبادل الاماكن انا وريم ان امكن .. لا اعرف .. الان دعينا نجد الطبيب الخاص بها .. ونشرح له الامر " " لقد تكلمت معه على الهاتف .. انه خارج المشفى .. ساكلمه انا لاحقا .. هيا اشرب عصيرك وعد لعملك .. صحيح ؟! .. شكرا لانك ادخلت ذلك الرجل " قطب لثوانن ثم تجمدت ملامحه بقسوة وهو يقول " اشعر حقا باننا نتحول لآلات بدل بشر .. الرجل يموت وهم لا يهتمون .. لولا انه المشفى الاهم في العا**ة .. ولدي التزام لسنتين بعد .. لكنت تركته " هزت رأسها برفض ثم تكلمت بجدية وابعدت جسدها تسمح للنادل بوضع كوب عصير البرتقال امامها " انت تساعد الكثيرين بوجودك ... ثم اصبحت المشافي كلها مجرد حصالة للنقود .. قليلون هم من يتعاملون بضميرهم .. لن أؤخرك اكثر .. " وقفت ثم رشفت من العصير بسرعة وانحنت تقبل خده فتبدلت ملامحه ونظر بود كبير لها ثم انسحبت وهي تلوح بيدها مودعة بينما يبتسم لسعادتها ******* انحنت تجلس فوق الحجارة .. ثم وضعت الورود فوق التراب ولامسته بحب .. تأملت الرخام الابيض حيث خط اسود عريض رسم احرفا فوقه " عماد الصافي .. زوج .. اب .. صديق .. تاريخ الوفاة 2012" لامست بيد رقيقة برودة الرخام ومررت يدها فوق الاحرف كعادتها .. ثم اخذت تتكلم بصوت منخفض " مرحبا ابي .. اشتقت اليك جدا .. اسفة لتأخري هذه المرة .. لدي الكثير الكثير لاخبرك به .. لكن الاهم هو ان امي اخيرا ستحصل على فرصة للنجاة " وابتسمت تشعر كما لو انه معها ويبتسم بدوره " هذا شيء يجعلني ارى باقي الاشياء اقل اهمية .. ارجو ان تقاوم .. لا اريد فقدانها ايضا ابي .. ان هي تسربت مني .. فسأغدو وحيدة بالكامل " وتن*دت تلامس التراب مجددا تاركة اصابعها تتخل ذراته الرطبة .. وتبدلت ملامحها لتغدو حزينة وهي تبلل شفتيها ثم اكملت " لقد عاد ابي .. عاد امير .. " ..........
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD