الفصل الأول

1926 Words
رواية: گياڼ للكاتبة: أﻧفال خالد التصنيف: عاطفية/اﺳلامية ❍❍❍❍ جالت نظراتها المُرهقة في أرجاء الغرفة ذات الجدران البيضاء والتي عُلّقت في نوافذها ستائر سماوية اللون تُمرر بعض أشعة الشمس، أنزلت رأسها في حركة رتيبة عندما شعرت بانفتاح الباب القابع خلفها والذي اص*ر صريرا مزعجا لتحرك أصابعها بشكل دائري علّها تُخفف من توتر اعصابها. جلس الطبيب في المقعد الذي يُقا**ها ووضع تقريرا أمامها ثم حمحم قائلا:«لقد ظهرت نتائج الفحص الأخير ». رفعت رأسها نحوه وقد زادت نظراتُها أرقا كأنها تخشى مما سينطق به لتهمس له بوهن:«هي بخير أليس كذلك؟». عدل الطبيب نظارته الطبية ثم شابك يديه ببعضهما كأنه يُحاول ترتيب الكلمات في رأسه قبل أن ينطق بها. ـ هي تحتاج إلى عناية أكثر، تنفسها لم يعد مٌنتظما كما كان ونبضات قلبها أيضا هُنالك احتمال لإصابتها بذ*حة ص*رية. غطت فمها براحة يدها واغتالت دمعة حاولت الفِرار من مُقلتيها لتشحن نفسها بقوة إضافية فالواجب يُحتم عليها ألا تضعُف مهما حصل لها، ملأت رئتيها بكمية وافرة من الهواء ثم سألته بهدوء ع** الضجيج الذي ألم بمشاعرها:«هل هنالك سبيل لعلاجها دون تدخل جراحي؟». ـ في الوقت الراهن... أجل يُمكن ذلك، مع الاستمرار في العلاج وعدم تعرضها لأي جهد بدني فإن حالتها ستتحسن بإذن الله. زمت شفتيها كطفلة توشك على البُكاء لكنها غطت وجهها بسرعة حتى لا يرى ضعفها ولو للحظات؛ فهي هكذا دائما لا تسمح لأحد أن يشفق عليها مهما توالت عليها المصائب بل تظل مُتماسكة كصخرة **ّاء و عندما تختلي بنفسها تسمح لهذه الصخرة بالتناثر! ـ لا تُحمّلي نفسكِ أكثر من طاقتها يُمكنك البٌكاء إن اردتِ ذلك.. خاطبها الطبيب وقد خلع عنه قناع الجدية فهو يعرفُها منذ سنوات وقد درس تصرفاتها جيدا. وجهّت إليه نظرة حادة ثم غيرت دفة الحديث بسؤاله عن الأدوية التي يجب عليها شراؤها. أخرج الطبيب قلما وورقة صغيرة من دُرج طاولته ثم بدأ بكتابة كل الأدوية المهمة وسلّمها إياها لتأخذها بقلق بدا واضحا على معالم وجهها. وقفت من مكانها بعد أن شكرته وقد تجمعت الهموم في رأسها عندما رأت الكم الهائل من تلك الأدوية، هي تعلم جيدا أن هذه الأنواع نادرة الوجود وحتى إن عثرت عليها فهي غالية الثمن وستُكلفها الكثير، أوقفها صوت الطبيب قبل أن تخرج من مكتبه فقد قال لها: ـ يُمكنني مُساعدتكِ في شراء... وقبل أن يُكمل حديثه صدته بنبرة حادة:«شكرا فأنا لا أحتاج مُساعدتك سأتدبر الأمر بنفسي». بدا أنه لم يُعجبه عنادها الزائد ليٌجيبها بهدوء: « مُساعدتي عرضُتها عليها وليس من أجلكِ، أرجو أن تُفكري في حالتها قليلا؛ فأنا أعرفكِ منذ سنوات وأُدرك تماما كم أنتِ عنيدة ومليئة بالكبرياء لهذا حادثت أحد أصدقائي في مجال الصيدلة هو سيٌساعدكِ في الحصول على جميع الأدوية بسعر مُناسب ومن دون عناء، رقم هاتفه تجدينه في أسفل الورقة ». تأملته للحظات فهي لم تتوقع هذا التصرف منه لتنزل رأسها بخجل ثم همست له بصوت مُتقطع:« شكرا » ـ هل علي أن أُذكرك كل مرة؟! لا يوجد بيننا شكر فهذا هو واجبي. خرجت بسرعة من مكتبه حتى لا يرى دموعها التي شارفت على السقوط لتهمس لنفسها بصوت باكي:«إلى متى سأظل ضعيفة وأطلب العون من الجميع؟». ـــــ ـ ـــــ ـ ـــــ ـ ـ السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله... ردد الإمام مُعلنا انتهاء صلاة العصر في أحد المساجد العتيقة المبنية في العا**ة الخرطوم وكما جرت العادة بدأ المُصلون في افشاء السلام بينهم ثم انطلق بعضهم إلى حلقات التلاوة التي تُقام في شهر رمضان المُبارك. جلس شاب كان في أواخر العشرين متوسطا احدى الحلقات ليلتف باقي المُصلين من حوله، قام بتوزيع الأجزاء فيما بينهم ليبدأ الجميع بقراءة القرآن بهمس وبعد انتهاء الختمة تفرق كل لشأنهِ لكن ذلك الشاب ظل على حاله يقرأ جزءً آخر حتى سمِع صوتا يقول له: ـ أيُها المُخادع تقرأ جزءً اضافي حتى تختم القُرآن من قبلي!. ـ ماذا تقول معاذ الله. أجابه وقد رسم ابتسامة عريضة على ثغره، كان أبيض اللون متوسط القامة يملك عينان صغيرتان بلون الليل وشعر أدهم ناعم الخُصلات وقد زيّن خده بلحية كثيفة. جلس صديقه يُوسف بجانبه ليقول له بامتعاض:« لن أسمح لك هذه المرة بختم القُرآن قبلي وإن كلفني ذلك البقاء مُستيقظا طوال الليل». أغلق مُحمد المصحف الذي يحمله في يده ثم أجاب صديقه:« أرأيت تنعتني بالمُخادع وأنت قد خصصت وقتا اضافي مُسبقا دون أن تُخبرني». ضحك يوسف بسبب فضحه لنفسه ثم سلّم عليه قائلا:« مضى وقتُ طويل منذ آخر مرة رأيتُك فيها، يا الله كان ذلك منذ خمس ساعات!». ـ إنه وقتُ طويل حقا لقد اشتقت إليك كثيرا. رد عليه مُحمد بسخرية مُناظرة. ـ لماذا ستشتاق إليّ هل أنا زوجتك مثلا؟! ـ فقط لو تتوقف عن أجوبتك المُحرجة والمُستفزة. ضحك يوسف مرة أخرى نابسا:« ما ذنبي إن كنت خجولا لهذه الدرجة». أكمل الصديقان تلاوتهما ليخرجا من المسجد ثم اتجه كل واحد منهما نحو طريقه، كان يُوسف يقود سيارته بسرعة حتى لا يُضطر إلى الافطار في الطريق فمنزله بعيد قليلا من المسجد الذي ذهب إليه، سمع صوت رنين هاتفه ليفتح مُكبر الصوت ثم وضعه جانبا. ـ يُوسـف... نطق المُتصل اسمه بغضب. ـ يا قلب يوسف ويا روحه ويا كل حياته، حاول تلطيف الجو بينهما. ـ لن يفلح كلامك المعسول معي هذه المرة، إن لم تقدر على الوصول في الموعد فأنا لن أتحدث معك أبدا. مط يوسف شفتيه بانزعاج ثم قال:« أمي أرجوكِ لقد ذهبت لتأدية صلاة العصر مع صديقي محمد». ـ محمد مرة اخرى، هل تُفضل صديقك هذا على أمك؟! هنالك مساجد كثيرة في حارتنا أيضا لو تعلم. قلّب يوسف عينيه محاولا عدم خوض أي نقاش مع والدته فذلك قد يؤدي إلى رفع صوته عليها أو قد يُفلت منه أي تأفف سيُحاسبه الله عليه وبدل ذلك ألتجأ إلى أسلوبه الساخر... ـ ما هذا يا أمي هل تغارين من محمد لهذه الدرجة؟! إن كنتِ ستغارين من صديقي هكذا فكيف إذا تزوجت! استغفر الله لن أُفكر في الأمر حتى. ـ سأُعاقبك جيدا عندما تصل إلى البيت، لكن الآن قُد بحذر حتى ترجع إليّ سالما وإياك التحدث على الهاتف. ـ تتصل بي وتأمرين بعدم استخدام الهاتف، كيف ذلك؟! سأل نفسه بتعجب ثم أغلق هاتفه. حرك أصابعه بين خُصلات شعره الكثيف والذي يُرجعه إلى الوراء دائما، كان أسمر اللون مليح القسمات يملك عينَين بُنيتَين تتوهجان مع أشعة الشمس، في الآونة الأخيرة نمت له لحية خفيفة زادت من ملامحه الرجولية وقد كان سعيد بذلك فهو يُريد أن يُطبق سنة النبي صلوات الله عليه . بعد لحظات قليلة استشعر يوسف قطرات المطر التي تساقطت على زُجاج نافذته وفجأة تحول الجو من ساخن إلى جو بارد وغائم! ـ سبحان الله! همس لنفسه وبدأ بترديد ادعية المطر. كان ينظر إلى الطريق من حوله فقد اشتد هطول الأمطار فجأة جاعلا المجاري تمتلئ بالمياه وقد انتشر الوحل في كل مكان واثناء قيادته وانشغاله بالاستغفار لاحظ امرأة باهتة الملامح، نحيفة البُنية ترتدي ثوبا أ**د وتقف في قارعة الطريق تلوح لسيارات الأجرة لكن لم تتوقف لها أي واحدة وقد لاحظ يوسف أيضا الطفلة الصغيرة التي تحملها على كتفها الأيسر وكانت تُغطيها بغطاء قُطني أبيض اللون فما كان منه إلا التوقف من أجل مُساعدتها. ـ سيدتي من الصعب ايجاد مركبة عامة في هذا الجو الماطر خاصة وانتِ تقفين في طريق فرعي، هل يُمكنني ايصالك إلى المحطة الرئيسية؟ سألها يوسف بعد أن ترجل من سيارته. التفتت إليه دُفعة واحدة وردت عليه بصوت زاجر:« لا أُريد أي مُساعدة يُمكنني تدبر أمري لوحدي». تعجب يوسف من ردها اللاذع فهو حاول مُساعدتها لا غير كما أنه صُدم من صغر سنها فهي لم تكن كبيرة كما توقع! لهذا قرر وبكل هدوء اكمال طريقه، لكن حال ركوبه في سيارته لاحظ بعض المُراهقين وهم يلتفون حولها ويبدو بأنهم أرادو سرقتها فنزل بسرعة متوجها نحوهم. ـ ماذا تُريدون أيها... وقبل أن يُكمل حديثه فروا بسرعة من المكان!. ـ هل أنتِ بخير؟ سألها بعد أن نظف حلقه ليتفاجأ من الدموع التي بللت وجهها، كانت خائفة جدا ويداها ترتجفان بشدة. هاله رؤيتها بهذا الحال ليُحادثها بنبرة هادئة: « لا داعي للخوف فهم لن يأتوا مرة أُخرى، والآن هل ستسمحين لي بإيصالكِ فأنا أخشى على طفلتكِ الصغيرة من المرض». أومأت له برأسها دلالة على مُوافقتها وتحركت من بعده، كان سيفتح لها الباب الأمامي لكنها جلست في المقعد الخلفي لذا أغلق الباب وتوجه إلى مقعده دون أن ينبس بكلمة. مضت رُبع ساعة منذ تحركه وقد كان صوت القُرآن المُنبعث من المذياع هو الصوت الوحيد حتى تحركت تلك الصغيرة وبدأت بالبكاء. ـ أرجوكِ يا رهف توقفي عن الصياح. همست تلك الشابة بصوت هادئ مُنافي لتعابير وجهها الحادة التي تُبديها منذ ركوبها معه. ـ أنا أُريد بعض الماء. ظهر صوت الصغيرة الباكي ليفتح يُوسف أحد الأدراج وأخرج منه قنينة ماء ثم أعطاها لها. ترددت تلك الفتاة في أخذها لكن ازعاج طفلتها لها جعلها تأخُذها ثم شكرته بصوت خافض. بدأت رهف في شُرب الماء حتى ارتوت ثم مددت القنينة لها قائلة بصوت طفولي: ـ اشربي بعض الماء يا أمي. ـ شكرا حبيبتي أنا صائمة. ـ وهل الرجل الذي نركب معه صائم أيضا؟ سألتها رهف بفضول. لم يقدر يوسف على كبح ضحكته ليُجيبها من فوره: "وأنا أيضا صائم، لكن هل انتِ صائمة؟" ابعدت رهف الغطاء من فوقها ومددت رأسها نحو مقعده هاتفة بحماس:" ما زلت صغيرة " **تت للحظات ثم سألته:"هل يُمكنني الجلوس في المقعد الأمامي؟" ـ بالطبع يمكنكِ ذلك. تحركت الصغيرة بسرعة لتجلس في المقعد بسعادة لكن صوت والدتها المُعاتب لتصرفها جعل مُقلتيها تمتلئان بالدموع وكأنها تستعد لعاصفة بكاء مدوية ويبدو أن الأُخرى خافت من هذهف العاصفة لترجِع عن كلامها.. ـ حسنا يُمكنكِ الجلوس ولكن بأدب ومن دون طرح أي سؤال. صفقت ابنتها بحماس و**تت للحظات كأنها تُنفذ وعدها لوالدتها ولكن ذلك ال**ت لم يدُم طويلا فقد بدأت بطرح اسئلة لا تنتهي.. ـ ما هو اسمك؟ ـ اسمي يوسف. ـ كم هو عمركِ؟ سألها هو في المُقابل. ـ عمري اربعة سنوات، وأنت كم عمرك؟ ـ ثمانية وعشرون عاما. قهقهت رهف لتُحاول اغاظته بقولها:أنت عجوز! ـ لا لستُ كذلك... اجابها بانفعال مُصطنع لتقهقه مرة أخرى وطوال فترة حديثهما لاحظ يوسف أن والدتها شاحبة الملامح ولا تُبدي أي تعبير على الرغم من لطافة ابنتها وقد كانت تنظر من خلال النافذة بعمق حتى تجمعت حولها هالة من الحُزن كأن شخصا عزيزا عليها مات في هذه اللحظة!. ـ يا أنسة لقد وصلنا.. نبهها يوسف لينتشلها من عالمها الخاص فعدلت حجابها لتُخفي توترها ثم تكلمت معه بثلاث كلمات فقط وهي:«جزاك الله خيرا». ـ واياكم... أجابها مُرسلا أنظاره بعيدا عنها. ترجلت من سيارته وفتحت الباب الأمامي لتُخرج طفلتها التي هتفت بسرعة:« هل أنت مُتأكد بأن شعري سيغدو طويلا مثل شعر أمي لو شربتُ الحليب كل يوم؟» ـ نعم أنا مُتأكد.. أجابها بعد أن ترجل هو الآخر من سيارته. انتبه يوسف إلى تغير ملامحها عند سماعها لحديث طفلتها لكنها لم تُحاول سؤاله كابحة فضولها وقد شعر بالخوف يغزوها لتبتعد عنه بسرعة بعد أن شكرته وتحركت نحو سيارة أجرة وهي عبارة عن "ركشة" خضراء ركبت فيها بعد أن اتفقت مع سائقها على سعر المشوار. وحال صعودها سألت ابنتها عن المُحادثة التي دارت بينها وبين الرجُل الغريب، لكن رهف كتفت يداها الصغيرتان وأجابتها بحزم:« إنه سر ولن أُخبركِ به»لتتعجب من تصرفها وتشعر بالقلق من أن يكون ذلك الغريب قد سألها عن أشياء لا يجب عليه أن يعرفها. تأمل يوسف الوضع من حوله فوجد حشد كبير من الأشخاص يقفون في منتصف الطريق منتظرين قدوم أي حافلة تقلهم إلى منازلهم ولكن كان الوضع صعبا جدا وقد شارفت الشمس على المغيب وفي اثناء بحثه لمح امرأة كبيرة في السن لا تقدر على اقتحام ذلك الحشد وكلما جاءت حافلة عجزت عن الركوب فيها ليذهب إليها ثم دعاها إلى الركوب معه حتى يوصلها إلى وجهتها. كانت تلك واحدة من عاداته التي يواظب على فعلها فهو يُساعد المُحتاجين كشكر لله على النعم التي أعطاها له. شكرته تلك العجوز بعد أن أوصلها ودعت له كثيرا كأنه أحد أبنائها وأثناء عودته إلى طريق منزله سمع صوت آذان المغرب ليُخلل شعره بتوتر وصورة والدته الغاضبة لا تُفارق خياله، عليه أن يُفكر في عُذر مُقنع حتى لا يُقتل على يديها!. استوقف تفكيره مجموعة من الأشخاص قاموا بإغلاق الطريق حتى لا تعبر أي سيارة فيه! وقد أدرك يوسف مأربهم فهذه احدى العادات السودانية التي يقوم فيها اهل الحي بإفطار عابري السبيل بدل أن يقود شخص سيارته بسرعة ويتسبب في حادث لنفسه. سلموا عليه بحفاوة بالغة كأنهم يعرفونه منذ سنوات ثم دعوه إلى الجلوس معهم على مأدبة الطعام فقبل دعوتهم بص*ر رحب. حل الظلام بسرعة وقد تحرك يوسف نحو منزله داعيا الله أن تغفر له والدته نكثه لوعده. يتبع... ما رأيكم بالفصل الأول من الرواية؟
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD