bc

رأيت الأندلس

book_age16+
14
FOLLOW
1K
READ
drama
like
intro-logo
Blurb

شاب يعيش في سنة ٢٥٠٠م حيث كل شيء قمة في الغرابة وتقوده الظروف للعودة للماضي بصورة فريدة فيعيش فيه لأكثر من ثمانية قرون يشاهد خلالها كل ما جري من خلال عينيه فكيف سيعيش كل هذه الفترة؟ وماذا سيري؟ الإجابة داخل الرواية.

chap-preview
Free preview
الحلقة الأولي (المستقبل وبداية قصة حب)
رواية رأيت الأندلس عبد الرحمن سيد يوسف علي شكر إلي مصادري السرية التي سيعرضك إفشاءها إلي أن أقتلك في أعمالي القادمة كتاب قصة الأندلس للدكتور راغب السرجاني. كتاب تاريخ الأندلس المصور للدكتور طارق السويدان. كتاب قادة فتح الأندلس المجلد 1 للواء الركن محمود شيت خطاب. كتاب قادة فتح الأندلس المجلد 2 للواء الركن محمود شيت خطاب. كتاب معارك العرب في الأندلس لبطرس البستاني. إهداء إليك أنت أيها القارئ، أهد*ك أنت كل حرف قمت بتسطيره من أجلك، مع تمنياتي أن تستمتع. " تحت شعاع الشمس الساطع ترنحت السيوف واشتبكت مص*رة دوي سيظل يسمع لآلاف السنين " تلك الجملة احتلت بيتنا وكأن من كتبها لا يعرف سواها، صارت في كل موضع فيه تعلو رءوسنا كلوحة غاية في الجمال، حروفها مزخرفة تخ*ف أبصارنا بألوانها الزاهية التي جعلتها أثر مكانه المتحف المجاور لمنزلنا، وليس فوق أعيننا في جوانب السقف التي أصبحت تشبه الجداريات. أصبحت بسببها أكره بيتنا كما كرهنا هو!، كرهت تلك الشقوق التي تزحف باستمرار لتحيط بنا، تلقي في قلوبنا الفزع، وتقتل فينا البهجة خصوصًا عندما يحتل مكانها ذلك البغض وتلك الكراهية النابعة من غيرتي من تلك المنازل المتطورة التي أصبحت في كل موضع منذ عقود، وبقي منزلنا علي حاله لم يتغير أنملة، حرمنا من تلك الميزات التي تمتع بها أصدقائنا وجيراننا، بيوت دائمة التغيير والتطور، خدام آليين، أسقف يمكن أن ترفع؛ فكل شخص لديه بيت منفرد يعلوه دور آخر منفصل، تحمله موجات من الطاقة متغلبة علي الجاذبية ليظهر وكأنه يطوف في الهواء، جدران يمكن تغيير لونها بضغطة زر، مصعد هوائي يعمل بالجاذبية ينقل الأفراد بسرعة وأمان من منازلهم خلال أنابيب إلي الأماكن التي يريدونها، لكن نحن عائلة الحمقى كما يقول الجميع عنا؛ ما زلنا نستخدم السلم الذي انتهي استخدامه منذ قرون؛ فمنزلنا لا يتصل بتلك الأنابيب، وفقرنا المقبع يمنعنا من استخدام تقنية الانتقال المكاني. ليت والدي الذي يظن أنه مخترع هو وأجيال عائلته أن يصدقوا فيصنعوا لنا اختراع مثله، يجعلنا نصبح أغني أغنياء العالم، لكن لا أظن أن هذا سيحدث! فأبي سيظل مجهولاً وفقيرًا بخلاف العبقري الذي اخترع النقل المكاني، صحيح أن لا أحد في العالم يدرك ما هي شخصيته الحقيقية؛ فنحن لا نعلم اسمه ولا شكله لكننا نعلم أن لقبه هو العبقري. الشوارع أصبحت شبه خالية إلا من بضع مارة وبضع سيارات حركتهم تستغلها الشوارع في توليد الطاقة بالآلات الموجودة أسفلها، لا تخلوا السماء من سيارات طائرة تتخلل بين الأنفاق، معظم راكبيها يركبونها لأجل المتعة، جدران البيوت الخارجية تمتص أشعة الشمس وتحولها لطاقة يستهلكها البيت، التلوث قليل نتيجة تلك النباتات المعدلة جينيًا والتي تطلق غازات كثيفة تفتت وتحلل كل ما هو ضار في التربة والهواء والماء؛ وهذا أدي إلي قلة الأمراض، هذه الأشجار في كل موضع؛ فكل شخص مكلف بزراعة شجرة والاعتناء بها، حتى أننا سميناهم بأسمائنا، وعقوبة من يقطع شجرة هي أن يزرع بيديه بطريقة الزراعة البدائية بستان كامل؛ حتى يستطيع أن يدرك قيمة جرمه الذي ارتكب لمئات السنين حتى كاد كوكبنا أن يفني بعد تلك الحرائق الهائلة منذ ثلاثمائة عام، والتي جاءت لتقضي علي الرقعة الخضراء بعد أن قضت المصانع علي نصفها الآخر مما أدي لانقراض سلاسل كاملة من أنواع الح*****ت، ولم ينقذ كوكبنا إلا هذا القانون الذي أعاد الحياة للأرض تدريجيًا. سأذهب لجامعتي ولكن قبلها سأذهب إلي شجرتي للاعتناء بها، وإلي شجرة أمي التي غادرت الحياة منذ خمس سنوات في حريق هائل في معمل كلية العلوم التي كانت تعمل به، للأسف لم أفقد حنانها فقط أو رؤيتها بل فقدت حتى جسدها لأزوره فهم لم يعثروا عليه. أذهب يوميًا لشجرتها التي حفرت عليها صورتها، أسقيها وأُقبلها، احتضنها ودموعي تتساقط، أتمني لو التفت تلك الأغصان حولي لأشعر بالأمان، أنظر لصورتها وأكلمها وأعلم أن حتى هذه الشجرة قد ملت من تكرار حديثي، ملت من كلماتي عن الوحدة، عن انشغال أبي الدائم، وعن الاشتياق الذي يحرق الفؤاد. حياتي التي أظنها مزرية، بيتنا الذي لا يوجد به إلا الكتب والتي لا أحبها، عشرون عامًا قابع بينها وكأنها سجون تحيط بي من كل اتجاه، لكنها ومحاولات والدي فشلا كلاهما في إقناعي بقراءتها، فأنا لا أحب القراءة، لا أحب سوي الرياضة، برعت في أكثر من نوع: سباحة ورماية وركوب الخيل مما جعل جسدي ممشوقًا كأنه نحت من كتل العضلات، وبرغم ذلك يبدو أنني ورثت رغمًا عني بعض الذكاء جعلني أستطيع دخول كلية العلوم، لم أكن بارعًا فيها، لكن كان مستواي متوسطًا خصوصًا أن في عصرنا أصبحت طرق التعليم متطورة ومتنوعة بحيث يمكن إيصال المعلومة لأيًا كان وأيًا كان مستواه، وحتى مستواي استطعت به العبور من عام لآخر دون شغف وكأن هذا الشيء غير موجود في الحياة حتى رأيتها. قلبي توقف، حدقتا عيني اتسعت، أخذت أتأملها وأحفر ملامحها في روحي التي صرخت بداخلي يبدوا أنك أحببت أيه الأ**ق، عينان بزرقة السماء غرقت فيهما صافيتان يع**ان النقاء، بسمة تُسكرني وتعزلني في خيالاتي حيث لا أري غيرها، كانت هذه هي المرة الأولي التي أراها، كانت طالبة في الفرقة الأولي، لحظة توقف فيها الزمان، أصبحت أذهب للكلية من أجلها، عيناي تلاحقها وعقلي يسهر الليل في إقناع عقلي عن الكف في التفكير فيها، خجلي يمنعني من أن أقترب بجوارها، أكتفي بمشاهدتها من بعيد وكأنها نجمة مكانها السماء لا يمكن لأمثالي أن يصلوا إليها، حاولت إرسال رسالة لها لكن كل محاولاتي فاشلة متلعثمة ككلماتي حتى حدثت المفاجأة! التي لم أكن لأتوقعها. أتت إلي جانبي، كنت جالسًا علي أحد المقاعد، قالت وهي تنظر في الأرض في خجل زادها جمالاً: آسفة علي الإزعاج، هل حضرتك ابن الأستاذ زهير المخترع. قلت في نبرة غلبها التلعثم، تسارعت معه نبضات قلبي وأنا أشيح بنظري عنها جانبًا لعلي أتمالك نفسي وأعثر علي ذاتي التي ذابت كما تفعل النار بالزبد: نعم. هي الكلمة الوحيدة التي استطعت قولها وكأن ل**ني عُقد. لم أحتج لقول المزيد؛ فتلك الكلمة كانت كالمفتاح الذي جعلها تأتي بمقعد وتجلس أمامي وبدأت في سيل من الحديث عن أبي، كانت تعرف عنه أكثر مما أعرف أنا، ظهر إعجابها العلمي به وبكتابه الذي لم أقرأه، حتى أنها كانت تتكلم عن نظرياته وعن حياته، ظهر الشغف في عينيها، شعرت بالغيرة من أبي في هذه اللحظة فأنا لا أشبهه في شيء فكيف يمكن أن تعجب بي فتاة مثلها، فتاة شغفها العلم فأحببته حتى صار رفيقها، وأنا الذي بيني وبينه عداء، ربما كرهت الاختراعات والقراءة لأنها الأشياء التي تبعده عني، وربما لأنها الأشياء التي تسببت في فقداني لأمي، اختلفت طرقنا ولا أدري أهي طرق مستقيمة لا يمكن أن تلتقي، أم أن القلب سيجبرها علي الالتقاء، هل تتغير من أجلي، أم أنا الذي عليه التغير لأجلها، هل الحب حقًا بهذا الجنون؟! يقلب عالم المرء رأسًا علي عقب، يجعله يهدي حبيبه قلبه منصاعًا كالمسحور من هذا السحر الذي تقذفه عينيها. ساعة كاملة لم تتكلم قط فيها عن نفسها، كانت تجلس فيها كملكة حجابها يشبه التاج، يتلألأ مع الشمس وكأن وجهها وجه ملاك، ردائها الفضفاض زادها جمالاً ووقارًا، كنت أجلس أمامها كصنم يكتفي بهز رأسه. طلبت مني أن تزور والدي لأمر هام تريد أن تتأكد منه، تعجبت طلبها وفكرت ما هو الأمر الذي تريد رؤيته لأجله، فأبي في العادة مشغول لا أعرف أين يذهب، ولا متى يأتي، لكن صوت من داخلي قال لي ربما إن رفضت طلبها فلن تقابلني مجددًا، فربما هذا هو السبب الوحيد لكلامها معي، كنت صامتا لفترة. فاعتذرت هي علي إزعاجي، فأسرعت بطمأنتها علي أنني لم أنزعج أبدًا، وأنني مستعد لمساعدتها في أي أمرًا تريده، وأنني سأصطحبها للقاء أبي بعد أن آخذ إذنه في لقاءها، ألقت السلام عليّ مع ابتسامة بعد أن شكرتني ثم رحلت، تركتني وأنا لم أعد أنا، غبائي أنساني أن أسألها عن اسمها، والذي لم أسئل عنه غيرها حتى لا يسيء أحد الظن بي ولخجلي من ذلك، وعدم اهتمامها جعلها لا تسألني عن اسمي. كنت شاردًا أفكر، تتلقفني الأفكار في متاهة، أخرج من واحدة لأجد أخري، كنت منعزلاً عن الواقع، تطير روحي في عالم الأحلام كأن لي جناحان يلمع ريشهما عندما يتخلل شعاع الشمس بينهما، أحلق وأحلق في خيالي دون قيود إلي أن يحترق جناحي وأسقط في واقعي علي صوت انفجار معمل الكلية، تتصاعد أنفاس الدخان، تغطي كامل المبني الذي أصبح يقذف الشرر في هول يخلع القلوب. انتفضت من مكاني واتجهت إليه، كانت النيران مشتعلة، وكانت تشبه تلك النيران التي أخذت أمي، كان الرعب بادي علي وجوه الجميع، هرج ومرج كأنه يوم القيامة، رأيت أحدهم ببذلة سوداء ونظارة يقف مبتسمًا، كانت هناك سيارة نقل طائرة ومصفحة علي بعد أمتار من المبني، لفتت انتباهي لكن تأخر المطافئ وعدم عمل نظام إطفاء الحرائق ونزعات من البكاء والصراخ جذبت انتباهي أكثر عندما قالت إحدى الفتيات التي يص*رنها مازال هناك علماء في المعمل، كانت تلك الكلمة كوحي حولني، **ر الخوف ودفع الشجاعة والجرأة داخل جسدي، كان الأمر محسوم بالنسبة لي سأنقذ هؤلاء العلماء مهما كلف الأمر، لن أسمح لمأساة أمي أن تتكرر. التحفت بمعطف وأخذت مطفأة حريق، كانت وظيفة مادتها الفعالة هي امتصاص النيران وإزالتها، لكن كان يجب وضعها في وسط النيران لأن تأثيرها اللحظي يجعلها تتفاعل مع الهواء، أخذتها وقفزت برشاقة من إحدى النوافذ، كانت النيران تزحف إليها لكنها لم تبتلعها، أصابتني النيران والتهمت معطفي وأنا أتحرك ببطء وسطها إلي أن تآكل المعطف بالكامل، كنت عندها في وسط المبني وقد شغلت المطفأة التي قامت من فورها بامتصاص النيران التي لم يبقي منها شيء إلا بضع حروق علي جسدي ورماد بعض الأشياء، لكني أعرف هذا لمعمل وأعرف أن هناك أماكن فارغة كان يوجد بها اختراعات لم يبقي منها أثر، لا أجزاء ولا رماد وكأنها أصبحت عدم، عندما انتهت النيران وظهر ذلك لزملائي في الخارج انطلقوا للمبني، ساعدوني في النهوض، حملوني وهتفوا باسمي مرارًا وتكرارًا، ورددوا أنني البطل المنقذ، كان نصفي معهم، ونصفي الآخر يفكر فيما حدث، وصلت قوات الدفاع المدني وأكملت السيطرة علي الوضع، وقامت طائرة إسعاف بالوصول إليّ، كانت آلامي شديدة، لكن كعادتي لم أظهرها ولكن آثار الحروق فضحتني، لكنها سرعان ما ذهبت حينما تناولت الدواء المبرد المختص بقهر ألم الحرائق، لتتحول حرقته لمجرد شعور بأنك تلامس الثلج، ثم قاموا بمسحي بالشعاع المجدد، استغرق ذلك نصف ساعة لتجديد خلاياي التي أتلفها الحريق وإخفاء أثره، كانت القوات قد أنهت عملها، كنت أظن أن التلاميذ والدكاترة قد تمكنوا من الخروج، لكن المفاجأة التي أعلنتها القوات هي أنها لم تجدهم، وأن أقرب احتمال أنهم موتي وتم تبخير جسدهم من أحماض قنابل مذيبة، أو أنهم صاروا رماد مفتت من شدة الانفجار. كيف؟ أنا لم أري رمادهم، ولم أري أي أثر للأحماض، أنا واثق أنهم لم يموتوا، هل الشرطة تكذب؟ لكن لماذا؟ هل هي مشتركة في جريمة كبري؟ ما هي الحقيقة؟ تذكرت السيارة، قذفت نفسي جسدي للوقوف، بحثت عن السيارة، لم أجدها ولم أجد الرجل صاحب البذلة، كنت في حيرة، عقلي يُدق بالمطارق، لا أدري ماذا أفعل؟! ومن أخبر؟! وما الذي حدث؟! أصبح عقلي في دوامات كل واحدة أكبر من الأخرى، جلست علي ركبتي أعتصر عقلي وتتصاعد من عيني الدموع لتخرج فلم أعد أستطيع التحمل، حتى أتت يد حانية وربتت علي كتفي وهي تقول: هل أنت بخير يا ماضي، التفت خلفي لأجدها الفتاة التي أحببتها، مجرد نظرة في وجهها جعلت روحي الهائجة تسكن لأرد بصوت يغلفه التعب: نعم بخير. رأيت وجهها مختلفًا وكأنها قلقت عليّ، وكأن رسالة قلبي قد وصلت لقلبها فشعرت بما أشعر، أصبحت تهتم بي وكأن لحظة بطولتي القصيرة قد أرتها فارسًا جدير بقلبها وبحراسته، لاحظت عندها أنها عرفت اسمي فسألتها كيف علمتي أن اسمي ماضي فأنا لم أخبرك. ابتسمت بخجل وهي تقول: سمعتهم يهتفون باسمك، لقد أصبحت مشهورًا. ابتسمت مرغمًا، تداوي بسمتها بعض جراحي، أخبرتها: وما اسمك؟ فأنتِ لم تخبريني. أجابت وهي تصدم جبهتها براحة يدها: أعتذر هذا خطأي، لقد نست أنا اسمي نيرة. كانت كل حركاتها وسكناتها تبعث في نفسي السرور، نيرة يا له من اسم يناسب وجهها المنير وتصرفاتها النقية التي تدل علي قلب طاهر. وقفت، سرت معها مبتعدين عن مكان الأحداث، وبعد أن اطمأننت، اخترت أن أخبرها بشكوكي؛ لعلها تجد لي حلاً في مأزقي وترشدني لطريقٍ لا أراه. استغربت من كلماتي، ولكن الثقة بدأت تظهر عندما لمعت عينيها، كانت تحلل كلاماتي وتربطها ببعضها، أخبرتها عن الحريقة وأنها كالحريق الذي أصاب والدتي، وعن السيارة والرجل، وعن ما اكتشفته في مبني المعمل المحترق، وعن أفعال الشرطة الغريبة، **تت وليس هذا من عادتها؛ فهي تستمر بالكلام، كان تفكيرها عميقًا، توقفت عن السير وكأن صاعقة أصابتها، قالت بصوت غارق في التردد: لا أريدك أن تنجرف في الحماسة، ما تقوله يؤكد أن العلماء قد تم ا****فهم وسرقة اختراعاتهم وربما يكون..لا..ليس ممكنًا. كانت تقولها وهي تهز رأسها في نفي يخالطه الشك، نظرت لي وأنا أقول: أخبريني أرجوكِ. ابتلعت ريقها وقالت: ربما تكون والدتك حية! وإن من اختطفها هو من اختطف هؤلاء العلماء، لكن هذا مجرد شك وحتى نتأكد منه لابد أن نعثر عليهم. كلماتها أصابتني بالذهول، جمدتُ في مكاني، دمعت عيناي فقد كانت أوهام تدور في عقلي، آمال مبعثرة أخاف أن تنهشها الرياح فيصبح قلبي أرض جرداء من جديد، هل حقًا يمكن أن أري أمي مجددًا؟ لا أصدق أنه بعد كل هذا الألم يمكن أن يأتي الدواء، يمكن أن أرتمي في حضنها وأشعر بحنانها، أن أراها بدلاً من صورتها في خيالي والتي أغمض عيناي لأتذكرها فأبكي عندها أذرف دموع الفقدان، أتساءل هل يمكن أن ابكي من الفرح مرة أخري؛ فقد اكتفيت من بكاء الحزن، هل يمكن أن نذهب معًا لنسقي شجرتها مجددًا كما اعتدنا في طفولتي. أخذت نيرة تناديني لتفيقني من حالتي: ليس هذا وقت الهلع يا ماضي، عليك أن تتمالك نفسك فالأمر في غاية الخطورة، فمن اختطف العلماء لا يبدوا أنه شخصًا عاديًا، يبدوا أنه يسيطر علي أجهزة الدولة، يبدوا أن لديه سلطة كبيرة؛ فقد تأخرت قوات الحماية المدنية بفعل فاعل، انظر لهذا الخبر، لمست سوارها لتخرج لوحة افتراضية مكونة من فتونات الضوء تستقبل المعلومات والموجات، ظهرت صحيفة الكترونية مكتوب فيها خبر عاجل ازدحام مروري عجيب في طريق جامعة القاهرة لم يحدث منذ أكثر من نصف قرن من الزمان، كما أن الشرطة أخفت الحقائق التي عرفتها أنت وأظن أن هذا سيعرضك للخطر؛ فأمثال هؤلاء يسعون لتطهير مسارح جرائمهم لتدفن مع أصحابها، أخشي أن تكون حياتك في خطر، ربما هي لحظات قبل أن يبحثوا عنك، عليك أن تذهب لوالدك، أثق أنه سيكون لديه حل. هززت رأسي وقلت لها ستذهبين معي، قلتها بحزم ففهمت كما فهمت أنها في نفس دائرة الخطر؛ فقد علمت ما أعرفه، وقد ش*هدت معي، ما كنت لأتركها، وما كنت لأسمح أن تصاب بخدش ولو كان الثمن حياتي. بدأت في لمس سواري ليتم تفعيل الهاتف، أمرته صوتيًا بأن يهاتف أبي، أص*ر صوته: جاري تنفيذ الأمر. لحظات وينطق: لم يتم الرد، فشل المحاولة، هل تريد إعادة تعيين العملية. بعصبية بالغة تكاد تمزق عروقي من الغضب والخوف أقول: نعم. تكرر الأمر عدة مرات علمت فيها أن أبي منشغل، رجوت الله أن يجيب ضاقت عليا الدنيا وكأنني في ثقب إبرة تغزني الأشواك من كل اتجاه، صار أبي الأمل الذي يمكنه إيقاف السياف عن قطع رقابنا، وشعرت أن إمكانية عودة أمي هي إمكانية لعودة الحياة لمجراها، لعودة علاقتنا لطبيعتها، في أعماق صفاء قلبي كان يهتف خاشعًا أرجوك يا أبي أجب، أحتاجك أكثر مما احتجتك من قبل، أجب فربما لا أراك مجددًا. صوت الهاتف: نجحت العملية، تم الرد. صوت أبي: السلام عليكم بني. في هلع لم أتمالك معه نفسي أجهشت بالبكاء، وبدأت في سرد ما حدث معي وهو صامت، وعندما انتهيت قال لي في حزن: هل الهدية التي أعطيتك إياها في عيد مولدك معك. قلت: أهذا وقت هذا السؤال، ألم تسمع ما أخبرتك به، ألم تدرك خطورة الأمر. قال بحزم أجبرني علي ال**ت: أعلم خطورة الأمر، ولذلك أسألك عن تلك الهدية. قلت في تعجب واضطراب أصاب عقلي فجعلني لا أستوعب ما يحدث: إنها بالمنزل. قال وقد أخذ نفسًا عميقًا: حافظ عليها يا بني فإنها الحل. كنت سأقاطعه بتساؤلاتي لكنه قال: اسمعني أرجوك، بني لا تحزن مني وسامحني واعلم أني أحبك. انقطع الاتصال صرخت أبي..أبي. دون فائدة. لا يوجد إجابة، انقطع الاتصال، لا أدري ماذا حدث؟ أنا لا أفهم أي شيء، لما هذه الدنيا تدور بي هكذا، تلقي عليا السهام فلا أذق فيها إلا المرارة، ولا أشعر فيها إلا بالمشقة، أين ذهبت يا أبي؟ وأين تريد بي الذهاب؟ قالت نيرة لي وهي تحاول التماسك وإخراج القوة من داخلها: علينا أن نستمع لوالدك ونحضر تلك الهدية، لعل الحل حقًا بداخلها، أتعلم يا ماضي لما أردت أن أقابل والدك؟ هززت رأسي نافيًا، لم أكن لأتحمل لغزًا آخر، كان رأسي سينفجر. تابعت هي كلماتها كانت تتكلم بقلبٍ مفتوح: أظن أن والدك هو من اخترع النقل المكاني. اتسع بؤبؤ عيني، لم أصدق ما أسمعه، قلت لها: هل تهذين. قالت وهي تنظر مباشرة لعيناي، تخترق ما بداخل ص*ري بثقة تحسد عليها: قد يكون مجرد شك، لكن ما قرأته من مؤلفات والدك هي خيوط ملغزة لطلاب العلم الذين لديهم الشغف الحقيقيين وأظن أني منهم، فوالدك لم يتناول في كتابه العبقري دراسة لهذا الاختراع، بل كتابه هو النظرية الحقيقية التي بني عليها، واسم الكتاب ليس اسمًا للمخترع المجهول بل هو لقبه، المشكلة الكبرى الآن هي أيًا كان من يبحث عنا وفعل كل ما سبق فلابد أنه يريد أباك أيضًا، وعلينا أن نذهب إليه حالاً. توجعني قلبي، وظهرت أمام عيني صورة أبي بجسده الهزيل الذي **د مع أيام صيامه الكثيرة، وساعات عمله الطويلة، ولحيته السوداء التي لطالما تعلقت بها وسحبتها في صغري وهو يبتسم، انطلقت مسرعًا ونيرة ورائي تلاحقني بصعوبة، سقطت هي علي الأرض،فصرخت صرخة أعادتني للوراء، عدت لها لتقف ولأطمئن عليها، كنا في حالة يرثا لها، نسابق الزمن لا ندري إن كنا فرسانًا ذاهبين للإنقاذ، أم نحن مجرد فرائس تذهب للفخ مباشرة. كنا نجري تجاه منزلي، وفجأة ظهر ما صدمني وأفزعني، شاهدت نفس السيارة التي كانت أمام المعمل أمام منزلي، خرج من البيت رجال ببدلات سوداء، يتلفتون حولهم ثم ركبوا السيارة مسرعين وانطلقوا، كنا مختبئين في أحد الجوانب غير مرئيين، قامت نيرة بإرسال الكترونات خاصة عن طريق الضوء لتلتصق بالسيارة كي تتمكن من تتبعها ومعرفة أماكنها. انطلقت وقلبي مقبوض لا أعلم ماذا فعل هؤلاء في بيتنا، ولا أعلم ما حدث لأبي اقتربت ناحية الباب بخطوات بطيئة، كان قلبي علي وشك التوقف، خوفي سلسل القلب ونخر عظام جسدي، دفعت الباب الذي كان مفتوحًا، كان سيلاً من الدماء يغطي المكان، وكان المنزل مقلوبًا رأسًا علي عقب، تلفتُ ببطء أنظر في كل اتجاه، أتابع سير الدم، صرخت صرخة اخترقت الحواجز وأسمعت الموتى في قبورهم، كان أبي راقدًا أرضًا صبغ جسده بالدماء. جلست بجانبه وأنا أرتجف، حملت رأسه وضممتها لرأسي، كان ما زال يتنفس، كانت نيرة تنظر لنا وتبكي، كانت دموعي تتساقط بغزارة علي وجهه، تكلم وهو يبتلع ريقه بصعوبة وكأن ريقه يعافر ليعبر من بين روحه الخارجة، قال وهو في تلك الحالة كلمات خرجت بمشقة وهو يشهق خلالها: كنت أريد أن تعلم مبكرًا، كل شيء تريد معرفته في تلك الهدية، بكي وقد خرجت الدماء من فمه قال: أحبك. نطق الشهادة وفرت روحه لخالقه ليتركني يتيمًا مُمزقًا القلب، مُؤذي الجوارح، احتضنته فترة كبيرة وأنا أبكي، وأنا أتذكر كل لحظات حياتي، لحظات السعادة التي كانت ضئيلة، كانت البسمة لا تفارقه، كان كالطائر يبسط جناحيه عليا وعلي أمي، إلي أن تبدل الحال وحدث ما حدث لأمي فأصبح الهم يصب كالطوفان فوق رءوسنا. اجتمع الناس حولي وبدءوا في مواساتي بكلمات لم أسمع كنهها، كنت في عالم آخر جدرانه من الأحزان، وسقفه من الوحدة والخوف، كنت مرتبكًا كمن سقطت ألف مطرقة علي رأسه فما عاد يدري أهو ميت أم حي. سألت نفسي سؤال هل أنا حي أم أن روح أبي اصطحبت جزء من داخلي، صرت استطعم طعم الموت، أستسيغه وأتمناه لولا ذلك النحيب الذي اخترق جدران أحزاني، كان صوتها هي، كانت تبكي بغزارة، ع**ت حنانها ورفق مشاعرها، رأيت دموعًا تسري كدموعي وكأن والدها هو من مات، وكأن دموعها أوصلت رسالة لقلبي أرجوك فلت**د فأنا بحاجة إليك، هزت رأسها ثم أشارت بنظرة لوجه أبي الذي كان منيراً وضاءًا في وسطه بسمة الأحياء وكأنه الآن أصبح حيًا، عادت بسمته التي فقدها من سنوات، إنها نفس البسمة التي حلت أيامنا ورزقت السعادة لحياتنا، علمت أن الشهداء أحياء، وأن بسمة أبي هي طريقه لتلك الحياة، ووسيلة روحه لطمأنتي علي حاله، ابتسمت له ودعوت أن يدخله الله فسيح جناته، وذهبت للتحضير للجنازة بعد أن غطيت جسده بقطعة قماش بيضاء.

editor-pick
Dreame-Editor's pick

bc

التراتيرّا

read
1K
bc

لعنة المعرفة ج٢ لسلسلة لعنة الزمن

read
1K
bc

همسات بقلم العشاق.. ج٣ من الجوكر والأسطورة.. للكاتبة أية محمد

read
1K
bc

زوجتي سيئة السمعة

read
1K
bc

همس الأفاعي

read
1K
bc

القافلة

read
1K
bc

أحببت رجلًا آليًا

read
1K

Scan code to download app

download_iosApp Store
google icon
Google Play
Facebook